مع اختيار غسان سلامة مبعوثًا جديدًا للأمم المتحدة إلى ليبيا، ينتهي رسميًا عمل مارتن كوبلر هناك بعد عامين من شغله منصب المبعوث الأممي الخاص إلى هذا البلد العربي الذي يعاني الانقسام منذ سنوات، عامان نجح خلالهما مارتن كوبلر في العديد من المحطات وفشل في أخرى، فكيف كانت حصيلة عمله؟
بداية صعبة
في الرابع من شهر نوفمبر 2015، أعلن الأمين العام للأمم المتحدة، حينها، بان كي مون، تعيين الألماني مارتن كوبلر ممثلًا خاصًا له، ورئيسًا لبعثة المنظمة الأممية للدعم في ليبيا، خلفًا للإسباني برناردينو ليون، بعد أن شغل منصب رئيس بعثة الأمم المتحدة لتحقيق الاستقرار في جمهورية الكونغو الديمقراطية سنة 2013، ومنصب الممثل الخاص للأمين العام في بعثة الأمم المتحدة للمساعدة في العراق “يونامي 2011- 2013″، وقبلها كان نائبًا للممثل الخاص في بعثة الأمم المتحدة للمساعدة في أفغانستان 2010-2011.
كانت بداية عمل كوبلر في ليبيا صعبة، فقد لقي نقدًا لاذعًا في الإعلام الليبي الذي نعته بالفاشل
تعيين كوبلر في هذا المنصب جاء في وقت تتطلع فيه الأمم المتحدة إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية في ليبيا، ترسخ لقيام دولة مؤسسات قادرة على إرساء الاستقرار ومكافحة الهجرة غير الشرعية ومحاربة الجماعات المسلحة التي وجدت في الفوضى الليبية موطئ قدم لها، إلا أن بداية عمله هناك كانت صعبة فقد لقي نقدًا لاذعًا في الإعلام الليبي الذي نعته بالفاشل، مستندًا إلى التقارير الواردة في مهماته الدولية السابقة في الكونغو والعراق وأفغانستان.
حيث نشر الإعلام الليبي تقاريرًا تحدثت عن انتقادات وُجهت لكوبلر في أثناء رئاسته لبعثة الأمم المتحدة في العراق من قبل العديد من الأوساط السياسية العراقية، وأطراف أمريكية وأوروبية لم تتردد في اتهامه بالتسبب في أزمات معقدة دفعت عددًا من القادة العراقيين إلى المطالبة بعزله من مهمته.
مراسم توقيع الاتفاق السياسي بين أطراف النزاع الليبي في الصخيرات
وجاء ترتيب كوبلر خامسًا بين الممثلين الخاصين للأمم المتحدة لدى ليبيا في مسيرة بدأتها المنظمة الأممية بالمبعوث الأردني عبد الإله الخطيب بعد أسابيع من اندلاع ثورة 17 من فبراير/شباط 2011 ليخلفه الدبلوماسي البريطاني إيان مارتن (11 من سبتمبر/أيلول2011 – 17 من أكتوبر/تشرين الأول 2012)، ثم السياسي اللبناني طارق متري (12 من سبتمبر/أيلول 2012 – سبتمبر/أيلول 2014)، فالدبلوماسي الإسباني برناردينو ليون (أغسطس/آب 2014 – أكتوبر 2015) وانتهاءً بالدبلوماسي الألماني مارتن كوبلر (29 من أكتوبر/تشرين الأول 2015 – إلى الآن).
لم ينجح في إنهاء الأزمة السياسية
تعيين الألماني مارتن كوبلر مبعوثًا خاصًا للأمين العام لبعثة الدعم في ليبيا تم في وقت فشل فيه برناردينو ليون في إنهاء الأزمة السياسية التي تشهدها ليبيا منذ الإطاحة بالعقيد الراحل معمر القذافي عام 2011، إلا أن كوبلر الذي شغل العديد من المناصب الدبلوماسية قبل مجيئه لليبيا، فشل في ذلك أيضًا، ورغم أن كوبلر وجد اتفاقًا سياسيًا توصل إليه سلفه الإسباني برناردينو ليون، الذي تمكن من إقناع الأطراف الليبية بتوقيعه وتمّ ذلك في مدينة الصخيرات المغربية نهاية ديسمبر/كانون الأول 2015، فإنه فشل في المضي قدمًا في إنفاذ تطبيقه وإنجاحه لتحقيق استقرار سياسي في البلاد.
