ليبراسيون: الخليج العربي حديقة الأمراء

ترجمة وتحرير: نون بوست
تذكر الصراعات الدبلوماسية التي تهز الشرق الأوسط حاليا بأن العلاقات بين حكام قطر، السعودية والإمارات؛ تقوم أساسا على معايير غير عقلانية، وعلى تقلبات علاقاتهم بالولايات المتحدة.
وصل أمير الكويت في حلة المنتصر إلى الرياض بعد أن نجحت جهوده للوساطة، وبصحبته الأمير القطري الشاب، لينزلوا في ضيافة الملك العجوز الذي يحكم السعودية، بهدف وضع حد للخلاف المحتدم بينها. هذان الحاكمان المتصارعان يسلمان على بعضهما بالأنف، وهي التحية التقليدية بين الرجال في شبه الجزيرة العربية. هذا المشهد لا يتعلق بالأزمة الحالية، بل يعود إلى تشرين الثاني/نوفمبر 2014، خلال القطيعة التي شهدتها العلاقات الدبلوماسية بين هذه البلدان، والتي تبدو مشابهة جدا للأزمة الحالية.
إذ أن نفس الدول النفطية الخليجية، وهي المملكة السعودية والإمارات والبحرين؛ قامت بشكل مفاجئ بقطع علاقاتها مع دولة قطر الصغيرة المجاورة لها، بعد أن اتهمتها بدعم الإخوان المسلمين ونشر دعايات عبر قناة الجزيرة.
هذا الخلاف أيضا يدور بين نفس الأطراف وعلى نفس المواضيع، وبوساطة من نفس البلد. بل على العكس فإن منسوب التوتر يواصل ارتفاعه بين قطر وجيرانها العرب الأربعة، الذين قرروا مقاطعتها في 5 حزيران/يونيو
عندما تمت المصالحة في سنة 2014، جاء الأمير تميم بن حمد آل ثاني الذي كان حينها يبلغ من العمر 34 سنة إلى الرياض؛ ليمضي رفقة الملك عبد الله على خارطة طريق متكونة من 20 نقطة لتحقيق المصالحة. وقد قبل حينها أمير قطر بإخراج سبعة من القياديين الإسلاميين من بلده.
وبعد شهر من هذا اللقاء، تم تعزيز هذه المصالحة بين العائلة الخليجية أثناء لقاء في الدوحة، التي احتضنت قمة للدول الستة المكونة لمجلس التعاون الخليجي.
الخيارات والطموحات
هذا السيناريو لا يبدو أنه سيتكرر هذه المرة، رغم أن هذا الخلاف أيضا يدور بين نفس الأطراف وعلى نفس المواضيع، وبوساطة من نفس البلد. بل على العكس فإن منسوب التوتر يواصل ارتفاعه بين قطر وجيرانها العرب الأربعة، الذين قرروا مقاطعتها في 5 حزيران/يونيو.
وتماما كما يحدث في الخلافات العائلية، فإن هذا الصراع الدائر بين الدول النفطية في منطقة الخليج العربي يدور حول الرغبات، الغيرة والأحقاد القديمة. وعلاوة على العداوات الموروثة والخلافات التاريخية وبعض الصراعات المؤقتة التي دارت بينهم في الماضي، هنالك أيضا أبعاد شخصية تبدو أكثر وضوحا لدى الجيل الجديد من الأمراء، الذين يمسكون بزمام الأمور في الخليج.
إذ أنه إثر وقت قصير من إعلان الإجراءات ضد قطر، كتب موقع ” لايفمنت” المتخصص في الأخبار والتحليلات الاقتصادية: “إن قرار محاصرة قطر يحمل بصمة شخصين من أبرز الفاعلين في السياسة الدولية، وهما ولي ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، وولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد، الذي يعتبر الحاكم الفعلي للإمارات العربية المتحدة”. هذا الثنائي الذي يشكله بن سلمان وبن زايد، اللذان يبلغان من العمر 32 سنة و56 سنة، يعمل على فرض خياراته وطموحاته في المنطقة.
على المستوى السياسي فإن بن زايد، الأمير الهادئ والعارف بالشؤون العسكرية بفضل تكوينه في أكاديمية ساندهيرست البريطانية، يعرف بشكل خاص بالعداء الشديد الذي يكنه للإخوان المسلمين
ويبدو أن الصعود الكبير الذي حققه الابن الأصغر والمفضل للملك سلمان في السعودية، والذي يشغل منصب وزير الدفاع، بات ينظر إليه من قبل صديقه في أبو ظبي على أنه فرصة للتأثير على سياسات الرياض. ولذلك عمل بن زايد على أخذ بن سلمان تحت جناحه، باعتباره الشاب المستجد الذي يأمل الانفتاح وتعصير المملكة الوهابية، متشبها بالنموذج الإماراتي وبخاصة مدينة دبي.
