لطالما ثار جدل بشأن مسألة ممارسة الرياضة في أثناء الصيام، بين مؤيد بشكل مبالغ فيه لكل من أراد ممارسة الرياضة القاسية خلال ساعات النهار من أجل خسارة أكبر قدر من الوزن، ورادع بشكل تام عن ممارسة أي نوع من الرياضة حتى لو كانت قليلة المجهود، وما بين هذا وذاك اتبع أغلب الناس هواهم بخصوص تلك المسألة، ولكن ما بين الحقيقة والخيال، ما وضع ممارسة الرياضة في أثناء الصيام؟
يتبع البعض فلسفة التحكم في طاقة الجسد بدلًا من التحكم في الغذاء الذي يدخله، حيث تُعد هذه الفلسفة الأكثر تطبيقًا عندما يصوم المرء عن الطعام والشراب، أي يمارس الرياضة على معدة خاوية، ربما تبدو تلك الفلسفة شديدة الغرابة لدى البعض، ومنهم بعض من أخصائيي وأطباء التغذية، إلا أنه على الجانب الآخر تجد رواجًا من بعض المختصين، لا سيما غير المسلمين كذلك، وهو ما يزيد هالة الغرابة بشأن تلك الفلسفة.
ربما يعتقد البعض أنه يحتاج الطعام والشراب لكي يستطيع لعب الرياضة، إلا أن هذا لا يكون صحيحًا في المطلق، فلطالما انتقد الكثير من المختصين كثيرًا من الأساليب التي تدعم تناول كثير من الكربوهيدرات قبل ممارسة الرياضة، بل كانت محل دراسات أثبت البعض منها خطورة اتباع تلك الطريقة لمحاولة خسارة الوزن.
من الممكن أن يكون لتناول الكربوهيدرات فائدة قبل ممارسة الرياضة، إلا أن هذا لا يجعلنا نغض البصر عن مشكلة ذلك الأسلوب الذي يمنع استغلال الجسم الدهون المخزنة في جسده للحصول على الطاقة، وهو ما يفقده فرصة حرق الدهون الزائدة والهدف من ممارسته للرياضة من الأساس.
يجب مراعاة النبض عند قيام الصائم بممارسة الرياضة على جهاز المشي
يكون الصيام هو الحالة الطبيعية للجسد لكي يحرق الدهون من أجل الحصول على الطاقة دون تدخل من الإنسان أو دون الحاجة لممارسة الرياضة لفعل ذلك، حيث يدافع الجسم عن نفسه في حالة توقف الإنسان عن الطعام والشراب بتعويض ذلك من الدهون المخزنة في الجسد والعضلات من أجل الحصول على مصدر للطاقة.
يكون الصيام هو الحالة الطبيعية للجسد لكي يحرق الدهون من أجل الحصول على الطاقة دون تدخل من الإنسان أو دون الحاجة لممارسة الرياضة لفعل ذلك
تتوقف تلك العملية السابقة بمجرد أن يعود الإنسان للطعام والشراب من جديد بعد ساعات من الصيام تختلف في طولها وقصرها بحسب ساعات النهار في كل بلد، حيث تتوقف مرحلة حرق الدهون ويستعد الجسم لمرحلة جديدة من هضم السكريات الموجودة في مختلف الوجبات والمشروبات التي تناولها الإنسان لتوه عند كسره لصيامه.
تعد الحالة الطبيعية لحرق الجسم للدهون خلال ساعات الصيام بالفرصة الذهبية لمن يرغبون في خسارة المزيد من الوزن، بل ما يزيد الأمر دهشة، أنه من أكثر الأنظمة التي يُنصح بها من قِبل خُبراء التغذية غير المسلمين، ولكن يجب الانتباه هنا إلى عدة نقاط، أهمها نوعية الصيام الذي يتبعه الفرد.
ينصح العديد من الخبراء بأن ممارسة الرياضة في ساعات الصيام الأخيرة من أكثر الممارسات المفيدة لخسارة الوزن الزائد
يختلف الصيام من إنسان لآخر ومن دين إلى دين، فبعض الأديان تمنع مأكولات ومنتجات بعينها خلال ساعات الصيام، والبعض الآخر يمنع تناول الطعام وشرب الماء تمامًا من الفجر وحتى الغروب كما هو الحال في الإسلام، والبعض الآخر قد يصوم لأسباب مرضية لعدة أيام مع الاحتفاظ بشرب الماء أو السوائل، وعليه فيجب الانتباه أن أهمية ممارسة الرياضة بين كل حالة من الحالات السابقة.
