نقل وزير الخارجية التركي جاويش أوغلو أثناء زيارته للسعودية قبل يومين، رسالة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى الملك سلمان وهي “توقّع الرئيس بأن يحل الملك هذه الأزمة بشكل يليق بمقامه، وأن تركيا جاهزة للمساهمة في ذلك”. ودعا الوزير التركي إلى ضرورة مناقشة الخطوات التي يجب أن تنفذ، مشيرا إلى أن “هناك اتهامات وادعاءات ولكن يجب توثيقها بالأدلة والوثائق، وهذا ما ترغب أن تراه قطر ودولة الكويت التي تلعب دور الوسيط لعرضها على الدول الأخرى”.
الأزمة الخليجية مستمرة لسنوات
الموقف السعودي لا يزال باردًا بعض الشيء لصالح إيجاد طرق لحل الأزمة، إذ لا تزال الأسباب الحقيقة وارء هذه الأزمة مبهمة كما تؤكد مصادر عدة في الدوحة عدم وصول أي طلبات رسمية أو غير رسمية للحكومة القطرية، والتسريبات الآتية من مبادرات الوساطات تتحدث عن عدم وجود مطالب محددة، مما يُشير إلى أن قرارات المواجهة مع قطر كانت انفعالية أكثر منها مرتبة.
الأزمة لم تحل حتى الآن!، وتركيا تصر على حلها قبل حلول عيد الفطر، إلا أن تحركات الدول المقاطعة لا تشير لذلك. فبعد صد ورد خرج وزير الخارجية السعودي عادل الجبير في أحد مؤتمراته الصحفية في جولاته الأوروبية، ليقول “لدينا قائمة سنعطيها للقطريين قريبًا” وعلى الرغم من عدم إفصاحة عن تلك المطالب، فإن السعودية وبالتعاون مع البحرين والإمارات ومصر أعدت قائمة “متسرعة” لشخصيات وكيانات وسموها بالإرهاب أو دعمه، بالإضافة إلى مطالب بقطع علاقات الدوحة مع حركة حماس وجماعة الإخوان المسلمين.
وسائل إعلام تركية تشير إلى “تهديد” للسعودية باحتمال قيام ثورة على طريقة “الربيع العربي” ضد الأسرة الحاكمة فيها.
وفي الوقت الذي يقول فيه المسؤول عن الشؤون الخارجية العُماني يوسف بن عليوي إن الأزمة الخليجية ستحل قريبًا، يأتي الرد من الإمارات على لسان أنور قرقاش وزير الدولة للشؤون الخارجية إن عزل قطر قد يستمر لسنوات وأضاف نراهن على الوقت لا نريد التصعيد نريد عزلها. وأشار أيضًا إلى أنه “سيتم إعداد قائمة بالشكاوى من قطر خلال أيام”، لافتًا إلى أن تركيا ما زالت تحاول البقاء على الحياد في الأزمة القطرية”، آملا أن تبقى أنقرة “حكيمة” وتدرك أن مصلحتها تكمن بدعم التحرك ضد الدوحة.
وبهذا تكون الرسالة من قبل محور الرياض أبو ظبي المعادي لقطر قد وصلت إلى تركيا، ومضمونها أنه على تركيا إعادة التفكير في اصطفافها مع الدوحة وعدم الانقياد وأنه لا حل يلوح في الأفق لهذه الأزمة.
في الأثناء وصلت طلائع الجيش التركي إلى الدوحة لتتركز في قاعدة الريان العسكرية التركية في قطر، وحسب ما نقلته وكالة الأنباء القطرية “القوات بدأت أولى تدريباتها العسكرية أمس الأحد في معسكر كتيبة طارق بن زياد الآلية في الدوحة” وأشارت إلى أن تلك التمارين المشتركة تستهدف “رفع الكفاءة القتالية للقوتين القطرية والتركية في وضع خطط العمليات المشتركة لمحاربة التطرف والإرهاب وعمليات حفظ السلام قبل وبعد العمليات العسكرية وفي تنفيذ العمليات المشتركة والمدمجة الواسعة”.
صبر تركيا على الدول المقاطعة
فصلت أنقرة بعد اندلاع الأزمة الخليجية بين الدول المقاطعة، فبالنسبة للإمارات صعدت أنقرة ضد أبوظبي سياسيًا وإعلاميًا إذ قال الرئيس التركي في أحد تصريحاته “نعلم جيدًا من كان سعيدًا في الخليج عندما تعرضت تركيا لمحاولة الانقلاب، فإن كان لأي منها مخابرات، فنحن أيضًا لدينا مخابراتنا، ونعرف بشكل جيد كيف أمضى البعض تلك الليلة”، في إشارة إلى الإمارات.
