أثار إعلان الإمارات تمويل مشروع أنبوب الغاز المغرب-نيجيريا اهتمام وسائل الأعلام والمعلقين على وسائل التواصل الاجتماعي في الجزائر، حيث صنّفوه في خانة الاستفزازات التي دأبت أبوظبي في الفترة الأخيرة على ممارستها ضد بلادهم، ما عكّر العلاقات بين البلدَين، وإن لم تصل حتى الساعة إلى مستوى المشاحنات العلنية.
ولا تتردد وسائل إعلام وقيادات سياسية في الجزائر قريبة من السلطة في اتهام الإمارات بالقيام بتحركات تصفها بـ”العدائية” ضد الجزائر، لمحاولة لعب دور في منطقة شمال أفريقيا ودعم القوى التي لا تتوافق مع النظرة الجزائرية.
استفزاز جديد؟
أعلنت المغرب والإمارات، خلال الزيارات التي أداها الملك محمد السادس إلى أبو ظبي، توقيع “مذكرة بشأن إرساء شراكة استثمارية مرتبطة بمشروع أنبوب الغاز المغرب-نيجيريا“.
وبهذه المذكرة تكون الرباط قد حصّلت جانبًا من الدعم المالي الذي تبحث عنه لتمويل هذا المشروع الذي اقترحته على نيجيريا، في محاولة لإفشال مشروع أنبوب الغاز العابر للصحراء الذي ينطلق من نيجيريا وصولا إلى أوروبا بالمرور عبر النيجر والجزائر، وفق ما تراه الصحف الجزائرية، بالنظر إلى أن المشروع الجزائري تعود فكرته إلى أكثر من 40 عاما، في حين أن المشروع المغربي تم الحديث عنه إلا في 2016.
وحسب الباحث السياسي المغربي، نوفل البوعمري، فإن الدعم الإماراتي للمشروع الطاقوي سيعزز “فرصة إنجازه بشكل سريع“.
وما يعزز الغضب الجزائري هو عدم جدوى تنفيذ مشروع الأنبوب النيجيري المغربي اقتصاديًّا، ودعمه منطلق من ضرب المصالح الجزائرية فقط، حيث يقول خبير الصناعات الغازية بمنظمة الأقطار العربية المصدرة للبترول “أوابك”، المهندس وائل حامد عبد المعطي، إن مشروع الغاز المغربي النيجيري لن يرى النور وعقباته أكبر من جدواه.
ويُرجع خبير “أوابك” هذا الحكم إلى “أنه لا يوجد من سيشتري الغاز لمدة 20 سنة قادمة، والمشروع يحتاج وحده إلى ما لا يقلّ عن 5 إلى 10 سنوات للتنفيذ أولًا، وصعوبة مسار الخط الذي يمر عبر عدة دول (13 دولة بما فيها المغرب ونيجيريا)، ويصعب فنيًّا تنفيذه وأمنيًّا حمايته”.
مكملًا: “هذا بالإضافة إلى أن الاتجاه العالمي يسير نحو مشاريع الغاز المسال، وكذا صعوبة إيجاد الشركاء الدوليين، بالنظر إلى أن الشركات العالمية تركّز جهودها على الطاقة الجديدة ومشاريع الغاز المسال، وتبتعد عن خطوط الأنابيب”، ويلفت عبد المعطي إلى أن هذه الأسباب تجعل أي مستثمر يعرض عن المخاطرة في مشروع كهذا تصل تكلفته إلى 25 مليار دولار.
غير أن الإمارات تريد أن تخوض هذه المخاطرة، لأن الهدف من المشروع لم يعد اقتصاديًّا إنما سياسيًّا، ويتمثل في دعم شريكها الأول في المنطقة المغرب، للحيلولة دون نجاح مشروع أنبوب الغاز العابر للصحراء.
وهذا الحكم عبّر عنه سابقًا أيضًا خبير الخصخصة السابق في مكتب المشاريع العامة في نيجيريا دان دي كونلي، الذي قال في مقابلة لموقع “نايراميتريكس” إن “مشروع أنبوب الغاز المغربي النيجيري سياسي، وليست له قيمة اقتصادية في ظل الظروف الحالية التي تمرّ بها صناعة الغاز النيجيرية”.
