في عهد الاستثمارات الضخمة والأرباح المتزايدة، لم يكن هناك حل لدى مجموعة من المستثمرين إلا أن ينظروا إلى ما خلف كل تلك الأرقام التي يزيد أصفارها يومًا بعد يوم، ويعيدوا النظر في العلاقة ما بين تلك الأرباح المتزايدة وبين مبادئهم و معتقداتهم، ليبدأوا في البحث عن الاستثمار الذي يعكس معتقداتهم تلك على أرض الواقع.
كان هذا النوع من الاستثمار بمثابة شيء له تبعات خاصة بالمسؤولية الاجتماعية، وهو ما حتّم على المستثمر فيه أن يراعي الشؤون البيئية المحيطة به في المكان أو الدولة التي سيقوم بالاستثمار فيها، من أجل تقييم أثر ذلك الاستثمار في مجالات مختلفة سواء من أثر بيئي أو سياسي أو اجتماعي.
ربما تكون تلك المسئولية الاجتماعية بمثابة تقييد على المستثمر في أغلب الأحيان، ذلك لأنها ستدفَعه إلى فحص نشاطات المجال أو الشركة التي سيقوم باستثمار أمواله فيها، ومن هنا يكون على المُستثمر المسئول اجتماعيًا أن يتجنب استثمار أمواله في بلاد تنتهك حقوق الإنسان على سبيل المثال، أو الاستثمار في شركات تبيع منتجات معينة لا تتوافق مع معتقدات المستثمر مثل الكحوليات والسجائر أو أي منتجات تُسبب الإدمان.
لم يكن قرار الاستثمار سهلًا بالنسبة للمستثمرين المسلمين، من يرغب منهم في تطبيق المبادئ الإسلامية لاستثمار مصادرهم و أموالهم، خصوصًا الراغبين في استثمار أموالهم في بلاد غير إسلامية، خصوصًا في الولايات المتحدة الأمريكية، بل يكاد الأمر أشد صعوبة إذا قرر المستثمر تحديد قراراته وحده بدون الاستعانة باستشارة من خبير في مجال الاستثمارات.
ربما تكون تلك المسئولية الاجتماعية بمثابة تقييد على المستثمر في أغلب الأحيان، ذلك لأنها ستدفَعه إلى فحص نشاطات المجال أو الشركة التي سيقوم باستثمار أمواله فيها
لا تكون الاستعانة بمستشار خبير في مجال الاستثمارات أو خبير مالي بتلك الصعوبة بالنسبة لأي مواطن أمريكي عادي، فهناك مؤسسات كُبرى عملها الشاغل أن تقوم بتوفير النصيحة المالية للمستثمرين حديثي الدخول في ذلك المجال، إلا أن تلك الشركات لا تُعد حليفًا مرغوبًا به من قِبل كل مستثمر أمريكي مسلم، إذ لا تتماشى سياستها مع مبادىء المستثمر نفسه، ولا يجد المستثمر المسلم فيها توقعاته التي يطمح إليها.
ثورة الاستثمار الحلال
إعلان للاشتراك في أول مجتمعلللشريعة الإستثماري في سنغافورة
من هنا جاءت فكرة “الاستثمار الحلال”، ومعه شركات الاستشارة المالية للمستثمرين المسلمين، لتساعدهم على الاستثمار في المجالات التي لن تدر عليهم الربح بالربا أو بالرشوة أو بالتعامل مع شركات تنتج منتجات مُحرمة في الدين الإسلامي.
اُعتُبر الاستثمار الحلال أو في سياق آخر استثمار المسؤولية الاجتماعية بالفكرة المثالية بالنسبة للمستثمرين المسلمين في خضم أحوال الأعمال التجارية العالمية هذه الأيام، إلا أنها أثارت بعض القلق في البداية حول كيفية تحقيقها للأرباح، إذ يُحتم عليك الاستثمار في مجالات محدودة، وتجنب كثير من المجالات الأخرى، مما يزيد من احتمالية عدم تنوع مصادر الربح في هذا النوع من الاستثمارات.
على الرغم من التخوفات التي شملت فكرة “الاستثمار الحلال” إلا أنها لم تفشل كما توقع لها الكثيرون، إذ تمتلك الولايات المتحدة الآن شريحة من الشركات المتنافسة على تمويل واستشارة المستثمرين المسلمين، وهي شركات الاستشارة الإسلامية، منها “وحيد” للاستثمار على سبيل المثال.
أتاحت شركة “وحيد” للمستثمرين المسلمين أن يستثمروا أموالهم في السندات الإسلامية بدلًا من السندات الأمريكية، وهي منظمة بطريقة تسمح للمستثمر فيها بالربح دون المساس بمبادئ الشريعة الإسلامية
تعتبر شركة “وحيد” للاستثمار الحلال في الولايات المتحدة من أكثر الشركات تنوعًا وابتكارًا، ذلك لأنها لا تقوم فحسب على تقديم خدمات الاستشارة للمستثمرين المسلمين في أمريكا، بل تقوم أيضًا على تشجيعهم للاستثمار في المجال الرقمي بشكل يحقق لهم توقعاتهم في تطبيق المبادئ الإسلامية في الاستثمار.
