تتقدم قوات “سوريا الديمقراطية” أو المعروفة باختصار “قسد” تدريجيًا في غرب مدينة الرقة، تزامنًا مع معارك في أحياء داخل المدينة، إذ تجري اشتباكات في حيي حطين والصناعة والذي سيتيح السيطرة عليهما الدخول إلى وسط المدينة حيث المعركة الحقيقية مع التنظيم، وحدث اختراق أيضًا في جنوب غرب المدينة وعلى بعد 7 كيلومترات حيث لا تزال الاشتباكات متواصلة ضد التنظيم.
وكانت “قسد” قد سيطرت على 3 أحياء في أقل من يومين آخرها كان حي الرومانية من الجهة الغربية، كما لا تزال القوات الكردية تخوض اشتباكات عنيفة داخل حي حطين غربي المدينة، فضلاً عن وجود اشتباكات أخرى في مقرات الفرقة 17 العسكرية.
على صعيد آخر حصل تطور في المعركة بعد تقدم قوات الأسد والمليشيات المساندة له تقدمًا سريعًا على حساب تنظيم الدولة “داعش” بعد دخولها الحدود الإدارية لمحافظة الرقة ووصولها إلى أتستراد أثرية – الرقة الذي يحظى بأهمية استراتيجية كبيرة كونه شريان تنظيم داعش إلى المناطق الخاضعة له في ريف حماة الشرقي.
تعتبر محاولة المدنيين الخروج نحو الريف الجنوبي للرقة والخاضع لسيطرة التنظيم مغامرة خطرة لكون التحالف الدولي يستهدف أي تحركات فردية على الطرقات الموصلة إلى تلك المناطق
أول أسبوع في معركة الرقة
دخلت معركة الرقة أسبوعها الثاني بعدما حققت قوات “قسد” المتحالفة مع الولايات المتحدة الأمريكية تقدمًا ملحوظًا في المحور الشرقي والغربي من المدينة وانتزعت أربعة أحياء هي المشلب، الصناعة في الشرق، السباهية والرومانية في الغرب، وسط دلائل تشير إلى نية التنظيم جر القوات الكردية إلى داخل المدينة وخوض حرب شوارع داخلها بعد أخبار تفيد أن التنظيم يقوم على تثبيت نقاط السيطرة بالقرب من السور القديم شرقي المدينة.
وحسب المتحدثة باسم حملة “غضب الفرات” لاستعادة الرقة جيهان الشيخ أحمد، تدور اشتباكات عنيفة مع تنظيم داعش الذي يلجأ بشكل كبير إلى الألغام والقناصة ويرسل بين الحين والآخر السيارات المفخخة.
سيشهد وسط الرقة المعركة الرئيسية بين تنظيم داعش والقوات الكردية
ويرجح مراقبون أن المدينة سيطولها دمار كبير في حال تحولت المعركة إلى حرب شوارع، ومقاتلو التنظيم غير مكترثين بحجم الدمار الذي قد تخلفه المعارك نظرًا لأن المدينة ليست مدينتهم، كما أنهم يواجهون معركة وجودية كون المدينة آخر معقل لداعش في سوريا.
فالأحداث ستزداد سخونة والتقدم سيصعب، فعلى حد زعم أحد قادة قوات “سوريا الديمقراطية” أن منطقة القتال في شرقي الرقة ستكون صعبة والتقدم مئة متر نحو الأمام ربما يحتاج إلى يومين بسبب المقاومة التي تبديها قوات التنظيم، إضافة إلى حالات التمويه، فمسلحو داعش يرتدون لباسًا مدنيًا، فضلاً عن الألغام المزروعة وأعمال القنص.
وتشكل السيطرة على حي الصناعة، حسب المرصد السوري لحقوق الإنسان، بداية المعركة الحقيقية في الرقة، إذ إن قوات “سوريا الديمقراطية” ستدخل منه إلى وسط المدينة انطلاقًا من المدينة القديمة، وأكد رامي عبد الرحمن مدير المركز أن وسط المدينة سيشهد على معركة الرقة الرئيسية، وأشار إلى الأنفاق الكثيرة التي حفرها الجهاديون في هذا الجزء من المدينة حيث يتحصن عدد كبير منهم، وتعد أحياء وسط المدينة الأكثر كثافة سكانية، مما يعقد العمليات العسكرية لا سيما أن تنظيم “داعش” يعمد إلى استخدام المدنيين كـ”دروع بشرية”، حسب شهادات أشخاص فروا من مناطق سيطرته.
#التحالف_الدولي_يقصف_الرقة_بالفوسفور pic.twitter.com/Xa1Xxv2RnI
— فيصل العيسى (@btito2020) June 9, 2017
يشارك في المعركة خليط من القوات الكردية والعربية وتعد عمود تلك القوات وحدات حماية الشعب الكردية التي تعتمد عليها واشنطن، بالإضافة إلى كل من وحدات حماية المرأة الكردية وجيش الثوار وجبهة الأكراد ولواء الشمال الديمقراطي وقوات العشائر ولواء مغاوير حمص وصقور الرقة ولواء التحرير وقوات النخبة التي تتبع لرئيس الائتلاف الوطني السوري الأسبق أحمد الجربا.
