ترجمة وتحرير: نون بوست
في 8 من يونيو/ حزيران، وفي الوقت الذي اجتاحت فيه موجة من الدهشة صفوف بعض المسؤولين في واشنطن على خلفية شهادة مدير مكتب التحقيقات الفدرالي السابق، جيمس كومي، كانت مجموعة صغيرة من أعضاء مجلس الشيوخ من ممثلي الحزبين تخطط لإجراء تصويت على مسألة تحظى بموافقة من قبل مسؤولي واشنطن، ألا وهي مبيعات الأسلحة الموجهة للمملكة العربية السعودية.
ومن المتوقع أن يتم التصويت، يوم الثلاثاء، على صفقة بيع أنظمة أسلحة جوية أمريكية الصنع، التي تعتبر جزءا من سلّسلة صفقات أبرمتها إدارة ترامب خلال زيارة الرئيس الأمريكي للرياض في مايو / أيار، في إطار أول زيارة رسمية له إلى الخارج. وتقدر قيمة هذه الصفقات بحوالي 110 مليار دولار، علما وأنها تشمل بيع قنابل بيفواي بقيمة 350 مليار دولار. ومن المثير للاهتمام أن هذه القنابل قد تم منع بيعها من قبل إدارة أوباما، خلال شهر كانون الأول/ ديسمبر، خوفا من أن تستخدمها الرياض في الحرب التي تقودها في اليمن، مما قد يؤدي إلى مقتل المدنيين هناك.
من وجهة نظر السعوديون، يعد رفض أوباما بيع قنابل البيفواي للرياض بمثابة آخر زلة ارتكبها خلال عهده. وفي هذا السياق، صرح رئيس التحرير السابق لصحيفة “الشرق الأوسط”، التي يمتلكها أفراد العائلة المالكة السعودية، في حوار أجراه مع صحيفة نيويورك تايمز، قبل زيارة ترامب أن “أي رئيس جديد لا بد أن يكون أفضل من الرئيس أوباما، نظرا لأنه، وبالنسبة لنا، لا أحد أسوأ من أوباما”.
لم تبد المملكة العربية السعودية فقط معارضتها بشأن هذا الاتفاق الذي يضفي شرعية على نشاطات طهران النووية، بل شاركها الرأي الكثير من الوجوه السياسية في واشنطن، لعل أبرزهم نائب مستشار أوباما للأمن القومي، بن رودس
على الرغم من الخدمات التي قدمتها إدارة أوباما للمملكة العربية السعودية على غرار تعزيز القدرات الاستخباراتية للمملكة عن طريق وكالة الأمن القومي، وتوقيع 42 صفقة أسلحة منفصلة، بقيمة تتجاوز 115 مليار دولار، على امتداد 8 سنوات، في سابقة من نوعها بالنسبة للإدارة الأمريكية، إلا أن ذلك لم يشفع لإدارة أوباما. فبالنسبة للسعوديين، يعتبر الاتفاق الذي أبرمه أوباما مع إيران، عدوهم اللدود، مقابل رفع العقوبات المفروضة وفرض قيود صارمة على البرنامج النووي الإيراني، خطأ جسيما لا يمكن تجاوزه.
في الحقيقة، لم تبد المملكة العربية السعودية فقط معارضتها بشأن هذا الاتفاق الذي يضفي شرعية على نشاطات طهران النووية، بل شاركها الرأي الكثير من الوجوه السياسية في واشنطن، لعل أبرزهم نائب مستشار أوباما للأمن القومي، بن رودس.
من جانب آخر، كانت زيارة ترامب للمملكة العربية السعودية، التي انتهت بمشاركة الرئيس الأمريكي في رقصة العرضة التراثية خير دليل على تأييده للتحالف الأمريكي السعودي الذي توارثه الملوك السعوديين جيلا بعد جيل، وكل الرؤساء الأمريكيين الذين تعاقبوا على حكم الولايات المتحدة الأمريكية. وفي الأثناء، تمثل صفقات بيع الأسلحة حجر الأساس في صلب العلاقات طويلة الأمد والوثيقة التي تربط بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية، فضلا عن جميع التحالفات الأمريكية في الشرق الأوسط.
