1.2 مليون نازح عراقي.. لماذا غابوا عن برامج المرشحين الانتخابية؟

مع اقتراب موعد انتخابات مجالس المحافظات في العراق، تبرز مجددًا قضية النازحين العراقيين والتي باتت طيّ النسيان خلال الأشهر الماضية، رغم المعاناة الكبيرة التي تعانيها هذه الفئة من العراقيين طوال السنوات الماضية.

وكشف تقرير نشرته منظمة الهجرة الدولية عن وجود قرابة 1.17 مليون شخص نازح في العراق، منذ ما يقرب من 10 أعوام، وأوضحت المنظمة بأن النزوح طويل الأمد بات سمة الوضع بعد انتهاء الحرب مع “داعش”.

وشددت المنظمة الدولية في 28 نوفمبر/ تشرين الثاني 2023، على ضرورة تحسين الحلول الدائمة لمشكلة النزوح في العراق، عبر توفير الظروف المعيشية التي تشجّع عودة هؤلاء النازحين إلى مناطقهم.

وتشهد محافظات العراق هذه الأيام حملات انتخابية واسعة استعدادًا لإجراء الانتخابات المحلية في 18 ديسمبر/كانون الأول الجاري، وسط تساؤلات عن غياب أوضاع النازحين عن برامج معظم الأحزاب المتنافسة.

تغييب صوت النازحين

وحول غياب حلول إنهاء معاناة النازحين عن برامج السياسيين الانتخابية، يرجع المحلل السياسي رعد هاشم، ذلك إلى كون هذه القضية صارت مكشوفة، وهي “دلالة فشل واضحة من قبل السياسيين الذي لم ينجحوا في إيجاد الحلول طوال السنوات السابقة”.

ويوضح هاشم في حديثه لموقع “نون بوست”، بأن “ورقة استعطاف النازحين قد انكشف زيفها، إذ لم توفّر الطبقة السياسية سابقًا أبسط متطلبات النازحين وهمومهم ومعاناتهم، وأصبح النازحون ينظرون إلى مجالس المحافظات باعتبارها حلقة زائدة كتب عليها الفشل”.

ويشير هاشم إلى أن مسألة مشاركة النازحين بالانتخابات خفّت حدّتها وتضاءلت كثيرًا، “بسبب خيبة أملهم من التجارب السابقة، إذ أخفق مرشحو الانتخابات السابقة في الالتزام بوعودهم تجاه النازحين”.

ويلفت إلى أن النازحين يشعرون بالإقصاء والتمييز، وخاصة اللاجئين خارج العراق والذين حرموا من حقهم الديمقراطي في المشاركة بهذه الانتخابات، منوّهًا إلى أن النازحين يرفضون استغلالهم لأغراض انتخابية.

ملف شائك ومعقّد

ويرى الباحث والمحلل السياسي أثير الشرع بأن ملف النازحين من الملفات الشائكة المعقدة التي يندى لها جبين الإنسانية، إذ لم تتمكن أي من الجهات الداخلية إنصاف هذه الشريحة التي ظلمت. 

ويضيف الشرع في حديثه لموقع “نون بوست”، بأنه رغم قيام بعض المرشّحين بزيارة أماكن تواجد النازحين، وتوزيع بعض السلال الغذائية وغيرها لهم، “لكنّهم لا يستطيعون تحقيق مطلبهم الأساسي وهو ضمان العودة إلى مناطقهم الأصلية، أو تخفيف معاناتهم المريرة وهم على أبواب الشتاء”.

ويؤكّد على أن ملف النازحين ما زال لم يُنصف الى هذه اللحظة ويتطلب تدخلات خارجية وداخلية وإمكانات عالية وتكاتف دولي، لكي يتم إنصاف هذه الشريحة التي هجرت معظمها قسريًا وأبعدت عن مناطق سكناها.

ودعا الباحث والمحلل السياسي من سيفوز في الانتخابات المحلية المرتقبة، إلى الاهتمام بملف النازحين والعمل على إنهائه، من خلال تأهيل مناطقهم وتأمين عودتهم وإنهاء معاناتهم بأسرع وقت.

ويؤكد الشرع على أن النازحين العراقيين وبمختلف مكوناتهم يشعرون بالإقصاء والتهميش وعدم الاهتمام بتوفير مكان يليق بهم أو ربما سكن بديل عن سكنهم الذي تهدم خلال التهجير القسري، وعدم وجود جهود من الحكومات المحلية أو المركزية للاهتمام بهم.

ويلفت إلى أن هذا الشعور يدور في مخيلة أي نازح، لأنه عندما يعيش حياته اليومية وينظر إلى من يقطن منطقته وربما يسكن في داره، فبالتأكيد سيشعر بالغبن والظلم، وبالتالي يشعر بعدم وجود نية صادقة من قبل الحكومات المتعاقبة على إنهاء ملف النازحين وإنصافهم.

استغلال آلام النازحين

وفيما تمتلئ شوارع العراق بالدعايات الانتخابية للمرشحين مع بلوغ الحملات الانتخابية ذروتها هذه الأيام، ينشغل معظم النازحين بالمخيمات في البحث عن أبسط مقومات الحياة، غير مكترثين بهذه الانتخابات ونتائجها.

ويقول الناشط الإغاثي عبد الله رعد، إن معظم برامج المرشحين تتحدث عن تعبيد الطرق وإنشاء المدارس والمستشفيات، ومن غير المنطقي إلقاء هذه الوعود على سكاني مخيمات النزوح، وإنْ كانت وعودًا مزيّفة.

ويبيّن في حديثه مع “نون بوست”، أنّ النازحين يحتفظون بذكريات مؤلمة عن وعود المرشحين السابقين، خلال الانتخابات التي جرت وهم في المخيمات منذ عام 2014، حيث لم تتحقق وعود العودة ورفع الظلم والتعويض وإعادة التوطين.

ويستذكر رعد تجارب النازحين خلال الانتخابات السابقة، عندما كان يأتي المرشحون لمخيمات النزوح ويقدمون فتات الطعام، ومعه سيل من الوعود الكبيرة حول إعادة النازحين والتكفّل بحقوقهم والعمل على إعادة الإعمار وغير ذلك.

وينتقد الناشط الإغاثي قيام “بعض المرشّحين باستغلال حاجة النازحين من خلال تقديم سلة غذائية و20 لترًا من النفط، وبعد أخذ أصواتهم يتم نسيانهم وتركهم في المخيمات يواجهون الجوع والبرد في طرق استغلال بشعة”.

ويضيف رعد أن كثيرًا من النازحين، ورغم تحديث سجلاتهم الانتخابية لكنّهم لا يرغبون بالمشاركة في الانتخابات، فضلًا عن أن كثيرًا من سكان المخيمات فقدوا وثائقهم الأصلية ويعانون من قضايا قانونية كبيرة في استخراجها ولم يستطيعوا تحديث سجلّهم الانتخابي.

ويبيّن أن مفوضية الانتخابات قررت السماح للنازحين في المخيمات بالتصويت داخل مخيماتهم، لكنّ النازحين خارج المخيمات عليهم العودة إلى مناطقهم الأصلية، وهذا يعني حرمان نازحي جرف الصخر وغيرها من المناطق التي تعرضت للتغيير الديموغرافي، ومنعهم من الانتخاب.