ترجمة وتحرير: نون بوست
لو شنت المملكة العربية السعودية حملتها الدبلوماسية على قطر، قبل بضعة أشهر، لوجدت نفسها شبه وحيدة في الحرب الدبلوماسية الحالية التي تخوضها ضد الإمارة الخليجية. ونظرا للتوترات التي كانت قائمة بين البلدين بسبب الكثير من القضايا الإقليمية العالقة، كانت مصر سوف ترفض الاستجابة لنداء السعودية المتعلق بمقاطعة قطر.
في الواقع، دعمت السعودية نظام السيسي منذ توليه مقاليد الحكم، لذلك سعى إلى الوفاء بالوعد الذي قطعه خلال شهر نيسان/ أبريل، المتمثل في جعل جزيرتي تيران وصنافير ضمن الحدود الدولية السعودية، الذي جاء بعد أيام من لقاء الرئيس المصري السيسي والملك سلمان في القاهرة. وقد غادر الملك سلمان، الذي لاقى ترحيبا كبيرا في مصر، إلى الرياض محملا باتفاق إقليمي يسمح له بتولي السيطرة على جزيرتين إستراتيجيتين تقعان عند مدخل خليج العقبة في البحر الأحمر.
لكن، ربما لم يقدر الرئيسان غضب وقوة المصريين، فضلا عن عدد قليل من المحامين والمعارضين الذين لا يزالون يتمتعون بحريتهم. فالخوف من القمع لم يمنع مئات الأشخاص من الخروج للتظاهر في الشوارع المصرية احتجاجا على عملية النقل الإقليمي لجزيرتيْ تيران وصنافير. وعلى ضوء التفريك في الجزيرتين، لقي قرار المحكمة معارضة شديدة من قبل المحامين، الذين لم يتوانوا عن توجيه الانتقادات اللاذعة إلى المسؤولين عن ذلك.
وعلى عكس كل التوقعات، وافقت المحكمة الإدارية ومجلس الدولة المصري على الاتفاق الذي وقعته السلطة التنفيذية. وبعد ستة أشهر من زيارة الملك سلمان، سوف يظل العلم المصري يرفرف فوق الجزر، التي ادعى السعوديون منذ ما يقارب الثلاثين عاما أنها على ملكيتهم.
النفط السعودي مقابل الجزر المصرية
أثار دعم السيسي لنظام بشار الأسد غضب العاهل السعودي، مما أدى إلى معاقبة السعودية لمصر من خلال تعليق شحنات النفط. فضلا عن ذلك، حاول النظام الملكي السعودي عرقلة القرض الذي طلبته مصر من الصندوق النقد الدولي، البالغ قيمته حوالي 12 مليار دولار، الموجه إلى تعزيز الاقتصاد المصري الذي يشهد أزمة شديدة. وقد استمر هذا العداء إلى حد تهديد الملك سلمان بإلغاء جميع الاستثمارات التي وعد بتنفيذها في مصر، والتي تصل قيمتها إلى حوالي 16 مليار.
ونظرا لانهيار السياحة وإيرادات قناة السويس، أذعنت الحكومة المصرية أخيرا للضغوط السعودية. ومنذ بضعة أيام، أثار البرلمان، الذي يدعم نظام السيسي العسكري، النقاش حول جنسية تيران وصنافير، إذ أن ثلثي النواب وافقوا يوم 17 حزيران/ يونيو من سنة 2017، على اتفاق نقل سيادة الجزيرتين إلى السعودية، لينقض بذلك هذا القرار جميع أحكام المحاكم السابقة.
“المملكة السعودية تحاول الحد من الإنفاق العام، إلا أنها وجدت نفسها مضطرة أمام الرأي العام الدولي إلى إظهار أنها سوف تدفع الملايين من الدولارات مقابل تسلمها الجزيرتين”
وفي هذا السياق، قالت الباحثة المتخصصة في الشرق الأوسط، ميشيل دون، في معهد كارنيغي للسلام الدولي إن “مئات الملايين من عائدات النفط التي توفرها المملكة العربية السعودية تعتبر ذات أهمية كبيرة بالنسبة لميزانية دولة نظام السيسي”. وأضافت دون أنه “على الرغم من وجود العديد من القضايا الإقليمية الشائكة التي يختلف حولها كل من السعودية ومصر، وخاصة في سوريا واليمن، إلا أنه يبدو أن السيسي والملك سلمان قد توصلا إلى اتفاق حول ثمن الحصول على الدعم السعودي، الذي كان تسليم الجزيرتين”.
