أحد الأسباب التي رجّحت كفة الرئيس الأميركي جو بايدن في انتخابات نوفمبر/ تشرين الثاني 2020 حرصه على التقرب من الناخبين المسلمين في الولايات المتحدة، والذين يقدر عددهم بـ3.45 مليون شخص، معظمهم يميلون للحزب الديمقراطي وفقًا لمركز بيو للأبحاث.
عانى المسلمون من استهداف الرئيس السابق دونالد ترمب لهم بشكلٍ خاصٍ، حتى إنّه دعا ذات مرّة خلال حملته الانتخابية إلى “حظر كامل وشامل على دخول المسلمين للولايات المتحدة”، ولمّا كان ذلك الأمر غير منطقي وغير قابل للتنفيذ، أصدر بعد أسبوع فقط -من توليه منصبه- الأمر التنفيذي رقم 13769، الذي منع بموجبه دخول الأشخاص من ليبيا، وإيران، والعراق، والصومال، والسودان، وسورية، واليمن، بحجة “حماية الأمة من دخول الإرهابيين الأجانب”.
أحسن بايدن استغلال كراهية المسلمين الأمريكيين لترامب وعمل على التقرب من الجالية المسلمة خلال حملته الانتخابية، ففي أكتوبر/تشرين الأول عام 2020 استيقظ العديد من الأميركيين المسلمين ليتفاجؤوا بصورة تجمع بايدن ونائبته كامالا هاريس مصحوبة بالآية القرآنية “إن مع العُسر يسرًا” وبترجمة إنجليزية (Indeed, with hardship comes ease) تتصدر حساباتها على وسائط التواصل الاجتماعي مثل فيسبوك وإكس وغيرهما.
واستشهد بايدن بالحديث الشريف عدة مرات خلال حملته الانتخابية مثل حديث “من رأى منكم منكرًا فليغيره”، وأشاد بتعاليم الرسول محمد “صلى الله عليه وسلم”، كما أوفى بتعهداته التي قطعها أيام الحملة الانتخابية وقام بإنهاء قرار ترامب حول حظر السفر في اليوم الأوّل لرئاسته، معتبرًا أنّ الحظر لا يخدم سوى أجندة عنصرية، وليس معنيًا بحفظ الأمن القومي، واصفًا إياه بـ”الخطأ الأخلاقي”.
Joe Biden speaks to Million Muslim Votes Summit: “Hadith from the Prophet Muhammad instructs, ‘Whomever among you sees a wrong, let him change it with his hand. If he is not able, then with his tongue. If he is not able, then with his heart.'” pic.twitter.com/2mJDKExILJ
— The Hill (@thehill) July 20, 2020
غير أنّ تلك العلاقة الجيدة بين الرئيس الأميركي والمجتمع المسلم في الولايات المتحدة ساءت مؤخرًا إلى درجة كبيرة، إثر الدعم غير المحدود الذي قدمه بايدن لـ”إسرائيل” في عدوانها المتواصل على غزة منذ شهرين.
مسيرات ومذكرات رافضة لدعم الاحتلال
الأميركيون المسلمون عبّروا عن رفضهم دعم الاحتلال من خلال تنظيم عشرات المسيرات الغاضبة التي اجتاحت العديد من المدن الأميركية طوال الشهرين الماضيين، والتي لم تقتصر المشاركة فيها على مجتمع المسلمين فقط، بل شارك فيها مسيحيون ويهود ولادينيون دعوا جميعًا إلى إيقاف دعم الولايات المتحدة للعدوان على غزة والسماح بتوصيل المساعدات الإنسانية.
Posters put up in shop front windows across parts of NYC read “There will be no business as usual while the US bankrolls the genocide of the Palestinian people”.
‘Shut it down for Palestine’ protests and action held by pro-Palestine organisations across parts of NYC on Friday pic.twitter.com/yW1xM27O68
— Middle East Eye (@MiddleEastEye) November 18, 2023
والاستياء من دعم بايدن للعدوان الإسرائيلي على غزة لم يقتصر على مجتمع المسلمين الأميركيين فحسب، حيث وجه أكثر من ألف موظف في الوكالة الأميركية للتنمية الدولية (USAID)، خطابًا مفتوحًا إلى إدارة فيه بايدن لحثها على المطالبة بوقف فوري لإطلاق النار في قطاع غزة، في خطوة مشابهة لما فعله نحو 100 موظف في الكونغرس الأميركي الشهر الماضي.
