بعد أكثر من شهر على سريان اتفاق خفض التصعيد في سوريا والذي يشمل أربع مناطق هي محافظات إدلب وحلب وحماة وأجزاء من اللاذقية، تبين الوقائع الميدانية أن المستفيد الأكبر من تلك المناطق هو النظام السوري، على الرغم من انخفاض عدد القتلى للمرة الأولى منذ اندلاع الثورة في عام 2011 إذ بلغت حصيلة ضحايا العمليات القتالية 196 شخصًا، هم 108 مدنيين، بينهم 29 طفلاً و8 سيدات، إضافة إلى 88 من مقاتلي فصائل المعارضة.
عمل النظام على ضمان سيطرته على المناطق المشمولة بخفض التصعيد وتثبيتها وتفرغ إلى بسط نفوذه على مناطق خارج سيطرته في عدد من المحافظات، فإذا كان هذا الحال بأستانة 4 فكيف سيكون إذًا في أستانة 5 المقرر عقده مطلع الشهر المقبل! والمصيبة أن كل اتفاق سابق لم يكن يحقق القدر الأدنى من أهدافه للمعارضة سرعان ما كان ينهار وتبدأ جولات أخرى لاتفاق آخر، إلا أن هذا الاتفاق لا يزال ساريًا حتى اللحظة على الرغم من تجاوزات النظام والخروقات الكثيرة التي ارتكبها، وبعد فترة محددة سيفرز الاتفاق نشر وحدات من قوات الدول الثلاثة لحفظ الأمن في مناطق محددة يتم الاتفاق على ترسيم حدودها الآن بين كل من روسيا وإيران وتركيا.
النظام السوري يسيطر
بالنظر إلى ما حققه النظام السوري والمعارضة بعد مضي شهر من الاتفاق، سيظهر أن المعارضة خسرت العديد من المناطق لصالح النظام، وهي مناطق لا أقل أن يُقال عنها إنها استراتيجية، إذ سيطر النظام على الجهة الشرقية من العاصمة دمشق مثل أحياء برزة وتشرين والقابون وهي مناطق لم تكن مشمولة في الاتفاق إذ شن عليها حملة شرسة أدت في نهاية المطاف لفرض تسوية قبِل فيها الأهالي على مضض الخروج من منازلهم إلى الشمال السوري، بالإضافة إلى حي الوعر في مدينة حمص الذي سمح للنظام السوري بالسيطرة الكاملة على مدينة حمص لأول مرة منذ انطلاق الثورة.
تبين الوقائع الميدانية أن المستفيد الأكبر من تلك المناطق هو النظام السوري، على الرغم من انخفاض عدد القتلى للمرة الأولى منذ اندلاع الثورة في عام 2011
التحرك الأكبر خلال هذا الشهر كان باتجهين أحدهما في الجنوب السوري بمحاولة السيطرة على مدينة درعا وشن حملة عسكرية هي الأعنف على المدينة حتى الآن، والجهة الأخرى كانت البادية السورية حيث تمكنت قوات النظام من السيطرة على نحو 20 ألف كيلومتر مربع من البادية السورية على حساب تنظيم الدولة بشكل أساسي في محافظات حمص وريف دمشق والسويداء وهي مساحات تعادل 90% من مساحة سوريا كاملة.
شهدت البادية السورية ساحة مستعرة للنظام ومليشياته إذ حشد نحو 9 آلاف مقاتل من المليشيات الإيرانية وقوات النظام من الحرس الجمهوري والفرقة الرابعة، وعلى إثر انسحاب تنظيم الدولة من مناطق معينة في البادية، وسع النظام سيطرته على تلك مناطق، إذ تقدم نحو حقول الفوسفات في خنيفيس، وسيطر بشكل كامل على طريق دمشق تدمر وجبل النصراني والعبد وقرية البصيرة وقرية الباردة، وبالتالي أصبحت فصائل المعارضة الموجودة في القلمون الشرقي معزولة بالكامل ومحاصرة من قبل قوات النظام.
تمكنت قوات النظام من السيطرة على نحو 20 ألف كيلومتر مربع من البادية السورية على حساب تنظيم الدولة بشكل أساسي في محافظات حمص وريف دمشق والسويداء وهي مساحات تعادل 90% من مساحة سوريا كاملة.
أصبح التقدم من ناحية الشرق إلى دير الزور نقطة صراع إقليمي دولي وتحدٍ للنظام ولفصائل المعارضة الموجودة في البادية، والتي ينتمي معظم منتسبيها إلى محافظة ديرالزور، وللمحافظة أهمية بالغة بالنسبة للجميع فهي تضم الاحتياطي النفطي الأكبر في سوريا، فالنظام يسعى لإنتاج نفسه على سبيل المشاركة في الحرب على “داعش” وروسيا تريد خلط الأوراق شرقي سوريا لإعادة الولايات المتحدة إلى طاولة المفاوضات، وإيران تسعى لتأمين طريقها الاستراتيجي نحو المتوسط يمر من منتصف البادية السورية.