ما يفسّر فشل كوبلر في بعض محطات مهمته في ليبيا، حسب مراقبين، ضعف ثقله هناك
وما يعاب على كوبلر، حسب العديد من المراقبين، عدم سماحه بإجراء أي تعديلات أو ملاحظات على الاتفاق السياسي إلا في الأيام الأخيرة حينما حان موعد رحيله، وتمسكه بمواد لم يكن حولها توافق وأصر على عدم تغييرها، كتركيبة المجلس الرئاسي وإلغاء المادة الثامنة “التي تنص على نقل كل صلاحيات المناصب العسكرية والأمنية العليا إلى مجلس رئاسة الوزراء في حكومة الوفاق المدعومة دوليًا”، وشكل المجلس الأعلى للدولة، بالإضافة إلى عدم تجاوبه بشكل جديّ مع المبادرات العربية لحل الأزمة الليبية، من ذلك المبادرات التونسية والجزائرية، فكثيرًا ما تم تجاهل هذه المبادرات رغم الجهود التي بذلتها دول الجوار في سبيل لإحلال السلام في ليبيا.
تواصل العنف في ليبيا يربك الوضع أكثر
ما يفسر فشل كوبلر في بعض محطات مهمته في ليبيا، حسب مراقبين، ضعف ثقله هناك، إذ كان ضعيفًا على الأرض، نتيجة عدم تمتعه بتجربة سابقة في ليبيا ولا دراية كافية بأطراف النزاع ولا أسبابه ولا طرق حله ولا كيفية تفكير الليبيين، وتعويله الكبير على دعم المجتمع الدولي، إضافة إلى ذلك يرى آخرون أن سبب الفشل يكمن أيضًا في عدم رغبة القوى الدولية الكبرى في إيجاد حل لهذه الأزمة الليبية من جهة وعدم امتلاك هذه القوى لرؤية موحدة هناك.
ضمان الحياد
رغم فشله في العديد من المحطات خلال مهمته، وعدم تمكنه من تنزيل الاتفاق السياسي الموقع في الصّخيرات المغربية إلى الواقع، فقد نجح كوبلر في محطات أخرى منها عدم رضوخه لضغوطات اللواء المتقاعد خليفة حفتر بالوقوف إلى صفه ضد باقي أطراف النزاع الليبي، مما سبب له متاعب كبرى وصلت حد المطالبة بإقالته من قبل نواب برلمان طبرق المنحل.
وافق مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، أمس الثلاثاء على تعيين وزير الثقافة اللبناني السابق غسان سلامة مبعوثًا جديدًا للمنظمة الدولية إلى ليبيا
وكثيرًا ما اتهم حفتر ونواب طبرق مارتن كوبلر بالانحياز إلى حكومة الوفاق الوطني والمجلس الرئاسي الليبي، الأمر الذي ينفيه كوبلر، مؤكدًا وقوفه على مسافة واحدة من كل الأطراف ودعمه لمخرجات اتفاق الصخيرات التي تتبناها المجموعة الدولية، سبيلًا للخروج من الأزمة.
ووافق مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، أمس الثلاثاء، على تعيين وزير الثقافة اللبناني السابق غسان سلامة مبعوثًا جديدًا للمنظمة الدولية إلى ليبيا، بعد أن تم التمديد في فترة وجود كوبلر في المنصب حتى نهاية يونيو حزيران الحاليّ، ويعد غسان سلامة سادس مبعوث خاص، وثاني مبعوث لبناني يتولى رئاسة البعثة الأممية في ليبيا.