أعطت مسألة إقالة مدير مكتب الرئيس اليوم وظروف احتجازه في مطار الخرطوم الدولي صورة درامية عن حجم الخلافات فيما يتعلق بموقف السودان المحايد في خضم أزمة الخليج. كما أن رحيل هذا المدير أثار التساؤلات حول المدة التي يأمل السودان فيها في أن يظل محايدا خلال أزمة الخليج الحالية.
في الواقع، أثار قرار المملكة العربية السعودية الذي اتخذته في الخامس من حزيران/ يونيو بقطع العلاقات مع دولة قطر بعد أيام من انعقاد قمة الرياض، التي حضرها الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، بلبلة داخل أروقة السلطة في الخرطوم فضلا عن أماكن أخرى من العالم.
وخلال الشهور القليلة الماضية، قام الرئيس السوداني بسلسلة من الرحلات القصيرة لعدد من دول الخليج بما فيها المملكة العربية السعودية والكويت والبحرين. في المقابل، كانت زيارة الأميرة القطرية الشيخة موزة لأهرامات مروي في شهر آذار/مارس علنية وناجحة، أدت إلى توجيه اهتمام العالم نحو تراث السودان حتى في الوقت الذي أثارت فيه سخرية وسائل الإعلام السلبية والإدانة الموجهة لها من قبل من جارتها المضطربة؛ مصر.
في الحقيقة، لعب البشير دور “الوسيط” من خلال ترسيخ علاقة جديدة مزدهرة مع دول الخليج من خلال اتفاقيات التعاون السياسي والاقتصادي والعسكري، وإصلاح علاقاته مع الولايات المتحدة الأمريكية خاصة بعد وعد الرئيس المنتهية ولايته، باراك أوباما السودان برفع مؤقت للعقوبات الاقتصادية المفروضة على الخرطوم منذ عشرين عاما. علاوة على ذلك، اتخذ الخرطوم موقفا أكثر جرأة في نزاعاته مع مصر، وضاعف من محاولته استعادة منطقة حلايب الحدودية المتنازع عليها من خلال اتخاذ نهج أكثر علنية تجاه دبلوماسيته.
عندما قطعت الخرطوم علاقاتها بإيران في يناير/كانون الثاني سنة 2016، وسعت للانضمام إلى دول الخليج بقيادة المملكة العربية السعودية، أعلم الحسين ولي ولي العهد السعودي محمد بن سلمان قبل حتى أن تعلن وزارة الخارجية السودانية الأخبار بشكل رسمي
يمكن القول إن مدير مكتب الرئيس، اللواء طه عثمان الحسين، الذي يشغل أيضا منصب وزير الدولة، هو الذي كان يقف وراء تعزيز علاقات السودان الدبلوماسية. والجدير بالذكر أن الحسين، وهو ضابط سابق في المخابرات الأمنية، كان مبعوثا شخصيا للمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة. وفي ذروة المحاولات لمحاكمة الأمريكيين، قام الحسين بزيارة غير معلنة لواشنطن لإجراء محادثات مع أعضاء الكونجرس والرئيس السابق، جيمي كارتر. ولهذه الأسباب كان ينظر إليه على أنه الشخص الذي يحظى بثقة الرئيس والرجل الذي يتمتع “بلمسات سحرية”.
على ما يبدو، لم يكن الحسين خجولا في تذكير زملائه في الحكومة بالدور الذي كان يلعبه في تحويل السودان، من دولة شجاعة إلى محبوبة من قبل دول الخليج وشريك لا يستهان به بالنسبة للغرب في الحرب ضد الإرهاب وللاتحاد الأوروبي في مكافحة الاتجار غير المشروع بالبشر.
ومع ذلك، أشارت العديد من التقارير إلى أن البعض من زملاء الحسين لم ينبهروا بإنجازاته التي حققها بمفرده. وفي هذا السياق، تقول التقارير إن النائب الأول للرئيس بكري حسن صلاح كان على خلاف كبير مع الحسين حول الأسماء التي تم تعيينها في جهاز الأمن الوطني السوداني، كما كان أيضا على خلاف مع مدير المكتب.
بالإضافة إلى ذلك، هناك مؤشرات تفيد أن وجود الحسين وأسلوبه الأحادي والمنفرد جعله لا يقيم أي علاقات صداقة مع وزراء الخارجية في السودان. وعندما قطعت الخرطوم علاقاتها بإيران في يناير/كانون الثاني سنة 2016، وسعت للانضمام إلى دول الخليج بقيادة المملكة العربية السعودية، أعلم الحسين ولي ولي العهد السعودي محمد بن سلمان قبل حتى أن تعلن وزارة الخارجية السودانية الأخبار بشكل رسمي.
