قصفت إيران للمرة الأولى منذ تدخلها في سوريا مواقع لما سماها الحرس الثوري الإيراني الإرهابيين والتكفيريين في دير الزور شرقي سوريا بصواريخ أرض – أرض متوسطة المدى. وأسفر القصف عن مقتل العشرات من مسلحي تنظيم الدولة حسب الحرس الثوري في الوقت الذي لم يتسنى لأحد التأكد مما خلفه القصف وفي حال أسقط ضحايا من مسلحي داعش كما أشارت إيران، بينما أشار مراسل الجزيرة عن وجود حالة فزع بين سكان المنطقة في الميادين ومحيط حقل التنط النفطي حيث سقطت تلك الصواريخ.
وذكر البيان إن هذا القصف جاء انتقامًا لضحايا هجومين وقعا قبل أيام في طهران استهدفا مبنى البرلمان وضريح الخميني، وتبناهما تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” في سابقة هي الأوى من نوعها لتفجيرات تحصل في طهران، وأشار البيان أيضًا أنه عند أي استهداف لأمن إيران فإن ما دعاها الجماعات الإرهابية وداعميها في المنطقة “لن ينعموا بالأمن، وسيتلقون ردًا إيرانيا مناسبًا”.
أرادت إيران أن تطمئن الشارع المحلي أنها قادرة على الدفاع عن أمنها القومي وكي لا تتتزعزع ثقة المواطنين بالحرس الثوري وقياداته
إلى ذلك وصف المتحدث باسم الحرس الثوري الإيراني، رمضان شريف، إنّ القوات الجوفضائية التابعة للحرس، أطلقت ستة صواريخ نحو مواقع وصفها بـ”المهمة” في دير الزور السورية، مشيرًا إلى أن القصف جرى بالتنسيق مع النظام السوري، ومع العراق الذي عبرت الصواريخ أجواءه، وأن “هذه الصواريخ من طراز ذو الفقار المتوسطة المدى والمحلية الصنع، وأطلقت خلال عملية اسمها (ليلة القدر)، للانتقام من منفذي هجومي طهران”
رسائل مبطنة
انطلقت الصواريخ من القواعد العسكرية في محافظتي كردستان وكرمنشاه في إيران، إذ تم إطلاق ستة صواريخ متوسطة المدى يبلغ مداها 700 كيلو متر من طراز “قيام” و”ذو الفقار” وقد مرت عبر الأجواء العراقية وأصابت بدقة متناهية المواقع الموجهة نحوها حسب ما أشارت مصادر مطلعة في الحرس الثوري.
الملفت للنظر أن الصواريخ لم تسقط في الرقة حيث معقل داعش الذي تبنى عمليات طهران، بل اختارت طهران دير الزور التي تقع تحت سيطرة التنظيم أيضًا ولطنها باتت تحتل مكانة استراتيجية في معارك ما بعد الرقة إذ سقطت إحدى الصواريخ في محيط مقل التنك النفطي والثانية في مدينة الميادين وهي من كبرى مدن دير الزور التي يسيطر عليها “داعش”.
حملت الصواريخ الإيرانية إلى دير الزور عرض عضلات أمام واشنطن وموسكو في سوريا وفي منطقة تعد استراتيجية للجميع تسعى إيران والنظام للتقدم إليها وطرد داعش منها.
الحرس الثوري الإيراني وعقب انتهاء “العمليات الإرهابية” في طهران ذكر في بيان له أنه لن يألو جهدًا في التصدي للارهاب وحماية الشعب الايراني منوها بأن إراقة الدماء الطاهرة لن تمر دون انتقام.وأن الحرس الثوري يطمئن الشعب الايراني انه لن يتردد في الحفاظ على الامن القومي وارواح أبناء الشعب الإيراني.
الحرس رمى بالتهمة على قمة الرياض حيث اجتمع الرئيس الأمريكي مع قادة الدول العربية والإسلامية، وتكلم أمام القادة شدد فيها على مكافحة الإرهاب وجذوره وداعميه في المنطقة، وذكر بيان الحرس الثوري “إن الرأي العام العالمي سيما الشعب الايراني يعتبر أن تنفيذ هذه العملية الارهابية بعد أسبوع من الاجتماع المشترك للرئيس الاميركي مع رئيس إحدى الدول الرجعية في المنطقة (إشارة إلى السعودية العدو اللدود لإيران)تدعم بشكل متواصل الإرهابيين التكفيريين يحمل معاني كثيرة”.
وأضاف البيان بأن “تبني داعش مسؤولية ذلك يدل على ضلوعهم في هذه العملية الوحـشية”، كما اتهم وزير الاستخبارات الإيراني، محمود علوي، السعودية بالتخطيط لهجمات داخل إيران، ودعم منفذيها لإثارة التوتر في البلاد.
صواريخ بالستية إيرانية
وإطلاق صواريخ بعيدة المدى من إيران في الوقت الذي توجه فيه إيران اتهامًا صريحًا للسعودية وراء هجمهات طهران، فلابد أنها أرادت أن تقول للسعودية أنها تملك أسلحة متطورة وقادرة للوصول إلى أهدافها وإصابتها بدقة، كرد على صفقات الأسلحة التي تم التعاقد عليها مع واشنطن أثناء زيارة ترامب للسعودية والتي قدرت بمئات مليارات الدولارات. هي رسالة مبطنة وبالغة الأهمية ستتلقفها السعودية بمزيد من الاهتمام من طرفها.