خيار تصعيدي
لم تستجب الإدارة الأمريكية لكل الاحتجاجات والمذكرات مما دفع قيادات المجتمع الإسلامي إلى التفكير في خيار تصعيدي وهو تنظيم حملة لحشد مجتمعاتهم ضد إعادة انتخاب الرئيس جو بايدن بسبب دعمه للحرب الإسرائيلية على غزة.
يعد تحرك زعماء المجتمع الإسلامي ضد بايدن عملًا فارقًا يعقد جهود الحزب الديمقراطي واستعداداته لانتخابات 2024، باعتبار أن الحملة التي يقودها الزعماء المسلمون تشمل 6 ولايات “متأرجحة” وليس ولاية واحدة أو ولايتين.
والولايات المتأرجحة بالإنجليزية “swing states” مصطلح يقصد به الولايات غير محددة الطابع أو الميول الحزبي، أي الولايات الأمريكية التي يجد فيها الديمقراطيون والجمهوريون نسب دعم متشابهة من قبل الناخبين، وهي ويسكونسن وأريزونا وجورجيا وميشيغان ونيفادا ونورث كارولينا وبنسلفانيا وفلوريدا وأوهايو وآيوا.
بداية الحملة من ميشيغان
وفقًا لموقع “أكسيوس” فإن الأميركيين المسلمين سيجتمعون في ولاية ميشيغان لبدء حملة يطلقون عليها اسم “التخلي عن بايدن” (#AbandonBiden) تجسيدًا لغضبهم من تعامل الرئيس جو بايدن مع حرب إسرائيل على غزة، مما يمكن أن يقلل فرص إعادة انتخابه في معظم الولايات “المتأرجحة” لعام 2024 بعد أن فاز فيها عام 2020.
Muslim Americans in several swing states are scheduled to gather in Michigan on Saturday to start a campaign they’re calling #AbandonBiden, a reflection of their outrage over President Biden’s handling of the Israel-Hamas war.https://t.co/h7Jd0UqK0F
— Axios (@axios) December 2, 2023
الجدير بالذكر أن حملة “التخلي عن بايدن” بدأت إرهاصاتها منذ 31 أكتوبر/تشرين الأول الماضي عندما طالب الأميركيون المسلمون في مينيسوتا بايدن بأن يدعو إلى وقف إطلاق النار في غزة، وامتد التحرك لاحقًا إلى ميشيغان وأريزونا وويسكونسن وبنسلفانيا وفلوريدا.
قال جيلاني حسين، مدير فرع مجلس العلاقات الأميركية الإسلامية (كير) في مينيسوتا، خلال مؤتمر صحافي في مدينة ديربورن بولاية ميشيغان، عندما سُئل عن بدائل بايدن: “لا نملك خيارين، بل خيارات كثيرة”.
وأضاف: “نحن لا ندعم (الرئيس السابق دونالد) ترامب”، مضيفًا أن الجالية المسلمة ستقرر كيفية إجراء مقابلات مع المرشحين الآخرين، وقال حسين إنه يعبر عن آرائه الشخصية، وليس آراء كير.
وعلى الرغم من أنه لا توجد إحصائيات موثوقة حول عدد الناخبين المسجلين في الولايات المتأرجحة، فإن تلك الولايات تضم كثافة لا يُستهان بها من السكان الأمريكيين العرب والمسلمين بحسب موقع “صوت العرب من أمريكا“.
وأوضح التقرير أنه حتى التحولات الصغيرة في الدعم في أي من هذه الولايات، التي فاز بها بايدن في عام 2020، يمكن أن تحدث فرقًا.
الولايات المتأرجحة لعب دورًا في فوز بايدن
يقدر عدد السكان الأمريكيين المسلمين – الذين يمكن أن يشملوا الأمريكيين العرب والأمريكيين السود والأمريكيين الآسيويين – حوالي 3.45 مليون نسمة، بحسب مركز بيو للأبحاث.