لكن الإمارات أكدت من خلال هذا القرار أنها مصرّة على إتمام مهمتها بالعمل ضد المصالح الجزائرية، ومنها مشروع الأنبوب العابر للصحراء الذي اكتملت أشغاله في الجزائر ونيجيريا، ولم يبقَ إلا الجزء الخاص بالنيجر، والذي تعهّدت الجزائر بإنجازه، إضافة إلى إعلان البنك الأفريقي لتمويله.
وتكمن أهمية مشروع الأنبوب العابر للصحراء كون تكلفته لن تزيد عن 13 مليار دولار، إضافة إلى أن بنيته التحتية جاهزة، ما يجعله قادرًا على دخول حيّز الخدمة في بضع سنوات، إضافة إلى أن المعنيين بالاستفادة منه هم 3 دول فقط وليس 14 بلدًا كالمشروع المغربي.
ليست الأولى
لم يشكّل الاستثمار الإماراتي مفاجأة في الجزائر، بالنظر إلى أن هذا التحرك ليس الأول الذي تقوم به أبوظبي عرّابة التطبيع الجديد مع الاحتلال الإسرائيلي، وهنا أساس الخلاف بين البلدَين، إذ إن الجزائر كانت من أولى الدول التي انتقدت تطبيع العلاقات العربية مع “إسرائيل”، عبر الرئيس تبون الذي قال في سبتمبر/ أيلول 2020 بعد بدء الإعلان عن “الاتفاق الإبراهيمي”، إن “الجزائر لن تبارك ولن تشارك في الهرولة نحو التطبيع“.
ومنذ هذا الموقف توالت التحركات الإماراتية ضد الجزائر، بدءًا بدعم الموقف المصري في ليبيا، ودعم ميليشيات خليفة حفتر على حساب الرؤية الجزائرية التونسية، الرافضة لأي تدخل أجنبي في الجارة الشرقية ولأي مشروع لتقسيم ليبيا، والإجهاز على ما تبقّى من مظاهر الدولة هناك.
وكان الردّ الجزائري واضحًا ضد التدخل الإماراتي الداعم لحفتر، من خلال التصريح الشهير للرئيس تبون في يناير/ كانون الثاني 2020، الذي قال فيه خلال استقباله فايز السراج، رئيس حكومة الوفاق الليبية السابق، إن “طرابلس في نظر الجزائر تعتبر خطًّا أحمر ترجو عدم تجاوزه”.
وأوضح بعدها تبون في مقابلة مع قناة “الجزيرة” القطرية في أغسطس/ آب 2021، أن “الجزائر كانت على استعداد للتدخل بصفة أو بأخرى لمنع سقوط طرابلس، وأنها حين أعلنت أن طرابلس خط أحمر كانت تقصد ذلك جيدًا.. الرسالة وصلت لمن يهمّه الأمر“.
وظهر الخلاف الجزائري الإماراتي في ليبيا، من خلال عرقلة أبوظبي تعيين دبلوماسيين جزائريين في منصب المبعوث الأممي إلى ليبيا، رغم أن هذا الاقتراح كان من طرف الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، ويتعلق الأمر بكل من وزيرَي الخارجية السابقَين رمطان لعمامرة وصبري بوقادوم، حيث استغلت الإمارات عضويتها غير الدائمة بمجلس الأمن لرفض هذا المقترح.
وبالنسبة إلى التسريبات التي تنشرها الصحف الجزائرية أو يعبّر عنها سياسيون محسوبون على السلطة، فإن الإمارات اليوم تنفّذ الأجندة الإسرائيلية في منطقة المغرب العربي، لذلك تحيك المكائد ضد الجزائر بكل الطرق، وتدعم الرباط التي طبعت علاقاتها مع “إسرائيل”، حيث تعدّ أبوظبي أول مستثمر عربي في المغرب بقيمة وصلت إلى 14 مليار دولار.
وعبّرت عن هذا الموقف صحيفة “الخبر” واسعة الانتشار، في مقال نُشر في 27 يوليو/ تموز الماضي بعنوان “أبوظبي.. عاصمة التخلاط” (عاصمة الفتنة)، وأشارت صحيفة “الخبر” إلى أن “ورثة الشيخ زايد حوّلوا بلادهم إلى وسيط لدى الكيان الصهيوني، وسخّروا إمكانات مالية ومادية ضخمة من أجل محاولة زعزعة أمن واستقرار المنطقة، لا سيما الجزائر“.
