ربط تقرير لصحيفة نيويورك تايمز الأمريكية بين الصفقات التي كان يجريها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مع السعوديين والإماراتيين في السابق، وبين موقفه الحالي إزاء أزمة قطر مع الدول الخليجية الثلاث. وكشف التقرير، الذي أعده دافيد كيركباتريك، أن رجل الأعمال ترامب لم يدخل إلى سوق قطر المزدهر في الجوار، رغم أنه حاول مرارا وتكرارا ولسنوات طويلة.
وقال التقرير: “مارس الرئيس ترامب التجارة مع أعضاء من العائلة الحاكمة في المملكة العربية السعودية على مدى ما لا يقل عن عشرين عاما، وذلك منذ أن باع فندق بلازا إلى شركة أسسها أمير سعودي، كما جنى السيد ترامب الملايين من دولة الإمارات العربية المتحدة؛ من خلال وضع اسمه على ملعب للجولف، ويتوقع أن تشهد الإمارات افتتاح ملعب ثان على شاكلته قريبا.
ولكنه لم يدخل إلى سوق قطر المزدهر في الجوار، رغم أنه حاول مرارا وتكرارا ولسنوات طويلة. والآن، وبعد أن اندلع نزاع بين هذه الدول الثلاث، التي تعدّ من أهم حلفاء الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، وجدنا السيد ترامب يلقي بكامل ثقله خلف البلدين اللذين يمارس فيهما نشاطه التجاري، ما يثير القلق مجددا حول ما يظهر من تعارض بين دوره كرئيس للبلاد وما لديه من محفزات ومصالح مالية شخصية.
صرح السيد ترامب بأنه يدعم المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة؛ لأن قطر “ممول للإرهاب على أعلى المستويات”. إلا أن موقفه من قطر، والتي تستضيف أكبر قاعدة جوية أمريكية في المنطقة، يختلف بشكل حاد عن مواقف البنتاغون (وزارة الدفاع) ووزارة الخارجية، حيث التزم وزيرا الدفاع والخارجية الحياد، وحثا كافة الأطراف على توحيد الصفوف في مواجهة العدو المشترك، ألا وهو تنظيم الدولة الإسلامية.
يُذكر أن السيد ترامب هو أول رئيس للولايات المتحدة الأمريكية خلال أربعين عاما الذي يحتفظ بمصالحه التجارية الشخصية بعد ولوجه البيت الأبيض. أما المسؤولون الكبار الآخرون في السلطة التنفيذية، فيطلب منهم سحب استثماراتهم؛ ولذلك يقول ناقدوه بأن قراره المنفرد الاحتفاظ بإمبراطوريته التجارية العالمية سيثير شكوكا، لا محالة، حول دوافعه، خاصة عندما تتداخل قراراته ونشاطاته كرئيس للبلاد مع مصالحه التجارية.
يقول برايان إيغان، المستشار القانوني في وزارة الخارجية في إدارة الرئيس أوباما: “تشاهد البلدان الأخرى في الشرق الأوسط ما يجري، وتقول لنفسها إنه ربما ينبغي علينا أن نفتح ملاعب جولف أو ربما ينبغي علينا أن نشتري غرفا في مبنىترامبإنترناشيونال. وحتى فيما لو لم تكن نوايا الرئيس أو نوايا أحد من أفراد عائلته شريرة، إذا كان الرئيس سيستمر في جني المال من استثماراته التجارية في المناطق الحساسة حول العالم، فإن من شأن ذلك في الأغلب أن يكون له تداعياته”.
رفض المتحدث باسم البيت الأبيض الإجابة عن أسئلة تتعلق بما يظهر من تضارب في المصالح. واكتفى المتحدث، واسمه مايكل شورت، بالقول في رسالة بعثها عبر الإيميل فقط إن الرئيس ترامب بادر “رسميا بسحب نفسه” من إدارة أعماله التجارية التي تعرف باسم منظمة ترامب.
إن الابتعاد عن مهام الإدارة المباشرة دون التخلي عن الملكية لا يقلص المحفزات المالية ولا التضارب في المصالح لدى السيد ترامب، حسبما حذر منه مدير مكتب الأخلاق الحكومية قبيل تنصيب ترامب.
يعود تعامل السيد ترامب التجاري مع السعوديين إلى العام 1995، عندما باع فندق البلازا إلى شركة أسسها أمير سعودي ومستثمر من سنغافورة
وكان الخلاف في الخليج العربي نشب يوم الخامس من حزيران/ يونيو، عندما قطعت المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة وحلفاؤهما العرب جميعا التعامل التجاري والسفر والعلاقات الدبلوماسية مع قطر؛ عقابا لها على ما قالوا إنه دعمها للإرهاب. إلا أن الخبراء في شؤون المنطقة والدبلوماسيين الأمريكيين يقولون إن النزاع يظهر أن له علاقة بالتنافس على النفوذ والسيادة أكثر من أي شيء آخر.
