كان الدبلوماسيون البريطانيون قد مارسوا ضغوطاً على حكومة ماينمار حتى تفرج عن سان سوو كيي من إقامتها الجبرية. ماذا عن توفير العناية الطبية لمحمد مرسي؟. التقارير التي وردت مؤخرا عن الوضع الصحي لرئيس مصر محمد مرسي مرعبة. يقبع مرسي رهن الاعتقال داخل السجن منذ الانقلاب العسكري الذي أطاح به في تموز/ يوليو 2013 وجاء بعبد الفتاح السيسي إلى السلطة.
في قضايا انتقدتها الحكومات الغربية ومنظمات حقوق الإنسان وكذلك الأمم المتحدة أصدرت محاكم مصرية عدة مرات أحكاماً بالسجن لمدد طويلة بحق محمد مرسي بما في ذلك بتهمة التجسس لصالح قطر وحماس وتهمة قتل المتظاهرين خلال احتجاجات وقعت في عام 2012.
يعاني الرئيس السابق من نوبات إغماء وقد دخل مرتين في غيبوبة، وحالته الصحية سيئة للغاية، وبلغني أنه بات يُخشى على حياته. وردنا مؤخرا تقرير يفيد بأن عائلته زارته في الأسبوع الماضي للمرة الأولى منذ أربعة أعوام وأنهم صدموا حينما رأوه، وينبغي لنا جميعا أن نشعر بالصدمة كذلك. ولكنني مصدوم أيضا بسبب قصور الحكومة البريطانية عن فعل شيء.
أين هو الاحتجاج؟
قبل ثلاثمائة عام، أعلن الدبلوماسي الإنجليزي السير هنري ووتون ما يلي: “إن السفير رجل نزيه ابتعث إلى الخارج حتى يكذب لمصلحة بلاده”. إلا أن السفير البريطاني في مصر جون كاسون بالغ في تأويل هذه النصيحة وذهب بعيداً في تنفيذها. بإمكاني التأكيد لكاسون أنه لم يبتعث إلى الخارج حتى يخون كل القيم التي تفاخر بها بريطانيا: التسامح، والفضيلة والحرية وسيادة القانون.
مضت ثلاثة أعوام منذ أن ابتعث كاسون إلى مصر سفيراً لبريطانيا. وحسبما تبين لي لم يصدر عنه ولا مرة واحدة أن وصف استيلاء العسكر على مصر بقيادة المشير السيسي بأنه انقلاب، رغم أن هذا هو التوصيف الصحيح لما وقع.
ولقد دققت في سجل كاسون، فلم أجد أي شكاوى بشأن جرائم القتل الجماعي التي ارتكبها نظام السيسي بحق المواطنين المصريين، ولم أجد أي احتجاجات على التعذيب والاغتصاب الذي يتعرض له المساجين السياسيون في معتقلات مصر.
في إحدى المرات، ولعل هذا مما يستدعي السخرية، وجدت كاسون يشيد بمصر السيسي لما تحقق من “تشييد مستقبل أكثر استقراراً وأكثر ازدهاراً وأكثر ديمقراطية”.
مباشرة بعد مذبحة رابعة في آب/ أغسطس من عام 2013، عندما فضت قوات الأمن المصرية بعنف مخيمين للمتظاهرين المؤيدين لمرسي في القاهرة ونجم عن ذلك مقتل ما لا يقل عن ألف متظاهر، أوقفت الحكومة البريطانية 49 رخصة تصدير عسكرية لمنع استخدام الأسلحة والذخائر البريطانية في قمع المصريين.
وهذا ما أعلن عنه في حينها فينس كيبل وزير الأعمال البريطاني حين قال: “نتيجة لتطورات الأوضاع في مصر فقد اتفقنا مع شركائنا في الاتحاد الأوروبي في هذه اللحظة بالذات على المضي قدماً ووقف جميع رخص التصدير المتعلقة بالبضائع التي قد تستخدم في القمع الداخلي”. وأضاف: “نريد من خلال اتخاذ إجراء مشترك أن نبعث برسالة واضحة مفادها أننا ندين كافة أشكال العنف في مصر”. إلا أن هذا الموقف ما لبث أن تآكل بالتدريج واستأنفت بريطانيا بصمت صفقات الأسلحة مع مصر.
