يسود شعور أن الموقف الذي سجلته كل من دولتي عُمان والكويت كان أساسيًا في تخفيف التصعيد من المحور الرباعي الإمارات والسعودية والبحرين ومصر، بعدما فرضت الدول الأخيرة حملة عقوبات وقطع للعلاقات الدبلوماسية مع قطر، إذ يرى مراقبون أن في حالة نجاح هذا المحور فرض وصايته على قطر سيأتي الدور بعده على هاتين الدولتين، لذا ينبع موقف الكويت وعُمان من الأزمة الخليجية انطلاقًا من معطيات أهمها حرص هاتين الدولتين على عدم وصول محاولات فرض الوصاية عليهما في حال نجحت الحملة على قطر.
بالنسبة لعُمان فهي بلد تتمتع باستقلالية كبيرة عن دول مجلس التعاون الخليجي، وتتبنى رؤية سياسية مختلفة تتمثل في الابتعاد عن سياسات المحاور والاصطفافات وفي أحيان الانعزال عنها، ويُذكر أن لها تجربة مع الإمارات قبل 5 سنوات بعدما تم اكتشاف خلية تجسسية إماراتية في مسقط، واندلعت على إثرها أزمة دبلوماسية بين البلدين إلا أن أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الصباح قام بدور الوسيط منهيًا قطيعة العلاقات بين البلدين آنذاك.
الموقف الذي سجلته كل من دولتي عمان والكويت كان أساسيًا في إفشال الأزمة الخليجية وتخفيف التصعيد من المحور الرباعي الذي فرض عقوبات على قطر
ثم تأتي بعد ذلك سياستها المنفتحة على العالم وإيران في المقدمة عدو السعودية اللدود، إذ قامت عمان برعاية مفاوضات الاتفاق النووي بين دول الخمسة زائد واحد مع إيران، وتربطها بإيران علاقات اقتصادية وسياسية جيدة، بالإضافة إلى أنها لم تشارك في الحرب على اليمن وتتميز ببيئة متباينة ثقافيًا ودينيًا عن الخليج، وهذه كلها عوامل جعلتها غير قابلة للابتزاز في الأزمة الخليجية، بينما اكتفت بإرسال وزير خارجيتها ابن علوي إلى كل من قطر والكويت وامتدحت جهود الوساطة الكويتية في حل الأزمة.
قطر وعُمان.. نحو مزيد من التعاون
العلاقة بين عمان وقطر يسودها الهدوء وبعيدة عن الاحتقان أو أي مشاكل في الأعوام الماضية، وتعتبر البلدان شريكان متفاعلان في كل المجالات إلا أن ثقل العلاقات السياسية والاقتصادية القطري كان متوجهًا نحو الإمارات والسعودية بشكل أكبر من عُمان، إلا أن هذا الثقل سيميل لصالح كل من الكويت وعمان بعد قطع الدول الثلاثة الخليجية علاقاتها مع قطر.
غرفة قطر سترسل وفدًا كبيرًا يضم 70 من رجال الأعمال القطريين يوم الثلاثاء المقبل إلى سلطنة عمان في زيارة لبحث سبل تعزيز العلاقات التجارية بين البلدين وزيادة التبادل التجاري بينهما
فعوضًا عن دخول عمان في خط الأزمة مع قطر آثرت الحكومة العمانية تعزيز العلاقة الاقتصادية مع القطريين والمنافسة لتكون إحدى الأسواق البديلة التي فقدتها قطر مع جيرانها المقاطعين، حيث بدأت الشركات العمانية تصدير المنتجات الغذائية وغير الغذائية إلى الدوحة، وافتتح خطان ملاحيان تجاريان بين البلدين (بين ميناء حمد وميناء صحار العماني)، وأبدت شركات عمانية عديدة على الفور استعدادها لتوريد المنتجات الغذائية إلى السوق القطرية، ومن جهتها بدأت العديد من الشركات القطرية اتصالاتها مع شركات عمانية من أجل استيراد البضائع منها.
انطلاقًا من ضعف العلاقات التجارية بين قطر وعُمان تسعى كلتاهما إلى تعزيز التعاون بشكل أكبر في هذه المرحلة، ومحاولة قطر تعويض النقص الحاصل بسبب العقوبات والحصار الذي فرض عليها من الدول الخليجية الثلاثة.
