شهد ملف التحقيقات في تدخل روسيا في الانتخابات الأمريكية نقطة تحول بعد انتقال التحقيق من المسؤولين إلى الرئيس، إذ يخضع في هذه الأثناء الرئيس الأمريكي ترامب لتحقيقات من قبل روبرت مولر المشرف على ملف التحقيقات في التدخل الروسي بالانتخابات الأمريكية 2016، والمستشار الخاص لوزارة العدل الأمريكية، ليكون بهذا الرئيس ترامب أول رئيس يتم التحقيق معه منذ العام 1998.
تحقيقات مولر لن تتوقف عند نقطة تدخل الروس بالتحقيقات وحسب بل سيسأل ترامب أيضًا عن عرقلته سير العدالة ومحاولة وقف التحقيقات الروسية بعد إقالته لجيمس كومي مدير التحقيقات الفيدرالي. كما أشارت صحيفة الـ”واشنطن بوست” أن تحقيقات مولر مع الرئيس ستبحث في صحة الأنباء بأن الرئيس قد طلب من مسؤولي الأجهزة الأمنية الأخرى، الإدلاء بتصريحات أمام الرأي العام تؤكد أن التحقيقات في التدخل الروسي لا تطول الرئيس شخصيًا، وأنها تتعلق فقط بطبيعة الاتصالات التي أجراها أفراد في فريقه الانتخابي مع المسؤولين الروس.
سيسأل ترامب في التحقيق معه عن عرقلته سير العدالة ومحاولة وقف التحقيقات الروسية بعد إقالته لجيمس كومي
يذكر أنه في الأيام الماضية ترددت أنباء حول نية ترامب إقالة مولر من منصبه، إلا أن نائب وزير العدل رود روزنستاين، أوضح في شهادته أمام الكونغرس أنه المسؤول الأميركي الوحيد الذي يمنحه القانون صلاحية إقالة المحقق الخاص، مؤكدًا أن ذلك لن يحصل طالما هو، أي روزنستاين، في وظيفته الحالية.
لماذا أقال ترامب كومي؟
بات هذا السؤال يؤرق ترامب وإدارته، فإقالة كومي فهم منها المحققون أنها تأكيد على تورط الرئيس ترامب مع الروس بعد رفض كومي إيقاف التحقيقات مع مايكل فلين، وقد أشار كومي في جلسة الاستماع الخميس الماضي، أنه فهم من المحادثات التي أجراها مع ترامب قبل إقالته من منصبه في التاسع من الشهر الماضي، أن بقاءه في منصبه مرتبط بإعلان الولاء للرئيس.
والإجابة على هذا السؤال هو ما يعكف عليه مولر الآن في تحقيقاته مع الرئيس؛ في الأسباب التي دفعت ترامب إلى إقالة مدير مكتب التحقيقات الفيدرالية إف بي آي من منصبه وما إذا كان قد فعل ذلك بعد رفض كومي طلب الرئيس بوقف التحقيقات مع مستشار الأمن القومي المستقيل مايكل فلين، وإعلان كومي أمام الرأي العام بأن الرئيس لا يخضع لأي تحقيقات.
الرئيس ترامب أول رئيس يتم التحقيق معه منذ العام 1998
من جهته اتهم ترامب في مؤتمر صحفي رفقة الرئيس الروماني كلوس يوهانيس، بشكل غير مباشر، جيمس كومي بالحنث باليمين، ونفى أن يكون قد طلب من كومي إلغاء تحقيقه حول موضوع إمكانية وجود “ابتزاز روسي” في علاقة مستشار الأمن القومي السابق مايكل فلين بروسيا، كما صرّح ترامب أنه لم يطلب من كومي إظهار وفائه له، نافيا كذلك أن يكون لديه تواطؤ مع الروسيين.
وحسب ما ورد على لسان ترامب في مؤتمر صحفي مع الرئيس الروماني قبل خمسة أيام ذكر فيه أنه سيعطي تفاصيل أخرى خلال فترة زمنية قريبة، ربما تكون هذه التفاصيل في جلسة التحقيق معه وهو ما يجعل الباب مفتوحًا بخصوص هذا الملف، وفيما إذا يوجد تسجيلات في البيت الأبيض تنفي بشكل قاطع ما ادعاه جيمس كومي عن الرئيس. فالشهادة التي أدلى بها كومي أحرجت ترامب أمام إدارته وشعبه، إذ أنها تعيد للأذهان مرة أخرى ملف التنسيق بين حملته الانتخابية وموسكو بعد غيابها لبرهة من الوقت على أثر أحداث عالمية حصلت في سوريا وكوريا الشمالية وزيارات الرئيس الأولى إلى كل من السعودية و”إسرائيل” والفاتيكان.
