تُلقي الأزمة الخليجية بظلالها على المنطقة، ويبحث المتابعون لمجريات أمورها عن بوادر انفراجة خاصة مع تشبث كل طرف في الأزمة بموقفه، وذلك بعد نجاح قطر في تلقي الضربة الأولى وكروت التصعيد المتتالية من المحور السعودي الإماراتي الذي يحاول فرض حصار على الدوحة، حتى وصف بعض المراقبين التصعيد السريع ضد قطر بحرق الأوراق جملة واحدة، والوصول إلى السقف الأعلى.
يبحث الجميع عن السبب الحقيقي وراء تلك الأزمة التي تراها قطر “مفتعلة”، وتؤكد مصادر عدة في الدوحة عدم وصول أي طلبات رسمية أو غير رسمية للحكومة القطرية، كما أن التسريبات الآتية من مبادرات الوساطات تتحدث عن عدم وجود مطالب محددة، مما يُشير إلى أن قرارات المواجهة مع قطر كانت انفعالية أكثر منها مرتبة.
مطالب مجهولة
“لدينا قائمة سنعطيها للقطريين قريبًا”
هذا كان أحد تصريحات وزير الخارجية السعودي عادل الجبير في أحد مؤتمراته الصحفية في جولاته الأوروبية التي يحاول فيها الحشد ضد قطر، لكن على الرغم من عدم إفصاحة عن مطالب محور المقاطعة لقطر، فإن بلاده بالاستعانة بالإمارات والبحرين ومصر أعدت قائمة “متسرعة” لشخصيات وكيانات وصموها بالإرهاب أو دعمه، وكذلك طالب بقطع علاقات الدوحة مع حركة حماس وجماعة الإخوان المسلمين.
مما يثير تساؤلات عن طبيعة قائمة المطالب التي لا تزال قيد الإعداد حتى اللحظة، رغم إصدار مطالب بالفعل في تصريحات رسمية وقائمة أسماء وكيانات، أم أن هذه التصريحات ليست سوى اجتهاد من الجبير، ناهيك عن قوائم المطالب الإعلامية التي تصدر عن وسائل الإعلام السعودية والإماراتية التي تشن حربًا إعلامية على الدوحة، في حين تؤكد مصادر رسمية قطرية عدم وصول أي شيء رسمي لهم بهذا الصدد، مؤكدين أن ما يتردد يتعلق بالمساس باستقلالية السياسة القطرية ليس إلا.
وفي تقرير لصحيفة الغارديان البريطانية أكد أن عددًا من الدول حاولت التوسط من أجل حل الأزمة مثل فرنسا والمملكة المتحدة والكويت وتركيا، ولكن التحالف المعادي لقطر عكف على وضع مطالبه، الأمر الذى يعني ويؤكد أن قائمة المطالب لم تكن موجودة من الأساس.
نظام مراقبة.. على ماذا؟
وفي آخر محاولات للحشد الدبلوماسي الخارجي ضد قطر، صرح وزير الدولة للشؤون الخارجية الإماراتي أنور قرقاش بأنهم يطالبون بآلية غربية لمراقبة قطر وإجبارها على الالتزام بأي اتفاق لإنهاء ما أسماه دعمها للإرهاب، في أول اقتراح من الدول التي تحاصر اﻹمارة الخليجية ﻹنهاء الأزمة، بحسب صحيفة “الجارديان” البريطانية.
ولكن ما لم يذكره قرقاش أي مطالب يريدون مراقبة مدى الالتزام بها، ويضيف وزير الخارجية الإماراتي خلال مؤتمر في لندن لحشد التأييد الغربي للحظر الدبلوماسي: “السعودية ومصر والبحرين لا يثقون في قطر، وإذا حصلنا على إشارات استراتيجية واضحة بأنها سوف تتغير وتتوقف عن تمويل المسلحين الذي هو أساس المشكلة، حينها نحن بحاجة إلى نظام مراقبة دولية”.
