ترجمة وتحرير: نون بوست
بنيامين نتنياهو، على الأقل في الخفاء، كان صريحًا حول ما تحتاجه “إسرائيل” أكثر لتدمير حماس: إمدادات مستمرة من القنابل الأمريكية.
“نحتاج إلى ثلاثة أشياء من الولايات المتحدة: ذخائر، ذخائر، وذخائر”، هكذا قال رئيس الوزراء الإسرائيلي لمجموعة من مسؤولي الحكومات المحلية، وفقًا لتسجيل حصلت عليه صحيفة إسرائيل هايوم.
وقال نتنياهو: “هناك تظاهرات ضخمة في عواصم الغرب”، مضيفًا وهو يشعر بالقلق من أن الضغط السياسي في الخارج قد يهدد شحنات الأسلحة الأمريكية: “نحتاج إلى تطبيق ضغط مضاد.. كانت هناك خلافات مع أفضل أصدقائنا”.
لقد استخدمت إسرائيل كميات هائلة من الذخائر في حربها ضد حماس في غزة، وكلها من الأسلحة الغربية الحديثة المستخدمة بدءًا بالقنابل “المدمرة للملاجئ” الموجهة بالأقمار الصناعية وانتهاءً بالصواريخ الموجهة بالليزر الدقيقة، والتي قد أضعفت قدرات حماس العسكرية؛ فوفقًا لقوات الدفاع الإسرائيلية، فإنها قتلت أكثر من 5000 من مقاتلي الجماعة البالغ عددهم 30,000 مقاتل.
ومع ذلك، فإن الضرر الذي أحدثه الهجوم الإسرائيلي – الذي أُثير بسبب هجوم حماس في 7 تشرين الأول/أكتوبر عندما قتلت 1200 شخص وأسرت أكثر من 200 رهينة – كان كارثيًا. فوفقًا لتقديرات الأضرار التي لحقت بالمناطق الحضرية؛ يقول المحللون العسكريون إن الدمار الذي لحق بشمال غزة في أقل من سبعة أسابيع قد اقترب من ذلك الذي تسبب به القصف المكثف على المدن الألمانية خلال الحرب العالمية الثانية على مدار سنوات.
ويقول روبرت بيب، المؤرخ العسكري الأمريكي ومؤلف كتاب “القصف للفوز”، وهو مسح معياري لحملات القصف في القرن العشرين: “دريسدن، هامبورغ، كولونيا – بعض من حالات أثقل القصف في التاريخ يتم تذكره بأسماء الأماكن. وسيكون اسم غزة أيضًا اسمًا يدل على واحدة من أثقل حملات القصف التقليدي في التاريخ”.
لقد تم تسوية أحياء كاملة بالأرض، وبحلول 4 كانون الأول/ديسمبر، تعرض حوالي 60 في المئة من المباني في شمال غزة لأضرار بالغة، وفقًا لتحليل بيانات الرادار القمري الصناعي من قبل كوري شير من مركز “كوني” للدراسات العليا وجامون فان دن هوك من جامعة ولاية أوريغون. وتصل النسبة إلى 70 في المئة تقريبًا في بعض الأحياء. وفي جميع أنحاء غزة؛ تُرك ما بين 82,600 إلى 105,300 مبنى في حالة خراب، وفقًا للتقدير الذي يحتسب المباني التي تعرضت نصف هيكلها على الأقل للضرر.
وفي المقابل، خلال فترة عامين، بين عامي 1943 و1945، دمر قصف الحلفاء لـ 61 مدينة ألمانية كبرى حوالي 50 في المئة من مناطقها الحضرية، وفقًا لبيب. وقدرت مراجعة عسكرية أمريكية من عام 1954 أنه تم إلقاء حوالي 7100 طن من الذخائر الحليفة على دريسدن، مما أدى إلى تدمير 56 في المئة من المباني غير الصناعية، ونصف المنازل، وقتل حوالي 25,000 شخص.
إحدى أسباب حجم الدمار هي الذخائر التي تستخدمها إسرائيل؛ صحيح أن الجيش الإسرائيلي لم ينشر معلومات عامة، لكن الصور التي نشرها الجيش الإسرائيلي يوميًا تُظهر طائراته وهي تقلع محملة بذخائر تم تحديدها لصحيفة الفاينانشال تايمز من قبل خبراء في المتفجرات. بعض هذه الذخائر دقيقة للغاية، مما يمكن أن يساعد في تقليل الأضرار الجانبية. من بينها القنابل الصغيرة القطر الموجهة بدقة والتي تزن 250 رطلاً، والتي، بسبب حجمها النسبي الصغير، “تقلل بطبيعتها من احتمالية الأضرار الجانبية”، وفقًا لسلاح الجو الأمريكي.