كيف يمكن للمسلمين ممارسة الرياضة في أثناء الصيام؟
تعد رياضة المشي من أكثر الرياضات التي يُنصح بها في أثناء الصيام
أما بالنسبة للصيام عند المسلمين، ينصح العديد من الخبراء بأن ممارسة الرياضة في ساعات الصيام الأخيرة من أكثر الممارسات المفيدة لخسارة الوزن الزائد، ربما سيكون الأمر في البداية صعبًا ومرهقًا لدى الصائمين في أثناء ممارستهم في أكثر وقت هم بحاجة فيه إلى الطاقة، إلا أن الجسد سيتأقلم بعد فترة، ليبدأ في حرق الدهون بدلًا من الغلوجكتين في أثناء فترات الصيام.
لا تنطبق تلك القاعدة على الكل، إذ تكون أكثر صعوبة في التطبيق إن كان المرء يمارس الرياضة لأول مرة في حياته، فمن الصعب أن يتأقلم جسمه سريعًا على ممارسة الرياضة في أثناء الصيام، حيث تتطلب ممارسة الرياضة خلال ساعات الصيام أن يكون المرء لائقًا بدنيًا في المقام الأول، فيجب أن يكون جسده معتادًا على ممارسة الرياضة قبل أن يقوم بتغيير عاداته الرياضية لممارستها وقت الصيام.
تعد إحدى السلبيات الأبرز في نظام ممارسة الرياضة خلال وقت الصيام خسارة العضلات مع خسارة الدهون
يُستثنى من ذلك كل من كان لديه مشكلة صحية، كمرضى القلب والسكري والضغط، حيث من الممكن أن تشكل ممارسة الرياضة خلال ساعات الصيام مشكلة جفاف أو دوار أو انخفاض حاد في مستوى السكر بالنسبة لمن يعانون من تلك المشاكل الصحية، ولهذا ينصحهم أخصائي التغذية بالابتعاد عن ممارسة المجهود الرياضي في أثناء ساعات الصيام.
كما يكون ممارسة الرياضة بعد تناول وجبة الإفطار مباشرة بالمفهوم الخاطئ صحيًا، يكون أيضًا التخويف والترهيب من ممارسة الرياضة قبل الإفطار مباشرة من المفاهيم غير الصحيحة، إذ ينصح خبراء التغذية أن ممارسة الرياضة للصائم قبل وقت الإفطار بمقدار ساعة إلى ساعتين من أنسب الأوقات التي يكون الجسم مستعدًا فيها لحرق كمية كافية من الدهون الزائدة، على شرط أن يتناول المرء كمية متوازنة بين السوائل والبروتينات على وجبة الإفطار.
تكون أجسادنا مبرمجة بشكل كامل على مبدأ البقاء، ولهذا يتكيف الجسد على أي حالة يجبره المرء عليها
خصص بعض المسلمين الغربيين تمرينات خاصة ببمارسة الرياضة وقت الصيام
تعد إحدى السلبيات الأبرز في نظام ممارسة الرياضة خلال وقت الصيام خسارة العضلات مع خسارة الدهون، وهو ما لا يفضله الكثير من الراغبين في الحصول على جسم لائق بدنيًا، إذ إن الهدف الأسمي من ممارسة الرياضة خسارة الوزن واكتساب العضلات الذي يجعل الشكل الخارجي من الجسم لائقًا بدنيًا، ولكن في حالة الخسارة الكبيرة للدهون مع العضلات، قد يتعرض المرء لترهل في الجلد، بسبب عدم وجود عضلات لتعويض خسارة تلك الدهون.
تكون أجسادنا مبرمجة بشكل كامل على مبدأ البقاء، ولهذا يتكيف الجسد على أي حالة يجبره المرء عليها، ويحاول الدفاع عن بقائه بكل ما كان عنده من مصادر وقوة، فتكون ميكانيكية الدفاع عن نفسه في أقوى حالاتها حينما يغير المرء نظامًا معينًا اعتاد جسمه التأقلم عليه.
وهذا ما ينصح به دومًا خبراء التغذية، أن تغيير أنظمة الحمية والتمارين المختلفة يعطي المرء فرصة أكبر لخسارة الوزن، لأن الاعتياد على نظام بعينه يجعل الجسم في حالة راحة، حيث لا يكون في حاجة للدفاع عن نفسه بعد ذلك، ولكن حين يتم إجباره على نظام جديد، سيبذل مجهودًا في الدفاع عن نفسه لكي يتكيف عليه، وإن استغل المرء تلك الميكانيكة في فهم جسده بشكل كافٍ، ربما يكون الرابح في النهاية بخسارة ما يرغب في خسارته من الدهون الزائدة.