ترجمة وتحرير نون بوست
كتب كيت برانن، دان دي لوسي، بول ماكليري
أفاد مصدران مطلعان على المداولات التي تدور داخل أسوار إدارة دونالد ترامب أن عددا من كبار المسؤولين في البيت الأبيض يمارسون جملة من الضغوط من أجل توسيع العمليات العسكرية في سوريا، نظرا لأن ذلك سيتيح لهم فرصة مواجهة إيران وقواتها بالوكالة في ساحة المعركة هناك. وعلى رأس هؤلاء المسؤولين، ازرا كوهين – واتنيك، كبير مديري الاستخبارات في مجلس الأمن القومي وديريك هارفي، كبير مستشاري مجلس الأمن القومي لقضايا الشرق الأوسط الذين يرغبان في أن تشن الولايات المتحدة عمليات عسكرية في جنوب سوريا. والجدير بالذكر أن الجيش الأمريكي قد قام، خلال الأسابيع الأخيرة، باتخاذ مجموعة من الإجراءات الدفاعية ضد القوات المدعومة من قبل إيران الذين يساندون الرئيس السوري بشار الأسد.
في الأثناء، أثارت مطامع كل من واتنيك وهارفي حفيظة الصقور الأمريكيين الذين يناهضون إيران بمن فيهم وزير الدفاع جيمس ماتيس، الذي أطاح بمخططات كلا المسؤولين في العديد من المناسبات. والجدير بالذكر، أن الوضع في جنوب سوريا قد تأزم بشكل ملحوظ خلال الأسابيع الأخيرة خاصة بعد أن أسقطت طائرة حربية أمريكية طائرة من دون طيار إيرانية الصنع هاجمت القوات الأمريكية التي كانت تقوم بدوريات مع حلفاء سوريين قرب موقع أمريكي في الطنف. وجاء هذا الهجوم إثر استهداف غارتين أمريكيتين لميليشيات شيعية مدعومة من قبل إيران، كانت قريبة جدا من موقع عسكري تابع للولايات المتحدة.
على الرغم من الموقف العدواني الذي تبناه بعض المسؤولين في البيت الأبيض، إلا أن كل من ماتيس والقادة العسكريين وكبار الدبلوماسيين الأمريكيين يعارضون فتح جبهة أوسع ضد إيران ووكلائها في جنوب شرق سوريا، خاصة وأنها قد تكون خطوة محفوفة بالمخاطر يمكن أن تدفع بالولايات المتحدة إلى مواجهات خطيرة مع إيران. علاوة على ذلك، قد يدفع أي اشتباك مباشر مقاتلي إيران إلى الانتقام من القوات الأمريكية المنتشرة في العراق وسوريا، مع العلم وأن طهران قد قامت بتسليح الآلاف من مقاتلي الميليشيات الشيعية ونشرت مئات الضباط من الحرس الثوري في المنطقة.
من جانب آخر، يصب كل من ماتيس، ورئيس الأركان المشتركة، الجنرال جوزيف دانفورد، والدبلوماسي الأمريكي المشرف على التحالف المناهض لتنظيم الدولة، بريت ماكغورك، جل تركيزهم على دفع تنظيم الدولة للخروج من معاقله المتبقية، بما في ذلك مدينة الرقة الواقعة في جنوب سوريا. وفي هذا الصدد، ذكر أحد المسؤولين أن “هذه هي الإستراتيجية التي سنعمل على تنفيذها وستنصب كل الجهود لتحقيق ذلك”.
والجدير بالذكر، أن البيت الأبيض رفض التعليق على الموضوع. في المقابل، أعلن البنتاغون أنه لا ينوي مواجهة القوات التي تدعم الرئيس السوري بشار الأسد، ما لم تعمد إلى استفزازه. من جانبها، أوردت القيادة المركزية الأمريكية التي تشرف على العمليات العسكرية في الشرق الأوسط في بيان صادر بتاريخ 6 من حزيران/يونيو، أن “الائتلاف لا يسعى إلى محاربة النظام السوري أو القوات الموالية له، لكنه سيبقى على أهبة الاستعداد للدفاع عن نفسه في حال رفضت القوات الموالية للنظام إخلاء مناطق نزع السلاح”.
