اتفقت كل من قطر وواشنطن في زيارة لوزير الدفاع القطري خالد بن محمد العطية على توقيع اتفاقية شراء طائرات مقاتلة من طراز “إف 15” بتكلفة مبدأية تبلغ 12 مليار دولار، وحسب ما ورد في بيان وزارة الدفاع القطرية فإن “هذه الاتفاقية تمثل تأكيدًا للالتزام طويل المدى لدولة قطر للعمل سوية مع حلفائنا وأصدقائنا في الولايات المتحدة في تعزيز روابطنا العسكرية لتدعيم التعاون العسكري في حربنا ضد العنف المتطرف وتعزيز الأمن والاستقرار في منطقتنا والعالم”.
وأضاف البيان “نؤمن أن هذه الاتفاقية ستعزز قدرة دولة قطر على تحقيق أمنها، وتخفف في ذات الوقت من العبء الملقى على كاهل القوات المسلحة الأمريكية، في العمليات التي تقوم بها لمحاربة العنف والتطرف”. ولا يخفى أن هذه الاتفاقية جاءت في ظرف متوتر بين قطر والولايات المتحدة بعد الأزمة الخليجية بقيادة محور الرياض – أبو ظبي.
قطر تستعجل الصفقة العسكرية مع واشنطن
تتضمن الصفقة القطرية مع واشنطن 72 مقاتلة، ومن المتوقع أن تخلق 60 ألف فرصة عمل في 24 ولاية أمريكية، ولم تتم الصفقة بين ليلة وضحاها فالمفاوضات انطلقت منذ نوفمبر/تشرين الثاني 2016 والاتصالات بين البلدين تجري منذ أشهر في فترة ولاية الرئيس باراك أوباما، إلا أن الأزمة الخليجية وتواتر القرار الأمريكي بشأن اتهامها الدول الخليجية لقطر بدعمها للإرهاب عجل من إتمام الصفقة، ونفى أي أنباء عن نية قطر إلغائها إزاء الموقف الأمريكي مع قطر بعد تصريحات الرئيس الأمريكي ترامب مؤخرًا حيال دعم قطر للإرهاب.
قطر توظف مكتب محاماة في واشنطن لوضع رؤية متكاملة في مكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب بهدف تغيير وجهة نظر البيت الأبيض حيال دعم قطر للإرهاب
إذ كانت السيناتورة كلير مكاسكيل من ولاية ميزوري حيث تصنع الطائرات العسكرية قد أعربت عن مخاوفها عقب نشوب الأزمة الخليجية بأن تقوض تصريحات ترامب الصفقة العسكرية بين واشنطن والدوحة.
سافر خالد العطية إلى واشنطن وهي أول زيارة لمسؤول قطري بعد اندلاع الأزمة الخليجية لذا تأتي على درجة من الأهمية بالنسبة للبلدين، فقطر تريد تعزيز سبل التعاون الأمني مع واشنطن وترسيخ هذه العلاقة بشكل أوثق في هذه الفترة الحساسة في العلاقة بين البلدين.
قطر تشتري 72 طائرة من طراز إف 15
أما باللغة الاقتصادية وهو ما يفهمه ترامب وما ذهب لأجله إلى السعودية وعقد “صفقة القرن” هناك، فجل هم ترامب في هذه الفترة بيع المنتجات الأمريكية وخلق فرص العمل وإنعاش الاقتصاد الأمريكي، وهو ما يتماهى مع صفقة بيع الطائرات التي ستخلق 60 ألف فرصة عمل في الولايات المتحدة وهذا سيُقرأ بصورة متفائلة من قبل المواطن الأمريكي والسوق المحلية وسينعكس على إدارة ترامب والبنك المركزي الفيدرالي الذي بات يرى أن نمو الاقتصاد الأمريكي مستمر وسوق الوظائف قوية، وعليه أقدم بالأمس على رفع سعر الفائدة على الدولار بواقع ربع نقطة مئوية لتصبح الفائدة في نطاق 1 – 1.25%.
حمد بن جاسم يعود إلى الشاشة ويقول في مقابلة مع قناة أمريكية إن قطر شريك للولايات المتحدة في مكافحة الإرهاب بعد أحداث 11 من سبتمبر، وسهلت قدوم القوات الأمريكية قبل أن يكون لها قاعدة في قطر
وعلى هامش الصفقة جرت نقاشات بشأن قاعدة “العديد الجوية” في قطر، وقد سارعت العديد من الأطراف الأمريكية إلى التأكيد على أهمية القاعدة في الحرب على تنظيم الدولة، كما أكدوا على دور قطر في تسهيل مهمة واشنطن باحتضان القاعدة العسكرية، وستمكن قطر من دعم قدرتها الفنية وتعزيز التعاون الأمني والعمل المشترك بين واشنطن والدوحة.
من جهة أخرى أفادت وكالة الأنباء القطرية عن وزارة الدفاع القطرية وصول سفينتين تابعتين للقوات البحرية الأمريكية أمس إلى ميناء حمد الدولي للمشاركة في تمرين مشترك مع القوات البحرية الأميرية القطرية، ويؤكد توقيت وصول السفينتين الحربيتين الأمريكيتين إلى قطر رغبة وزارة الدفاع الأمريكية تعزيز التعاون مع السلطات القطرية في المجال الأمني.
