عند النظر إلى المشهد التركي بعد عملية الاستفتاء يمكننا أن نلحظ بعض التحركات السياسية التحضيرية للمرحلة القادمة ويجدر الإشارة إلى بعض الأمور المعلومة ومنها أن التعديلات الدستورية في تركيا أُقِرت بعد موافقة 51.4% من المشاركين في الاستفتاء الذي جرى في 16 من نيسان الماضي، ومن أهم هذه التعديلات تحول تركيا نحو النظام الرئاسي وتوديعها للنظام البرلماني ولكن هذا سيكون إقراره بشكل كامل في نوفمبر من عام 2019.
الرئيس أردوغان سيكون مرشحًا للرئاسة من قبل حزب العدالة والتنمية وحزب الحركة القومية وفق ما صرح بذلك رئيس الحركة القومية دولت بهتشلي وربما تنضم أحزاب صغيرة أخرى لدعم الرئيس أردوغان
ومن المعلوم أيضًا أن حزب العدالة والتنمية عاد له رئيسه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بعد قرابة 1000 يوم من الابتعاد عن رئاسته، حيث كان القانون التركي يمنع أن يكون رئيس الجمهورية حزبيًا ولكن بعد الاستفتاء الأخير أصبح ذلك متاحًا، ولهذا فإن الرئيس أردوغان سيكون مرشحًا للرئاسة من قبل حزب العدالة والتنمية وحزب الحركة القومية وفق ما صرح بذلك رئيس الحركة القومية دولت بهتشلي وربما تنضم أحزاب صغيرة أخرى لدعم الرئيس أردوغان.
ويبدو أردوغان وفق الظروف الحالية لا يعاني من مشاكل كما يعاني منها خصومه، حيث يتحرك نحو انتخابات 2019 بهدوء وارتياح كبيرين، فالحزب – أي حزب العدالة والتنمية – مع عودة أدروغان إلى رئاسته سيعود أكثر قوة وطاقة ومع الإضافات التي أضافها أردوغان للجنة المركزية للحزب والنواب الذين عينهم هذا الأسبوع، فإن الحزب يتجه إلى مزيد من النشاط خلال الفترة القادمة، مما يؤهله لكسب مزيد من الأنصار كما يجري الحديث عن إعادة تقييم لإدارة الملف الاقتصادي في محاولة لتحسينه بشكل أكبر، حيث كان يشكل رافعة كبيرة لحزب العدالة والتنمية في سنواته الأولى وفي هذه النقطة يدور حديث عن إمكانية عودة الاقتصادي المشهود له بالنجاح علي باباجان لإدارة الملف الاقتصادي من جديد.
مقابل ما سبق فإن المعارضة التركية والتي يمثلها بشكل واضح حزب الشعب الجمهوري وحزب الشعوب الديمقراطي ذي الأغلبية الكردية تواجه أزمات داخلية، فهناك اعتراضات كبيرة داخل حزب الشعب الجمهوري خاصة تجاه سلوك رئيسه كمال كليجدار أوغلو ومحاولات حثيثة من داخل الحزب لدفعه نحو الاستقالة أو إجراء انتخابات مبكرة داخل الحزب ولكنه يرفض كل هذه المطالبات. أما حزب الشعوب الديمقراطية فإن ملاحقة قياداته بسبب العلاقة مع حزب العمال الكردستاني المصنف على أنه حزب إرهابي في تركيا وفي ظل حالة الطوارئ المفروضة حاليًا في البلاد جعلت حركته مقيدة بشكل كبير على الرغم من أنه أجرى انتخابات داخلية هذا الشهر فإن نتائج الاستفتاء التي لوحظ فيها زيادة كبيرة في دعم التعديلات الدستورية في الوسط الكردي أظهرت تراجعًا كبيرًا في تأييد حزب الشعوب الديمقراطية .
رأت كل الأحزاب الرافضة للرئيس أردوغان أن الاستفتاء الأخير الذي جمع الأحزاب الرافضة وحصلت فيه على 48.6% شكل لديهم أملاً بتوحيد هذه الكتلة التي يمكننا أن نسميها كتلة الرفض
ولهذا فإن وضع المعارضة المهلهل يستحيل معه أن يكون هناك مرشحًا من أحد هذه الأحزاب يستطيع أن ينافس نصف شعبية الرئيس أردوغان خاصة أن حزب الشعب الجمهوري جرب التحالف مع حزب الحركة القومية في انتخابات الرئاسة عام 2014 في مرشح مشترك هو أكمل الدين إحسان أوغلو الذي اختير كشخصية إسلامية محافظة لمنافسة أردوغان، وقد حصل أكمل الدين إحسان أوغلو على 38% وفي ذلك الوقت رشح حزب الشعوب رئيسه صلاح الدين ديمرتاش الذي حصل آنذاك على 9.7%، وفاز أردوغان أمام هؤلاء من الجولة الأولى بنسبة 51.7%.
وقد رأت كل الأحزاب الرافضة للرئيس أردوغان أن الاستفتاء الأخير الذي جمع الأحزاب الرافضة وحصلت فيه على 48.6% شكل لديهم أملاً بتوحيد هذه الكتلة التي يمكننا أن نسميها كتلة الرفض، ولكن هذه المرة استطاع أردوغان أن يضم إلى صفه رئيس حزب الحركة القومية، ولهذا فإن كتلة الرفض تتطلع إلى التواصل مع الجهات الرافضة في الحركة القومية مثل نائبة الرئيس سابقًا ميرال أك شينار وقد اجتمع كمال كليجدار أوغلو أمس الأول من يونيو على مائدة الإفطار معها حيث قيل إن هذا الاجتماع من أجل ترتيب وتنسيق جهود كتلة الرفض.
يمكننا القول إنه حتى لو استطاع حزب الشعب الجمهوري الذي يعاني من شقاق وخلافات داخلية أن يوفر مرشحًا مشتركًا يجمع المنشقين عن الحركة القومية مع حزب الشعوب الديمقراطية، فمقارنة بانتخابات 2014 ونتائج الاستفتاء الأخير ربما لن يصل لنسبة 45% على أحسن حال
وحتى لو استطاع كليجدار أوغلو جمع تيار من الحركة القومية معه فهذا لا يعني شيئًا حيث إنه لم ينجح في عمل شيء في 2014 بينما كانت كل الحركة القومية متحالفة معه ولهذا فسيسعى إلى جلب كتلة أخرى من الرافضين وهم حزب الشعوب الديمقراطي وهو هنا يقع في مأزق معروف وهو الجمع بين الحركة القومية الرافضة والحركة الكردية الرافضة وهؤلاء متناقضون لا يجمعهم إلا رفض أردوغان والمفارقة أن أردوغان يستطيع بشكل ما أن يجمع القوميين المؤيدين والأكراد المؤيدين على قاعدة أنه الشخص الذي يستطيع أن يحقق عملية سلام أو يستطيع أن يعمل على حصول الطرفين على حقوقهما.
ولهذا يمكننا القول إنه حتى لو استطاع حزب الشعب الجمهوري الذي يعاني من شقاق وخلافات داخلية أن يوفر مرشحًا مشتركًا يجمع المنشقين عن الحركة القومية مع حزب الشعوب الديمقراطية، فمقارنة بانتخابات 2014 ونتائج الاستفتاء الأخير ربما لن يصل لنسبة 45% على أحسن حال، ولهذا وفقًا للظروف المرئية فإن الطريق تبدو ممهدة أمام الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ليكون أول رئيس لتركيا تحت حكم النظام الرئاسي.