خلال الفترة الممتدة بين سنة 2008 إلى 2015، تصدرت المملكة العربية السعودية لائحة الدول النامية المستوردة للأسلحة الأمريكية. فقد بادرت الرياض بتوقيع صفقات شراء أسلحة بقيمة 93.5 مليار دولار
ففي سنة 2015، صنفت السعودية من بين أكبر ثلاث موردين للأسلحة في العالم النامي على المستوى الدولي. وقد تصدرت قطر هذا الترتيب بواردات بلغت قيمتها 17.5 مليار دولار، في حين قدرت قيمة الواردات المصرية من الأسلحة بحوالي 11.9 مليار دولار، لتحتل المملكة العربية السعودية المرتبة الثالثة بما يناهز 8.6 مليار دولار.
خلال الفترة الممتدة بين سنة 2008 إلى 2015، تصدرت المملكة العربية السعودية لائحة الدول النامية المستوردة للأسلحة الأمريكية. فقد بادرت الرياض بتوقيع صفقات شراء أسلحة بقيمة 93.5 مليار دولار. وفي شأن ذي صلة، أكد الباحث، بروس ريدل من معهد بروكينغز أن تطور العلاقات الأمريكية السعودية بشكل ملحوظ بفضل سياسة ترامب، مجرد “ادعاءات وهمية”. ففي الواقع، تعد سياسة ترامب الخارجية امتدادا لسياسة أوباما.
عموما، تواصلت صفقات الأسلحة، التي غالبا ما يتم دعمها من خلال الإعانات الأمريكية التي تعرف باسم “التمويل العسكري الأجنبي”، على الرغم من السجلات الحافلة بالانتهاكات الصارخة لحقوق الإنسان من قبل الجهات المتلقية للأسلحة. فقد تورطت الكثير منها في قضايا التعذيب، والاختفاء القسري، والقتل خارج إطار القضاء. ولعل أبرز مثال على ذلك ما قام به الجيش المصري خلال الحملة التي شنها ضد تنظيم الدولة في شبه جزيرة سيناء، فضلا عن جرائم الحرب التي ارتكبها التحالف الذي تقوده السعودية، نتيجة للقصف المستمر الذي يستهدف القوات الحوثية في اليمن.
من جهتهم، أورد مؤيدو هذه الصفقات أنه “وعلى الرغم من أن هذه الحكومات قد تكون دكتاتورية، إلا أنه وفي حال لم تمكنها الولايات المتحدة الأمريكية من الأسلحة، ستلجأ للتعامل مع الروس أو الصينيين أو الفرنسيين. ومن هذا المنطلق، ومن خلال بيع أسلحتنا لهذه الحكومات سنتمكن من معرفة المجالات التي تستخدم فيها أسلحتنا، فضلا عن أنه ستتاح لنا فرصة الاطلاع على إستراتيجيات عمل جيوشهم العسكرية. في المقابل، وفي حال اندلعت حرب بين جهات دولية، سوف نكون قادرين على العمل بشكل وثيق مع عملائنا، خاصة وأنهم سيعتمدون التكنولوجيا التي ابتكرناها بأنفسنا”.
الإنفاق في مجال توفير الطاقة النظيفة والرعاية الصحية كفيل بأن يخلق وظائف تزيد بنسبة 50 بالمائة عن المبلغ الذي تنفقه الإدارة الأمريكية على الجيش”، في حين أن الإنفاق في مجال التعليم من شأنه أن يخلق ضعف الوظائف المتاحة
وفي سياق متصل، أفاد نائب مساعد وزير الدفاع السابق لسياسة الشرق الأوسط في إدارة أوباما، أندرو إكسوم، خلال حوار أجراه مع صحيفة الأتلانتيك أن “السياسيين التقدميين ينبغي أن يعملوا على ضمان استمرار توقيع صفقات بيع أسلحة، نظرا لأن صناعة الدفاع الأمريكية توفر مواطن شغل لمئات الآلاف من الأمريكيين، الأمر الذي يدر على “الملايين منهم” قوت عيشهم. وقد يكون هذا الأمر مجالا آخر تتخلى فيه النخب التقدمية عن الناخبين الذين يرغبون في استعادة السيطرة على الكونغرس ومجالس الولايات، وحتى الرئاسة”.
في المقابل، لا توفر مبيعات الأسلحة مواطن الشغل الكافية التي قد تغطي حجم المخاطر والمخاوف التي تترتب عنها. ووفقا لدراسة أعدّها معهد واطسون للدراسات الدولية في جامعة براون الأمريكية التي تطرقت خلالها إلى “مشروع تكاليف الحرب”، فإن الإنفاق في مجال توفير الطاقة النظيفة والرعاية الصحية كفيل بأن يخلق وظائف تزيد بنسبة 50 بالمائة عن المبلغ الذي تنفقه الإدارة الأمريكية على الجيش”، في حين أن الإنفاق في مجال التعليم من شأنه أن يخلق ضعف الوظائف المتاحة.