في الحقيقة، لا تعد هذه المرة الأولى التي يضطر فيها كل من ماتيس ودانفورد للتصدي لمقترحات البيت الأبيض التي تحث على تبني عمليات عدوانية، الأمر الذي يعتبرونه مستحيلا بل خطوة متهورة. وفي وقت سابق، عارض الاثنان فكرة مبدئية كانت تقوم على إرسال قوة برية أمريكية كبيرة إلى سوريا للإطاحة بتنظيم الدولة بدلا من الاعتماد على المقاتلين الأكراد والعرب السوريين المحليين الذين يحظون بدعم من قبل الكوماندوز الأمريكي.
يتزامن هذا الخلاف مع مراجعة البيت الأبيض لسياسته تجاه إيران، التي انطلقت منذ أشهر والتي تشمل دراسة دور الضباط العسكريين الإيرانيين والوكلاء الذين يدعمون النظام السوري والاتفاق النووي المتعدد الأطراف مع طهران. وفي هذا الإطار، كشف تقييم السياسة العامة عن انقسامات في صلب الإدارة الأمريكية حول الوقت الأنسب لمواجهة إيران في سوريا.
في سياق متصل، أفادت دانييل بليتكا، رئيسة دراسات السياسة الخارجية والدفاعية في معهد “أميركان إنتربرايز”، التي لطالما انتقدت الإدارة السابقة ووصفتها بالضعيفة، قائلة: “لا أعتقد أن لدينا إستراتيجية جادة وواضحة للحرب في سوريا، كما نفتقر لإستراتيجية ردعية بشأن إيران علما وأن هاتين الإستراتيجيتين تتماشيان معا”. وأضافت بليتكا أن “سوريا تعد بمثابة شريان الحياة بالنسبة لإيران، لقد أثبت لنا الإيرانيون مرارا وتكرارا مدى التزامهم ببقاء الأسد في السلطة. تعتبر فكرة عودة الإيرانيين إلى سوريا حكيمة، ولكن كيف ستكون نهاية اللعبة؟”.
في واقع الأمر، تمثل الحرب الأهلية السورية بالنسبة للصقور الأمريكيين المناهضين لإيران داخل وخارج الإدارة الأمريكية، حدثا محوريا سيحدد ما إذا كانت إيران أو الولايات المتحدة ستنجح في فرض نفوذها على العراق وسوريا. فضلا عن ذلك، يخشى هؤلاء الصقور الأمريكيون من سيناريو محتمل يتمثل في بروز طهران بصفتها اللاعب المهيمن على الممر الأرضي عبر العراق وسوريا ولبنان في حال تراجعت واشنطن.
وفي هذا السياق، أورد كولن كاهل، الذي شغل سابقا منصب مستشار الأمن القومي تحت إمرة نائب الرئيس السابق، جو بايدن أن “شن حرب واسعة النطاق ضد المقاتلين المدعومين من إيران في سوريا أمر غير ضروري وخطير للغاية”. وأردف كاهل أن استهداف الوكلاء الإيرانيين في سوريا سيؤدي إلى تأزم العلاقات مع العراق الذي يسيطر عليه الشيعة “وتدمير العلاقة الإستراتيجية” مع بغداد.
وأضاف كاهل أن هذه الخطوة ستعرض الآلاف من القوات الأمريكية فى العراق لخطر كبير حيث ستسعى الميليشيات الشيعية للانتقام منها في ظل اقتراب القوات بقيادة الولايات المتحدة من هزيمة تنظيم الدولة. وفي هذا الصدد، أوضح كاهل أنه “ليس هناك من داع، في الوقت الراهن، لمواجهة إيران نظرا لأن الدخول في منافسة مع طهران في العراق وسوريا ليس بالأمر الهين الذي قد يحل وينتهي خلال الشهرين المقبلين”.
عموما، وجه الرئيس دونالد ترامب خطابا قاسيا وحاد اللهجة لإيران. وإن دل ذلك على شيء فهو يدل على أن ترامب يعتزم مواجهة طهران على الرغم من أن إدارته لم تتخذ بعد أي إجراء دراماتيكي على هذا النحو. وفي حين اعتبر خطاب ترامب الذي ألقاه في المملكة العربية السعودية في أوائل مايو / أيار، أنه يهدف إلى توحيد العالم الإسلامي، فقد أوضح أيضا أن الولايات المتحدة سوف تتخذ جانبا من الصراع الطائفي في الشرق الأوسط. فقد اختارت واشنطن دعم الدول العربية السنية في محاولة منها لعزل الدول الشيعية – التي تحكمها إيران. وفي الأثناء، رحب ملوك الخليج وإسرائيل بموقف ترامب وتعهده بمواجهة إيران.