وإذا قرر هؤلاء الأشخاص البقاء في منازلهم وعدم المشاركة في الانتخابات أو انشقوا وانضموا إلى الجمهوريين، فقد يضع ذلك بايدن في مأزق، وفقًا للمصدر السابق.
ففي ميشيغان، على سبيل المثال، فاز بايدن عام 2020 بفارق 154 ألف صوت وهو رقم كبير حقًا، إذ تشير تقديرات التعداد السكاني إلى أن عدد السكان العرب الأمريكيين في الولاية يبلغ حوالي 278 ألف نسمة على الأقل.
كما فاز بايدن في أريزونا بأغلبية 10500 صوت، التي يقدر عدد السكان العرب الأمريكيين فيها بنحو 60 ألف نسمة.
قالت دام حسن وهي مساعد طبيب أسنان لـ”نون بوست” إنّها وعائلتها قاموا بالتصويت لصالح الديمقراطيين في انتخابات 2020، بسبب التضييق الذي مارسه الرئيس السابق ترمب على المسلمين وارتفاع حوادث الكراهية خلال فترة ولايته الأولى.
وأضافت أن العام الأول من عهد بايدن شهد تحسنًا في الاقتصاد وتقليل نسبة البطالة، لكنّ العامان 2022 و2023 عرفا فوضى كبيرة مثل معركة الإجهاض وانتشار حوادث القتل بإطلاق الرصاص إلى جانب تبديد أموال دافعي الضرائب في المساعدات العسكرية الخارجية إلى أوكرانيا ومؤخرًا إسرائيل، وفقًا لمحدثتنا.
مقاطعة اقتراع 2024
تقول دام -تقيم في مدينة سياتل- إنها ستقاطع انتخابات 2024، في حال لم يقم الديمقراطيون بإيقاف دعمهم اللامحدود لـ”إسرائيل” واختيار مرشح آخر بدلًا عن بايدن.
وذكرت أن العديد من أفراد عائلتها وزملاء عملها يتفقون معها في تأييد حملة التخلي عن بايدن، والاكتفاء بالامتناع عن المشاركة في الاقتراع.
لكنّ جونثان هوتسون الباحث الأمريكي في قضايا حقوق الإنسان والصراعات والعدالة الاجتماعية يرى أن حملة المسلمين الأمريكيين للتخلي عن بايدن سيستفيد منها المرشح الجمهوري المحتمل دونالد ترمب بالدرجة الأولى مهما كانت النوايا حسنة للمقاطعة.
يضيف في حديثه لـ”نون بوست” أنه بدلًا عن ذلك، يعتقد أن الحل الأفضل يتمثل في الضغط على الديمقراطيين لاختيار مرشح بديل لبايدن بسبب عاملي السن والصحة الذهنية للأخير، فضلًا عن الأسباب المتعلقة بإرساله أموال الضرائب إلى “إسرائيل” إلى جانب الإخفاقات الاقتصادية التي تشهدها الولايات المتحدة منذ العام الماضي.
وأقر هوتسون بصعوبة الوضع الذي يشهده الحزب الديمقراطي، مستشهدًا بنتائج الاستطلاع الذي أجرته بلومبيرغ في أكتوبر/تشرين الثاني الماضي وكشف أن 65% من المستطلعين رفضوا سياسات بايدن الاقتصادية مقابل 14٪ أيدوا السياسة الاقتصادية للرئيس الديمقراطي.
بدوره، استطلع المعهد العربي الأمريكي رأي مواطنين أمريكيين عرب لمعرفة كيفية تأثرهم بالخسائر في الأرواح الناجم عن العدوان الإسرائيلي، وتأثيره على حياتهم، وكيف يشعرون حيال تعامل إدارة بايدن مع الصراع، وما قد تعنيه ردود أفعالهم في انتخابات 2024.
كانت النتائج التي توصّل إليها المعهد مؤخرًا أكثر إثارة للدهشة مما كان متصورًا، إذ أظهر الاستطلاع انخفاضًا كبيرًا في الدعم الأمريكي العربي للرئيس جوزيف بايدن وأن تعامله مع التدمير الإسرائيلي المستمر لغزة هو سبب هذا التحول في المواقف.
