اقترب موعد انتهاء إحدى الشركات الكبرى في العالم العربي على مدار السنوات الماضية، وبعد أسابيع قليلة لن يكون هناك عمالاً يعملون في سعودي أوجيه المملوكة لعائلة الحريري في لبنان والتي كانت فخر مؤسسها رفيق الحريري طول عقدين من الزمان، واليوم يشهد أبناؤه على مراسم دفنها.
صدر تعميم منذ أيام من الشركة انتشر في وسائل الإعلام ولم تؤكده الشركة بعد، يفيد أنه “على ضوء الظروف التي تمر بها الشركة، تبلغ الموظفين وبكل أسف أن 31 من يوليو/تموز سيكون آخر يوم عمل متضمنًا مدّة الإخطار المنصوص عليه في نظام العمل”، وبعدها نشرت وكالة فرانس برس تقريرها عن بعض الموظفين داخل الشركة أن “الشركة قررت تسريح موظفيها وإغلاق أبوابها نهائيًا، وآلاف الموظفين، خصوصًا الأجانب منهم، سيواجهون وضعًا صعبًا بسبب عدم تقاضيهم رواتبهم على مدى أشهر”.
سعودي أوجيه المحرك المالي وراء التيار السياسي الذي تقوده عائلة الحريري، لذا فإن إغلاق الشركة وابتعاد السعودية عن لبنان ورجلها الحريري سينعكس على وضع التيار السني في لبنان والساحة السياسية هناك
وحسب أحد الموظفين في الشركة الذي صرح للوكالة الفرنسية دون ذكر اسمه أنه طُلب من الموظفين التقدم بكتاب إنهاء خدمات، وقد تم إعلامهم منذ بعض الوقت بأن عليهم ترك الشركة قبل نهاية حزيران/يونيو الحالي”.
وذكر موظفون في الشركة أن سعودي أوجيه باتت لا تقوم بأي عمل تقريبًا، وأكد موظف سابق أنه ينتظر أن يتقاضى 39 ألف يورو هي مجموع الرواتب التي لم تدفعها له الشركة حتى الآن، وأضاف أنه بعد أسبوعين لن يعود هناك سعودي أوجيه.
من جهتها لم تؤكد وزارة العمل السعودية ما ورد في فرانس برس بينما ذكرت في بيان لها على تويتر ما يؤكد صحة الأخبار الواردة وأنها تعمل على نقل 600 سعودي في سعودي أوجيه إلى منشآت أخرى، وإيجاد فرص عمل مناسبة للسعوديين الآخرين وعددهم 600، وسيتولى صندوق تنمية الموارد البشرية إيجاد وظائف لهم”.
نهاية سعودي أوجيه
الشركة التي كانت بيوم من الأيام تمثل شخص رفيق الحريري ستندثر على أيدي أولاده الذين ورثوها منه، في مقال لبهاء الحريري في مجلة بيسبوك أشار فيه إلى دار حديث بينه وبين والده ذات يوم يقول: “سألني والدي: من أنا؟ فقلت له أنت رفيق الحريري، قال: لا، وعاد وكرر السؤال: من أنا؟ فأجبت: أنت رجل أعمال، فرد: لا، أنا سعودي أوجيه”!
بعد وفاة رفيق الحريري لم تعد الشركة ملكًا لجميع أفراد العائلة، حيث حصل سعد الحريري على الجزء الأكبر من الشركة بالإضافة إلى الإرث السياسي، يشاركه فيها وفي عدد من العقارات، أخوه أيمن الذي باع حصته في الشركة مؤخرًا لسعد، أما بكر العائلة، بهاء، قرر الانفصال نهائيًا عن أخوته، ليتولى أعماله التي نجت من التعثر خلال السنوات الماضية، وبالنسبة للأخ الأصغر فهد، آثر أيضًا الانفصال، مفضلاً الحصول على حصة عقارية كبيرة، وبدورها، باعت هند لأخيها سعد حصتها في “بنك ميد” لأسباب ترتبط بتوجهاتها الدينية وفي سعودي أوجيه، أما والدتها نازك، فنالت الجزء الأكبر من حصتها من الميراث على شكل عقارات بينها قصر قريطم الذي باعته مؤخرًا لسعد الحريري.