وكانت السفيرة الأمريكية في قطر، دانا شيل، علقت على الخلاف من خلال إعادة تغريد بيان صادر عن وزارة المالية الأمريكية يشيد بقطر لاتخاذها إجراءات تحول دون وصول التمويل إلى المتطرفين. كتبت تقول: “شراكة عظيمة، وتقدم حقيقي”. (إلا أنها ما لبثت أن تخلت عن موقعها بعد أيام قليلة، فيما اعتبرته وزارة الخارجية خطوة كانت السفيرة خططت لها منذ وقت طويل).
وبعد أيام قليلة، صدر عن وزير الخارجية ريكس دبليو تيلرسون تصريح دعا فيه قطر “للاستجابة إلى ما يقلق جيرانها”. ولكنه أضاف: “ندعو المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة والبحرين ومصر إلى تخفيف الحصار المفروض على قطر”. وأشار إلى أن النزاع يعود بالضرر على التجارة الدولية ويعيق الحملة العسكرية ضد تنظيم الدولة الإسلامية.
إلا أن السيد ترامب، من جهة أخرى، أعلن تأييده للحصار منذ لحظاته الأولى. وكان قد عاد قبل ذلك بأيام قليلة من قمة في الرياض، عاصمة المملكة العربية السعودية، حضرها زعماء جميع دول الخليج، وأعلن عبر حسابه في تويتر بأن القمة “بدأت في جني الثمار”.
ثم عاد السيد ترامب ليدافع عن الحصار تارة أخرى، بعد ساعات قليلة من تصريح السيد تيلرسون الذي حث فيه الدول التي تفرضه على إنهائه. ففي معرض حديثه عن الإرهاب، قال السيد ترامب: “لقد حان الوقت لمطالبة قطر بالتوقف عن التمويل”.
يعود تعامل السيد ترامب التجاري مع السعوديين إلى العام 1995، عندما باع فندق البلازا إلى شركة أسسها أمير سعودي ومستثمر من سنغافورة. وتمكن السيد ترامب بفضل هذه الصفقة التي عادت عليه بمبلغ قدره 325 مليون دولار من الإفلات من التخلف عن سداد ديونه. (يقال إن هذا الأمير نفسه هو الذي اشترى قارب السيد ترامب بمبلغ قدره 18 مليون دولار قبل أربعة أعوام من ذلك).
وكان ترامب قال في حشد جماهيري في شهر آب/ أغسطس من عام 2015 في مدينة موبايل، بولاية ألاباما إن السعوديين: “يشترون الشقق مني”. وأضاف: “ينفقون 40 مليون دولار، 50 مليون دولار. هل يفترض بي أن أكرههم؟ لا، بل أحبهم جدا”.
في تلك الفترة ذاتها، تقدمت شركته بمعاملات لتكوين ثماني مؤسسات غير فاعلة في المملكة العربية السعودية، ربما لأنه كان يتوقع إبرام صفقة في جدة لم يكتب لها أن تثمر تتعلق بفندق أو رخصة ما.
وفي شهر أيار/ مايو، وافق حكام المملكة على استثمار 20 مليار دولار في صندوق لتنفيذ مشاريع بنية تحتية داخل أمريكا، قيل إنه جزء من مبادرة بطلها هو السيد ترامب نفسه. وتم تحويل الاستثمار البالغ 20 مليار دولار إلى صندوق أقامته بلاكستون للإدارة المالية، وهي هيئة يرتبط مؤسسها بعلاقة وطيدة بالسيد ترامب وبابنته إيفانكا وبزوجها جاريدكوشنر.
من المعروف أن كبار المستثمرين في قطاع العقارات في دولة الإمارات العربية المتحدة يعتمدون في واقع الأمر على حكام البلاد، الذين يملكون إجازة أو إعاقة المشاريع، حسبما أرادوا
وأما دولة الإمارات العربية المتحدة، فكانت أول صفقة للسيد ترامب فيها في عام 2005 داخل دبي، وكانت عبارة عن مشروع إنشاء فندق بالتعاون مع شركة عقارية مملوكة للدولة. لكنه انسحب من المشروع على إثر أزمة عام 2008. ثم ما لبث السيد ترامب أن عاد هو واثنان من أبنائه، الآنسة ترامب ودونالد الابن، إلى المنطقة يبحثون فيها عن فرص تجارية جديدة.
