لا غرابة في وجود علاقات واتصالات بين السعوديين والإسرائيليين، فعشرات التقارير والتصريحات خلال السنوات الأخيرة أكدت ذلك، ولكن الجديد هو ما نشرته صحيفة التايمز البريطانية اليوم بأن السعودية والكيان الإسرائيلي، تجريان اتصالات مكثفة لإقامة علاقات اقتصادية قوية ورسمية بينهما في القريب العاجل.
فبعد الأزمة القطرية، بات من الواضح حجم التقارب والتفاهم في الموقف بين كل من السعودية والإمارات، وبين الكيان الإسرائيلي، فتأييد زعماء الكيان ورجالات الحكومة الإسرائيلية للموقف الذي اتخذته دول خليجية من قطر على رأسها السعودية، يؤكد على ذلك.
فقد صرح وزير الدفاع الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان مؤخرًا أن “قرار عدد من الدول العربية قطع علاقاتها مع قطر يمثل فرصة ممتازة لتوحيد الجهود مع إسرائيل في محاربة الإرهاب”. مؤكدًا أن هذا الموقف هو فرصة قوية للتعاون مع هذه الدولة التي بدأت تدرك أن “الخطر على المنطقة ليس إسرائيل بل الإرهاب”.
كيف لا يكون هناك رغبة قوية بالتطبيع بعد ما صرّح به سفير “إسرائيل” السابق في أمريكا، مايكل أورين، والذي قال إن “خط جديد يرسم في الرمال الشرق أوسطية، لم يعد الوضع كما كان في السابق بأن إسرائيل ضد العرب، وإنما إسرائيل والعرب ضد الإرهاب الممول من قطر”
هذا الموقف يعززه ويدعمه بقوه الوسيط الأمريكي، العرّاب دونالد ترامب، بحسب ما أكدته تقارير أجنبية وعبرية، كيف لا ودونالد ترامب خلال زيارته الأخيرة للرياض انطلق منها بطائرة مباشرة لدولة الاحتلال في سابقة هي الأول من نوعها.
وكيف لا يكون هناك رغبة قوية بالتطبيع بعد ما صرّح به سفير “إسرائيل” السابق في أمريكا، مايكل أورين، والذي قال إن “خط جديد يرسم في الرمال الشرق أوسطية، لم يعد الوضع كما كان في السابق بأن إسرائيل ضد العرب، وإنما إسرائيل والعرب ضد الإرهاب الممول من قطر”.
بالعودة لتقرير صحيفة التايمز، فقد نقلت الصحيفة عن مصادر أمريكية عربية قولها إن العلاقات السعودية الإسرائيلية الرسمية ستبدأ بخطوات صغيرة نسبيا مثل منح رجال الأعمال الإسرائيليين حرية إنشاء المتاجر والمصانع في الخليج، أو السماح لطائرات شركة “العال الإسرائيلية” بالتحليق في المجال الجوي السعودي، لنقل “حجاج فلسطينين” كبداية، لتصل إلى مرحلة متقدمة لاحقًا، بحيث يسمح برحلات جوية من دول عربية في سماء “إسرائيل” والعكس.
بموازاة الدفع إلى شرق أوسط جديد وتحالفات جديدة في المنطقة على أنقاض الثورات وأحلام الشعوب والقضاء على الإسلام السياسي في المنطقة، تسعى الإدارة الأمريكية إلى الدفع بتطبيع العلاقات بين “إسرائيل” والدول العربية
هذه النقلة النوعية والعلنية في العلاقات، يجري ترتيبها بدعم من أطراف عربية، بكل تأكيد على رأسها الأردن ومصر والإمارات، وبمباركة من الإدارة الأمريكية، التي تعمل بكل جهد على فتح مسارات جديدة في المنطقة وتحالفات قوية بين دولة الاحتلال ودول عربية أخرى، وهذا ما كان يوعد به ترامب الإسرائيليون على الدوام، حتى أن الإسرائيليين باتوا يرون أن ترامب يصنع تاريخ دولة “إسرائيل” من جديد، وهو المنقذ والمخلص أيضًا.
وبموازاة الدفع إلى شرق أوسط جديد وتحالفات جديدة في المنطقة على أنقاض الثورات وأحلام الشعوب والقضاء على الإسلام السياسي في المنطقة، تسعى الإدارة الأمريكية إلى الدفع بتطبيع العلاقات بين “إسرائيل” والدول العربية، إضافة إلى الدفع بمشروع تسوية جديد ينهي القضية الفلسطينية، ويضعها على الشكل الذي يرضي “إسرائيل” وطموحاتها التي لا تنتهي على حساب الشعب الفلسطيني. وهنا لا بد من شهود وشركاء في هذه العملية، وأهمهم هنا بصفتها اللاعب العربي الإقليمي الأهم حاليًا: السعودية.