وعلى الرغم من طبيعة النزاع التي أدت إلى رحيله والتي ما زالت غير معروفة، يبدو أن حرص السودان على التمسك بموقف محايد في أزمة الخليج الحالية قد يكون السبب وراء فصله. وفي الحقيقة، عارض عدد من جماعات المعارضة فى البلاد البيان الدبلوماسي السوداني الذي أعقب اندلاع الأزمة، بما فى ذلك حزب المؤتمر الشعبي وحزب العدالة من أجل السلام الذي يشكل جزءا من الحكومة الائتلافية والذين أكدوا على ضرورة أن تعلن السودان مساندتها والتزامها تجاه دولة قطر وإدانة الحصار المفروض على الدوحة.
على الرغم من الدعم الثابت الذي قدمته قطر للسودان على مر السنين، وخاصة فيما يتعلّق بالتفاوض على اتفاق سلام مع المتمردين في دارفور في يوليو/ تموز 2011، يأمل السودان في أن يساهم عاملان رئيسيان في الحفاظ على موقف الحياد في ظلّ وصول هذا النزاع إلى طريق مسدود
وفي جلسة مفتوحة للبرلمان، أشاد كل من شارك فيها بالحكومة القطرية وأعربوا عن رفضهم لتسمية دول الخليج الدوحة بأنها ترعى الإرهاب بسبب علاقته مع جماعة الإخوان المسلمين وحركة المقاومة الإسلامية حماس. وفي هذا الصدد، قال وزير الخارجية السوداني، إبراهيم غندور في بيان له “نحن لن نقف محايدين ولن نأخذ أي جانب ولكننا نعدّ في صميم المسألة”.
عموما، ألقت مسألة إقالة الحسين بظلالها على التوازن الدقيق الذي تسعى الخرطوم لتحقيقه من خلال تبني موقف يسعى إلى عدم إقصاء أي طرف من أطراف النزاع. وعلى الرغم من الدعم الثابت الذي قدمته قطر للسودان على مر السنين، وخاصة فيما يتعلّق بالتفاوض على اتفاق سلام مع المتمردين في دارفور في يوليو/ تموز 2011، يأمل السودان في أن يساهم عاملان رئيسيان في الحفاظ على موقف الحياد في ظلّ وصول هذا النزاع إلى طريق مسدود.
أولا، يأمل السودان في أن تعترف دول الخليج بأن للخرطوم الحق في اعتماد السياسة الخارجية التي تريدها وأن تفهم التوازن الدقيق الذي تسعى لتحقيقه. ثانيا، تتصرف الخرطوم وفق مبدأ يقوم على أن دول الخليج لن تكون راغبة في عزل السودان بسبب حياده خوفا من أن تقوم الأمة الأفريقية باستعادة علاقاتها مع طهران مما يعرض التحالف العسكري للخطر ويخسر الاتفاقات المربحة التي من شأنها أن تحل اعتماد المنطقة على استيراد الأغذية.
تشير التقارير إلى أن الحكومة رصدت المكالمات الهاتفية التي دارت بين مدير المكتب السوداني والمملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة، حيث أكد مدير المكتب أن السودان سيدعم موقف الدول الخليجية الثلاثة
بكل المقاييس، لم يسمح للحسين بمغادرة مطار الخرطوم إلا بعد وساطة أطراف داخلية وخارجية. وتفيد التقارير الواردة من منصة “الخليج الجديدة” الموجودة على شبكة الإنترنت أن السودان قد دأب على مناقشة قرار إقالة الحسين لمدة أربعة أيام. بالإضافة إلى ذلك، تشير التقارير إلى أن الحكومة رصدت المكالمات الهاتفية التي دارت بين مدير المكتب والمملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة، حيث أكد مدير المكتب أن السودان سيدعم موقف الدول الخليجية الثلاثة. كما أفادت التقارير أنه سلم الوثائق التي يزعم أنها تؤكد دعم قطر للإرهاب.
وتجدر الإشارة إلى أن الحسين تولى منصبه سنة 2008، إذ يعتبر المراقبون أن علاقته الوثيقة بقادة الخليج سمحت لهم بالتدخل في شؤون السودان. فضلا عن ذلك، كان الحسين هو من اتخذ القرار فيما يخص التعاون العسكري السوداني في اليمن، إلى جانب حلوله محل الرئيس في المؤتمر العربي الإسلامي الأمريكي الذي عُقد في الرياض بعد أن مارس ضغوطا على الرئيس السوداني أجبرته على عدم الحضور.
قد تكون الأحداث التي أدت إلى إعفاء الحسين من مهامه نتيجة عدة عوامل. ولكن التقارير المطولة سلطت الضوء عما إذا كان بقاؤه أو رحيله متوقفا على عزم السودان على عدم إضعاف علاقاته مع أي من دول الخليج وتصميمه على التمسك بسياسة الحياد.
وفي نهاية المطاف، يبقى الآن أن نرى ما إذا كان بإمكان السودان الحفاظ على هذا الموقف خلال الأيام والأسابيع القادمة نظرا للضغط الداخلي المسلط عليها من قبل الأطراف التي تطالبه بالوقوف وراء قطر بقوة، فضلا عن الضغوط الخارجية المتأتية من دول الخليج التي قد تزداد وتيرتها مع رحيل الحسين، المبعوث الخاص للسودان.
المصدر: ميدل إيست مونيتور