من منا لا يذكر الاحتلال السوفيتي في أفغانستان والذي دام منذ ديسمبر 1979 وحتى فبراير 1989، في حرب طاحنة بين المقاومة الأفغانية وما عرف حينها بالمجاهدين الأفغان والمجاهدين العرب من جهة، والقوات السوفيتية من جهة أخرى، حيث طوال تلك السنوات كانت الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة العربية السعودية تدعم بكل أنواع السلاح والعتاد “المجاهدين” هناك.
وعندها، رأت السعودية أن الاتحاد السوفياتي يخطط لتطويق أراضيها عبر قوس يمتد من اليمن الجنوبي في جنوب الجزيرة العربية والحبشة بدعم الحكومة العسكرية اليسارية في الصراع على إقليم أوغادين ومحاربة المقاتلين في إريتريا، فقامت بدور كبير في إرسال الراغبين في القتال بأفغانستان من مواطنيها وغيرهم بتوفير تذاكر سفر وخطوط الطيران الدائم إلى بيشاور وإسلام آباد، كما دفعت هيئات الإغاثة السعودية إلى العمل في بيشاور وأفغانستان لصالح العرب والأفغان.
وفي يناير ١٩٨٠ قامت المملكة العربية السعودية بتقديم نحو 800 مليون دولار إلى باكستان لدعمها في مناصرة المجاهدين الأفغان، وذلك بعد عام من الغزو السوفيتي لأفغانستان.
حيث سارعت السعودية بتوفير الأموال الكافية لدعم الأفغانيين، وفتحت أبواب الدعوة للجهاد في أفغانستان، أمام عشرات الآلاف من السعوديين والعرب للقتال في تلك البلاد، وأصبحت الدعوة للجهاد على المنابر والإذاعات والصحف، وبدعم رسمي كامل.
موّلت السعودية بشكل كبير المجاهدين في الحرب ضد السوفييت في الثمانينيات، وبعد هذه الحرب استمرت في صب أموالها بشكل مهول في كابول، حتى أن حليفها الولايات المتحدة اتهمها بدعم أطراف ضد أطراف بعينها وإشعال حروب لا تنتهي هناك بعد خروج الاتحاد السوفييتي حتى ظهور ما يعرف بتنظيم القاعدة في منتصف التسعينيات.
كان الشيوخ والأمراء السعوديون يصرفون بسخاء، ويقدمون المبالغ النقدية الضخمة لمختلف الجماعات الجهادية في أفغانستان، ومن بين هؤلاء الأمير الشاب آنذاك، الملك حاليًا، سلمان بن عبد العزيز
هذه الأموال التي بلغت مئات الملايين من الدولارات في فترة الثمانينيات تم نقلها إلى حسابات خاصة مملوكة للجماعات الجهادية في أفغانستان عبر وكالة المخابرات المركزية الأمريكية، بحسبما أكدت ذلك كثير الصحف الأمريكية.
وكان الشيوخ والأمراء السعوديون يصرفون بسخاء، ويقدمون المبالغ النقدية الضخمة لمختلف الجماعات الجهادية في أفغانستان، ومن بين هؤلاء الأمير الشاب آنذاك، الملك حاليًا، سلمان بن عبد العزيز.
الامير فيصل بن فهد يوجه بدعم المجاهدين الأفغان
حيث كلف الملك الراحل خالد بن عبد العزيز آنذاك الأمير سلمان (أمير منطقة الرياض)، بإنشاء هيئة لدعم وجمع الأموال لصالح الجهاد في أفغانستان، حيث كان سلمان جامع التبرعات الرئيسي للمجاهدين الإسلاميين في أفغانستان في الثمانينيات، وكذلك للمجاهدين البوسنة أثناء صراعات البلقان في التسعينيات. أي أنه عمل كركيزة للدعم المالي للجهاديين في الحروب التي خاضتها السعودية بالوكالة خارج أراضيها.
وبصفته حاكما للرياض لفترة طويلة، كان سلمان مسؤولا عادة عن الحفاظ على النظام والتوافق بين أعضاء العائلة المالكة. ونتيجة لذلك اختاره أخوه غير الشقيق الملك خالد (الذي حكم السعودية من العام 1975 حتي العام 1982) أثناء فترة الصراع الأفغاني ليستغل نفوذه العائلي من أجل أهداف دولية، فنصبه مديرًا للجنة جمع التبرعات من العائلة المالكة والسعوديين لدعم المجاهدين ضد السوفييت.
هيئة ملكية سعودية بقيادة سلمان لدعم الجهاد بأفغانستان
إلى ذلك، فقد أدى دعم السعودية للمقاتلين في أفغانستان بالنهاية إلى نتائج عكسية عندما عاد المجاهدون إلى ديارهم واصطدموا بالأنظمة هناك التي اختلفت مصالحها، فالسعودية التي فتحت المجال لخزان بشري كامل من المقاتلين بالذهاب لأفغانستان والقتال فيها، أصبحت متّهمة بأنها هي من وضعت حجر الأساس لتهديدات تنظيم القاعدة التي تنامت في التسعينات وما بعد الـ2000، والتي أصبحت خطرًا دوليًا يهدد العالم أجمع.
