كشفت ردود الفعل غير الرسمية الأولى في طهران على الحظر الذي تقوده السعودية ضد قطر، عن تعاطف إيراني ضمني مع الدوحة. في حين اتخذت وزارة الخارجية الإيرانية موقفاً محايداً في الظاهر من الأزمة، أظهرت التطورات اللاحقة أن طهران تميل بكل وضوح نحو الدوحة. قد يتبيّن أن الحملة التي تخوضها السعودية والإمارات والبحرين ضد قطر هي بمثابة منجم ذهب لإيران وسط المحاولات الديبلوماسية المتواصلة التي تبذلها إدارة ترامب لعزل طهران.
توجّه وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، إلى أنقرة في السابع من حزيران/يونيو الجاري لمناقشة الأزمة الخليجية مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان. بعد يومَين، اتفق ظريف ونظيره الروسي، سرغي لافروف، خلال قمة منظمة شنغهاي للتعاون، على الخروج بموقف موحّد حول الأزمة في الخليج، ما عكس الحرص الروسي على الحفاظ على الاستثمارات القطرية في القطاع النفطي الروسي والإبقاء على توازن معيّن في المنطقة. في اليوم نفسه، ناشدت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل تركيا وإيران ودول الخليج العمل على إيجاد حل للأزمة. وهكذا تمكّنت إيران، بدفعٍ من هذا الدعم الواسع، من إعادة التموضع في موقع فريق أساسي في اللعبة على الرغم من أن علاقاتها مع الثلاثي الخليجي متشنّجة – في أفضل الأحوال – لا سيما مع الرياض.
لقد ساهمت مكامن الضعف الجيوسياسية التي تعاني منها قطر، والتي كشفت عنها الأزمة، في تعزيز موقع إيران نظراً إلى الجوار الجغرافي بين البلدَين. قامت إيران بإرسال شحنات كبيرة من المواد الغذائية إلى قطر – هذا مع العلم بأن الجزء الأكبر من المساعدات الغذائية التي تُنقَل جواً إلى قطر مصدره تركيا.
وفيما تحرص قطر من الآن فصاعداً على تنويع مصادر إمداداتها الغذائية، غالب الظن أن التجارة الثنائية بينها وبين إيران سوف تزداد. في السنة الفارسية 1394 (2015-20166)، بلغت قيمة الصادرات الإيرانية غير النفطية إلى قطر 165.44 مليون دولار أميركي فقط. فضلاً عن ذلك، قد تتيح الأزمة لإيران أن تصبح مركزاً للمواصلات في المنطقة في المستقبل، على الرغم من أنها لا تملك بعد المقوّمات اللازمة. عندما أغلقت مصر ودول الخليج الثلاث مجالها الجوي أمام الخطوط الجوية القطرية، فتحت إيران مجالها الجوي من أجل السماح لشركات الطيران القطرية بإعادة توجيه مسار رحلاتها إلى أوروبا عن طريق تركيا.
إن وقوف إيران إلى جانب قطر في مواجهة الضغوط الهائلة التي يمارسها عليها زملاؤها الثلاثة في مجلس التعاون الخليجي، قد يُتيح لطهران تحقيق العديد من المكاسب الجيوسياسية. فعبر تقديم الدعم لقطر، حليفة تركيا الأساسية في الخليج، تُوسِّع إيران الأرضيّة التي تستطيع الانطلاق منها مع أنقرة من أجل التعاون في المنطقة.
يعتقد بعض المراقبين أن تجدّد التمرد الكردي على أيدي مقاتلين تابعين لحزب العمال الكردستاني في إيران قد يساهم في التقريب بين طهران وأنقرة كونهما تواجهان القضية نفسها، على الرغم من الاختلاف في درجات تأثيرها عليهما. علاوةً على ذلك، يُرجَّح أن تؤدّي الاعتداءات التي نفّذها مسلّحون أكراد تابعون لتنظيم الدولة الإسلامية في طهران في السابع من حزيران/يونيو الجاري، إلى تعزيز الحضور الأمني الإيراني في المنطقة الواقعة شمال غرب البلاد على الحدود مع تركيا. وفي نظر إيران، من شأن توسّع الهوّة بين تركيا وقطر والسعودية أن يؤدّي إلى إضعاف موقف المعارضة السورية أكثر فأكثر في الجولات التفاوضية المقبلة مع النظام السوري وداعميه، فالمنافسة بين الجهات الراعية للمعارضة سوف تتسبّب على الأرجح بمزيد من الانقسامات داخل هذا المعسكر.
تسعى إيران جاهدةً لاستغلال الخلافات بين الأفرقاء في الكتلة الخليجية التي تعاني من خلل سياسي واقتصادي يزداد تفاقماً. خلافاً للأزمة الديبلوماسية التي عصفت بالخليج في العام 2014، ستكون لهذه الأزمة تداعيات بعيدة المدى على المشهد السياسي في الشرق الأوسط.
المصدر: صدى كارنيجي