خلال السنوات الماضية لم تهدأ جهود العلماء في البحث عن حل للشيخوخة، والتي تعتبر الهاجس الأكبر لمعظم الناس لأنها تعيق حياة الفرد اليومية، ويتنبأ الباحثون بحدوث ثورة في حياة الإنسان في حال الحصول على نتائج تؤكد اكتشاف حلول لهذه المرحلة العمرية، المدهش في الأمر أن نتائج احتمال إطالة عمر الإنسان لن تكون فقط بإضافة سنوات معدودة إلى عمره بل زيادة مئات السنين، استنادًا إلى ما قاله رئيس استثمارات جوجل بيل مارس: “إن كنت تسألني هل من الممكن العيش لعمر 500 سنة، فالجواب هو نعم”.
إن الأمر لا ينطوي فقط على الإنسان، فمن المذهل معرفة أن هناك كائنات نباتية وحيوانية بحرية لا تموت، أي أنها خالدة ويصل عمرها إلى آلاف السنين، مثال على هذه الكائنات المعدودة سرطان البحر الناسك الأمريكي، أشجار الصنوبر، الهيدرا، السمكة الرئوية، بعض أنواع القناديل البحرية.
من المعروف أن الشيخوخة مرحلة حتمية في دورة حياة كل الكائنات الحية، لكن هذه المعلومة ليست صحيحة تمامًا، لوجود كائنات متحدية الشيخوخة ومستمتعة في مرحلة الشباب.
قناديل البحر
لاحظ العلماء أن قنديل البحر من فصيلة “توريتوبسيس” قادر على تجديد خلاياه بنفسه، بحيث يعود إلى مرحلة الشباب أو البلوغ ومرارًا وتكرارًا دون المرور في مرحلة الشيخوخة، وبما أن قناديل البحر تمر بمرحلتين نمو، إذ إنها تمر بفترة ما قبل النضوج ثم النضوج عندما يكون القنديل قادر على التكاثر وإنتاج قناديل بحر أخرى ثم الموت.
إن هذا المخلوق لا يتعدى قطره 4 أو 5 مليميترات، ويتكاثر بشكل لا جنسي بمعنى أنه لا يحتاج إلى شريك للتكاثر، لكن ما يميز هذه الكائنات عن غيرها أنها تستطيع المرور بهذه المرحلة بشكل عكسي، أي أنها مجرد أن تصل إلى مرحلة البلوغ يمكنها العودة لمرحلة عدم البلوغ أو النضوج مرة أخرى، وهكذا فإنها لا تصل إلى مرحلة الشيخوخة وبالتالي لا تموت دون ظروف قاتلة أو أعداء، ويعتبر الكائن الوحيد المعروف بقدرته على العودة إلى مرحلة ما قبل النضوج.
السمكة الرئوية lungfish
من أقدم الفصائل الموجودة على وجه الأرض الآن، لا تختلف بشيء عن باقي الكائنات الأخرى وإنما تعتبر الأقوى في تحمل معايير وظروف الجفاف الموسمية، فهي تدفن نفسها عميقًا تحت الأرض وتفرز مادة مخاطية حولها لتحافظ على الرطوبة والماء في جسدها لأطول فترة ممكنة وبهذه الطريقة يمكن أن تنجو من ظروف الحياة الصعبة.
السمكة الرئوية تبقى مختبئة داخل الطوب أو تحت الأرض حتى يأتي المطر وتدب الحياة مرة أخرى فيها لتحرك عضلاتها وتسحب نفسها إلى المياه بعد سنين.
يعيش هذا النوع من السمك في جنوب إفريقيا مما يجعله معرضًا للجفاف، وبالنسبة للأسماك فإن جفاف المصادر المائية يعني موتها لا محال، لكن هذا الحال لا ينطبق على السمكة الرئوية التي يمكنها العيش دون ماء لمدة أربع سنوات. عرض فيلم وثائقي على قناة “بي بي سي” أن جسد السمكة الرئوية يحتوي على أكياس قابلة للانتفاخ وتخزين الأكسجين في منطقة البطن تحديدًا، ولتوسيعها تبتلع السمكة الوحل ثم تخرجه من خلال الخياشيم، لتوفير مساحة إضافية من حولها تسمح لها بتجديد الهواء.
