يُعرف عن الهند أنها بلاد الغرائب والعجائب وذلك لأن العالم يستغرب شعائرهم الدينية كعبادة البقر ويندهش من الاختناقات المرورية القاتلة في شوارعها، كما يعتقد البعض أن الهنود عبارة عن مجموعات من العمالة الرخيصة، خاصة في دول الخليج العربي، أو أنهم مجموعة من الفقراء المتسولين وهذا بحسب ما عرضه فيلم المليونير المتشرد والذي شارك في نشر هذه الصورة النمطية على نطاق واسع.
لكن بعيدًا عن هذه المعلومات السطحية، من المهم أن يعرف العالم أن للهند زوايا أخرى يمكن النظر إليها وأنها ليست كل ما يظهره الإعلام لنا، بل دولة تستحق أن يعرف العالم عنها حقائق أكثر عمقًا وبعدًا عن الأمور الشائعة عنها، الأهم من هذا، أن الهند أحدثت فارقًا مهمًا في مجال التكنولوجيا وذلك بفضل العباقرة من أبنائها.
[[{“attributes”:{},”fields”:{}}]]
كما تقول المؤلفة والباحثة آنجيلا سايني، في كتابها “أمة من العباقرة.. كيف تفرض العلوم الهندية هيمنتها على العالم”: “الهند أمة من العباقرة والكادحين والمهرة، إذ إن كل واحد من خمسة من جميع العاملين في حقل الرعاية الطبية في المملكة المتحدة من أصل هندي، وثلث المهندسين العاملين في منطقة وادي السليكون من أصل هندي، كما يدير الهنود 750 شركة من شركات التقنية”.
جدير بالذكر، أن منطقة السيليكون أهم مناطق التقنيات والإلكترونيات في العالم وتضم أكبر الشركات التقنية في ولاية كاليفورنيا، وستة من الهنود يديرون أكبر شركات التقنية فيها مثل شركتي جوجل ومايكروسوفت.
كما تعبر ساينيعن تقديرها لجهود الهند في إحراز نجاح في أصعب وأهم المجالات الحديثة في يومنا على الرغم من أن الهند تعتبر أمة غارقة في الروحانيات وبعيدة كل البُعد عن مجالات العلم المنطقية، وتشير الكاتبة سايني إلى المشاريع الهندية المختلفة ومنها البرنامج الفضائي الهندي وكيف أرسلت الهند مسبارًا إلى القمر عام 2008 وتحدثت عن تكلفة المشروع التي وصلت 90 مليون دولار وهي التكلفة التي تعد أقل بخمسة أضعاف من تكلفة المشروع الفضائي الأمريكي.
منظومة الزعيم الهندي نهرو لال جواهر
[[{“attributes”:{},”fields”:{}}]]
كان يؤمن رئيس الوزراء الأول للهند بعد الاستقلال عام 1947، أن مستقبل الهند سيكون في ترقية مكان العلم في عقول الهنود، والخطوة التالية تكون في تطوير وتنمية مجال العلوم والتكنولوجيا في البلاد، وهذا المجال سيكون المفتاح لحل المشاكل الكارثية في الهند كالأمية والفقر وما يصاحبها من جوع وفساد، على هذا الأساس، سعى نهرو لسحب الهند إلى الجانب العقلاني والعلمي ودفعها بعيدًا عن الخرافات والروحانيات البالية.
“الهند ربما تكون مهد المعرفة، فقد استخدم الهنود الكسور العشرية والجبر قبل العالم الغربي بعدة قرون من الزمان”.
كما تقول الباحثة سايني، إن الهند أصبحت “أمة من العباقرة” وفرضت سيطرتها على العالم عدة نواح علمية، وغزت العالم بالعلماء وذلك بعد المشاريع والمنشآت العلمية التي أُسست من قبل جواهر لال نهرو، كما ذكرت المؤلفة أن في الهند 16 معهدًا تكنولوجيًا وهذه المعاهد منتشرة في أنحاء الدولة وهناك خطط استثمارية لافتتاح أول معهد هندي دولي للتكنولوجيا في دولة قطر.
الدافع الرئيسي وراء إنشاء هذه المراكز تدريب صغار المهندسين البارعين والمخترعين في الدولة، الذين ساهموا في إنجاز أعمال مبتدئة بشركات وادي السليكون في كاليفورنيا خلال السنوات الأخيرة.
استنادًا إلى هذه الحقائق، فمن المتوقع أن تتصاعد الهيمنة الهندية في مجال التكنولوجيا بما أن 6% من الأيدي العاملة في وادي السليليكون من الهنود، ومن بينهم أكثر من 15% من مؤسسي الشركات الناشئة في الولايات المتحدة الأمريكية.