وفي عام 2013، ربط السيد ترامب مع حسين سجواني، أحد كبار المستثمرين في قطاع العقارات، والذي يشار إليه في بعض الأوقات على أنه دونالد دبي. من المعروف أن كبار المستثمرين في قطاع العقارات في دولة الإمارات العربية المتحدة يعتمدون في واقع الأمر على حكام البلاد، الذين يملكون إجازة أو إعاقة المشاريع، حسبما أرادوا.
وافق السيد ترامب على إدارة ملعب جولف يشكل جزءا من مشروع تقيمه داماك، الشركة التي تعود ملكيتها إلى السيد سجواني. ذهب السيد ترامب يعلق لوحات إعلانية ضخمة تظهر صورة الآنسة ترامب، عارضة الأزياء السابقة والمديرة التنفيذية في شركته، في كل أنحاء المدينة ليروج لعقاراته، ووصف مشروع دبي حينها بأنه “أعظم مجمع غولف في آسيا”. وفي عام 2014، وافق على إدارة ملعب غولف ثاني يملكه السيد سجواني.
جنى السيد ترامب من ملاعب الجولف ما بين 2 إلى 10 مليون دولار حتى قبل أن تفتح، وذلك حسبما ورد في أوراق إعلان الدخل المالي التي قدمت رسميا في مايو/ أيار 2016. ثم بعد انتخاب السيد ترامب رئيسا للولايات المتحدة، عرض عليه السيد سجواني أن يدفع له ملياري دولار إضافيين لتطوير مزيد من العقارات. لم ترد شركة السيد سجواني على الرسائل التي بعثنا بها إليها.
عندما كان رئيسا منتخبا، قال السيد ترامب إنه رفض العرض. ثم قال في يناير: “لم أكن مضطرا لرفض العرض”. وقصد بذلك الإشارة إلى أن الرؤساء معفيون من قوانين الأخلاق التي يقصد منها الحيلولة دون وقوع مثل هذا التضارب.
عندما حضر السيد سجواني حفلة ليلة رأس السنة الميلادية التي نظمها السيد ترامب في منتجعه مار-أ-لاغو، أشاد السيد ترامب بعائلة سجواني، وقال إنهم “ناس حلوين”. وبعد ذلك بأسابيع قليلة، شارك ولداه دونالد الابن وإريك في افتتاح أول ملعب للجولف، وفي السادس عشر من أيار/ مايو ، نشر السيد سجواني على حسابه في إنستغرام صورة له مع ترامب وهما يتناولان العشاء في دبي، وكتب تحتها السيد سجواني إنهما ناقشا “أفكارا وإبداعات جديدة”.
يقول السيد ترامب في أوراق إعلان الدخل المالي، التي نشرت يوم الجمعة، إن دخله من دبي تقلص بشكل حاد إلى ما يقرب من 13 ألف دولار على مدى ستة عشر شهرا تقريبا، ولم يوضح الأسباب. هذا ويتوقع أن يفتتح ملعب ترامب الثاني للجولف في عام 2018.
إضافة إلى ذلك، بحث السيد ترامب والآنسة ترامب عن صفقات في الدوحة، في دولة قطر، وعمدت منظمة ترامب إلى تأسيس عدد من المؤسسات الاسمية هناك. وكانت الآنسة ترامب قالت في مقابلة مع صحيفة جالف نيوز الإماراتية بعد رحلة قامت بها إلى قطر في عام 2010 بحثا عن فرص استثمارية: “إن النمو والتطور في الدوحة واعد ومذهل”.
“هل كان يخطر ببال أحد أنه قبل خمسة أو عشرة أعوام، عندما كان رجال الأعمال يرفضون التعامل مع رجل الأعمال ومقدم برنامج تلفزيون الواقع في نيويورك، أنهم كانوا يخاطرون بأمن بلادهم؟”
إلا أن عائلة ترامب كانت أقل حظا في الدوحة، والعمل الوحيد الذي قاموا به في قطر هو تأجير بعض المساحات داخل برج ترامب في مانهاتن كمكاتب لشركة الطيران القطرية، إلا أن الخطوط ما لبثت أن أخلت المكاتب قبل أن يصبح السيد ترامب رئيسا.
والآن يتساءل بعض الناس في قطر عما إذا كان تفويتهم لفرصة العمل التجاري مع ترامب ربما كان خطأ ارتكبوه. وقد كتب كلايتونسويشر، الصحفي الذي يعمل في شبكة الجزيرة المملوكة لقطر، مقالا عن هذه القضية مؤخرا، ومما جاء فيه:
“هل كان يخطر ببال أحد أنه قبل خمسة أو عشرة أعوام، عندما كان رجال الأعمال يرفضون التعامل مع رجل الأعمال ومقدم برنامج تلفزيون الواقع في نيويورك، أنهم كانوا يخاطرون بأمن بلادهم؟”
المصدر: عربي21