مدينة صغيرة في حجمها، كبيرة في تاريخها، أسسها الأندلسيون فحملت جمال عمرانهم، وسط جبال الأطلسي والسهول المنوّعة ومزارع الفواكه والغابات كثيفة الأشجار، إنها “البليدة” الجزائرية.
رائحة المدن تصل في جولتها الأسبوعية لمدن المغرب العربي إلى الجزائر وتأخذكم إلى إحدى مدنها التي نحتت اسمها في مخيلة الشيب والشباب لما تتمتع به من جمال، حتى إنها سميت بـ”مدينة الورود”.
مدينة البليدة
على سفح جبال الأطلس، عند الممر الرئيسي إلى حديقة الشريعة الوطنية الشهيرة بطبيعتها الخلابة وهوائها المنعش صيفًا وثلوجها الناصعة شتاءً وأشجار الأرز الأطلسي الشامخة، وقرب سهل متيجة نزل العالم سيدي أحمد الكبير سنة 1535 ميلاديًا، واستقدم وفودًا من الأندلسيين بعد سقوط غرناطة إلى هناك حيث شيدوا مدينة أسموها “البليدة”.
هناك ستسمع عن أبواب المدينة العتيقة السبع، منها “باب الجزائر”، وهو الباب الذي يدخله كل من يقصد “البليدة” قادمًا من العاصمة
الوجود الأندلسي في المدينة تلاحظه من أول نظرة لك فيها، في تقسيماتها وأزقتها ومعمارها الخاص وفي موسيقاها ومطبخها وعادات أهلها المتوارثة من جيل إلى آخر والتي تأبى الاندثار رغم مغريات الزمان، فرغم مرور قرون على تأسيسها، لا تزال المدينة تحافظ على أزقتها الضيقة التي ميزتها أول إنشائها وعلى عدد من مبانيها الأندلسية المنتشرة على طول الشوارع الرئيسية.
وسط المدينة
أبواب مدينة البليدة
وهناك ستسمع عن أبواب المدينة العتيقة السبع، منها باب الجزائر، وهو الباب الذي يدخله كل من يقصد البليدة قادمًا من العاصمة
باب السبت وهو مدخل كل من يقصد المدينة من جهة محافظة وهران والشلف و تيبازة، حيث يقام في ساحته كل يوم سبت سوق أسبوعي يستقطب التجار من كل حدب وصوب
ثالث الأبواب باب القصبة نسبة إلى نبات قصب الحر الذي كان ينمو في تلك المنطقة
أما رابع الأبواب فهو باب الخويخة وأصل التسمية تركي أي “كويخة” أو الباب الصغير
أما الباب الخامس فهو باب القبور نسبة إلى المقبرة المحاذية له
الباب السادس باب الزاوية، وقد أطلقت عليه هذه التسمية نسبة إلى زاوية الولي الصالح “سيدي مجبر”
أما الباب السابع فهو “باب الرحبة”، وهو وجهة كل من يريد زيارة المناطق الطبيعية في مخرج المحافظة“.
جبال الشريعة
بعد أن تمتع نظرك بجمال البليدة، لا تفوت فرصة الذهاب إلى سور المدينة جبال الشريعة، فمن خلال قممها الشاهقة يمكنك أن ترى مدينة الورود بمعالمها المعمارية، وباقي مدن ومناطق متيجة وصولا إلى حيث تعانق زرقة البحر جبل شناوه بساحل تيبازة، مشكلة لوحة فنية لها أن ترسّخ في مخيلتك أجمل الذكريات والصور التي لن تفارقك أبدًا ما حييت.
بين أشجار الأرز والصنوبر والبلوط الباسقة المترامية من هنا وهناك، توجد شاليهات خشبية ومطاعم ومقاهي وطاولات كلها من الطبيعة
الاستمتاع بجمال الجبال، يبدأ من أول الطريق على طول 20 كيلومترًا، طريق في معظمه منعطفات ومنعرجات تمكن سالكها من رؤية كل معالم مدينة البليدة التي تبدو متناهية الصغر كلما ارتفعت نحو القمة، فلا يظل من تفاصيلها سوى منارات جامع الكوثر الأربع في وسط البليدة العتيقة.
القادمون في رحلة البحث عن الطبيعة الخلابة، يجدون في جبال الشريعة ضالتهم، ففيها ما يجذب الناظر وما يتطلع إليه محبو الطبيعة، وفي أعلى قممه ترتفع غابات الأرز الأطلسي والصنوبر الحلبي والبلوط الجميلة، وتزيده العيون المائية وينابيع الماء الساخنة والبيوت الخشبية جمالاً على جماله”، في الشتاء تكتسي الشريعة بالثلوج فتصبح قبلة لجميع الناس وهواة التزحلق، وفي الصيف تمنحك غاباته بجمالها الساحر هواءً نقيًا وهدوءً تامًا وجوًا منعشًا، تعيش في ظله ذكريات جميلة لا تنسى.
شاليهات فوق قمة جبل الشريعة
بين أشجار الأرز والصنوبر والبلوط الباسقة المترامية من هنا وهناك، توجد شاليهات خشبية ومطاعم ومقاهي وطاولات كلها من الطبيعة منتشرة في الهواء الطلق، تستقبل زوار الجبل من ذوي النفوس التواقة للهدوء وراحة النفس والكارهة للضوضاء وكثرة الضجيج، وتوفر لهم الراحة بعد عناء الطريق الملتوية.
ومن جبال الشريعة لك أن تصل إلى المحمية الطبيعيّة التي تمرّ فوق واد شفّة، حيث 800 فصيلة من الحيوانات، و3800 نوع من النباتات، هناك تستمتع بمضائق الشفة والمياه المتدفقة من المرتفعات إلى أسفل الوادي، ومشهد قردة الماغو المنتشرة فوق الأشجار مرحبة بالزوار.
مدينة الورود
إضافة إلى معمارها ذي الطابع الأندلسي، تستقبلك البليدة أيضًا بعبق ورودها وشذى عطرها، فهي أيقونة الورود العالمية من ياسمين وفل وبنفسج وريحان، حيث توارث أبناؤها عشق الورود جيلاً بعد جيل وشبوا على استنشاق عبق العطور في أرجائها، ففي كل زاوية من زوايا حاراتها العتيقة تشم أريج وردة وعبق زهرة، لتتخذ شوارعها من أسمائها عنوانًا، فتجد حي البنفسج “زنقة النوار” وحي اللارنج. هناك في البليدة، لا تخلو ساحات البيوت من شجرة ورد أو ياسمين وبنفسج، حتى إنه من تقاليد أهل المدينة أن يبدأ صباحهم بشرب قهوة منكّهة بزهر الياسمين و”ماء الزهر” المقطر في البيوت، وهي عادة أندلسية قديمة كانت تعتمدها نساء المدينة لاستخراج ماء الزهر والورد.
تنتشر الورود في كل مكان من المدينة
ويردد العارفون بتاريخ المدينة العتيقة أنها كانت تضم عدة مخابر لاستخراج خلاصة العطور من الياسمين والبنفسج والورود إبان الحقبة الاستعمارية، واستمرت لفترة في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، بحيث كانت توجه العصارة المستخرجة إلى فرنسا حيث كانت تستغل في أكبر المصانع المختصة في إنتاج العطور، لتباع على أنها فرنسية في البلد الأكثر شهرة عبر العالم في إنتاج العطور.