بعد زيارة دامت ستة أشهر في الهند، تضيف سايني: “الهند ربما تكون مهد المعرفة، فقد استخدم الهنود الكسور العشرية والجبر قبل العالم الغربي بعدة قرون من الزمان”.
الثقافة الهندية سر النجاح
أجريت بعض التقارير التي تعرض دراسات تربط بين نجاح الهند في المجال التكنولوجي مع طبيعة الثقافة الهندية وطبيعة التعليم، فاتضح أن كليات الهندسة مثل المعاهد الهندية للتقنية تنتشر في أرجاء البلاد، وهذا الاهتمام بالتعليم ساهم في إخراج جيل ذي خبرة.
ومن المتعارف عليه أن طلبة هذه المعاهد يتسمون بالحماس والمخاطرة والمثابرة، كما أنهم يحظون بشبكات تواصل قوية مع الخريجين، فيستفيدون من عقبات ونجاحات من سبقوهم، فالناجحون يلعبون دور الناصح والمساعد للمبتدئين من الهنود في مجال التكنولوجيا لتعزيز ثقتهم.
لم يكن نجاح هؤلاء الأشخاص دفعة واحدة، بل كان نجاحًا تدريجيًا، معتمدًا على تسلق التدرج الوظيفي، لكن ما زالت البيانات والدراسات تقدم معلومات مذهلة بحق البراعة الهندية، ففي بيانات قديمة منذ عام 2010، توضح الأرقام المنقولة أن أعلى معدل للدخل السنوي للعائلات لدى الأمريكيين من أصل هندي.
[[{“attributes”:{},”fields”:{}}]]
كما أجرى البروفيسور الهندي ومتعهد الأعمال فيفيك وادهوا، في جامعات سنغولارتي وستانفورد في الولايات المتحدة الأمريكية، دراسة تبين أن ثلث الشركات الناشئة في الولايات المتحدة الأمريكية هي من قبل الهنود وهذه نسبة مذهلة لأنها تفوق نسبة الأعراق السبع المهاجرة التي تليهم مجتمعين.
كما يقول فينكتيش شوكلا رئيس فرع وادي السليكون: “جاء أغلب الهنود إلى أمريكا عندما كانت الاشتراكية سائدة في الهند، كانت الفرص محدودة جدًا هناك، بينما أفسحت الولايات المتحدة الأمريكية أبواب الهجرة للذين يمتلكون مؤهلات عالية جدًا، فمن نراهم الآن ونسمع عنهم من الصفوة”.
كما يضيف شوكلا أن الأمر ليس متعلقًا بالدرجات الأكاديمية والمؤهلات العلمية بل يعتقد أن الثقافة الهندية تلعب دورًا مهمًا في زرع بذور النجاح في عقول أبنائها مما يساهم في خلق نموذج إداري ناجح أو مخترع بارع، كما يؤكد أن القيم جزء متأصل من تكونية الفرد عندهم وأن المنافسة والتواضع أبرز هذه الخصال.
التنفيذيون الهنود الذين يتفوقون في الشركات المتعددة الجنسيات، هم أولئك الذين قضوا أوقاتًا طويلة خارجة وطنهم ويطورون مهاراتهم في قيادة العمل الجماعي.
يذكر شوكلا أيضًا “إذا عشت في الهند، فسوف تستنتج أن الناس مختلفون عن بعضهم، ليسوا متفوقين على غيرهم، ولكن مختلفون، وهذا التنوع من مكامن القوة في وادي السيليكون، حيث لا يهم أي لغة تتكلم أو ما مظهرك ما دمت تستطيع الحصول على إيرادات أكثر أو تقديم منتج أفضل”.
في نفس السياق، يقول مؤسس ورئيس مكتب واي إس سي للاستشارات النفسية للشركات العالمية، غورنك بينز: “الفهم العميق للتنوع يأتي من الثقافة الهندية التي تؤمن بتعدد الديانات والآلهة وما تملكه من حقائق مختلفة وجوانب عديدة، كما يدلل على قدرتهم في التعامل مع الغموض الذي يسود عالم تقنية المعلومات”.
تأكيدًا على خصال النجاح هذه، أجرت الشركة دراسة تعمل على تحليل وتقييم 200 شخصية في منصب تنفيذي في جميع أنحاء العالم، وأظهرت الدراسة أن للهنود إرادة قوية لتحقيق ما يسعون إليه، ولديهم القدرة على التفكير بشكل غير مألوف، إلا أنهم يمتلكون نقطة ضعف في الأمور المتعلقة بقيادة فريق العمل، بالمقابل فإن الأمريكيين والأوروبيين ناجحين في هذا الحقل، أما التنفيذيون الهنود الذين يتفوقون في الشركات المتعددة الجنسيات، هم أولئك الذين قضوا أوقاتًا طويلة خارجة وطنهم ويطورون مهاراتهم في قيادة العمل الجماعي.
