لا يكاد يمر أسبوع إلا وتطالعنا تقارير إعلامية تدعي مقتل أبي بكر البغدادي زعيم تنظيم الدولة الإسلامية بغارة جوية أمريكية أو روسية في العراق وسوريا، قبل أين يخرج البغدادي نفسه في كلمات صوتية متباعدة زمنيًا، لتحريض مقاتليه على مواصلة القتال وعدة الاستسلام.
يبدو أن البغدادي الذي حطم الأرقام القياسية في عدد مرات مقتله جراء غارات طائرات التحالف الدولي والروسي وأيضًا العراقي، لم يعد يلقي بالاً لهذه الإشاعات، فالمطلوب الأول عالميًا، أصبح يرى في هذا “الشو الإعلامي”، نكتًا يسردها لأقرب المقربين منه بهدف شحذ هممهم.
وزارة الدفاع الروسية قالت في بيان لها الجمعة إن طائرات من طراز سوخوي 35 وسوخوي 34 نفذت في 28 من مايو/أيار الماضي ضربات استهدفت تجمعًا لتنظيم الدولة جنوبي الرقة، أسفرت عن مصرع قياديين من التنظيم قد يكون من بينهم البغدادي.
بيان وزارة الدفاع الروسية الذي كشف عن كذب منقطع النظير، شكك في تفاصيله المتحدث باسم التحالف الدولي ريان ديلون، حيث أعلن أنه لا يستطيع تأكيد تقارير عن احتمال مقتل البغدادي، وهو ما دفع الروس لتغيير الموضوع والتفكير في إشاعة أخرى قد تمكنهم من معرفة مكان اختباء “الخليفة”
وأضافت الوزارة أن الغارات الروسية أسفرت عن مصرع 30 قياديًا، وأكثر من 300 عنصر من التنظيم من بينهم أمير الرقة أبو الحجي المصري، وأمير المنطقة الممتدة من الرقة إلى السخنة إبراهيم النايف الحاج، ورئيس الجهاز الأمني في التنظيم سليمان الشواح.
بيان وزارة الدفاع الروسية الذي كشف عن كذب منقطع النظير، شكك في تفاصيله المتحدث باسم التحالف الدولي ريان ديلون، حيث أعلن أنه لا يستطيع تأكيد تقارير عن احتمال مقتل البغدادي، وهو ما دفع الروس لتغيير الموضوع والتفكير في إشاعة أخرى قد تمكنهم من معرفة مكان اختباء “الخليفة”.
سنتوقف قليلاً مع بيان وزارة الدفاع الروسية لطرح بعض الأسئلة المهمة، أولها: كيف يمكن لتنظيم محاصر في كل مكان أن يجمع عددًا كبيرًا من قيادييه في مكان واحد لمناقشة أوضاعه الراهنة وخططه المستقبلية لصد الحملات العسكرية على أماكن سيطرته؟
ثاني هذه الأسئلة: هل يوجد مكان قادر على جمع أكثر من 300 مقاتل من تنظيم الدولة في الرقة في حين لا تغادر الطائرات بأنواعها سماء المدينة؟ وثالثها: أي عاقل يمكنه تصديق هذه الرواية الروسية التي أثبت العقل والنقل كذبها؟
لن نطيل الحديث كثيرًا عن بيان وزارة الدفاع الروسية، لكننا سنتحدث عن دور أبي بكر البغدادي في قيادة تنظيم الدولة ومدى تأثير فقدانه على نفسية مقاتليه و”رعيّته” الذين ضاقت بهم السبل نتيجة الحملة العسكرية على “مدن الخلافة”، وأهداف التحالف الدولي وروسيا بين الفينة والأخرى من إعلان مقتل “الخليفة”.