قامت شركة “وحيد” بتقديم الخدمة التي يحتاجها كثير من جيل الألفية الحديثة من المسلمين في الولايات المتحدة، حيث تقوم شريحة كبيرة منهم باستثمار أموالهم بشكل رقمي أو إلكتروني، وهو ما دفعهم للتعامل مع مواقع و شركات لا تُطبق النظام الإسلامي في مجالات استثمارها، ذلك لأنه لم يكن لديهم البديل الإسلامي الذي يوفر لهم فرصة الاستثمار بشكل رقمي ولكن طبقًا لمبادئ الشريعة الإسلامية.
أتاحت شركة “وحيد” للمستثمرين المسلمين أن يستثمروا أموالهم في السندات الإسلامية بدلًا من السندات الأمريكية، وهي منظمة بطريقة تسمح للمستثمر فيها بالربح دون المساس بمبادئ الشريعة الإسلامية في الاستثمار، أي ربح المال بدون الفائدة العالية أو الربا.
ربما ستعتمد تلك الشركات لفترة كبيرة على ثقة عملائها “Word of Mouth”، حيث لا يكون لتلك الشركات باعًا وخبرة استمرت لعقود ومازلت مستمرة كما هو الحال في شركات الاستثمار أو الاستشارة الأمريكية، لذلك يقع عبأ الحصول على ثقة العميل أو المستثمر عائقًا صعبًا أمام تلك الشركات في ذلك المجال، بالإضافة إلى أن تلك الشركات ستتعامل مع شريحة محددة في المجتمع الأمريكي.
تعمل شركة “إيمان” أو IMAN INDEX على الاستثمار في السندات الأمريكية التي لا تنافي في نشاطاتها و عوائد ربحها المبادئ الإسلامية، حيث تتجنب الاستثمار في المنتجات التي لها علاقة بالخمور أو التدخين
“إيمان” الصندوق المالي الجديد للمسلمين
تعد شركة إيمان للتمويل من إحدى أهم الشركات الخاصة بالاستثمارات الإسلامية في الولايات المتحدة، فحينما تزور موقعها الإلكتروني، تجد الصفحة الرئيسية مُقسمة إلى عدة مجالات، منها “الاستثمار الإسلامي”، “الاستثمار الحلال”، و “مستشارين للاستثمار الإسلامي”.
تعمل شركة “إيمان” أو IMAN INDEX أو IMANX على الاستثمار في السندات الأمريكية التي لا تنافي في نشاطاتها و عوائد ربحها المبادئ الإسلامية، حيث تتجنب الاستثمار في المنتجات التي لها علاقة بالخمور أو التدخين، أو بوسائل الترفيه كالسينما أو الحانات والفنادق التي تحتوي على حانات، كما تعمل الشركة على حفظ المال غير المٌستَثمَر في ودائع بدون فائدة، لتتجنب الربح بالربا، وهو ما لا يرغب به عملاء الشركة من المستثمرين المسلمين.
تقوم الشركة بالترويج لسياساتها في الاستثمار، بل وترغب في التعامل مع العملاء غير المسلمين أيضًا، إذ لا ترى ضررًا من استثمار الأموال في النشاطات النافعة و الأخلاقية، هذا يُفسر شعار شركة “إيمان” للاستثمار الموجود في منتصف صفحتهم الإلكترونية، والذي يقول بأن الأسواق تتقلب وتتغير، أما المبادئ فلا تتغير.
الشيخ يوسف طلال ديلورينزو للاستثمار
الشيخ يوسف ديلورينز على يمين الصورة، في مؤتمر التمويل الإسلامي لشراء البيوت في الغرب
تعتبر شركة الشيخ يوسف ديلورينزو من أقدم الشركات الاستثمارية في مجال الاستثمار الحلال في الولايات المتحدة، يتولى “يوسف ديلورينزو” منصب الرئيس التنفيذي لرأس المال الإسلامي كما وصفته الصفحة الرسمية الخاصة بالشركة، كما عُرف عنه بأنه عالم إسلامي، قضى ثلاثين عامًا من حياته في مجال الاستثمارات الإسلامية.
تقوم شركة الشيخ يوسف بتقديم خدمات الاستشارة لكثير من الشركات والبنوك الإسلامية منها وغير الإسلامية في الولايات المتحدة، كما يعد الشيخ يوسف نفسه مؤلفًا للمرجع الأساسي لشركات الاستثمار الإسلامية، وهو كتاب “مجموعة الآراء القانونية حول عمليات المصارف الإسلامية”، وهو الكتاب الأول من نوعه باللغة الإنجليزية يختص بمسائل الشريعة في عمليات المصارف الإسلامية القانونية.
استطاعت شركات الاستثمار الحلال من تكوين رأس مال إسلامي يُقدر بـ 5-6 بليون دولار أمريكي، وهذا الرقم يُعد فرصة قيمة بالنسبة لشركات تعمل مع جالية عددها يقرب الثلاثة مليون نسمة، والتي لا تُمثل إلا 1٪ أو أكثر بقليل من نسبة سكان الولايات المتحدة مُجتمعة، كما يعد هذا الرقم بمثابة خبر سعيد للشركات التي تنوي الدخول في ذلك المجال قريبًا، إذ أن الاستثمار الحلال أصبح من أكثر الشركات الناشئة الأكثر نجاحًا في الولايات المتحدة مؤخرًا.