الموقف السعودي ربما يعكس تحولاً أكبر في سياسة السعودية في عهد الملك سلمان أكبر من مجرد موقف من شخص الحريري، إذ أصبحت بلدان أخرى أكثر أهمية في صراع المملكة المحتدم مع إيران وبخاصة سوريا واليمن والبحرين
وصول شركة مثل سعودي أوجيه لهذه الدرجة من السوء التي تجعلها تغلق أبوابها يدعو للتساؤل عن الأسباب الحقيقية التي سببت ذلك وهي التي بلغت إيراداتها 8 مليارات دولار في العام 2010، فالشركة المؤسسة عام 1978 وثاني أكبر شركات المقاولات في السعودية كان يوكل لها بناء مختلف المرافق في الدولة من منشآت الدفاع ومدراس ومشافي وطرقات وجسور وغيرها، تنفيذًا لخطط التنمية الكبرى وتطوير البنية التحتية التي تبنتها السعودية في العقود الفائتة.
مرت الشركة بمجدها طول فترة إدارة رفيق الحريري لها وحظيت في عهده بعلاقة مقربة مع الحكومة السعودية منذ تأسيسها، حيث ساعدت علاقات رفيق الحريري القوية مع الأمراء في الدولة في أن تصبح الشركة الخيار الأول لتنفيذ المشروعات الكبيرة جنبًا إلى جنب مع “مجموعة بن لادن” السعودية.
الشركة لم تعمل فقط في مجال التطوير العقاري، بل عملت في عدة مجالات منها المرافق العامة والاتصالات والتكنولوجيا، إلى جانب مساهمتها في الكثير من الأبراج والفنادق في الرياض ومدن مختلفة في دول عربية وأجنبية.
وقد آلت الشركة بالكلية لسعد الحريري بعما اشتري حصص أخوته بالشركة وباتت مملوكة له وقدرت ثروته الإجمالية 2.1 مليار دولار مرتفعة من 1.6 مليار دولار بفضل المشاريع التي استلمتها الشركة في مدينة عبد الله الاقتصادية التي تكلف 10 مليارات ريال، ومترو الرياض ومشاريع أخرى.
تم اغتيال رفيق الحريري وسط بيروت في 14 من شباط/فبراير 2004
عام 2005 كان عامًا فارقًا في عمر الشركة بعدما تم اغتيال المؤسس والرئيس التنفيذي لها رفيق الحريري، رئيس الحكومة اللبنانية في ذلك الوقت، فانتقلت إدارة الشركة للجيل الثاني وتولى سعد الحريري إدارتها، وبقيت عند الحكومة السعودية محط اهتمام وقيمة، حيث خصص الملك عبد الله للشركة مبلغًا ماليًا بلغ ملياري ريال تصرف لها كل شهرين كهبة وبدل صيانة للقصور الملكية ووفاءً لرفيق الحريري المقرب من العائلة المالكة.
لكن تغيرت الأمور تمامًا بعد وفاة الملك عبد الله 2013 وتسلم الملك سلمان بن عبد العزيز وولي عهده محمد بن نايف وولي ولي عهده محمد بن سلمان آنذاك الذي جاء بطموح تخلي المملكة عن النفط عبر رؤية 2030، وبدأت معاناة الشركة منذ ذلك الوقت وكأن قرارًا صدر بتصفية الشركة.
فبحسب صحيفة الأخبار اللبنانية فإن محمد بن نايف لا يرى في الرئيس سعد الحريري “خير مؤتمن على سياسة المملكة في لبنان” هذا من الناحية السياسية وقد يكون هذا عامل من عوامل الضغط على الشركة.