جيمس كومي مدير التحقيقات الفيدرالي المقال
التحقيقات طالت وزير العدل الأميركي، جيف سيشنز، قبل وصولها لترامب، وقال الوزير خلال جلسة استماع له أمام مجلس الشيوخ يوم الثلاثاء إنه “لا علم له” بوجود تواطؤ بين فريق الحملة الانتخابية للرئيس الأميركي، دونالد ترامب والحكومة الروسية”، وقال “كل كلام عن أنني قد أكون تواطأت، أو أنني كنت على علم بوجود اتفاق مع الحكومة الروسية موجه ضد بلادي، هو كذب مقيت”.
اتهم ترامب شكل غير مباشر، جيمس كومي بالحنث باليمين، ونفى أن يكون قد طلب من كومي إلغاء تحقيقه حول موضوع إمكانية وجود “ابتزاز روسي”في علاقة مايكل فلين بروسيا
وأوضح الوزير أنه سيكون “من غير المناسب” من جهته أن يتدخل في هذا التحقيق، بعد أن كان قد نأى بنفسه عنه، بسبب اتصالاته العام الماضي بالسفير الروسي لدى الولايات المتحدة. يًذكر أن كومي انتقد وزير العدل جيف سيشنز، الذي سمح للرئيس بأن يعقد اجتماعات منفردة مع مدير “إف بي آي”، المكتب الذي تشرف عليه وزارة العدل، وبيّن أنه طلب من سيشنز، العمل على ألا يكرر الرئيس محاولات الاجتماع به منفردًا.
وزير العدل الأمريكي جيف سيشنز
وذكر الوزير أن “مزاعم الرئيس ترامب بأن مكتب التحقيقات الفيدرالي، كان يعيش حالة فوضى وسوء إدارة، هي مجرد أكاذيب وتافهة وقبيحة”، وأشار إلى أن ترامب رأى أن التحقيق في التدخل الروسي بالانتخابات “مضيعة للوقت”. وحسب ما أشار إليه الناطق باسم البيت الأبيض شون سبايسر أن الرئيس أعلن بوضوح أنه يعتقد أن التهديد يأتي من كوريا الشمالية واسلحتها النووية المحتملة..التي يجد أنها تهدد حياة الأمريكيين وحلفائهم وليس من روسيا.
انقلب السحر على الساحر
بعد إقالة ترامب لجيمس كومي حاول البيت الأبيض أن يسوق أسباب الإقالة والمتعلقة بتصريحاته بشأن قضية البريد الإلكتروني لكلينتون وتداعياتها على هز ثقة الأمريكيين في منظومة العدالة والقانون في بلادهم، إلا أن تلك الأسباب لم تقنع أحد وقد علق أحد المحليين قائلا إنه “غير مقتنع بفكرة أن كومي أقيل بسبب التحقيق في الخادم الإلكتروني الخاص بكلينتون، واصفًا الأمر بأنه “مناف للعقل”.
وأشار المحلل في حديثه لإحدى وسائل الإعلام الأمريكية أن ما حدث يعد “إساة استخدام للسلطة من قبل الرئيس دونالد ترامب” إذ أن التقاليد السياسية الأمريكية على مر تاريخها لم تشهد مثل هذا الإجراء في ظل الدوافع المقدمة، كما أن الرئيس الأمريكي ليس لديه السلطة القانونية لإقالة شخصية بحجم مدير مكتب التحقيقات.
يًذكر أن عضو الكونجرس الأمريكي عن ولاية تكساس “أل جرين” دعا بعد تلك الحادثة إلى عزل الرئيس ترامب، ليصبح أول مسؤول يطالب بتطبيق أقصى عقوبة ضد ترامب، حيث أخبر جرين زملائه في مجلس النواب: “هذا موقفي ولن أتزحزح عنه. يجب عزل الرئيس”.
الفوضى في البيت الأبيض لا تزال مستمرة بسبب تصرفات ترامب وسياساته، وبينما كان يعتقد ترامب أن تخلصه من كومي سيكون قد أنهى الصداع الذي يأتيه من مكتب التحقيقات الفيدرالية جرت الرياح بما لا يشتهيه، إذ طرق المحقق بابه وبدأ بالتحقيق معه، ولن تحمل الأيام المقبلة لترامب أحلامًا وردية فمكتب التحقيقات الفيدرالية سيحجز زيارات كثيرة معه بعد اليوم.