الرجل الذي تمكن من جعل “معتقل بوكا” معسكر لتجنيد الجهاديين خلال عشرة أشهر قضاها فيه إبان فترة الاحتلال الأمريكي للعراق، كان قد فاجأ العالم أجمع بإعلان “الخلافة الإسلامية”، ليتمكن بذلك من خطف الأضواء من جميع القيادات الجهادية وعلى رأسهم زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري
أبو بكر البغدادي، واسمه الحقيقي إبراهيم عواد إبراهيم البدري، المولود في مدينة سامراء شمالي بغداد عام 1971 لأسرة سنية متوسطة، ليس مجرد شخصية قيادية تولت في وقت من الأوقات قيادة تنظيم جهادي، فاجأ العالم في شهر يونيو 2014، بإعلانه “الخلافة الإسلامية” وإلغاء حدود “سايكس بيكو”.
يتمتع البغدادي الحاصل على درجة الدكتوراة في الدراسات القرآنية من جامعة صدام حسين للدراسات الإسلامية، بشخصية قيادية قادرة على الإقناع بفضل إتقانه لفن الخطابة، ويؤكد مراقبون ومحللون ومختصون في دراسة الظاهرة الجهادية، أن “إبراهيم بن عواد البدري” خطيب مفوّه يختار كلماته بعناية خاصة إذا ما تعلق الأمر بالاستدلال بالآيات القرآنية والأحاديث النبوية.
يعلم جيدًا مجلس شورى تنظيم الدولة وكبار قيادييه أن مقتل البغدادي سيزيد من أوجاع “دولة الخلافة”، فالرجل الذي تمكن من جعل “معتقل بوكا” معسكر لتجنيد الجهاديين خلال عشرة أشهر قضاها فيه إبان فترة الاحتلال الأمريكي للعراق، كان قد فاجأ العالم أجمع بإعلان “الخلافة الإسلامية”، ليتمكن بذلك من خطف الأضواء من جميع القيادات الجهادية وعلى رأسهم زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري.
مقتل البغدادي ستكون له تداعيات كبيرة داخل تنظيم الدولة، رغم وضوح طريقة اختيار “خليفة الخليفة” من قبل مجلس الشورى، خاصة أن الرعيل الأول والثاني الذين أسسوا أخطر وأفتك تنظيم جهادي عرفه التاريخ المعاصر، قُتلوا الواحد تلو الآخر
يؤكد الجهاديون في أدبياتهم أن فقدان القيادات لا يؤثر عليهم ولن يشككهم في طريقهم بل سيزيدهم تمسكًا بمنهجهم، ورغم مقتل عشرات القياديين من الصف الأول والثاني في تنظيم الدولة، فـ”الدولة” لم تعرف تفككًا داخليًا أو محاولات تمرد مسلح لتنصيب قيادي دون آخر، ولكنها في نفس الوقت، عرفت أزمة كبيرة قبل سنتين، وصلت إلى حد تصفية عدد من الشرعيين الذين كفروا البغدادي بسبب خلافات عقدية في موضوع “العذر بالجهل”.
التنافس الأمريكي الروسي للظفر برأس البغدادي يهدف أساسًا إلى تحقيق انتصار معنوي مهم في حرب طويلة الأمد، لكن يجهل كثيرون، أن الإعلان المزعوم عن مقتل “إبراهيم البدري” بين الفينة والأخرى، قد يساهم في اعتراض اتصالات تكشف عن مكان اختباء البغدادي أو أحد المقربين منه.
ختامًا نقول، إن مقتل البغدادي ستكون له تداعيات كبيرة داخل تنظيم الدولة، رغم وضوح طريقة اختيار “خليفة الخليفة” من قبل مجلس الشورى، خاصة أن الرعيل الأول والثاني الذين أسسوا أخطر وأفتك تنظيم جهادي عرفه التاريخ المعاصر، قُتلوا الواحد تلو الآخر، تاركًا الطريق أمام جيل جديد من شباب و”أشبال الخلافة”، يفتقر لخبرة ودهاء الأولين وهو ما قد يسفر عن “فناء وتبدد” “الدولة الإسلامية” التي فقدت عشرات الآلاف من مقاتليها، بعد نحو 3 سنوات من بدء التحالف الدولي عملياته العسكرية في العراق وسوريا.