عدد من الدول حاولت التوسط من أجل حل الأزمة مثل فرنسا والمملكة المتحدة والكويت وتركيا، ولكن التحالف المعادي لقطر عكف على وضع مطالبه، الأمر الذى يعني ويؤكد أن قائمة المطالب لم تكن موجودة من الأساس
لم يسق قرقاش أي أحاديث مفصلة بالدلائل سوى الادعاءات المرسلة بـ”تمويل الإرهاب” والتي نفتها قطر مرارًا وطالبت بدليل إدانة ليثبت مثل هذا الاتهام، وفي هذا الصدد كان وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني قد صرح في مقابلة تليفزيونية نقلها موقع وزارته على الإنترنت: “لا نعرف إن كانت هناك أسباب حقيقة أم أن الأزمة قائمة على أمور نجهلها، ولو كانت هناك أسباب حقيقية لما شهدنا هذا التصعيد الإعلامي، ولما أقيمت هذه الفبركات الإعلامية بحيث قدمت صورة منافية للواقع ضد دولة قطر تحاول أن تمس بأمنها واستقرارها وتحاول شيطنة قطر بناءً على قصص وافتراءات مكذوبة”.
في الوقت الذي تقول فيه صحيفة الجارديان التي نقلت تصريحات وزير الخارجية الإماراتي إن هناك بعض الدلائل الدبلوماسية على أن الإمارات والسعودية لا يحصلان على الدعم الغربي الذي توقعاه، مع رفض العديد من الحكومات اتخاذ جانب واحد من الأزمة، كما أشارت إلى أن الولايات المتحدة لديها قاعدة عسكرية كبيرة فى قطر، وأكدت أنها بصدد إبرام صفقة أسلحة ضخمة مع الدوحة.
بينما يحاول الوزير الإماراتي أنور قرقاش أن يقول: “على المستويات العليا في واشنطن هناك فهم كبير لما يجري”، بينما لا ينعكس هذا الفهم على تصرفات الإدارة الأمريكية فيما يبدو كما يدعى قرقاش تجاه الأزمة الخليجية، إذ يحاول البيت الأبيض دعم المحور السعودي الإماراتي، بينما قلب المؤسسة الأمريكية الذي يعرف قطر تمامًا يرفض الانجرار إلى طرف على حساب آخر في تلك الأزمة.
في آخر محاولات للحشد الدبلوماسي الخارجي ضد قطر، صرح وزير الدولة للشؤون الخارجية الإماراتي أنور قرقاش بأنهم يطالبون بآلية غربية لمراقبة قطر وإجبارها على الالتزام بأي اتفاق لإنهاء ما أسماه دعمها للإرهاب
وأوضح قرقاش أن الأمر يتعلق بتغيير قطر سياستها، وهو ما ترفضه الدوحة بشدة، إذ يقول: “إذا حصلنا على براهين واضحة بأنها ستتغير وستتوقف عن تمويل ودعم الإهاب، فإن هذا يعتبر أساسًا للحوار مع الحكومة القطرية، وكنا في عام 2014 قد حاولنا أن نفعل ما بوسعنا بالطرق الدبلوماسية، لكنها فشلت، لأن أمير قطر لم يلتزم بما تعهد به”.
حيرونا معهم
وعلى هذا يستمر قرقاش في فرض مطالب عمومية تنم عما تحدثت عنه قطر عن تخبط واضح، وعدم وضوح لما تريده الدول المقاطعة من قطر، أعرب وزير خارجية قطر الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني عن استغرابه من فرض السعودية والإمارات والبحرين “إجراءات جائرة” على بلاده، دون أن تكون لهم مطالب واضحة.
وأوضح في حوار مع تليفزيون قطر الرسمي، بُث مساء السبت، 17 من يونيو/حزيران 2017، أن التناقضات في التصريحات والاتهامات (من مسؤولي الدول المحاصِرة) أكبر دليل على هشاشة أساس هذا الخلاف، الذي لا نعرف خلفياته حقًا.