وعادت الصحيفة إلى المعلومات يجري تداولها بكثيرة في الأوساط الجزائرية، ومنها الضغوط التي تمارسها الإمارات على موريتانيا لجرّها للتطبيع مع “إسرائيل”، من خلال سفر وزير الدفاع الموريتاني إلى “إسرائيل” هذا العام عبر إمارة دبي، في رحلة أشرف عليها مسؤولون إماراتيون.
وكشفت “الخبر” أن حكّام الإمارات يسعون إلى التواجد عبر منطقة الساحل، عن طريق الأموال التي تتدفق عبر ليبيا، وهذه العمليات يسيّرها نجل اللواء خليفة حفتر، الذي يقود بدوره عملية إغراق الجزائر بالمخدرات المهلوسة.
ولم يقتصر التحرك الإماراتي في المجال الحيوي للجزائر عند هذا الحد، بل وصل حتى شريكها الاستراتيجي في المنطقة تونس، من خلال محاولة جرّها للتطبيع باستغلال وضعها الاقتصادي الصعب.
وهذا التخوف عبّر عنه أيضًا وزير السياحة السابق عبد القادر بن قرينة، رئيس حزب حركة البناء الوطني المشاركة في الحكومة، الذي قال في تصريحات صحفية إن “هذا الكيان الوظيفي (يقصد الإمارات) ليس له إلا وظيفة التبشير بالصهاينة في كل الساحات، وابتزاز العديد من الدول العربية بشرائها نتيجة الضائقة المالية”.
وأضاف بن قرينة أن “هذا الكيان الوظيفي أينما يكون في أي منطقة، إلا ويحدث توترات للدولة الجزائرية سواء كانت تحركاته داخل المغرب أو داخل النيجر ومالي، أو في الفلتات التي تحدث في ليبيا، أو التحركات المشؤومة كما قلت سابقًا في تونس”.
غير معلن
رغم أن الخلاف بين الإمارات والجزائر وصل إلى مستويات غير مسبوقة، إلا أن البلدَين يحافظان رسميًّا على علاقات الودّ الدبلوماسية، ففي يونيو/ حزيران الماضي تلقّى وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف مكالمة هاتفية من وزير الخارجية والتعاون الدولي الإماراتي عبد الله بن زايد آل نهيان، هنّأ فيه الجزائر على انتخابها عضوًا غير دائم بمجلس الأمن، متمنيًا لها تمام التوفيق في الاضطلاع بعهدتها المقبلة في هذه الهيئة الأممية المركزية.
وحسب بيان لوزارة الخارجية الجزائرية، فقد أبدى الوزير الإماراتي استعداد بلاده لتقاسم تجربتها، خاصة أن الجزائر ستخلف دولة الإمارات في مجلس الأمن ابتداء من أول يناير/ كانون الثاني المقبل.
لكن هذه المكالمة الهاتفية تظل برأي المراقبين شكلية متعلقة بالعرف الدبلوماسي فقط، بالنظر إلى قلة الزيارات الرسمية بين البلدَين في الفترة الأخيرة، فرغم تلقي الرئيس تبون في أبريل/ نيسان الماضي دعوة لزيارة أبوظبي من قبل نظيره الإماراتي سلّمه له سفيره في الجزائر، إلا أن هذه الزيارة لم تتم حتى اليوم، ولم يتم الحديث عنها مطلقًا في الصحف الجزائرية.
ويظهر أن هذه الزيارة لن تتم مطلقًا في الوقت الحالي، فالجزائر خفّضت حضورها في مؤتمر الأمم المتحدة الـ 28 للمناخ (كوب 28) الذي تحتضنه دبي إلى أقصى المستويات، حيث لم يحضر الرئيس تبون هذا الحدث ولم يوفد من ينوبه فيه حتى الآن، وهو على عكس ما حدث في إكسبو 2020 الذي شاركت الجزائر فيه بمستوى عالٍ من التمثيل الدبلوماسي عبر الوزير الأول السابق أيمن بن عبد الرحمان.
وللعلم، زار الرئيس تبون دولًا خليجية أخرى ممثَّلة في السعودية والكويت، وقطر التي زارها في أكثر من مرة، ما يعني أن عدم زيارته الإمارات يؤكد الخلاف الموجود بينهما كبير، والذي لا يتعلق أيضًا فقط بالملفات المذكورة سالفًا، إنما يتعلق الأمر بعدم رضا الجزائر عن التدخل الإماراتي في اليمن، وانزعاجها من دعم المقترح المغربي بشأن الحل في الصحراء الغربية.