هل تكون على يد سلمان؟
الاتصالات السعودية الإسرائيلية السرية لم تكن وليدة اليوم ولا وليدة اللحظة، لكنها زادت وبشكل غير مسبوق في عهد الملك سلمان، فبعضها بقية قيد السرية، وبعضها سُمح بتسريبه، وبعضها الآخر أصبحت المجاهرة به في العلن أمر طبيعي، وإن كان بشكل غير رسمي في زيارات وخروج على الفضائيات ومدح بفكرة مد جسور العلاقة مع دولة الاحتلال وأن الأعداء المشتركين كثر، ولا بد من التعاون لتصفيتهم والقضاء عليهم.
في عهد الملك سلمان، ومنذ الأشهر الأولى التي تسلم فيها مقاليد الحكم في يناير 2015، عقد السعوديون والإسرائيليون سلسلة من الاجتماعات السرية غير الرسمية، بغية وضع الخطط وإيجاد الاستراتيجيات لمواجهة النفوذ الإيراني
ففي عهد الملك سلمان، ومنذ الأشهر الأولى التي تسلم فيها مقاليد الحكم في يناير 2015، عقد السعوديون والإسرائيليون سلسلة من الاجتماعات السرية غير الرسمية، بغية وضع الخطط وإيجاد الاستراتيجيات لمواجهة النفوذ الإيراني. وبحسب صحيفة “هافنغتون بوست” تم عقد أحد هذه الاجتماعات في (لكناو – الهند)، وتم تنظيمه من قِبل مؤسسة فكرية بارزة في دلهي. حيث كان الوفد الإسرائيلي مكونًا من أعضاء مركز القدس للشؤون العامة (JCPA)، والوفد السعودي مكونًا من أعضاء مركز الشرق الأوسط للدراسات الإستراتيجية والقانونية (MECSTS).
وتضيف الصحيفة بأن اللواء المتقاعد أنور عشقي والمستشار السابق للأمير بندر بن سلطان، كان هو من ترأس الوفد السعودي، وهو الاسم الذي سيتكرر بعد ذلك في واشنطن وحتى دولة الاحتلال نفسها، حيث قام مجلس الشؤون الخارجية الأمريكية من العام نفسه بتنظيم مؤتمر في واشنطن ضمّ عشقي، ودور غولد، المدير العام لوزارة الشؤون الخارجية الإسرائيلية، ومؤلف كتاب “مملكة الكراهية: كيف دعمت المملكة العربية السعودية الإرهاب العالمي الجديد”، واللذان تحدثا أيضًا عن العدو المشترك بين السعودية و”إسرائيل”، ألا وهو إيران.
أنور عشقي بصحبة دبلوماسيين إسرائيليين في القدس المحتلة العام الماضي
وفي العام التالي، تكللت كل هذه المحادثات السرية في الهند وواشنطن وربما غيرها، بزيارة قام بها اللواء عشقي لدولة الاحتلال في يوليو 2016، وتحديدًا القدس المحتلة، حيث التقى عشقي مدير عام وزارة الخارجية دور غولد، الذي نعرف أنه صار صديقه منذ وقت طويل، ومسؤول التنسيق الأمني في الضفة الغربية المحتلة يوآف مردخاي في فندق الملك داود، إضافة لاصطحابه معه بعثة أكاديمية ورجال أعمال سعوديّين، التقوا خلال الزيارة الحميمة بمجموعة من أعضاء الكنيست، بهدف “تشجيع الخطاب في إسرائيل، حول مبادرة السّلام العربيّة”.
اتفق كثير من المحللين والمتابعين على أن زيارة عشقي لم يكن لها أن تتم بدون موافقة عليا من داخل النظام الملكي السعودي. فاليوم ، تدرك كل من السعودية و”إسرائيل” حاجتها للطرف الآخر، خصوصًا في ظل الأحداث التي تمر بها المنطقة
تلك الزيارات التي أثارت غضب الكثيرين عربًا وسعوديين دعت عشقي لنفي لقائه الإسرائيليين رغم كل الصور والتقارير الإسرائيلية التي نقلت ذلك، قائلًا بأنها ذهب لزيارة “عائلات شهداء فلسطينيين في القدس المحتلة”، مما أثار النقمة والغضب عليه أكثر فأكثر.