وقال وزير خارجية قطر: “هناك جهد حثيث من أشقائنا في الكويت وعلى رأسهم أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، للحصول على رؤية واضحة لمطالب هذا الخلاف (…) من هذه الدول التي اتخذت إجراءات جائرة ضد دولة قطر.”
وزير الخارجية القطري: التناقضات في التصريحات وإطلاق الاتهامات جزافًا أكبر دليل على هشاشة أساس هذا الخلاف، الذي لا نعرف خلفياته حقًا
وأردف: “إلى الآن لم يتم تسليم الكويت أي مطالب، ولم تسلم حتى لائحة اتهامات، وقد حيَّرتنا تصريحات المسؤولين من هذه الدول.”
وتابع: “مرةً يذكرون أنهم سيسلمون المطالب إلى الكويت، وأن الخلاف خليجي- خليجي، ويجب احتواؤه خليجيًا، ومرة أخرى يقولون إن المطالب ستسلم إلى الولايات المتحدة، ومرة أخرى يريدون أن تقوم قطر بإجراءات تتجاوب مع المطالب التي هي واضحة، ولا نعرفها للأسف.”
واعتبر أن هذا أكبر دليل على أن الخلاف مبني على أخبار مفبركة، وعلى جريمة قرصنة في وكالة الأنباء القطرية، 24 مايو/من أيار الماضي، ومطالب ليست جاهزة لديهم يستطيعون تسليمها حتى الآن، وعلى هشاشة الأساس الذي يقيمون عليه هذه الإجراءات الجائرة والمخالفة للقانون الدولي ضد دولة قطر وشعبها.”
وتعليقًا على تصريحات وزير الخارجية السعودي عادل الجبير، بأن السعودية تعمل مع شركائها على إصدار قائمة شكاوى وتسليمها للدوحة، قال آل ثاني: “مطالب تلك الدول ليست واضحة حتى الآن، فقد بدأت بمطالب وحديث عن خلاف خليجي يجب عدم تدويله، ووصلت لمطالب ستسلم للولايات المتحدة، والآن تحولت إلى قائمة شكاوى سيتم إعدادها”.
وأردف: “ما المطالبُ؟ المطالب ليست واضحة! إذًا لماذا هذا الخلاف؟ وهذه الإجراءات إذا كانت الشكاوى ليست معدة حتى الآن.” وتابع: “وهل عادةً تُحلُّ الشكاوى والخلافات باتخاذ الإجراءات، أم تُتخذ الإجراءات بعد استنفاد آليات الحوار الدبلوماسية المتعارف عليها دوليًا؟.”
وزير الخارجية القطري: هناك جهد حثيث من أشقائنا في الكويت وعلى رأسهم أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، للحصول على رؤية واضحة لمطالب هذا الخلاف
وأكد أن التناقضات في التصريحات وإطلاق الاتهامات جزافًا أكبر دليل على هشاشة أساس هذا الخلاف، الذي لا نعرف خلفياته حقًا، هل هناك خلفية صلبة وأساس صلب لهذا الخلاف وهذه الإجراءات أم لا، وأضاف: “هل هذه الإجراءات اتُّخذت لتغيير سياسة دولة قطر تجاه شيء خاطئ، مثلما يدعون، أم لفرض وصاية على دولة قطر، وهذا الأمر مرفوض وأوضحناه أكثر من مرة.”
وبيَّن أن “الخيار الاستراتيجي لدولة قطر هو الحوار لحل الأزمة، ويجب أن تحل المشاكل على الطاولة، ونتعامل مع المسألة بمسؤولية ونضج.”
جدير بالذكر أنه في الـ5 من يونيو/حزيران الحالي، قطعت السعودية والإمارات والبحرين علاقاتها مع قطر، وفرضوا عليها حصارًا بريًا وجويًا، لاتهامها بـ”دعم الإرهاب”، وهو ما نفته الأخيرة، وشدَّدت الدوحة على أنها تواجه حملة “افتراءات” و”أكاذيب” تهدف إلى فرض “الوصاية” على قرارها الوطني.