من المتوقع أن توفر صفقة بوينغ، التي تشمل بيع 30 طائرة ركاب إلى إيران، 18 ألف موطن شغل في الولايات المتحدة. من جانبها، أكدت شركة “لوكهيد مارتن” الأمر ذاته، إثر بيع أنظمة الدفاع الجوي، والصاروخي والسفن المقاتلة فضلا عن الطائرات التكتيكية لفائدة المملكة العربية السعودية. ولكن الفرق الوحيد أن طائرات الركاب التي تم بيعها لإيران لن تستخدم بهدف قصف المدنيين في اليمن. وحين سئلت شركة بوينغ أو رايثيون أو لوكهيد مارتن من قبل صحيفة واشنطن بوست، لم تكن على استعداد لتقديم أرقام تقريبية بشأن عدد الوظائف التي من المحتمل أن تؤمنها اتفاقيات ترامب مع الرياض.
دأب أنصار صفقات بيع الأسلحة الأمريكية لفائدة الحكومات الفاسدة على ترديد العبارات الجوفاء ذاتها: “إن هذا الأمر يثقل ضمائرنا، ولكن لا يمكننا أن ننكر أنه يدر علينا مرابيح طائلة والعديد من الفوائد”
بالنسبة لمصر، وخلافا للأسباب المثيرة للسخرية التي علل من خلالها مؤيدو مبيعات الأسلحة الأمريكية الصفقات التي تربط واشنطن بالحكومات الدكتاتورية، لم تتوفر أي من المعايير الآنف ذكرها فيما يتعلق بمجالات استخدام الأسلحة في مصر. ففي الغالب، يعجز المسؤولون الأميركيون عن معرفة سبل ومجالات استخدام الجيش المصري للأسلحة الأمريكية في سيناء. وفي هذا الصدد، كشف مقطع فيديو تم تسريبه خلال شهر أبريل / نيسان، صورا للجيش المصري وقوات الميليشيات وهم بصدد توظيف السيارات العسكرية الأمريكية من نوع “هامفي” لنقل العديد من الرجال من سيناء إلى أماكن أخرى حيث سيتم تنفيذ حكم الإعدام في حقهم.
وفي شأن ذي صلة، أصبح من الخطير جدا المزايدة بشأن القيم والمبادئ الأخلاقية وفقا لما تقتضيه المصلحة. وفي هذا الإطار، دأب أنصار صفقات بيع الأسلحة الأمريكية لفائدة الحكومات الفاسدة على ترديد العبارات الجوفاء ذاتها: “إن هذا الأمر يثقل ضمائرنا، ولكن لا يمكننا أن ننكر أنه يدر علينا مرابيح طائلة والعديد من الفوائد”.
من الناحية النظرية، كانت القوانين في الولايات المتحدة، منذ أكثر من نصف قرن، تصب في مصلحة تعزيز القيم الأخلاقية وحقوق الإنسان. وفي هذا الصدد، أصدر الكونغرس قانون المساعدة الخارجية خلال السنة الأولى من إدارة كينيدي، الذي بموجبه تحظر المساعدة الأمنية لأي حكومة “تتورط في انتهاكات ممنهجة وجسيمة لحقوق الإنسان المعترف بها دوليا”. وفي الأثناء، ينبغي أن تُقدم المساعدة الأمنية الأمريكية، التي أقرها الكونغرس في ذلك الوقت، في إطار دعم حقوق الإنسان مع الحرص على تجنب التورط في الجرائم التي ترتكبها الحكومات المستبدة.
إثر مرور 15 سنة، قام الكونغرس بتمرير قانون تصدير الأسلحة، الذي يتضمن إجراءات تفصيلية فيما يتعلق بعملية تنظيم مبيعات الأسلحة الأمريكية. ووفقا لهذا القانون، يجب أن يقتصر الغرض من هذه المبيعات على ثلاثة مجالات فقط. في المقام الأول، تأمين الدعم على مستوى الأمن الداخلي للدول الصديقة، فضلا عن الدفاع المشروع عن النفس، أو المشاركة في العمليات التي تفرضها الأمم المتحدة.