أما على المستوى السياسي فإن بن زايد، الأمير الهادئ والعارف بالشؤون العسكرية بفضل تكوينه في أكاديمية ساندهيرست البريطانية، يعرف بشكل خاص بالعداء الشديد الذي يكنه للإخوان المسلمين. وقد وصل هذا الهوس بالإخوان لدرجة وجود شائعات تفيد بأن مدرسا من الإسلاميين استعمل معه أساليب مسيئة أثناء تدريسه في سنوات صغره سببت له مشاكل نفسية.
وقد تعرض الإخوان المسلمون المتواجدون في الإمارات تحت يافطة عديد المؤسسات الاجتماعية، للاضطهاد الممنهج والسجن العشوائي بالمئات، وتعرضوا أيضا للتعذيب بحسب تقارير عديد المنظمات الحقوقية.
وبداية من سنة 2011 شهدت الإمارات موجة من الاعتقالات المكثفة، على إثر بداية الربيع العربي الذي مثل فرصة لصعود الإخوان المسلمين خاصة في مصر وتونس. ويقول ستيفان لاكروا، أستاذ الشؤون الدولية في كلية العلوم السياسية في باريس: “لقد أرادت الإمارات نقل الحرب ضد الإخوان المسلمين خارج حدودها. وفي المقابل فإن قطر التي لا وجود فيها لمجتمع مدني ولا حياة سياسية لم تكن تخشى على استقرارها الداخلي، ولذلك رأت في الإسلاميين فرصة وأداة للتأثير دون وجود مخاطر”.
كان من المنتظر أن تتجدد المواجهة بين محمد بن زايد ومحمد بن سلمان من جهة، وزميلهما السابق في الأكاديمية العسكرية
هذا النشاط السياسي والدبلوماسي القطري، ودعمها للمعارضين الإسلاميين في عديد الدول العربية واحتضانها لهم وتوفير التغطية الإعلامية عبر قناة الجزيرة، تواصل بعد تسلم الشيخ تميم بن حمد آل ثاني الحكم. هذا الأمير الشاب الذي تخرج هو أيضا من أكاديمية ساند هيرست، والذي خضع في المرة الأولى لضغوطات جيرانه الكبار في سنة 2014، استأنف نفس السياسات بعد فترة من الزمن.
ولذلك كان من المنتظر أن تتجدد المواجهة بين محمد بن زايد ومحمد بن سلمان من جهة، وزميلهما السابق في الأكاديمية العسكرية.
أحقاد قديمة
يقول ستيفان لاكروا أنه في خضم الأزمة الحالية، “يبدو محمد بن زايد بشكل واضح في مركز القيادة، أما الملك سلمان فهو على الأرجح تم جره نحو هذا التصعيد من قبل ابنه الشاب، الذي بدوره تم تحريضه من قبل معلمه ولي عهد أبو ظبي”. هذان الأميران اللذان يحملان ولاية العهد، قاما بقطع العلاقات مع قطر من أجل معاقبتها وعزلها عن العالم، وقد وجدا التشجيع من قبل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي يصفه ستيفان لاكروا بأنه: “يفكر ويتصرف على أساس العلاقات الشخصية، ويميل لشخصنة الأمور، تماما كما هي طريقة تفكير هؤلاء الأمراء الخليجيين”.
وقد قام الرئيس الأمريكي بتوجيه اللوم هو أيضا لقطر عبر اتهامها بأنها كانت ممولا تاريخيا للإرهاب، ويبدو أنه هو أيضا لديه أحقاد قديمة تجاه دولة قطر. إذ أن ترامب في الفترة بين 2008 و2010، كان قد ذهب إلى الدوحة صحبة ابنته إيفانكا وصهره جاريد كوشنر، طمعا في الحصول على مبالغ ضخمة واستثمارات من قبل الصناديق السيادية القطرية، إلا أنه بحسب معلومات نشرتها هافينغتون بوست تم رفض طلبه وعاد بخفي حنين.
تبذل الإدارة الأمريكية جهدا كبيرا منذ بداية الأزمة الخليجية، من أجل الحفاظ على موقف متوازن تجاه مختلف حلفاء واشنطن في الخليج، الذين لا يمكن الاستغناء على أي منهم
وبالتوازي مع ذلك قام ترامب ببناء علاقات تجارية مع السعوديين، حيث كانت مجموعته الاقتصادية التي يديرها اليوم ابنه قد وقعت عقودا ضخمة مع المملكة العربية السعودية. وسعيا منها للتغطية على التصرفات الطائشة للرئيس، تبذل الإدارة الأمريكية جهدا كبيرا منذ بداية الأزمة الخليجية، من أجل الحفاظ على موقف متوازن تجاه مختلف حلفاء واشنطن في الخليج، الذين لا يمكن الاستغناء على أي منهم. إذ أن قطر تستضيف القيادة المركزية للقوات الأمريكية في المنطقة، من خلال القاعدة العسكرية الأكثر أهمية، كما أنها أمضت يوم الأربعاء الماضي عقدا جديدا لشراء طائرات أف 15 بقيمة تبلغ 12 مليار دولار، ربما من أجل إحداث توازن في موقف البيت الأبيض.