لكن حينها، اتفق كثير من المحللين والمتابعين على أن زيارة عشقي لم يكن لها أن تتم بدون موافقة عليا من داخل النظام الملكي السعودي. فاليوم ، تدرك كل من السعودية و”إسرائيل” حاجتها للطرف الآخر، خصوصًا في ظل الأحداث التي تمر بها المنطقة، فبالإضافة إلى إيران، لدى الطرفين العديد من المصالح المشتركة، تحديدًا في مصر، كما أن هناك عدد من الأعداء المشتركين مثل تنظيم “داعش” وحتى حركة المقاومة الإسلامية حماس، والتي ترتبك تجاهها المواقف السعودية بشكل كامل.
وإذا كانت إيران هي العدو المزعوم المشترك، فقد وصل الأمر بتأكيد قناة تلفزيونية إسرائيلية مطلع عام 2015 ، أن السعودية أبدت استعدادها للسماح للطائرات الإسرائيلية بالعبور عبر مجالها الجوي لمهاجمة إيران إذا اقتضت الضرورة، لكن بشرط أن يكون هناك “نوع من التقدم” فيما يخص القضية الفلسطينية.
الموقف السعودي اليوم ليس كسابقه بالأمس، فبعد زيارة عشقي لدولة الاحتلال العام الماضي، وخروج إعلاميين وباحثين سعوديين على قنوات عبرية مؤخرًا يؤيدون فيها ما تفعله دول خليجية بقطر الراعية لتنظيمات إرهابية من حركة حماس والإخوان المسلمين، أصبح أمرًا معتادًا. كما أصبحت المناداة بإعلان العلاقات بين البلدين وبشكل علني مطلبًا قويًا لهؤلاء، حيث أن “إسرائيل” دولة صديقة وليست معتدية ويحق لها ما لا يحق لغيرها، فهي دولة السلام التي أخطأ العرب في تقديرها وظلموها لسنوات طويلة!
اليوم يجد الملك سلمان نفسه محاصرًا بمحبة ترامب ودعمه وترهيبه وترغيبه من جهة، وإغراءات الكيان المحتل من جهة أخرى، وأصوات داخلية ليبرالية نمّاها ابنه الطموح لخلافته، ليرى أنه لا مفر من أن تهدم كل “اللاءات” التي وضعها أسلافه، وأن يتم التعاون على العلن مع دولة الاحتلال في سبيل تحقيق مصالح الدولتين
مدير معهد أبحاث في السعودية: المجتمع الإسرائيلي غير دموي فهو يعتنق ثقافة الحياة والتعايش ويريد السلام#حصار_قطر #تويتر_يوقف_حساب_الجزيره pic.twitter.com/iFyKc7yw5T
— وكالة صفا (@SafaPs) June 17, 2017
السعودية ورغم أن مبادرة السلام التي اقترحتها منذ 10 سنوات تقتضي أن تنسحب “إسرائيل” من حدود 1967، إلا أنه لم يعد لديها مشكلة اليوم مع دولة الاحتلال على الإطلاق، فالزيارات غير رسمية لدولة الاحتلال تسقط هذا الأمر تماماً، ووجود الكيان الإسرائيلي في المنطقة ليس بمشكلة للنظام السعودي، والآن أصبح من صالح كلا البلدين الخروج للعلن بهذا العلاقات رغم أن العكس كان أوجب في السابق. ورغم أن النظام السعودي ما زال ينفي أي تعاون محتمل مع “إسرائيل” إلا إذا قبلت بالانسحاب من حدود 1967. إلا أن مختلف اليوم تمامًا، فبزعم السعوديين فإن الخطر الإيراني قد اشتد وعظم، وحصار قطر الآن إحدى مراحل الحرب على “إيران” وكل من يتحالف معها حتى وإن كان خليجيًا وحليفًا سابقًا في الحرب على حوثييها في اليمن.
اليوم يجد الملك سلمان نفسه محاصرًا بمحبة ترامب ودعمه وترهيبه وترغيبه من جهة، وإغراءات الكيان المحتل من جهة أخرى، وأصوات داخلية ليبرالية نمّاها ابنه الطموح لخلافته، ليرى أنه لا مفر من أن تهدم كل “اللاءات” التي وضعها أسلافه، وأن يتم التعاون على العلن مع دولة الاحتلال في سبيل تحقيق مصالح الدولتين.