وإعلاميًا تناولت تقارير إعلامية مرئية ومكتوبة دور الإمارات المشبوه في المنطقة وسعيها لاستهداف تركيا، ففي تقرير منشور على صحيفة ديلي صباح التركية عن مقال لمحمد أسيت نشر في صيفة تركية “يني شفق” أن الإمارات أنفقت نحو 3 مليارات دولار لإسقاط الحكومة التركية وأردوغان، واستشهد الكاتب بتصريحات لوزير الخارجية التركي جاويش أوغلو بقوله إن بلدًا مسلمًا ينفق 3 مليارات دولار للإطاحة بأردوغان والحكومة في تركيا مع تقديم الدعم للانقلابيين في محاولة الانقلاب الفاشلة في 15 من يوليو/تموز العام الماضي.
السعودية أعلنت أنها لن تسمح لتركيا بإقامة قواعد عسكرية على أراضيها وأنها ليست في حاجة لمثل هذه القواعد
أما بالنسبة للسعودية فلا تزال أنقرة تتعامل بحذر معها في مسعى منها لعدم افتعال أي عداء بين البلدين، حيث أشارت مصادر تركية أن الحكومة والرئاسة التركية ما زالت تتعامل بـ”دقة عالية جدًا” مع السعودية وتحسب جميع تصريحاتها في مسعى لإبقاء مساحة جيدة من الثقة المتبادلة وعدم الصدام معها.
وذكر أردوغان في إحدى تصريحاته أن “على عاهل السعودية أن يحل هذه المسألة باعتباره كبير الخليج”، وفي زيارة وزير الخارجية التركي قبل يومين إلى السعودية أكد الوزير على أهمية دور العاهل السعودي وزعامته في حل هذه الأزمة. وأشار الوزير: “أكدنا خلال اللقاء على وجهة نظر تركيا بضرورة حل الأزمة في أقرب وقت؛ كما أكدنا على الدور المهم للملك سلمان وأهمية زعامته في هذا الحل”. وأنه “شددنا كذلك على أهمية تخفيف حدة الموقف الحالي”.
إلا أن تركيا بعد كل هذا لا يبدو أنها ستظل مكتوفة اليدين تتفرج على المنطقة تذهب في سيناريو متأزم لا حدود له، والمساعي التركي لحل الأزمة يبدو أنها تقترب من نهايتها في ظل انعدام مؤشرات إيجابية على حل الأزمة.
وفي أول تصعيد كلامي بين البلدين رد الطرف السعودي على الطلب التركي بإنشاء قاعدة عسكرية تركية في السعودية على غرار الموجودة في قطر، أنها لن تسمح لتركيا بإقامة قواعد عسكرية على أراضيها وأنها ليست في حاجة لمثل هذه القواعد، وقال مصدر رسمي لوكالة الأنباء السعودية حسب ما نقلته صحيفة القدس العربي “المملكة لا يمكن أن تسمح لتركيا بإقامة قواعد عسكرية على أراضيها.. المملكة ليست في حاجة إلى ذلك وقواتها المسلحة وقدراتها العسكرية في أفضل مستوى، ولها مشاركات كبيرة في الخارج، بما في ذلك قاعدة أنجيرليك في تركيا لمكافحة الإرهاب وحماية الأمن والاستقرار في المنطقة”.
أنور قرقاش وزير الدولة للشؤون الخارجية في الإمارات قال إن عزل قطر قد يستمر لسنوات
وفي زيارة وزير الخارجية التركي يوم السبت، أوقفت السلطات السعودية لأكثر من عشر ساعات صحافيين باكستانيين يعملان لحساب قناة “تي ار تي وورلد” التركية الحكومية الناطقة بالانكليزية كانا يغطيان زيارة جاويش أوغلو، اضطر الوزير التوسط لدى الملك لإطلاق سراحهما.
وخرجت تصريحات لأحد كبار مستشاري الرئيس التركي وهو إييت كوكماز في برنامج تلفزيوني أول أمس السبت، “دول ضخمة وكبيرة (السعودية) تسير خلف قبيلة واحدة، وهذا أمر لا يقبله المنطق الإنساني، الربيع (ثورات الربيع العربي) يمكن أن يظهر قريبًا في دول جديدة.. يجب أن تظهر أصلاً”، في تصريحات اعتبرتها وسائل إعلام تركية بمثابة “تهديد” للسعودية باحتمال قيام ثورة على طريقة “الربيع العربي” ضد الأسرة الحاكمة فيها.
لا يعبر تصريح مستشار الرئيس التركي عن رأي تركيا الرسمي بالسعودية أو رغبتها بالتصعيد معها، ولكن يمكن أن يُفهم منه أن صبر أنقرة له حدود وفي حال عدم قيام السعودية بما هو مفترض لحل الأزمة من الآن حتى عيد الفطر فإن صبر أنقرة قد ينفذ وتبدأ بالتصعيد مع الرياض.