العتب السعودي تزايد يومًا بعد آخر على الحريري الذي يعد الممثل السني في لبنان وجناح السعودية فيها، إذ وقعت سياسات لبنان وسيادته تحت سيطرة حزب الله وإيران
ومن ثم جاء دور محمد بن سلمان، باعتماد سياسة مالية واقتصادية جديدة في البلاد قطع بها الكثير من مصادر التمويل التي يرى فيها إنفاقًا في غير محله ضمن رؤية 2030، كالدعم المقدّم لبعض الشركات الكبرى ومنها “سعودي أوجيه”، وتم إلغاء الهبة التي كانت تصرف على الشركة في أيام الملك عبد الله والبالغة ملياري ريال كل شهرين، وتصادف هذا مع هبوط أسعار النفط ودخول الحكومة السعودية في أتون حرب باليمن ومشاكل إقليمية مع إيران وتغيرات طارئة في سوريا، وهذا ما دفع بابن سلمان لإعادة حساباته ووقف بعض المشاريع الثانوية والدخول في تقشف أثر بالدرجة الأولى على شركات المقاولات جميعها حيث يُعتبر الإنفاق الحكومي “الحبل السُري” لها.
تزامنت هذه الحوادث مع أمور أخرى، حيث كانت سعودي أوجيه في ذلك الوقت تنفذ مشروع الكاب1، وهو عبارة عن مبانٍ تابعة لوزارة الداخلية، تبين بعد ثلاث سنوات أن الشركة تكبدت خسارة كبيرة في هذا المشروع، تعود إلى خطأ في التسعير واختلاس المال من قبل المديرين القيّمين على هذا المشروع وأتباعهم، مما أدى إلى تأخير في تسليم المواقع في الوقت المحدد في العقد، وعلى إثر هذا حجزت السلطات السعودية بعض الدفعات لحين تسلُّم المشروع نهائيًا، وتقدّر تلك الدفعات بمليارَي ريال سعودي.
لا تتجاوز العمالة الحالية 25% من أصل العمالة التي كانت تعمل بها في السنوات الماضية، إذ تخلصت الشركة خلال الشهور العشر الماضية من نحو 40 ألف عامل وموظف ومهندس
واجتمعت مبالغ إضافية مستحقة للشركة لدى السلطات السعودية من مشاريع مختلفة بلغت ما مجموعه 4.7 مليار ريال، كما أن الحكومة السعودية عادة ما تتأخر في دفع ما عليها من أموال للشركات، علمًا أنها تدفع بعد تسليم المشروع بشكل نهائي، لذا ظهرت مشكلة سيولة كبيرة لدى الشركة كانت كافية لإدخالها في عجز مالي لم يسبق له مثيل منذ تأسيسها، أدى إلى تأخير دفع الرواتب، حتى انتهى بها المطاف إلى التوقف عن دفع الرواتب نهائيًا، منذ تشرين الأول 2015، وواجهت صعوبات مالية كبيرة في هيكلة ديونها التي تدين بها للبنوك إذ تدين بنحو 12.7 مليار دولار.
دفع تأخير الرواتب كثير من الموظفين إلى رفع دعاوى ضد الشركة، حيث بلغت عدد الشكاوى 31 ألف دعوى، وبدأت بالاستغناء عن مئات الموظفين البالغ عددهم 58 ألف موظف تبلغ نسبة السعوديين منهم 23%.
وعلى إثر تحرك العمال وما نتج من أعمال شغب في الشركة، أدت إلى إحراق مكاتب وسيارات ومهاجمة المكاتب الرئيسيّة من قبل العمال الأجانب، تدخل مكتب العمل في السعودية وطلب كشفًا بالرواتب المستحقة على الشركة، وتم إقرار دفع المبالغ المستحقة للموظفين على الشركة بعد مقارنة كشوفات الرواتب بالمبلغ المستحق للشركة، والتي تبين أن هذا المبلغ يغطي كامل الرواتب حتى تموز 2016، أي 9 أشهر فقط من بداية الأزمة، أما باقي الرواتب فتتحملها الشركة ويكون الحريري ملزمًا بدفعها مع مستحقات نهاية الخدمة لجميع الموظفين.
