ماذا تعرف عن “الكريطة” هذه العربة العجيبة في القرن الحادي والعشرين، المصنوعة من الأخشاب ويجرها إما الحمار أو البغل أو الحصان، تسمى في الشمال التونسي بـ”الكريطة”، وتختلف تسميتها في بقية الجهات من البلاد فمنهم من يطلق عليها “البطاح”، مسميات غريبة بعض الشيء بعيدة كل البعد عن معجم اللغة العربية ولكن المعنى واحد والمشهد واحد.
ماذا تعرف عن “الكاليس”، هذه العربة التقليدية الفخمة التي تجرها الأحصنة، عربة لا يتوانى صاحبها في زركشتها لتصبح جالبة وجاذبة للمواطنين كما هو حال الأجانب عن المنطقة، عربة الكاليس تأخذك بعيدًا إلى حيث حكايات رحل بها الزمن ولم تعد، إلى حيث عهد الملوك والسلاطين والأمراء، إلى حكاية وقصة من أشهر وأروع الحكايات على الإطلاق حكاية “سندريلا” والعربة السحرية التي حملتها إلى القصر الملكي.
ولكن انتبه فأنت فعلًا على أرض الواقع وتحديدًا في أعلى نقطة من البلاد التونسية على ضفاف المتوسط، إنها مدينة بنزرت عروس المتوسط، “الكريطة” و”الكاليس” كلتاهما عربتان تعيدانك إلى الماضي البعيد ولكن بلمسات حديثة، وهو ما سنكتشفه في طيات مقالنا حيث نسافر سوية دون جواز سفر.
ماذا تعرف عن الكريطة؟
“الكريطة” العربة التقليدية والعريقة، ذات االملامح البدائية بعض الشيء، التي تحدت الزمن والتغير في الوسط المعيشي والزحف التكنولوجي الرهيب وصدور أفخم أنواع السيارات والشاحنات والعربات.
مشهد الكريطة لم يختف في البلاد التونسية، عربة تقليدية مركبة من لوح خشبي متين وصلب لا يتكسر ولا يتأثر بالتحولات المناخية وعجلتين كبيرتين وعريضتين، ربما يعود أصلها إلى جرار أو شاحنة ما عادت قابلة للاستعمال، وبردعة يتشبث بها حديدتان ولا ننسى بطبيعة الحال الدابة التي ستجر العربة.
تجدها وتعترض سبيلك في كل شبر وكل أرض وكل مدينة أو قرية، تجدها في المناطق الداخلية والمناطق حيث الجبال الخضراء والأراضي الفلاحية، وقد تجدها أيضًا عابرة للمدينة.
عربة الكريطة رغم قدمها رفض البعض التخلي عنها فهي تعد مصدرًا لطلب الرزق
حين تزور البلاد التونسية وخاصة المناطق الداخلية والأرياف التي غابت عنها التنمية وإن حضر الطريق الممهد، يعترضك بين الفينة والأخرى مشهد رجل يعتلي عربة الكريطة ويجرها حمار على مهل يسير وسط الطريق ولا يوقفه لا الزحام ولا التنافس التكنولوجي الرهيب، فهذا السائق التقليدي لا يأبه بما حوله بما حضر من السيارات.
عربة الكريطة رغم قدمها رفض البعض التخلي عنها فهي تعد مصدرًا لطلب الرزق لدى البعض وتسهم في إدرار وكسب المال وإن كان قليلًا، وتعتبر وسيلة لنقل البضائع أو الأشخاص خلال السوق الأسبوعية التي ترتبط خاصة ببيع الشاه والغنم، لذلك لا تعجب إن مررت يومًا من إحدى الأسواق الشعبية الأسبوعية بإحدى مناطق “حريزة” أو”القرية” أو سوق الثلاثاء الأسبوعية بمدينة بنزرت الشمالية وشاهدت عربة الكريطة مصطفة على حافة وجانب الطريق في انتظار دورها.
يعود ظهور الكريطة في البلاد التونسية إلى آلاف السنين، واعتمدت كوسيلة نقل إما للأشخاص أو البضائع التي يشتريها الأفراد للاستعمال أو لنقل الصابة الموسمية من قمح وشعير، كما أن الكريطة تعتبر وسيلة يتخذها البعض للتنقل في المناطق القريبة لبيع الخضراوات والغلال.
ماذا تعرف عن “الكاليس”؟
“الكاليس” هذه العربة الأسطورية بامتياز، تشاهدها بكثرة في مدينة بنزرت، عربة جميلة وذات أشكال مختلفة، اتخذ أبناء منطقة “منزل عبد الرحمن” التابعة للمدينة منها مهنة، فسعوا إلى تطوير مشهد الكاليس وجعلوا منها صورة تحاكي الأساطير والحكايات والقصص الخيالية.
عربة الكاليس وسيلة للترويح عن كل فرد يرغب بزيارة مدينة بنزرت ومشاهدة جمال البحر الأزرق الكبير وعبور الجسر المطل على المتوسط من الجهتين ليحمله في نزهة إلى خارج المدينة حيث الحدائق الخضراء المترامية والأسوار والحصون التي تشهد على وفود الأغالبة، والتي تحدثك عن الحضارات العربية التي ولجت ذات تاريخ إلى إفريقية عروس المتوسط.
ومن ثم تراها تمر من جوار حي “حمدلس” وهو ملخص لكلمة حي الأندلس الذي سكنه الأندلسيون حين قدموا إلى بنزرت المدينة، ومن بعيد يرفرف حصن إسبانيا حيث تقام الحفلات والمهرجانات الصيفية وليالي رمضان.
العادات الجميلة كذلك أن بعض العائلات تستبدل ركوب العروس للسيارة بركوب عربة الكاليس وهو ما يضفي على أجواء العرس مناخًا أسطوريًا
مختلف استعمالات عربة الكاليس في القرن الحادي والعشرون وخلال ليالي رمضان تخرج العائلات إلى السهر على ضفاف البحر وتستقل عربات الكاليس للترفيه عن النفس والتجول في طمأنينة، وكذا الحال أيام عيد الفطر، تكثر حركة عربات الكاليس ويهل الكبار والصغار للركوب والتجول.
ومن العادات الجميلة كذلك أن بعض العائلات تستبدل ركوب العروس للسيارة بركوب عربة الكاليس وهو ما يضفي على أجواء العرس مناخًا أسطوريًا، ولا ننسى المطهر وهو الطفل الذي تقام له حفلة الختان، فإضافة إلى الحناء والحرقوس ولبس الجبة والشاشية الحمراء تقوم العائلة بكراء عربة كاليس للتجول بالسلطان الصغير وهواء البحر يلفه ويدغدغ أرنبة أنفه بملوحته.