17% فقط من العرب قالوا إنهم يدعمون بايدن
عندما سئلوا عن تصويتهم في انتخابات 2024، قال 17٪ فقط من المستطلعين إنهم سيدلون بأصواتهم لصالح بايدن، مقابل 59٪ الذين صوتوا له في عام 2020، كما انخفضت نسبة تأييد الرئيس بين العرب الأمريكيين من 74٪ في 2020 إلى 29٪ في استطلاع هذا العام.
ثلثا الأمريكيون العرب الذين قام المعهد باستطلاعهم يقولون إن لديهم وجهة نظر سلبية عن تعامل الرئيس مع العنف الحالي في الشرق الأوسط، ويعتقدون أن الولايات المتحدة يجب أن تدعو إلى وقف إطلاق النار لإنهاء الأعمال العدائية.
كما يوضح الاستطلاع أن العرب الأمريكيين قلقون بشأن التداعيات المحلية للحرب والخطاب التصعيدي الذي رافق تداعياتها في الداخل، حيث يشعر ثمانية من كل 10 عرب أمريكيين بالقلق من أن العنف الحالي سيثير التعصب ضد العرب، وهناك أيضًا مستويات عالية من القلق إزاء التعبير علنًا عن آراء مؤيدة لحقوق الفلسطينيين تشمل الخوف على السلامة الشخصية أو أعمال التمييز.
هل يتخلى الديمقراطيون عن بايدن؟
في ضوء إقرار الباحث جونثان هوتسون المقرب من الديمقراطيين بانخفاض شعبية بايدن فإنّ العديد من داعمي الحزب الديمقراطي يرون ضرورة سحب الرئيس الحالي من المنافسة على انتخابات 2024، مثلما ألمح إلى ذلك ديفيد أكسلرود الذي يعد أحد الوجوه الإعلامية البارزة للحزب الديمقراطي.
It’s very late to change horses; a lot will happen in the next year that no one can predict & Biden’s team says his resolve to run is firm.
He’s defied CW before but this will send tremors of doubt thru the party–not “bed-wetting,” but legitimate concern. https://t.co/g6zeWF0T87
— David Axelrod (@davidaxelrod) November 5, 2023
غير أن مشكلة الحزب الديمقراطي تتمثل في عدم امتلاكه مرشحين بارزين مثل الحزب الديمقراطي الذي يتنافس على الترشح باسمه عدة أشخاص إلى جانب ترمب مثل رون ديسانتيس حاكم ولاية فلوريدا ونيكي هالي السفيرة الأمريكية السابقة لدى الأمم المتحدة، وكريس كريستي الحاكم السابق لولاية نيوجيرسي وغيرهم.
ورغمًا عن ذلك يتردد أن الديمقراطيين يمكن أن يدفعوا في اللحظة الأخيرة بميشيل أوباما، زوجة الرئيس السابق بارك أوباما كمرشحة أو السيناتور جو مانشين الذي هدد من قبل بإمكانية انسحابه من الحزب وإطلاق حملة رئاسية مستقلة تحت مسمى حزب بلا تسمية “No Labels”.
حتى قبل أزمة الشرق الأوسط المتمثلة في العدوان الإسرائيلي على غزة والتي تسبب دعم بايدن لها في إثارة غضب الناخبين المسلمين، توقعت وسيلتان إعلاميتان مرموقتان في الولايات المتحدة أن يخسر الرئيس جو بايدن الانتخابات المزمع إجراؤها في نوفمبر/تشرين الثاني 2024 إذا كان منافسه من الحزب الجمهوري هو سلفه دونالد ترامب.
في مقال بمجلة نيوزويك تحت عنوان “السيد الرئيس: سوف تخسر أمام ترامب.. نحن نتوسل إليك أن تتنحى”، كتب المعلق السياسي الأميركي جنك أويغور يقول إن شعبية بايدن في أدنى مستوياتها كما أظهرت استطلاعات الرأي الأخيرة، إذ حصل على أقل من 40% من أصوات الأميركيين.
وفي مقال له على صحيفة واشنطن بوست، دعا الكاتب الأمريكي البارز مايكل شيرير أواخر سبتمبر/أيلول الماضي، بايدن إلى التخلي عن الترشح بسبب عمره، موضحًا أن اثنين من كل 3 ناخبين ديمقراطيين يرون أنه يجب أن يتنحى.