واستخدمت مروحيات الهجوم الإسرائيلية صواريخ “هيلفاير” الموجهة بالليزر، وهي التي كانت أساس القتال الحضري الأمريكي ضد مقاتلي داعش في العراق وسوريا، وصواريخ “سبايك” التي تطلق وتنسى، والتي تعتبر عادةً سلاح إسرائيل المفضل للقتل المستهدف الدقيق.
ومع ذلك، أسقطت الطائرات الإسرائيلية أيضًا قنابل إم 1117 “الغبية” غير الموجهة، التي استُخدمت لأول مرة من قبل القوات الأمريكية خلال حروب كوريا وفيتنام. بالإضافة إلى ذلك، استخدمت إسرائيل قنابل جي بي يو-31 التي تزن 2000 رطل والتي تهز الأرض، وهي أكبر أربع مرات من القنابل التي تزن 500 رطل والتي كانت عادةً أكبر الذخائر التي استخدمتها القوات المتحالفة في معركة الموصل العراقية، وفقًا للمحللين العسكريين.
وقالت جانينا ديل، أستاذة الأمن العالمي في مدرسة بلافاتنيك للحكومة بجامعة أكسفورد: “هجوم حماس في 7 تشرين الأول/أكتوبر كان مليئًا بجرائم الحرب، ويستمر في إنتاج أدلة يومية على جرائم حرب محتملة أخرى. حتى مع ذلك؛ لقد كان لافتًا للنظر كم مرة لجأ الجيش الإسرائيلي إلى استخدام قنابل تزن 2000 رطل”. قوة هذه القنابل، التي يتم تعزيزها بنظام تحديد المواقع العالمي الذي يحولها إلى “قنابل ذكية” أو ما يسمى بالذخائر الموجهة المباشرة المشتركة (JDAMs)، هائلة لدرجة أن الناجين من الانفجار قالوا إنهم يشعرون وكأنهم “يتزلجون على الأرض السائلة”.
ووفقًا لمارك غارلاسكو، المستشار العسكري لمنظمة “باكس” الهولندية والمحلل الاستخباراتي السابق في البنتاغون فإن “المباني تنهار ويتفكك دعمها فتنهار على نفسها، وبعد ذلك هناك الآثار المحيطة – بما في ذلك التفتيت الثانوي للأسمنت، والمعدن، وهواتف الناس المحمولة وكل شيء آخر ينطلق من الانفجار بسرعات فوق الصوتية”، مضيفًا: “السبب الوحيد الذي يمكنني التفكير فيه لاستخدامها هو أن الجيش الإسرائيلي كان يحاول إسقاط شبكة أنفاق حماس، لكن ما يثير الدهشة هو استخدامها على نطاق واسع”.
ودعت منظمة العفو الدولية هذا الأسبوع إلى إجراء تحقيق في جرائم الحرب بسبب استخدام إسرائيل لهذه الذخائر الثقيلة، مدعيةً أن هناك أدلة تشير إلى أن قنابل تزن 1000 رطل و2000 رطل قد استخدمت في ضربات على منازل في غزة أسفرت عن مقتل 43 شخصًا.
حسب المحلّلين العسكريين، فإن ثاني سبب يُفسّر ارتفاع مستوى الدمار هو سرعة حملة القصف الإسرائيلي وكثافته، هذا إلى جانب الاستهداف العشوائي الذي أدى إلى سقوط عدد أكبر من الضحايا المدنيين المتوقّعين.
في النزاعات السابقة، كانت الضربات الإسرائيلية تخضع لعملية فحص أوّل مراحلها موافقة محامي الجيش الإسرائيلي. ومع أنها نادرًا ما تكون عملية واضحة المعالم، قالت بنينا شارفيت باروخ، المستشارة القانونية السابقة في الجيش الإسرائيلي التي ترأس الآن برنامج القانون والأمن القومي في معهد دراسات الأمن القومي في إسرائيل، إنه “إذا قال [محامو الجيش الإسرائيلي] إن شيئًا ما غير قانوني، فلا يمكن المضي قدمًا”.