اتبعت الشركة سياسة “الموت البطيء” في تعاملها مع الأزمة حيث قدر مراقبون أن العمالة الحالية لا تتجاوز 25% من أصل العمالة التي كانت تعمل بها في السنوات الماضية، إذ تخلصت الشركة خلال الشهور العشر الماضية من نحو 40 ألف عامل وموظف، وأمر الحريري ببيع أصول الشركة الثابتة في السعودية وتتجاوز قيمتها 30 مليار ريال، إضافة إلى شركاتها الخارجية في الخليج وأوروبا، وإيقاف أعمال الشركة في لبنان والأردن وبلدان أخرى.
تراجعت حصة شركة سعودي أوجيه في البنك السعودي للاستثمار بنسبة 2.81% لتصل إلى 5.77%، بعد أن كانت 8.58%
الإمبراطورية الاقتصادية تتهاوى
ولجأت الشركة إلى تسييل أسهم لها في العديد من الشركات والمصارف أبرزها البنك العربي في الأردن، حيث تم بيع أسهم شركة “أوجيه ميدل إيست هولدنغ” المملوكة من قبل عائلة الحريري في البنك العربي إلى مجموعة من المستثمرين الأردنيين والعرب، وتبلغ حصة الحريري ما يقارب 20% من أسهم البنك العربي انتقلت ملكيتها مقابل 1.12 مليار دولار إلى مجموعة تضم ما يقارب 40 مستثمرًا يترأسها صبيح المصري والذي قاد عملية التفاوض مع عائلة الحريري.
كما تراجعت حصة الشركة في “البنك السعودي للاستثمار” بنسبة 2.81% لتصل إلى 5.77%، بعد أن كانت 8.58%، وهذا يعني أن الحريري باع نحو ثلث الأسهم التي يملكها فيه، وقدرت مصادر أن حجم الصفقة لم تتجاوز عتبة الـ70 مليون دولار بعد احتساب عدد الأسهم المبيعة والبالغة نحو 19 مليون سهم بسعر السهم المتداول.
ووصل بالعائلة لحل الأزمة المالية في الشركة، إلى لجوئها لعرض عقارات لها في وسط بيروت للبيع وهي من أكبر العقارات وأغلاها في بيروت على الإطلاق، كمقري رفيق الحريري الراحل في قريطم في قلب بيروت، بالإضافة إلى عرض “الصيفي” في فقرا في أعالي جبال لبنان.
وأوردت مصادر لبنانية أن ولي العهد محمد بن سلمان أمر بعدم دفع أي راتب من الرواتب المجدولة إلى حين إقفال الشركه نهائيًا وصرف جميع الموظفين الباقين على كفالة الشركة، وشطب شركة سعودي أوجيه من كشوفات شركات المقاولات في المملكة، وبعد صد ورد وضغوط من قبل مكتب العمل والموظفين الذين يطالبون برواتبهم على سعد الحريري الذي رفض إغلاق الشركة، رضخ الحريري في النهاية وأمر بإقفال الشركة بمهلة أقصاها نهاية تموز 2017، ليتسنى لمكتب العمل في المملكة دفع الرواتب المستحقة في أسرع وقت ممكن.
انقلبت الموازين بين سعودي أوجيه والحكومة السعودية بعد وفاة الملك عبد الله 2013 وتسلم الملك سلمان بن عبد العزيز الحكم وكأن قرارًا تم اتخاذه بتصفية الشركة
علمًا أن ابن سلمان نفسه ذكر في مقابلته الشهيرة مع مجلة “بلومبرغ” الاقتصادية أن شركة “سعودي أوجيه” تقاضت أكثر من 75% من مستحقاتها، ولكن الديون التي تغرق بها الشركة تدفع المصارف إلى الاستيلاء على هذه الأموال لتحصيل حقوقها.
وحسب صحيفة عكاظ السعودية التي أوردت في تقرير طويل لها عنوانه “لماذا أقفلت سعودي أوجيه أبوابها”؟ بين اقتصاديون ممن سألتهم الصحيفة أن الإدارة أحد أكبر المشكلات التي واجهت الشركة وتسببت في حالة الانهيار السريع، مع إغفال الشركة للشفافية والحوكمة منذ بداية الأزمة، وفي تقرير لوكالة الأنباء الفرنسية اتهم عمال وموظفون بينهم فرنسيين إدارة الشركة بسوء تسيير الأمور وانشغالهم بالسياسة الأمر الذي تسبب في أزمة عاصفة في شهر أغسطس/آب في العام 2016.