فالمخطط الإيراني يقوم على الحصول على طريق إمداد بري من إيران إلى البحر المتوسط ليعبر كل من العراق وسوريا ولبنان، وقد تم تحويل طرق القوات الإيرانية نحو مدينتي دير الزور والميادين لتجنب التصادم مع القوات الأمريكية في مناطق الأكراد في شمال شرق سوريا، وفي مثلث التنف الذي يحوي قاعدة عسكرية أمريكية لتدريب قوات المعارضة.
وتسعى القوات الأمريكية من خلال دعم فصائل المعارضة وتقديم أسلحة لها بشكل متزايد، للتقدم نحو دير الزور وانتزاعها من “داعش” وقد فرضت منطقة عازلة في محيط معبر التنف بقطر 75 – 90 كيلومترًا لمنع مليشيا الحشد الشعبي العراقية والمليشيات الإيرانية المقاتلة في سوريا من وصل مناطق سيطرتهما عبر الحدود.
النظام السوري يسعى لإنتاج نفسه عبر المشاركة في الحرب ضد “داعش” وروسيا تريد خلط الأوراق شرقي سوريا لإعادة الولايات المتحدة إلى طاولة المفاوضات، وإيران تسعى لتأمين طريقها الاستراتيجي نحو المتوسط يمر من منتصف البادية السورية.
أما روسيا فهي الأخرى تسعى منذ توقيع اتفاقية خفض التصعيد للتركيز على دير الزور والمشاركة في الحرب هناك، إذ سيمكنها هذا من تغيير موازين القوى بهدف الضغط على الولايات المتحدة للعودة إلى طاولة المفاوضات بعدما شكل غياب دورها الفاعل عن المؤتمرات السياسية بشأن سوريا في جنيف وأستانة الشرعية الدولية للوجود الروسي في سوريا.
الجنوب السوري إلى الواجهة من جديد
أسابيع من القصف المكثف والمتواصل على درعا من قبل طيران الأسد وروسيا والتي خلفت حتى الآن ما يقرب من 88 قتيلاً وعشرات الجرحى، في مسعى منها لمساندة القوات البرية التي تحاول فتح الطريق إلى معبر الجمرك القديم عبر اقتحام طريق السد أو مخيم اللاجئين الفلسطينيين واستعادة حي المنشية، إلا أنها فشلت حتى الآن في ذلك.
خلفت الحملة الشرسة على درعا من قبل طيران الأسد وروسيا ما يقرب من 88 قتيلاً وعشرات الجرح
وبعد أكثر من 199 غارة جوية و645 قذيقة مدفعية وصاروخ من البراميل المتفجرة و”فيل” ووالنابالم الحارق، أعلنت قوات النظام السوري وبرعاية روسية عن إيقاف عملياتها العسكرية لمدة 48 ساعة في درعا دعمًا لما وصفته بجهود المصالحة الوطنية، وقد رحبت الولايات المتحدة بإعلان النظام تعليق عملياته العسكرية في جنوب سوريا وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأمريكية سنحكم على هذه المبادة بالنتائج لا بالكلمات.
وبمجرد إعلان وقف النار في درعا دعا ديمستورا إلى استئناف مفاوضات السلام في جنيف في 10 الشهر المقبل بعد اجتماع أستانة مطلع الشهر المقبل، يأتي هذا بعد قمة بين ترامب وبوتين من المتوقع أن تعقد على هامش قمة العشرين في هامبورغ يومي 7 و 8 من الشهر المقبل، ضمن مساعي بوتين لعقد صفقة قبل انتخاباته الرئاسية بداية العام، وكان ترامب اقترح إقامة مناطق آمنة في سوريا، إلا أن روسيا طورتها إلى مناطق خفض تصعيد على أمل أن تكون منصة لتسوية سياسية شاملة.
بوتين يسعى في قمته مع ترامب على هامش قمة العشرين في هامبورغ يومي 7 و 8 من الشهر المقبل، لعقد صفقة في سوريا قبل انتخاباته الرئاسية بداية العام.
وبحسب مقال لإبراهيم الحميدي في الشرق الأوسط فإن صمود وقف النار في درعا سيحدد مدى اقتراب الجولات المقبلة لجنيف من القضايا الجوهرية المتعلقة بالانتقال السياسي، وحسب الصحيفة فإن اتفاق درعا جاء ثمرة المحادثات الأمريكية الروسية في الأردن، لإقامة منطقة آمنة جنوب سوريا على أن تشمل مجموعة من المبادئ هي وقف النار بين النظام والمعارضة، ومحاربة داعش والتنظيمات المتطرفة، والسماح ببقاء المجالس المحلية، وإدخال المساعدات الإنسانية، وإعادة فتح معبر نصيب الحدودي مع الأردن بإدراة النظام السوري، وأخيرًا وجود رمزي لدمشق وعسكري لروسيا في درعا مقابل عدم وجد لإيران وحزب الله في المكان.
وبهذا يصبح الجنوب السوري في درعا وشرق سوريا في دير الزور ساحتين لصراع دولي إقليمي من المتوقع أن يحددا ملامح مستقبل سوريا بكل تجلياته وتعقيداته.