داعش لجأت إلى حفر أنفاق كثيرة في وسط المدينة، حيث يتحصن عدد كبير منهم، ويعد وسط المدينة الأكثر كثافة سكانية، مما يعقد العمليات العسكرية
يذكر أن واشنطن مدت هذه القوات بأسلحة متنوعة لمساعدتها في معركتها ضد التنظيم، وكانت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) ذكرت أن الرئيس ترامب أجاز تسليح المقاتلين الأكراد في سوريا “كإجراء ضروري لضمان تحقيق نصر واضح”، علمًا أن هذه الخطوة تثير حنق الأتراك، فتسليحهم ظل مسألة مثيرة للجدل بين الطرفين في إدارة الرئيس السابق أوباما وانتقلت إلى إدارة ترامب الذي أقر بتسليح الأكراد وتخلى عن تركيا في هذا الشأن، فمن المؤكد أن هذه الخطوة تثير غضب تركيا التي تعتبر وحدات حماية الشعب إرهابية.
المدنيون هم الضحية
تزامنًا مع ما يجري على الأرض من معارك طاحنة، يمطر طيران التحالف الدولي الرقة بالقصف الجوي والمدفعي، علمًا أن المدينة لا تزال آهلة بالسكان المدنيين ويقدر عددهم بنحو 150 ألفًا، بينما كان يعيش في المدينة قبل السيطرة عليها من قبل داعش في 2014، نحو 300 ألف مدني، ومع التضييق الذي تفرضه داعش على المدنيين بمنعهم من الخروج من مدينة الرقة إلى مناطق الريف الخارجة عن سيطرتها، فيما تعتبر محاولة الخروج نحو الريف الجنوبي للرقة والخاضع لسيطرة التنظيم مغامرة خطرة لكون التحالف الدولي يستهدف أي تحركات فردية على الطرقات الموصلة إلى تلك المناطق.
#التحالف_الدولي_يقصف_الرقة_بالفوسفور pic.twitter.com/eYPLmPyEYF
— صالح (@saleh_sDs) June 9, 2017
وبين فكي داعش وضربات التحالف وقع المدنيون ضحية، حيث تتسبب غارات التحالف بمقتل المدنيين، فالغارات التي استهدفت مناطق في الأطراف الغربية لمدينة الرقة والمنطقة الفاصلة بين حيي المشلب والصناعة بالإضافة لحي السباهي ومناطق أخرى في أطراف الجزرة القريبة من نهر الفرات، تسببت بمقتل 17 شخصًا بينهم 12 قتلوا بقصف استهدف مقهى إنترنت في منطقة الجزرة، فيما وثق المرصد السوري مقتل أكثر من 60 مدنيًا في مدينة الرقة نتيجة المعارك والغارات الجوية منذ بدء الهجوم على المدينة الأسبوع الماضي.
يقدر عدد المدنيين في الرقة بنحو 150 ألفًا بينما كان يعيش في المدينة قبل السيطرة عليها من قبل داعش في 2014، نحو 300 ألف مدني
ويعاني أهل الرقة حاليًا من أوضاع معيشية صعبة، وفق ما نقلت صفحة “الرقة تذبح بصمت” على الفيسبوك نتيجة انقطاع الكهرباء والنقص في المياه وإغلاق المحال التجارية وخاصة الأفران.
واستخدمت قوات التحالف الفوسفور الأبيض أكثر من مرة في قصفها على المدينة، حيث نشر نشطاء عبر مواقع التواصل الاجتماعي صورًا ومقاطع فيديو لغارات التحالف على شرق وغرب الرقة باستخدام قنابل الفوسفور الأبيض.
وسط مدينة الرقة يتعرض يوميًا لقصف مكثف من مدفعية قوات “سورية الديمقراطية” وطيران التحالف الدولي، وهو ما يؤدي أيضًا إلى مقتل مدنيين أغلبهم أطفال ونساء، وحسب مصادر إعلامية فقد تأكد فناء عائلات بأكملها تحت ركام منازلها، فيما عمد الأهالي إلى تحويل حديقة جامع الرقة القديم إلى مقبرة يدفنون فيها قتلي القصف لتعذر وصولهم إلى مقابر المدينة جراء الاشتباكات الدائرة في المدينة، ويؤدي القصف المدفعي والغارات الجوية المكثفة إلى تدمير ما تبقى من معالم المدينة ومرافقها الحيوية.
في هذا السياق دعت منظمة “هيومن رايتس ووتش”، أمس الثلاثاء، التحالف الدولي وقوات “سورية الديمقراطية” إلى جعل حماية المدنيين واحترام حقوق الإنسان من الأولويات في أثناء استرداد الرقة من تنظيم داعش، وطلبت المنظمة اتخاذ كل الاحتياطات الممكنة لتفادي الخسائر في صفوف المدنيين وتوفير المرور الآمن للمدنيين الفارين وتقديم الدعم الكافي للنازحين.
يبدو أن المعركة لا تزال في بدايتها والعمر الزمني لها سيطول مع مواصلة تصدي “داعش” لكل محاولات التقدم، بالإضافة إلى تحصنهم في المدينة بشكل كبير، وفي ظل عدم قدرة المدنيين على الخروج من المدينة سيكون مصير المدنيين طول فترة المعركة الأصعب على الإطلاق بسبب قصف التحالف الدولي وممارسات داعش والمعارك الدائرة.