من المثير للاهتمام أنه، وقبل 20 سنة، اقترح السيناتور الديمقراطي، باتريك ليهي تعديل قانون المساعدة الخارجية، بحيث تُمنع الولايات المتحدة الأمريكية من تدريب أو تجهيز أي وحدة من قوات الأمن الأجنبي، في حال كانت توجد “أدلة موثوقة” تثبت ارتكاب هذه البلاد “لانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان”
ومن المثير للاهتمام أنه، وقبل 20 سنة، اقترح السيناتور الديمقراطي، باتريك ليهي تعديل قانون المساعدة الخارجية، بحيث تُمنع الولايات المتحدة الأمريكية من تدريب أو تجهيز أي وحدة من قوات الأمن الأجنبي، في حال كانت توجد “أدلة موثوقة” تثبت ارتكاب هذه البلاد “لانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان”.
في الواقع، فشلت كل هذه القوانين في كبح جماح تدفق الأسلحة الأمريكية إلى الحكومات المستبدة، وخاصة في المناطق التي تشهد صراعات متنامية ضد تنظيمي القاعدة، وتنظيم الدولة. وفي هذا الصدد، أورد ضابط متقاعد في الجيش، يدعى، مايكل نيوتن، الذي يشغل منصب أستاذ في كلية الحقوق في جامعة فاندربيلت، حجة مقنعة قدمها لصالح مركز حقوق الإنسان التابع لنقابة المحامين الأمريكيين، ذكر من خلالها أنه “واستنادا إلى مختلف الانتهاكات التي ترتكبها المملكة العربية السعودية على الصعيدين المحلي والدولي، تنتهك مبيعات الأسلحة إلى هذا البلد شروط قانون المساعدة الخارجية وقانون تصدير الأسلحة الأمريكي”.
وأضاف نيوتن أن “السعودية تقدم على ارتكاب العديد من الانتهاكات الجلية للعيان الأمر الذي يتطلب وقف مبيعات الأسلحة بشكل فوري بموجب قانون المساعدة الأجنبية”. والجدير بالذكر أنه، وحتى قانون “ليهي” الذي يُمكّن، نظريا، وزارة الخارجية من حظر المساعدات للقوات الأجنبية الظالمة، بالاعتماد على الأدلة الظرفية للانتهاكات، يحتوي على العديد من الثغرات.
في سنة 2016، كشف تقرير قدّمه مكتب المساءلة الحكومية الأمريكي، حول المساعدات العسكرية التي تقدم لمصر، أن وزارة الخارجية قد تقاعست عن تسجيل انتهاكات حقوق الإنسان التي ارتكبتها قوات الأمن المصرية في قاعدة بياناتها الداخلية. في الوقت ذاته، كانت تفتقر للمخططات التنظيمية اللازمة لتحديد الوحدات المصرية التي تعتبر أساس المشكلة، والتي تستغل المساعدات الأمريكية لتنفيذ مخططاتها الخالية من الإنسانية.
في الوقت الذي بثت فيه تصريحات كومي الأمل في صفوف الديمقراطيين التي توحي بإمكانية حدوث نهاية سابقة لأوانها لإدارة ترامب، سلطت صفقة الأسلحة التي أبرمها ترامب مع المملكة العربية السعودية الضوء على الضغوط العميقة التي تمارسها بعض الأطراف على الساحة السياسة الأمريكية، التي يبدو أنها أخذت تميل باتجاه ترامب
من الناحية العملية، بالكاد يملك مكتب الديمقراطية وحقوق الإنسان والعمل، الذي تقع على عاتقه مسؤولية التدقيق في صفقات الأسلحة التي تبرمها الحكومة، بموجب قانون ليهي، القوى العاملة لفحص مليارات الدولارات من مشتريات الأسلحة التي تقدمها واشنطن في شكل تمويل عسكري أجنبي. ومن هذا المنطلق، يمكن القول إن مبيعات الأسلحة لا تخضع لأي إشراف أو مراقبة تقريبا.
في الوقت الذي بثت فيه تصريحات كومي الأمل في صفوف الديمقراطيين التي توحي بإمكانية حدوث نهاية سابقة لأوانها لإدارة ترامب، سلطت صفقة الأسلحة التي أبرمها ترامب مع المملكة العربية السعودية الضوء على الضغوط العميقة التي تمارسها بعض الأطراف على الساحة السياسة الأمريكية، التي يبدو أنها أخذت تميل باتجاه ترامب.
المصدر: الأتلانتيك