أسامة بن لادن يهاجم ملوك وأمراء السعودية
وخلال السنوات الأخيرة، بات هناك سؤال يطرح بقوة بين السعوديين، بعد صدور أوامر ملكية في السعودية تجرم مشاركة أي سعودي في “أعمال قتالية خارج المملكة بأي صورة كانت”، حيث سبق للسعودية تحذير مواطنيها خلال حرب العراق الأخيرة والأزمة السورية من سفر الشباب إلى هناك ووصفت تلك البلدان والمناطق بمواطن الفتن، وكانت على الدوام تعتقل كل من يحاول الذهاب إلى هناك أو يعود من هناك. فما الذي تغيّر؟ هل كان الجهاد حلالاً عندما التقت المصالح بين السعوديين والأميركيين في أفغانستان، وأضحى حراماً عندما لم تعد هناك أي فائدة أو مصالح؟
السعودية تتهم دولة قطر ضمن الحملة التي تشنها عليها والحصار المفروض منذ نحو 10 أيام، بأنها تدعم منظمات إرهابية تشكل خطرًا على السعودية ودول المنطقة والعالم، في حين نسيت السعودية كيف موّلت هذه التنظيمات وبنتها وأسست نواتها بمئات الملايين من الدولارات منذ نحو ثلاثة عقود من الزمن
بصرف النظر عن اتهام قطر اليوم بالانحياز إلى إيران، تتهم السعودية وحلفاؤها الدوحة أيضا بدعم الجماعات الإرهابية، مثل تنظيم الدولة وجبهة النصرة وحركة طالبان وغيرها التنظيمات الإسلامية. حتى وصل ذروة الأمر مع السعودية وحلفها بإعلان قوائم إرهابية تضم شخصيات قطرية وعربية، ومؤسسات خيرية قطرية تقدم المساعدات لعشرات الدول حول العالم.
السعودية تتهم دولة قطر ضمن الحملة التي تشنها عليها والحصار المفروض منذ نحو 10 أيام، بأنها تدعم منظمات إرهابية تشكل خطرًا على السعودية ودول المنطقة والعالم، في حين نسيت السعودية كيف موّلت هذه التنظيمات وبنتها وأسست نواتها بمئات الملايين من الدولارات منذ نحو ثلاثة عقود من الزمن.
كثيرون يتساءلون الآن، هل كان الدعم السعودي على سبيل المثال لحركة طالبان والقاعدة بعدها آنذاك نوع من أنواع “الإرهاب”؟ فإن كان كذلك فهل هو الإرهاب المسموح أو المباح؟
وإذا كنا نعيش في عصر المفارقات، فهل نسيت السعودية دعمها وتمويلها بمئات الملايين من الدولارات لجماعة الحوثي والرئيس اليمني المخلوع علي عبد الله صالح، لكي لا يسمحوا للإسلاميين وأبناء الثورة اليمنية بالوصول للحكم في بلادهم عن طريق صناديق الاقتراع وبحكم الشعب.
وإذا كان ترامب قد وقف اليوم مهاجمًا قطر متهمًا إياها بدعم جماعات إرهابية جهادية، مؤكدًا بذلك الرواية السعودية الإماراتية، فنود التذكير هنا بأن من صنع الإرهاب هذا وأنشئ هذه الحركات والتنظيمات هي وكالة المخابرات الأمريكية، وهذا ليس كلامنا، أو مجرد ادعاءات فارغة لا أساس لها من الصحة، بل هو كلام وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة هيلاري كلينون.
“دعونا نتذكر هنا أن أولئك الذين نقاتلهم اليوم نحن من قمنا بدعمهم يومًا ما قبل 20 عامًا. فعلنا ذلك لأننا كنا عالقين في صراع مع الاتحاد السوفيتي، ولم يكن بإمكاننا أن نسمح لهم بالسيطرة على آسيا الوسطى”.
هذا الاقتباس ليس جزءًا من قطع المذكرات المختلقة لـ”هيلاري كلينتون”، لكنه مقطع فيديو منقول عن شبكة “سي إن إن” الإخبارية الأمريكية. حيث تضيف “كلينتون”: “بمباركة الرئيس ريجان وبموافقة الكونغرس بقيادة الحزب الديموقراطي، قمنا بالتعامل مع المخابرات الباكستانية ودعمنا تجنيد هؤلاء المجاهدين من السعودية وأماكن أخرى.. استوردنا العلامة الوهابية للإسلام حتى نستطيع الإجهاز على الاتحاد السوفيتي”.
وهنا تؤكد “كلينتون”: “في النهاية انسحب السوفييت، لم يكن استثمارًا سيئًا فقد أسقطنا الاتحاد السوفيتي، ولكن علينا أن نوقن أن ما نزرعه فسوف نحصده”.