حيث يبلغ حجم التبادل التجاري بين قطر ودول الخليج 10.4 مليار دولار، وقد أظهرت بيانات وزارة التخطيط التنموي والإحصاء القطرية، أن الإمارات والسعودية تسهمان بنحو 82% من التبادل التجاري بين قطر والدول الخليجية، كما أن نحو 69% من التبادل التجاري بين قطر والدول العربية من الإمارات والسعودية، وتأتي بعدهما الكويت حيث تبلغ نسبة التبادل التجاري بينها وبين قطر نحو 7% من إجمالي التبادل التجاري مع دول الخليج، ومن ثم 5% لكل من البحرين وعمان على التوالي.
تشمل اتفاقيات التعاون والتبادل بين قطر وعمان السماح لمواطني الدولتين بالدخول للبلدين بالبطاقة الشخصية بديلًا عن وثيقة السفر الدولية
وتشكل واردات قطر من كل من السعودية والإمارات والبحرين 89% من إجمالي وارداتها من الدول الخليجية، فيما يشكل الباقي (11%) لكل من عمان والكويت، ومن هنا أدركت عمان مدى أهمية تعزيز علاقتها التجارية مع قطر ومضاعفة الاستثمارات معها في هذه الفترة الحساسة والتي سيبني عليها البلدان علاقات مثمرة في المستقبل، حيث تضمن قطر معدلات نمو قوية بفضل استضافتها لكأس العام 2022.
يُذكر أن حجم الرخص الاستثمارية لشركات عمانية في قطر بلغت 447 شركة بينما يوجد 1005 شركة سعودية و1085 شركة إماراتية و982 شركة بحرينية، بينما يبلغ حجم الرخص القطرية لشركات استثمارية قطرية في عمان 153 شركة، وتعد الإمارات الحاضنة الكبرى للشركات القطرية في الخليج بواقع 4850 شركة قطرية فيها.
ويبلغ عدد الطلاب الخليجيين الذين يتلقون تعليمهم في قطر قادمين من عمان 1608 طلاب، وعدد الموظفين العُمانيين في القطاع الحكومي والأهلي القطري نحو 1130 وهو أعلى رقم بين المواطنين الخليجيين.
وتشمل اتفاقيات التعاون والتبادل بين البلدين التي تم توقيعها خلال السنوات الماضية السماح لمواطني الدولتين بالدخول للبلدين بالبطاقة الشخصية بديلًا عن وثيقة السفر الدولية، إذ تم تفعيل هذا بقرار وزير الداخلية رقم (5) لسنة 1996.
قطر تندفع نحو عُمان
أعلنت غرفة قطر أمس الأحد أنها سترسل وفدًا كبيرًا يضم 70 من رجال الأعمال القطريين يوم الثلاثاء المقبل إلى سلطنة عمان في زيارة لبحث سبل تعزيز العلاقات التجارية بين البلدين وزيادة التبادل التجاري بينهما.
ويسعى الوفد القطري إلى استعراض الفرص الاستثمارية المتاحة في كل من قطر وعمان، واستكشاف إمكانية إقامة تحالفات بين رجال الأعمال القطريين والعمانيين فضلًا عن إنشاء مشروعات مشتركة في كلا البلدين، وبحسب الشيخ خليفة بن جاسم بن محمد آل ثاني رئيس غرفة قطر رجال الأعمال القطريين لديهم رغبة كبيرة في التوجه إلى السوق العمانية وإقامة شراكات وتحالفات تؤدي إلى مزيد من التعاون في المجالات التجارية والاقتصادية.
ميناء حمد في قطر
أوضح الشيخ خليفة أن زيارة الوفد القطري لعمان ستفتح آفاقًا للتعاون بين الجانبين وتقود إلى توقيع اتفاقيات بين الشركات القطرية والعمانية لتعزيز التبادل التجاري والمشاريع المشتركة، وتوقيع العديد من الوكالات التجارية لجلب المنتجات العمانية إلى دولة قطر، إضافة إلى إقامة تحالفات وشراكات بين رجال الأعمال القطريين والعمانيين.
وحسب القائمين على ميناء حمد في قطر فإن المسؤولين يعملون على تدشين طرق شحن جديدة لتلافي المرور في جبل علي بدبي، كتدشين خطين بحريين جديدين إلى كل من صحار وصلالة في سلطنة عمان، وأعلنت ميرسك الدنماركية، أكبر شركة حاويات في العالم، أنها ستقبل الحجوزات الجديدة لشحن الحاويات إلى قطر انطلاقًا من عمان، وهي خطوة مهمة بالنسبة لعمان التي ستعزز علاقاتها التجارية مع قطر وتزيد من استثماراتها المتبادلة، ومفيدة لقطر بتوقيع اتفاقات ملاحة جديدة لا تعتمد على دول الخليج.