لجأت الشركة إلى تسييل أسهم لها في العديد من الشركات والمصارف أبرزها البنك العربي في الأردن
على كل حال فإن مصير حصة الحريري التي ورثها عن والده غير واضحة بعد، فالمفاوضات الماراثونية التي جرت بين الشركة والحكومة السعودية طول الأشهر الماضية لم يعلن تفاصيلها، فيما تشير مصادر أن الشركة سيتم الاستحواذ عليها من قِبل الحكومة، وبقاء نسبة من الأسهم للحريري تقدر بـ21%.
الشق السياسي من القصة
لا تخرج أزمة سعودي أوجيه عن كونها سياسية مثلما أنها مالية، إذ كان من الممكن احتواء الأزمة المالية للشركة وعلاجها من البداية وعدم قطع الوارد المالي للشركة أو التصرف معها بطريقة مختلفة لا تؤدي إلى انهيارها، في حين يشير البعض أن محمد بن سلمان يريد أن يتعامل مع الشركة بشكل منفصل عن الواقع السياسي ودعم بلاده للبنان.
أنفقت السعودية في لبنان منذ العام 1990 وحتى 2016 أكثر من 70 مليار دولار في مجالات شتى
الواقع أن العتب السعودي تزايد يومًا بعد آخر على الحريري الذي يعد الممثل السني في لبنان وجناح السعودية فيها، إذ وقع في الفترة الماضية تحت سيطرة حزب الله على الرغم من التصعيد السعودي اتجاه لبنان بسحب السفير ووضع حزب الله كمنظمة إرهابية وبإعلانها إيقاف العمل بالهبة السعودية المخصصة للجيش اللبناني في فبراير/شباط 2016 والبالغة 4 مليارات دولار بسبب ما اعتبرته هيمنة من قبل حزب الله على السياسة الخارجية اللبنانية وسيادة الدولة.
يتجاوز الدعم السعودي الجيش إلى مؤسسات الصحة والخدمات حتى “دار الأيتام الإسلامية” في لبنان تمولها السعودية تم التخلي عنها، وتم تقليل عدد الرحلات الجوية من السعودية إلى لبنان ومنع السعوديين من قضاء عطلاتهم هناك، في الوقت الذي يستمر فيه حزب الله بمناكفة السعودية في لبنان لا يزال تيار المستبقل برئاسة الحريري مستمرًا في الحوار مع الحزب.
ولا يمكن تشبيه الدعم السعودي والخليجي للبنان بمثيله الإيراني بأي حال من الأحوال ولن يسد الدعم الإيراني لها حاجة اقتصاده، فوحدها السعودية أنققت في لبنان منذ العام 1990 وحتى 2016 أكثر من 70 مليار دولار في مجالات شتى، كما تمثل السياحة الخليجية 65% من إجمالي السياحة القادمة إلى لبنان وتستقبل دول الخليج نحو 30% من الصادرات اللبنانية تستقبل السعودية منها نحو 26% وهي صادرات زراعية وصناعية، حيث بلغت قيمة الصادرات اللبنانية إلى السعودية في العام 2014 نحو 377.5 مليون دولار، في حين بلغت الصادرات اللبنانية إلى إيران في العام 2014 نحو 3.2 مليون دولار فقط، ويعمل في السعودية نحو 300 ألف لبناني وبلغت قيمة تحويلات اللبنانين من دول الخليج إلى لبنان 7.5 مليار دولار في العام 2015.
كما رأى البعض أن إعلان سعد الحريري ترشيحه لميشيل عون لرئاسة لبنان في أكتوبر/تشرين الأول وفوز عون بالرئاسة لينهي الأزمة الرئاسية في لبنان بعد استمرارها لمدة عامين، ودخول عون القصر الرئاسي في بعبدا الذي غادره قبل نحو 27 عامًا على إثر اتفاق الطائف في السعودية، وفاة للبنان في صيغته التي وضعتها السعودية في الطائف، وهي إحدى الأمور التي أزعجت السعودية من لبنان والحريري.