لكن منذ اللحظة الأولى بعد هجوم حماس في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، قال المسؤولون الإسرائيليون إن ردّهم سيكون بحجم مختلف تمامًا عن العمليات السابقة. ووفقًا لتقديرات جون ريدج، محلل المعلومات المفتوحة وخبير الذخائر، استهدفت إسرائيل القطاع في أول أسبوعين فقط من حملتها بما لا يقل عن ألف قذيفة جو-أرض يوميًا. في المقابل، لم تتجاوز قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة في ذروة غاراتها الجويّة في الموصل 600 قذيفة في الأسبوع.
أما فيما يتعلّق بالعمليّات البريّة، قال الجيش الإسرائيلي إنه قلّص مدّة “سلاسل القتل” ما يعني أن الاستخبارات تستغرق في الوقت الحقيقي أقل من 10 دقائق لتحدّد هدفًا ومن ثم تهاجمه بغارة جويّة.
وأوضح جيريمي بيني، المتخصّص في الدفاع عن الشرق الأوسط في مؤسسة” جاينز” المتخصصة في الدفاع واستخبارات المصادر المفتوحة في لندن، أن “النسق شديد السرعة للحملة يثير تساؤلات حول قواعد الاشتباك الإسرائيلية، وعملية الاستهداف، وعدد الضحايا المدنيين المتوقّع”.
اعترف أساف أوريون، الرئيس السابق للقسم الاستراتيجي في الجيش الإسرائيلي، بذلك الأسبوع الماضي بقوله إن الجيش الإسرائيلي لديه “مصالحه الخاصة في تقليل الأضرار التي تلحق بالسكان المدنيين باعتبارهم أضرارًا جانبية… ولكن لا يمكننا في نفس الوقت الاستمرار في توخّي… الحذر الشديد… مثلما كنا نفعل في الماضي”.
بالنظر إلى حجم الفظائع التي ارتكبتها حماس، تزعم إسرائيل إنه لم يكن أمامها خيار سوى “القضاء” على مثل هذا التهديد ومنع تكرّره مستقبلًا. ويعترف المسؤولون الإسرائيليون بأن مطاردة هذا الهدف في منطقة حضريّة مكتظة بالسكان، ضد مقاتلين محصنّين يقاتلون من داخل الأحياء السكنية، عرّض حياة المدنيين للخطر. يوم الثلاثاء، قال رئيس أركان الجيش الإسرائيلي هيرتزي هليفي إن القوات الإسرائيلية كانت بحاجة إلى شن عملياتها “بقوّة، مع بذل جهود كبيرة للتخفيف من الأذى الذي يلحق بالمدنيين قدر الإمكان”.
لكن تزايد عدد الضحايا المدنيين أثر سلبًا على التأييد الذي تحظى به إسرائيل من حلفائها. خلال الأسبوع الماضي، صرّح وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن بأنه حذّر نتنياهو “من الخسائر الفادحة في أرواح المدنيين والتهجير بالمستوى الذي شهدناه في شمال غزة [يجب] ألا يتكرر في الجنوب”. وقال وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن إن الدولة اليهودية تخاطر بـ “هزيمة استراتيجية” ما لم تحم حياة المدنيين الفلسطينيين في غزة.
كان ردّ الجيش الإسرائيلي أنه سيتخذ نهجًا مختلفًا في الجنوب من خلال استخدام البيانات لتحديد المناطق المكتظة بالسكان وحساب طرق الإخلاء مع مشاركة الخرائط التي تشير إلى المكان الذي يجب أن يفرّ إليه الناس.
وفقًا لمسؤولين فلسطينيين في الأراضي التي تسيطر عليها حماس، قُتِل أكثر من 15 ألف شخص من سكان غزة قبل أن تطلق إسرائيل هجومها الجنوبي الأسبوع الماضي، فيما تدعي إسرائيل أن هذا العدد يشمل ما يصل إلى خمسة آلاف مقاتل من حماس. وللمقارنة، سقط 12 ألف مدني في أول تسعة أشهر من الغزو الأمريكي للعراق في سنة 2003.
قال المؤرخ العسكري بايب “ما يحدث في غزة يعتبر بجميع المقاييس حملةً عقابية ضد المدنيين. سوف يُسجل التاريخ ذلك ضمن أشنع الحملات التي تم تنفيذها على الإطلاق بالأسلحة التقليدية”.
المصدر: فايننشيال تايمز