على الرغم من طول سنوات الجفاف في إفريقيا، فإن السمكة الرئوية تبقى مختبئة داخل الطوب أو تحت الأرض حتى يأتي المطر وتدب الحياة مرة أخرى فيها لتحرك عضلاتها وتسحب نفسها إلى المياه بعد سنين.
سرطان البحر الأمريكي الناسك
يقول العلماء إن سرطان البحر يحتوي على مادة كيميائية تجعل منه كائنًا خالدًا بيولوجيًا، إلا أنه معرض للموت بسبب الهجمات الخارجية.
السبب الأول في منع الشيخوخة من التقرب من سرطانات البحر هو إنزيم “التيلوميريز” الذي يمنع الحمض النووي في خلايا سرطان البحر من التلف ما يجعلها تجدد حيويتها من جديد، بناءً على هذا الاستنتاج يعتقد العلماء أن نقصان هذا الحمض النووي في الخلايا سبب الشيخوخة الرئيسي ويمكن منع هذا الحمض من التآكل عن طريق التيلوميرات التي يمكن أن تساعد في استنساخ الخلايا على الدوام.
الهيدرا
حيوان صغير الحجم يشبه قنديل البحر، هذا النوع من المخلوقات يموت سريعًا لكن حافظ أحد العلماء على حياة هذا الحيوان لمدة 4 سنوات، المثير للذهول أن الهيدرا بقيت يافعة أو فتية كاليوم الأول من التجربة ولم يبد عليها أي ملامح للشيخوخة، وهذه الخلاصة تجعلها أحد الكائنات الخالدة بيولوجيًا.
هذا النوع من المخلوقات يحتوي على الكثير من الخلايا الجذعية في تكوينها، وتكون هذه الخلايا السر في استمرار شبابها.
يعود لغز حيويتها المستمرة إلى الخلايا الجذعية التي تعيد بناء أو إنماء أجزاء كبيرة من جسم الهيدرا، سبب آخر هو طريقة تكاثرها الانشطارية، فهي لا تتكاثر جنسيًا بل تنقسم وتخلق نسخ أخرى منها، فضلًا عن أن هذا النوع من المخلوقات يحتوي على الكثير من الخلايا الجذعية في تكوينها، وتكون هذه الخلايا السر في استمرار شبابها.
الأشجار
تعيش الأشجار حتى أعمار طويلة جداً ومن الطبيعي أن تكون خلايا هذه الكائنات مصابة بالتلف أو الشيخوخة، إلا أن وجود الخلايا الجذعية في تكوينها يحميها من الهرم، خاصة أن هذه الخلايا دائمة الانقسام فتساعد الأشجار على التجدد والاخضرار الدائم. تصل اعمار أنواع معينة من الأشجار إلى 4000 سنة، وقد تبدو هذه الكائنات قديمة أو كبيرة العمر إلا أنها تبقى خالدة بيولوجياً وتستمر فيها العمليات الحيوية.
أشجار البريستلكون هي من الكائنات المعمرة والموجودة منذ القدم وحافظت على وجودها بالرغم من كل الظروف البيئية والمناخية التي مرت بها على مدار السنين. وتعتبر من الأشجار المثالية جينياً، إذ يصل عمر أقدم شجرة من هذا النوع إلى 5000 سنة.
كما يذكر أن العلماء وجدوا أن أشجار الصنوبر تشبه الأشجار المعمرة في ارتفاعها والتربة التي تنمو فيها، وبناء على هذا فإن الأبحاث مازالت تدرس إن كانت أشجار الصنوبر ستنجو وتتأقلم مع عوامل البيئة المختلفة لتنضم إلى فئة الأشجار المعمرة أما لا.