السعودية تقطع معوناتها للجيش اللبناني البالغة 4 مليارات دولار في شباط 2016
تعد سعودي أوجيه المحرك المالي وراء التيار السياسي الذي تقوده عائلة الحريري في لبنان، لذا فإن تسريح العمال اللبنانيين من تيار المستقبل وإغلاق الشركة وتصفية أعمالها من جهة، وابتعاد السعودية عن رجلها الحريري في لبنان من جهة ثانية، سينعكس على وضع التيار السني في لبنان والساحة السياسية بالضرورة وهو ما من شأنه أن يضعف النفوذ السني في لبنان لصالح سيطرة حلفاء إيران كحزب الله.
آلاف الموظفين في سعودي أوجيه، خصوصًا الأجانب منهم، سيواجهون وضعًا صعبًا بسبب عدم تقاضيهم رواتبهم على مدى أشهر بعد قرار إغلاق الشركة الشهر المقبل
محللون أشاروا إلى أن الموقف السعودي ربما يعكس تحولاً أكبر في سياسة السعودية في عهد الملك سلمان أكبر من مجرد موقف من شخص الحريري، إذ أصبحت بلدان أخرى أكثر أهمية في صراع المملكة المحتدم مع إيران وبخاصة سوريا واليمن والبحرين.
ويعد لبنان من أوائل البلدان التي اندلع فيها الصراع الذي حلت السعودية طرفًا فيه، فبدعم سعودي قاد الحريري مواجهة سياسية مع حزب الله بعد اغتيال والده عام 2005، ويرى مراقبون أنه لا يمكن تصور أي حضور سياسي للحريري من دون السعودية، فالحريري إنتاج سعودي كما حزب الله إنتاج إيراني حسب وصف البعض.
وفي حين بنى حزب الله شرعيته في المجتمع الشيعي من خلال قتاله لطرد “إسرائيل” من جنوب لبنان، كان رفيق الحريري يبني شرعيته من خلال إعادة بناء لبنان بعد الحرب الأهلية، وأصبحت عائلة الحريري أقوى من أي من العائلات السنّية التي قادت الطائفة على مر السنين، وقد سار سعد الحريري على خطى والده بعد اغتياله حيث أصبح رئيسًا للوزراء عام 2009 وحتى انهيار حكومة الوحدة التي كان يرأسها عام 2011 نتيجة استقالة حزب الله وحلفائه.
إغلاق سعودي أوجيه سينذر بأفول نجم الحريري السياسي في لبنان
إغلاق سعودي أوجيه سينذر بأفول نجم الحريري السياسي في لبنان برأي مراقبين، ومن غير الواضح حتى الآن فيما إذا تبنت السعودية شركاءً آخرين لها في لبنان كبديل عن الحريري، لذا فإن أفول نجمه قد يعني تسليم لبنان فعليًا لإيران عن طريق حزب الله.
في العام الماضي قدم وزير العدل المستقيل اللواء أشرف ريفي نفسه كبديل عن الحريري، علمًا أنه كان ينتمي لتيار المستقبل، وبدأ بانتقاد سعد الحريري وأثير كلام كثير أن ريفي سيقدم أوراق اعتماده كحريري جديد للسعودية ليتزعم التيار السني في لبنان، إلا أن أيًا من هذا لم يحدث.
في المحصلة لن يهدأ لبنان ولن يستقر حتى لو تسلمته إيران، فالوضع مختلف تمامًا لدى مقارنة دعم السعودية بدعم إيران للبنان المقدم لصالح حزب الله فقط، أما من الناحية السياسية فقد تعمد السعودية إلى لعب دور ولو ثانوي بحيث تتدخل في كل حكومة لتخريب مخططات إيران، ومن غير المستبعد أن يعود الحريري إلى عهدة السعودية في حال تم الفصل بين أعماله في السعودية والمصلحة السياسية له في لبنان.