كما يشار إلى أن مجلس الشيوخ كان قد صوت البارحة بفارق ضئيل للموافقة على عقود التسلح التي عاد بها ترامب من الرياض في الشهر الماضي، والتي تبلغ قيمتها 500 مليون دولار.
وقد وضع هذا الصراع الأخوي بين الإخوة الأعداء في الخليج عديد الدول الأخرى في مأزق دبلوماسي، حيث أن هذه الدول الغنية النفطية لديها وسائل للتأثير على الدول الصغيرة والكبيرة على حد السواء، التي تربطها كلها مصالح اقتصادية واستراتيجية بدول الخليج.
ولذلك انطلق كلا الطرفين المتصارعين منذ بداية الأزمة في سباق لعقد التحالفات، وفي بعض الأحيان لشراء الولاءات لتعزيز كل معسكر ضد الآخر، عبر ضم الأصدقاء والضغط على الأطراف الإقليمية والدولية للوقوف إلى جانبهم.
وقد قام وزيرا الخارجية السعودي والقطري بجولات مكثفة في أهم العواصم الأوروبية، في مسعى من كل طرف لعرض حججه وتقديم وجهة نظره. وكان الوزير الخارجية السعودي عادل الجبير أول من زار باريس في 7 حزيران/يونيو، أي بعد يومين من بداية المقاطعة، وشدد الجبير في هذه الزيارة على دعم قطر للإسلاميين ودعا لوقف ما اعتبره وسائل إعلام قطرية معادية.
من خلال الهبة السريعة التي قامت بها تركيا لدعم حليفها الخليجي، الذي تجمعه بها عديد السياسات المشتركة وخاصة دعم الإخوان المسلمين والمصالح الاقتصادية، فإن أنقرة قدمت دعما كبيرا للدوحة وأخرجتها من عزلتها
وبعد أسبوع جاء وزير الخارجية القطري محمد بن عبد الرحمان آل ثاني، ليعرض موقف بلده الذي بات ضحية لحصار غير قانوني. وقد عبر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عن معارضته لإجراءات غلق الحدود البرية والبحرية والجوية الذي فرضته السعودية والإمارات والبحرين ضد قطر، حيث وصفها بأنها خطوات غير إنسانية ولا تتماشى مع قيم الإسلام.
ومن خلال الهبة السريعة التي قامت بها تركيا لدعم حليفها الخليجي، الذي تجمعه بها عديد السياسات المشتركة وخاصة دعم الإخوان المسلمين والمصالح الاقتصادية، فإن أنقرة قدمت دعما كبيرا للدوحة وأخرجتها من عزلتها.
ففي ذروة الأزمة قام أردوغان بتسريع إجراءات الموافقة على اتفاق تعاون عسكري، وصوت البرلمان التركي بالموافقة على إرسال جنود ومعدات عسكرية نحو قاعدة تركية في الدوحة. ولكن أنقرة كانت حريصة أيضا على عدم خسارة بقية الدول الخليجية، ولذلك أرسلت يوم الخميس وزير الخارجية نحو الكويت ثم الرياض من أجل الدعوة للحوار.
وكان وزير الخارجية الإماراتي قد علق على هذه الجهود بالقول: “نحن لا نسوي مشاكلنا عبر تدويلها أو إقحام تركيا”. ومنذ بداية الأزمة كثف الوزير أنور قرقاش من تصريحاته العدوانية تجاه المساعي القطرية للحصول على دعم دول غير عربية مثل إيران وتركيا. هذا الرجل الذي يحمل صوت الأمير محمد بن زايد ويقود الدبلوماسية الإماراتية في الخارج؛ يبدو من أشرس المهاجمين لقطر منذ بداية الأزمة.
يتواصل هذا المسلسل الرمضاني منذ حوالي 15 يوما بين الدول الخليجية، مع تعدد التقلبات في الوضع، وعدم فسح المجال لأي تهدئة. وتتجسد في هذه الأزمة صورة الأمراء الذين يصعب على أي كاتب مسرحي في العالم التنبؤ بتصرفاتهم. ويبدو الآن أن هذه الأزمة ستتواصل إلى ما بعد الشهر المقدس، الذي ينتهي في 25 حزيران/يونيو.
المصدر: ليبراسيون