كما أرسلت رسالة أخرى للداخل الإيراني نفسه لكيلا تتزعزع ثقته بالحرس وقياداته وبالأخص بعد احتدام العلاقة بين واشنطن وطهران بعد وصول ترامب للسلطة الذي يسعى إلى تغييب الدور الإيراني في المنطقة واستمرار العقوبات الدولية على طهران وإلغاء الاتفاق النووي الذي تم في عهد أوباما.
تتزامن الضربة الإيرانية مع الأزمة الخليجية التي قدمت لطهران خدمة كبيرة بتبييض صورتها من جهة والتودد لقطر من جهة ثانية
وقد نشرت الوكالات الرسمية الإيرانية تصريحات لخامنئي، الذي اجتمع بعائلات قتلى من العسكريين الإيرانيين الموجودين في سورية والعراق مساء أمس الأحد، وذكر أنه “لولا هؤلاء العسكريين لاضطرت القوات الإيرانية للدخول في حرب مع الإرهاب في شوارع البلاد”. وأضاف خامنئي أن “العناصر الإرهابية أرادت الوصول إلى إيران من الحدود العراقية وفشلت بذلك، وتعرضت للفشل في سورية أيضا” وقال إن “الولايات المتحدة لطالما سعت لتغيير النظام في إيران وتعرضت للخسارة”، داعيًا الداخل إلى “عدم القلق من التصريحات الأميركية الأخيرة، التي لن تصل لنتيجة تذكر” و مؤكدًا “صمود الجمهورية الإسلامية”، حسب تعبيره.
ورسالة أخرى كانت موجهة لحلفاء إيران في المنطقة كالنظام السوري والعراق ولبنان والحوثيين في اليمن، لتقول لهم أنها قادرة للدفاع عنهم وتمتلك ترسانة عسكرية قوية تمكنها من قصف أي هدف تريد انطلاقًا من أراضيها.
قمة الرياض بحضور الرئيس الأمريكي ترامب
من جهة أخرى يتزامن هذا مع الأزمة الخليجية التي قدمت لطهران خدمة كبيرة بتبييض صورتها من جهة والتودد لقطر من جهة ثانية بإرسال سفن تحمل منتجات إيرانية، ومن ثم القدوم إلى تركيا للتأكيد على موقف مشترك صادر من الدولتين ضد الدول المقاطعة التي تتزعمها السعودية عدو طهران التقليدي. وقد وصف مستشار خامنئي للشؤون الدولية، علي أكبر ولايتي، ما حدث بـ”الرد النوعي للحرس الذي يثبت قوة الردع الإيرانية”. وقال ولايتي إن قدرات إيران الدفاعية عالية، مؤكدًا أن “لدى البلاد القدرة على الرد على الأعداء والإرهابيين وأصحاب المخططات التي تستهدفها”، حسب وصفه.
إلا أن الرسالة الأهم والأبرز كانت موجهة إلى القوات الأمريكية في سوريا، إذ أرادت بها عرض عضلاتها أمام واشنطن وموسكو في سوريا وفي منطقة تعد استراتيجية للجميع تسعى إيران والنظام للتقدم إليها وطرد داعش منها.
دير الزور مفترق طرق
بعد تأمين طهران مناطق عدة في محيط العاصمة دمشق ومناطق أخرى في محافظات أخرى، على أثر اتفاقية “مناطق خفض التصعيد”، تفرغت لأمر أهم وهو الحصول على طريق بري يصل إيران بالبحر المتوسط مرورًا بالعراق وسوريا من ناحية التنف ليصل بعدها إلى لبنان.
إلا أن واشنطن قاومت هذا المخطط وسعت لتعطيله عبر منطقة الحظر ومنع التصادم في مثلث التنف. فحولت إيران إلى طريق آخر لمنع التصادم مع القوات الأمريكية، وتمكّن النظام السوري مدعومًا بالمليشيات الإيرانية وسلاح الجو الروسي من الوصول إلى الساتر الترابي للحدود السورية العراقية، شمال نقطة “الزكف” بـ 15 كلم.
ومع تثبيت الولايات المتحدة خطوطها الحمراء في البادية السورية، عبر تمركز قواتها في معبر التنف الحدودي السوري مع العراق، وذلك بعد ساعات من سيطرة القوات العراقية على معبر الوليد المقابل للتنف، تواصل قوات النظام، والمليشيات الإيرانية، التحرك في البادية السورية وفي ريف الرقة الجنوبي الغربي للوصول إلى دير الزور، الواقع تحت سيطرة “داعش”
إيران تقصف مواقع لداعش انتقامًا لضحايا هجومين وقعا قبل أيام في طهران استهدفا مبنى البرلمان وضريح الخميني وتبنتهما داعش
اختيار إيران لدير الزور لقصفها يأتي بعدما أصبح التقدم إلى دير الزور نقطة صراع إقليمي دولي على دير الزور والمعركة الكبرى التي ستلي معركة الرقة ضد “داعش”، حيث تعد دير الزور منطقة بالغة الأهمية بالنسبة للجميع فهي تضم الاحتياطي النفطي الأكبر في سوريا، فالنظام يسعى لإنتاج نفسه على سبيل المشاركة في الحرب على “داعش” وروسيا تريد خلط الأوراق شرقي سوريا لإعادة الولايات المتحدة إلى طاولة المفاوضات، وإيران تسعى لتأمين طريقها الاستراتيجي نحو المتوسط يمر من منتصف البادية السورية. ويبقى جل الصراع هناك مرتهن بتوافق روسي أمريكي وهو ما قد يحدث في أول اجتماع بين بوتين وترامب في قمة العشرين بهامبورغ الشهر المقبل.