نشاط سياسي قطري لتعديل الموقف الأمريكي
على الرغم من حدة تصريحات ترامب حيال قطر ودعمها للإرهاب في المنطقة ومطالبتها ببذل المزيد من الجهود ضد التطرف، وانقسام الموقف الأمريكي بين ثلاث مؤسسات هي البيت الأبيض ووزارتي الدفاع والخارجية، فقد سعت قطر من خلال تصريحات وزير الخارجية القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني في أكثر من مناسبة على تلطيف علاقتها بواشنطن، ففي أثناء زيارته إلى روسيا أعلن الوزير القطري استغرابه من تصريحات الرئيس الأمريكي ترامب التي قال فيها إنه علِم من دول أن دولة قطر تدعم الإرهاب.
وقال الوزير: “العلاقات التي تربط دولة قطر بالولايات المتحدة تاريخية وتمتد لعقود، وبعد توقيع اتفاقيات التعاون العسكري واتفاقيات تقديم التسهيلات العسكرية بين البلدين بذلت قطر جهودًا كبيرة في مكافحة الإرهاب وقدمت الكثير مع حلفائها وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأمريكية”، وأكد الوزير أيضًا أن المؤسسات الأمريكية دائمًا ما تثني على دور دولة قطر وشراكتها معها في مكافحة الإرهاب.
هم ترامب في هذه الفترة هو بيع المنتجات الأمريكية وخلق فرص العمل وإنعاش الاقتصاد الأمريكي
من جانب آخر عاد رجل الخارجية المخضرم إلى الواجهة من جديد ليدافع عن موقف بلاده، ففي مقابلة أجرتها قناة “بي بي إس” الأمريكية عبّر حمد بن جاسم رئيس مجلس الوزراء ووزير الخارجية السابق أن العلاقات بين الدوحة وواشنطن لطالما كانت جيدة، وأن التعاون الأمني بين البلدين ضد الإرهاب في أوجه إذ قال: “قطر شريك للولايات المتحدة الأمريكية في مكافحة الإرهاب بعد أحداث 11 من سبتمبر، وقد قمنا بتسهيل قدوم القوات الأمريكية قبل أن يكون لها قاعدة في قطر”.
وزير الخارجية السابق حمد بن جاسم في مقابلة تلفزيونية على قناة bbs
وأضاف بن جاسم “كلنا نتذكر تصريحات أسامة بن لادن من أنه لا يتوجب على أي دولة إسلامية أن تستضيف قوات أمريكية، ومع ذلك استقبلنا جميع القوات الأمريكية في ذلك الوقت، ومنذ ذلك الوقت أصبحنا شريكًا للولايات المتحدة التي تقاتل في أفغانستان والعراق واليمن وأماكن أخرى”، وأردف قائلاً: “لقد هيأنا أمننا كاملًا لتلك القوات واستضفناها كل تلك الأعوام وقد فوجئنا لدى سماعنا أننا ندعم الإرهاب فأي إرهاب هذا الذي ندعمه”؟
صفقة الطائرات بين قطر وواشنطن لتعزيز سبل التعاون الأمني بين البلدين وترسيخ هذه العلاقة بشكل أوثق في هذه الفترة الحساسة
إلى ذلك عملت قطر أيضًا على الاستعانة بجون أشكروفت، وزير العدل الأمريكي السابق خلال الفترة التي وقعت فيها هجمات 11 من سبتمبر، في إطار مساعيها لمواجهة اتهامات بدعم الإرهاب، وتسعى الحكومة من خلال هذه الخطوة التأكيد على جهودها في محاربة الإرهاب العالمي، وتركيز العمل في واشنطن بشكل معمق أكثر لاتجاه تغيير وجهة نظر البيت الأبيض حيال دعم قطر للإرهاب، ووضع رؤية متكاملة في مكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب.
قطر تتعاقد مع وزير العدل الأمريكي السابق جون أشكروفت
وقال خطاب من مايكل سوليفان شريك أشكروفت في الشركة: “عمل الشركة سيتضمن إدارة الأزمة وإعداد الرد اللازم وتحليل البرامج والأنظمة والتواصل مع وسائل الإعلام والدفاع والتوعية بجهود العميل الحالية والمستقبلية في مكافحة الإرهاب العالمي وأهدافه وانجازاته”، وأضاف أن “قطر على ثقة بأن المراجعة والتحليل سيؤكدان على أن قطر لديها إجراءات مهمة لرصد جهود غسل الأموال ومنعها أو استخدام أنظمتها المالية لتمويل منظمات إرهابية”.
على كل حال يبدو أن الموقف الأمريكي بات في عهدة وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون الذي اتخذ موقفًا أكثر اعتدالًا من البيت الأبيض نفسه، وطالب بوقف التصعيد والتزام التهدئة لصالح العثور على مخرج عناصره متاحة كما قال، ويبدو أن كل من تيلرسون وماتيس وزير الدفاع قد أقنعا ترامب بأهمية تطويق الأزمة ووضع حد سريع لها يحفظ الوحدة بين الحلفاء ويزيل أسباب التوتر المؤذية بمصالح واشنطن وشركائها في المنطقة.