ككل رمضان، تستقبل مدينة تونس العتيقة محبي السمر والطرب والإنشاد الديني، ففيها يجدون ضالتهم، حيث تحيي فرق الإنشاد الصوفي خاصة فرق “الطريقة السلامية” ليالي المدينة التي تتربع على قلب العاصمة وتضم جامع الزيتونة، أحد أقدم المساجد في العالم الإسلامي، في هذا الشهر الفضيل، مما يزيد من حركتيها.
حركية كبرى بين أزقة “المدينة القديمة”
بعد الإفطار بقليل، تدبّ الحركة في المدينة العربي بعد شيء من السكون والخفوت خلال النهار، حيث يبدأ رواد الموسيقى والفن على اختلاف أنواعها، بالتوافد على بعض المعالم التاريخية بالمدينة العتيقة التي تحتضن أبرز العروض الفنية من ضمنها “السلامية”، وهي عبارة عن مجموعة من المغنين ينشدون على ضربات الدف أدوارًا تمجّد الرسول الكريم – صلى الله عليه وسلّم – والأولياء الصالحين أو بعضًا من أشعار الصوفيين.
يفضل معظم التونسيين الذهاب لهذه الحفلات على البقاء في البيت
وفي شوارع وأزقة ضيقة لم تعتد على السهر والصخب، يجتمع محبي الطرب إلى ساعات متأخرة طيلة الليالي الرمضانية، ليستمتعوا بالإنشاد الصوفي فضلاً عن إطراب الأذن بسماع القصائد التي تتغنى بالرسول الكريم والأولياء الصالحين، ويطلق اسم “المدينة العتيقة” أو “البلاد العربي”، على الجزء العتيق بتونس العاصمة، والتي يرجع تأسيسه إلى عام 698 م، حول جامع الزيتونة، وصُنفت منذ عام 1979 ضمن لائحة مواقع التراث العالمي لليونسكو.
حركية كبيرة في ليالي مدينة تونس العتيقة
ويفضل معظم التونسيين الذهاب لهذه الحفلات على البقاء في البيت، فهي تريحهم من تعب النهار وسماع ومشاهدة ما ينغص راحتهم في شاشات التليفزيون وقنواته المختلفة، فمع بداية الشطر الثاني لشهر رمضان الكريم، تحولت أزقة “المدينة العربي” الضيقة إلى خلية نحل، تكثر فيها الحركة بعد أن اعتادت السبات طيلة باقي أشهر السنة، فليالي رمضان تمنحها الحياة وتعيد إليها بريقًا فقدته مع تقدّم الزمن.
مدائح صوفية لابتهالات تأسر القلوب وتشد السمع
كثيرًا ما تشد فرق السلامية انتباه محبي الإنشاد الديني بأدائها المتميز للمدائح الصوفية والابتهالات وتأسر قلوبهم خاصة فئة الشباب الذي لا يفوتون فرصة الاستمتاع بهذه القصائد الروحية، حيث تشكل الآلات الموسيقية المصاحبة للنشيد الإسلامي عامل جذب للجمهور.
إلى جانب مساهمتها في إحياء المدينة العتيقة ثقافيًا، تساهم هذه الحفلات الرمضانية في إحيائها اقتصاديًا أيضًا
ويتسارع التونسيون خلال ليالي رمضان إلى المهرجانات التي تؤمّن حفلات السلامية لما لها من بالغ الأثر في قلوبهم، في هذا الشأن تقول إحدى التونسيات اللاتي اعتدن حضور هذه الحفلات لنون بوست: “حضور حفلات السلامية أمر عجيب وغاية في الروعة، فبغض النظر عن الترفيه عن النفس، فيها أيضًا روحانيات خاصة فيما يخص المدائح التي تعدد خصال النبي محمد صلى الله عليه وسلم وصحابته وآل البيت الأكرمين، ومن ناحية أخرى فيها تعداد لمناقب رجال صالحين نسميهم أولياء الله الصالحين وفي ذلك إحياء للتراث وأحداث تاريخية وأساطير تعلقت بالمخيال الجمعي”.
سهرات روحانية تغذي النفس
وتضيف منال في حديثها لنون: “رغم الإيقاع الصاخب الذي يرافق هذه الحفلات مما يحول دون تمثل هذه المعاني، فإنه لا ضير في ذلك طالما أن الغاية هي الترويح عن النفس”، ويتبوأ الإنشاد الديني في تونس مكانة خاصة، وقد استطاعت الفرق العديدة التي اشتهرت داخل البلاد وخارجها أن تكسب جمهورًا عريضًا من مختلف شرائح المجتمع، ويؤكد ذلك الإقبال المرتفع على حفلاتها، وتصب أغلب قصائد الأناشيد في الاتجاه الصوفي ومدح الرسول صلى الله عليه وسلم وعلاقة الإنسان بخالقه عز وجل.
وإلى جانب مساهمتها في إحياء المدينة العتيقة ثقافيًا، تساهم هذه الحفلات الرمضانية في إحيائها اقتصاديًا أيضًا، فمثل هذا النوع من السهرات والنشاط يضفي حركة موسمية على المدينة، ويساهم في دورة اقتصادية مهمة بالنسبة إليها، كما تعيد لهذه الأماكن روحها التي تفتقدها باقي أيام السنة.