في ذات السياق، أفاد الباحث تيموثي إي كالداس، من معهد التحرير لدراسات الشرق الأوسط، بأن “تدابير التقشف التي تتخذها السعودية تناقض بشدة السياسة السخية التي تنتهجها تجاه مصر”. كما أشار الباحث إلى أن “المملكة السعودية تحاول الحد من الإنفاق العام، إلا أنها وجدت نفسها مضطرة أمام الرأي العام الدولي إلى إظهار أنها سوف تدفع الملايين من الدولارات مقابل تسلمها الجزيرتين”. وتابع كالداس أنه “من المتوقع في حال وقع اكتشاف حقول الغاز على الجزيرتين، التي تخلت عنها مصر، سوف يتم تقاسم العائدات بين السعوديين والمصريين”.
مثلث قوى جديد معادي لقطر
ومع عودة مصر إلى صفوف التحالف السعودي، ستكون المملكة على رأس ائتلاف واسع من الحلفاء المتباينين سياسيا، منهم جيرانها (دبي والبحرين)، وخمسة بلدان أفريقية أخرى (النيجر وموريتانيا، والسنغال، وتشاد، وجزر القمر)، وممثلين عن الدول الهشة؛ مثل الرئيس اليمني، والمشير حفتر في ليبيا.
بعيدا عن التبعية الاقتصادية لمصر، يكّن نظام السيسي العداء لنفس خصم السعودية السياسي، الذي يتجسد في جماعة الإخوان المسلمين. والجدير بالذكر أن قطر استضافت عددا من قادة وأعضاء هذا التنظيم الإسلامي، منذ الإطاحة بالرئيس محمد مرسي، في سنة 2013. وفي الوقت الراهن، أصبحت نقاط الاختلاف حول المستنقع السوري ثانويةً بالنسبة للجبهة الجديدة المعادية لقطر.
وفي شأن ذي صلة، أكد تيموثي أي كالداس أنه في حين تتودد مصر لحليف الأسد الروسي، يدعم “القطريون والسعوديون تقريبا نفس المعسكر، حتى إذا كانوا يدعمون فصائل مختلفة من المعارضة السورية والميليشيات”. وفي السياق ذاته، أورد الباحث ستيفان لاكروا، الأستاذ في معهد العلوم السياسية بباريس، أنه “من خلال قرار عزل قطر، نحن نشهد إنشاء مثلث قوة إقليمي جديد يتربع على عرشه كل من الإمارات والسعودية، ومصر، ويكفله دونالد ترامب.
أكّد ستيفان لاكروا أن توقيت إصدار القرار المتعلق بضم الجزيرتين إلى السعودية ليس بريئا أو اعتباطيا، نظرا لأن التحالف المصري السعودي الجديد يهدف بالأساس إلى حل القضية المتعلقة بالجزر منذ مدة وها قد سنحت الفرصة لينال مراده
في الحقيقة، ساهمت الإدارة الأمريكية، وخاصة الجولة الأولى لدونالد ترامب في الشرق الأوسط، في عودة المملكة العربية السعودية إلى واجهة المشهد الإقليمي. فضلا عن ذلك، أيقظ خطاب ترامب في الرياض، الذي حث من خلاله إلى “عزل إيران”، دول الخليج السنية التي عارضت الاتفاق النووي الإيراني واستئناف العلاقات الأمريكية الإيرانية.
وبما أن قطر تملك علاقات جيدة مع إيران، فقد كانت هي أوّل من دفع ثمن التقرّب من إيران وعودة المملكة القوية للمشهد الإقليمي. وفي غضون ثلاثة أشهر من وصوله إلى البيت الأبيض، أبرم دونالد ترامب اتفاق “تاريخي” مع المملكة العربية السعودية، قطعت إثره قرابة عشر دول العلاقات مع قطر، فضلا عن أن البرلمان المصري وافق على نقل ملكية تيران وصنافير إلى المملكة العربية السعودية.
وفي هذا الصدد، أكّد ستيفان لاكروا أن توقيت إصدار القرار المتعلق بضم الجزيرتين إلى السعودية ليس بريئا أو اعتباطيا، نظرا لأن التحالف المصري السعودي الجديد يهدف بالأساس إلى حل القضية المتعلقة بالجزر منذ مدة وها قد سنحت الفرصة لينال مراده.
علاقة “إسرائيل” والمملكة العربية السعودية بالجزيرتين
تحظى الجزيرتان، التي أصبحت ملكيتهما تحت سيادة السعودية، بموقع جغرافي إستراتيجي في المنطقة. وتقع كل من جزيرة تيران، البالغ طولها 15 كيلومترا، وصنافير، البالغ طولها 8.7 كم، عند مدخل خليج العقبة الذي يمثل نقطة العبور الوحيدة إلى البحر الأحمر، بالنسبة لكل من إسرائيل والأردن.