لقد حان وقت الصدح بالحق
حتى لو قبلنا – ولا يجدر بنا أن نقبل – بأن بريطانيا، ولأسباب مريبة ووضيعة ولا أخلاقية وتجارية، غير قادرة على القيام بأي من الإجراءات المذكورة آنفاً، فإننا نعود في الوضع الراهن إلى العنصر الإنساني البحت.
يعاني الرئيس السابق، مرسي، من المرض، ولا يلقى العناية الطبية اللائقة، وهو الآن في أمس الحاجة إلى المساعدة. ينبغي لبريطانيا أن تفعل كل ما في وسعها لضمان حصوله على هذه المساعدة، وينبغي لها أن تصدح بالحق وأن تمارس ضغطاً شديداً على النظام في القاهرة.
تكلمت يوم الثلاثاء في مؤتمر صحفي طارئ نظمته هيئة اسمها المجلس الثوري المصري، وذلك للفت الأنظار إلى معاناة محمد مرسي. كانت كلمات المتحدثين الآخرين في المؤتمر الصحفي بليغة وفصيحة.
كان أحدهم أنس التكريتي، رئيس مؤسسة قرطبة، الذي أشار إلى أن بريطانيا “بلد يفاخر بأنه يلتزم بقيم حقوق الإنسان والحريات”، وأضاف أنه “لا يليق بحكومتنا أن تتخلى عن مسؤولياتها وتتجاهل، وتصمت عن الانتهاكات الفظيعة التي ترتكب يومياً، ليس فقط داخل السجون بل وحتى في الشوارع المصرية، وبشكل يومي، بما في ذلك إغلاق المنابر الإعلامية ومصادرة حرية التعبير وتجريم المعارضة السياسية وسحق أي حركة شعبية قد تعبر عن أدنى معارضة للنظام العسكري الحاكم.”
وكان من بين المتحدثين المحامي البريطاني الشهير توبي كادمان الذي أشار إلى أن الحرمان من العلاج الطبي في نظر القانون الدولي يعادل ممارسة التعذيب. وقال إنه حان الوقت للتفكير في فرض عقوبات على النظام في القاهرة، وأضاف أنه “ينبغي أن يلقى القبض على المسؤولين في النظام المصري عندما يسافرون إلى بريطانيا.” آن للحكومة البريطانية النظر في اتخاذ مثل هذه الإجراءات.
مسألة لا مبالاة
نحن مذنبون بممارسة صارخة لازدواجية المعايير، حينما كانت الزعيمة السياسية في ماينمار أونغ سان سوو كيي محتجزة تحت الإقامة الجبرية لم يأل الدبلوماسيون البريطانيون جهداً في الضغط لضمان الإفراج عنها. ولكن حينما يحرم الرئيس السابق مرسي من العناية الطبية التي يحتاجها فهذه فيما يبدو مسألة لا تبالي بها حكومة صاحبة الجلالة.
بالطبع، ليست مصر المكان الوحيد الذي يبدو أن بريطانيا نسيت فيه قيمنا الأساسية، فنحن متواطئون في مأساة اليمن، ولنفس الأسباب بالضبط. ففي صراع اليمن، كما هو الحال في مصر، نحن بكل أسف أسرى للموقف السعودي. آن لبريطانيا أن تتذكر بأننا بلد عظيم لديه قيمه التي يعتز بها، بلد ينتصر للفضيلة. وهذا يعني أن علينا رفع صوتنا احتجاجاً على الوضع المأساوي لمحمد مرسي، رئيس مصر المنتخب ديمقراطياً.
المصدر: عربي 21