من جانب آخر، دعا بعض المسؤولين في الإدارة الأمريكية للتدخل ضد إيران في اليمن، من خلال تكثيف الدعم المقدم للتحالف الذي تقوده السعودية الذي يقاتل المتمردين الحوثيين، المدعومين من قبل إيران. وعلى غرار سوريا، يعد تنامي الدور الأمريكي في اليمن خطوة محفوفة بالمخاطر. وفي هذا الصدد، أشار الخبراء إلى أن التعامل مع اليمن على اعتبارها حرب بالوكالة من قبل إيران، من شأنه أن يؤدي إلى نتائج عكسية لا يحمد عقباها. وفي معركتهم ضد المتمردين الحوثيين، عملت القوات الموالية للرئيس المخلوع عبد ربه منصور هادي، والائتلاف الذي تقوده السعودية، جنبا إلى جنب مع العناصر الفاعلة المحلية التي يشتبه في ارتباطها بتنظيم القاعدة.
في الحقيقة، يشوب الغموض موقف مستشار الأمن القومي، هربرت ماكماستر فيما يتعلق بكيفية الرد على الوكلاء الإيرانيين في سوريا، ولكن من المحتمل أن يكون في صف ماتيس كما قد يدعم موقف وزارة الدفاع نظرا لخلفيته العسكرية. والجدير بالذكر أن ماكماستر عمل سابقا مع واتنيك وهارفي، وكلاهما عمل لحسابه، ولكن وفي بعض الأحيان كان موقف الرجلان مغايرا تماما لوجهة نظر ماكماستر .
وفي شأن ذي صلة، رجح مستشار الأمن القومي السابق مايكل فلين الكفة لصالح كوهين- واتنيك البالغ من العمر 30 سنة. وفي الأثناء، يعتبر بعض المسؤولين أن واتنيك يفتقر إلى الخبرة اللازمة. من جهتهم، صرح بعض العاملين في وكالة المخابرات المركزية أن واتنيك فضلا عن هارفي، مستشار الاستخبارات العسكرية تحت إمرة الجنرال المتقاعد، ديفيد بترايوس، أثناء عمله في العراق، شخصان غير موثوق بهما. ونقلت صحيفة “نيويورك تايمز” مؤخرا تصريحات كوهين- واتنيك، الذي أورد أنه قد “أبلغ مسؤولين آخرين في الإدارة أنه يريد توظيف جواسيس أمريكيين للمساعدة في الإطاحة بالحكومة الإيرانية”.
من جانب آخر، حاول ماكماستر نقل كوهين-واتنيك إلى منصب آخر ومختلف داخل مجلس الأمن القومي إبان توليه لمنصب مستشار الأمن القومي. وحتى يتمكن من إنقاذ منصبه، ناشد كوهين – واتنيك المستشارين الرئيسيين في البيت الأبيض ألا وهما ستيف بانون وجاريد كوشنر، اللذين طلبا من ترامب منع تنفيذ هذا القرار. من جهته، حاول هارفي أن يستولي على منصب رئيسه، كما سعى للحصول على ما يسمى “بمبادرة أوباما” التي أطلقها مجلس الأمن القومي من خلال مناشدة ترامب ورئيس الإستراتيجيين ستيف بانون، ولكن ماكماستر رفض ذلك.
وفي الوقت الذي يتباحث فيه المسؤولون في واشنطن بشأن الإستراتيجية التي يجب اتباعها في حين يتنافس آخرون على النفوذ في صلب الإدارة الأمريكية، تتصاعد وتيرة الأحداث على أرض المعركة في سوريا بسرعة، مما يزيد من إمكانية نشوب صراع بين الطرفين الأمريكي والإيراني بطريقة غير مخطط لها. وفي الأثناء، واصل المقاتلون الموالون للأسد، الذين يعدون مزيجا من الميليشيات الشيعية والقوات السورية فضلا عن ميليشيات حزب الله اللبناني إلى جانب مستشاري فيلق الحرس الثوري الإيراني، تنفيذ جملة من العمليات بالقرب من القوات الأمريكية في قاعدة التنف على الرغم من التحذيرات المتكررة من قبل واشنطن.
وفي سياق متصل، صرح ضباط الجيش الأمريكي أنهم لن يترددوا في استهداف العملاء الإيرانيين في حال تعرضت قوات العمليات الخاصة الأمريكية للخطر. وفي هذا الصدد، قال أحد الضباط، أنه “في حال واجه أتباعنا على الأرض أي تهديد فإننا سنستخدم القوة الجوية سواء ضد قوات النظام أو القوات الموالية له”.
المصدر: فورين بوليسي