من خلال غلق مضيق تيران، يمكن لأي بلد يملك سيادة الجزيرتين، أن يمنع بسهولة سير شحن البضائع ويعرقل عملية وصولها إلى إسرائيل. لذلك، منذ إبرام اتفاقية كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل، لا يُسمح للجيش للتوقف عند الجزر، في حين يسمح فقط للشرطة المصرية بالقيام بدوريات مراقبة، علما بأن اتفاقية كامب ديفيد لسنة 1978، لا تمنع نقل تبعية الأراضي إلى أي بلد آخر.
مستشار إسرائيلي: “بغض النظر عما إذا كانت الجزر على ملكيةٍ مصرية أو سعودية، فإن الأمر الوحيد الذي يهمنا هو أن تمرّ سفننا البحرية وتصل إلى ميناء إيلات بسلام”
في المقابل، يتطلب حصول أي تغيير في سيادة الأراضي موافقة الطرفين الموقعين على المعاهدة أي (مصر وإسرائيل). وتجدر الإشارة إلى أن وزير الدفاع الإسرائيلي أعطى الضوء الأخضر، منذ أكثر من سنة، لنقل تبعية الجزر للسعوديين. وفي هذا الصدد، أكّد مستشار الأمن القومي الإسرائيلي السابق، ياكوف أميدرور، أن الحماس الإسرائيلي لنقل ملكية جزيرتي تيران وصنافير يعكس الثقة التي توليها إسرائيل في الإدارة السعودية.
وفي سياق متصل، أضاف المستشار أنه “بغض النظر عما إذا كانت الجزر على ملكيةٍ مصرية أو سعودية، فإن الأمر الوحيد الذي يهمنا هو أن تمرّ سفننا البحرية وتصل إلى “ميناء إيلات” بسلام”. بالإضافة إلى ذلك، أقر المستشار الإسرائيلي بأنه من خلال منح مصر الموافقة على نقل الملكية، تعترف المملكة العربية السعودية بشكل غير مباشر بمعاهدة السلام الإسرائيلية المصرية.
وفي الوقت الراهن، ومن خلال هذه المعاهدة، أصبحت مصر أول دولة عربية تعترف بدولة إسرائيل. ومن هذا المنطلق، هل أن العاهل السعودي على استعداد لتخطي هذا الخط الأحمر الذي لا يزال يثير انقسامات عميقة في العالم العربي؟ من جهتها، سترحب حكومة إسرائيل المحافظة، التي تشاطر السعودية نفس هاجس الكراهية لإيران، باعتراف السعودية بوجودها.
التمهيد لاتفاق سلام إسرائيلي فلسطيني؟
يمكن لهذا الاضطراب الدبلوماسي أن يوجه الرأي العام العربي، وخاصة أهل السعودية، ضد أسرة آل سعود. فعلى الرغم من الاتصالات السرية التي أجرتها السعودية، في السنوات الأخيرة، مع الكثير من المسؤولين الإسرائيليين، تواصل نفيها لوجود أي علاقات تربطها مع إسرائيل.
وفي هذا الإطار، قال الدكتور حسن نافعة، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، إن “إسرائيل سوف تستفيد من حصول السعودية على سيادة الجزيرتين، ما من شأنه أن يغير قواعد اللعبة في الشرق الأوسط. وهذا في حد ذاته يعني أن إسرائيل تسعى إلى توقيع معاهدة مع المملكة العربية السعودية، ما يمكن أن يؤدي إلى تطبيع العلاقات بين الدول العربية وإسرائيل دون أن تجد الدولة اليهودية نفسها مضطرة إلى الانسحاب من جميع الأراضي المحتلة”.
الجدير بالذكر أن المصريين لم يقولوا بعد كلمتهم الأخيرة، والذين أبدوا معارضة شديدة لنقل ملكية الجزر، فضلا عن أن المحكمة الدستورية لم تفصل بعد في المسألة
من جهة أخرى، يعتقد هذا الباحث المصري أن دونالد ترامب يملك، في الوقت الحالي، الوسائل التي تُمكنه من تشجيع أصدقائه الجدد، (الملك سلمان والرئيس السيسي)، على قبول اتفاق السلام بين الاسرائيليين والفلسطينيين بأي ثمن.
وبناء على المعطيات المذكورة آنفا، يجعل عدم القدرة على التنبئ بقرارات الرئيس الأمريكي، المصاب بجنون العظمة، من الصعب توقّع مآل ملف عالق منذ ما يقارب خمسة وعشرين سنة. ولكن الأمر المؤكد أن مصير الصخور العائمة لجزيرتي تيران وصنافير، يهم الكثير من الأطراف في المنطقة، والمصريين على حد السواء. والجدير بالذكر أن المصريين لم يقولوا بعد كلمتهم الأخيرة، والذين أبدوا معارضة شديدة لنقل ملكية الجزر، فضلا عن أن المحكمة الدستورية لم تفصل بعد في المسألة.
المصدر: لوبوان