“في السنوات الثلاثة إلى الخمسة القادمة، سيستعمل نصف مليار إنسان في الهند الإنترنت على هواتفهم الذكية، سيشهد البلد ثورة تقنية”
يقول وادهو: “المديران التنفيذيان الجديدان لشركة مايكروسوفت وغوغل هنديان، يتطلع الصغار في جميع أنحاء الهند إليهما، حيث يستعمل أكثرهم منتجات هاتين الشركتين، إن هذا يحفزهم ليصبحوا مثلهما”.
ويضيف “بما أن الهند ثالث أكبر اقتصاد في العالم بعد الولايات المتحدة الأمريكية والصين، فقريبًا لن يحتاج الهنود للسفر إلى أمريكا ليحققوا النجاح الذي يصبون إليه وخلافًا للأجيال التي سبقتهم فإنهم قد يفضلون البقاء في وطنهم”، كما يقول: “في السنوات الثلاثة إلى الخمسة القادمة، سيستعمل نصف مليار إنسان في الهند الإنترنت على هواتفهم الذكية، سيشهد البلد ثورة تقنية، سنرى عشرات لشركات برؤوس أموال من مليارات الدولارات الأمريكية في الهند”، ويضيف “إذا كنتُ متعهدًا، فلن آتي على الولايات المتحدة الأمريكية، سأبقى في الهند، لأن الفرص المواتية موجودة في هذا البلد”.
ساندر بيتشاي نموذج للنجاح الهندي
[[{“attributes”:{},”fields”:{}}]]
ولد بيتشاي في الهند عام 1972، درس وتعلم في المعهد الهندي للتكنولوجيا في مدينته كراجبور، وبعد أن تخرج حصل على منحة للدراسة في جامعة ستانفورد الأمريكية، لم يكن طريق بيتشاي سهلًا بالانتقال من الهند للعمل في الولايات المتحدة الأمريكية، فقد كان سعر بطاقة تذكرة سفره تساوي دخل والده السنوي، إذ قال بيتشاي: “فعل والدي ووالدتي ما يفعله الكثير من الآباء في ذلك الوقت، ضحا بالكثير من حياتهما، ووظفا الكثير من الدخل المُتاح للتأكد من تعلم أطفالهما”.
وصف لاري بيج بيتشاي قائلًا: “لدى ساندر الموهبة لابتكار منتجات ممتازة تقنيًا وسهلة الاستخدام، ويحب المجازفة والرهان الكبير ومتصفح كروم مثال على ذلك، إضافة إلى عمله على جعل منتجات الشركة أسهل في الاستخدام، ومن ثم أكثر شعبية، وهو ما جذبه إلى المشروعات المهمة والصعبة”.
كما أضاف “أعلم أن ساندر سيركز دائمًا على الابتكار، مواصلًا توسيع حدوده، أعلم أنه شغوف جدًا بإمكانية مواصلتنا الإقدام على خطوات كبيرة في مهمتنا الأساسية في تنظيم بيانات العالم”.
بعد النجاحات المتتالية التي حققها ساندر، أصبح يرأس منصب المدير التنفيذي في شركة جوجل العالمية، ومن قبل كان نائب رئيس شركتي أندرويد وكروم.
أسماء لشخصيات من الهند لمع نجمها في مجال التكنولوجيا
– أساتيا ناديليتس.. عينته شركة مايكروسوفت مديرًا تنفيذيًا.
– نيكيش أرورا.. عينته شركة الاتصالات اليابانية سوفتبانك رئيسًا لها، علمًا أنه كان مديرًا تنفيذيًا سابقًا في شركة جوجل.
– شانتانو ناراين.. مدير شركة أدوبي وهو رئيس شركة كوغنيزانت لاستشارات تكنولوجيا المعلومات.
– سانجاي ميهرورتا يدير شركة سانديسكك العملاقة لذاكرة أجهزة الحاسوب.
المثير للاهتمام في تفوق الهنود في هذا المجال ليس فقط بسبب غرقان دولتهم في الأزمات المزمنة والمتتالية كالفقر والبطالة والأمية، إنما بسبب صعوبة هذا النوع من المجالات واحتكاره على فئات معينة من الشركات، بجانب المنافسة الكبيرة الموجودة في هذا الوسط والحاجة إلى الابتكار بشكل مستمر لتبوأ مناصب تنفيذية في هذه الشركات العملاقة.