بعد طول انتظار وترقب، انطلقت معركة الرقة الحاسمة بقيادة مليشيات قوات سوريا الديمقراطية، وبدعم جوي من طيران التحالف الدولي الذي يواصل ممارسة سياسة الأرض المحروقة في سوريا والعراق.
هذه الانطلاقة لم تكن مثالية كما كان متوقعًا، حيث شهدت الأيام الأولى تقدمًا بطيئًا وخسائر باهظة في صفوف المليشيات ذات الغالبية الكردية، كما اندلعت اشتباكات عنيفة بينها وبين قوات النظام السوري، أُسر على إثرها 5 عناصر من مليشيات سوريا الديمقراطية في قرية “جعيدين” التي سيطر عليها.
المعركة التي انطلقت قبل أسبوعين، عرفت تقدمًا بطيئًا لمليشيات “قسد” بسبب عدم وضوح خطة اقتحام المدينة، فمع انطلاق العمليات العسكرية أكد ستيفن تاونسند المتحدث باسم التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة أن معركة طرد تنظيم الدولة الإسلامية من الرقة ستكون طويلة وصعبة.
على صعيد آخر، لا يخفى على المتابعين أن تنظيم الدولة الإسلامية في العام 2017، يختلف كثيرًا عن الأعوام التي سبقت إعلان “الخلافة”، حيث خسر الجهاديون مدنًا عديدة في العراق وسوريا وليبيا، مما أثر سلبًا على مواردهم المالية وأضعف قدراتهم على التعبئة والتجنيد من خارج المناطق التي يسيطرون عليها.
من المؤكد أن معركة الرقة لن تكون مثل معركة الموصل، فموقع المدينتين والقوات المهاجمة يختلفان كليًا، ففي الموصل مثلًا حشدت القوات العراقية أكثر من 100 ألف مقاتل دعمتهم بعشرات الآلاف من المليشيات الشيعية وبطوق آخر كردي من قوات البيشمركة
ورغم الضعف الكبير الذي أصبح يعرفه التنظيم، فإن معركة الموصل المتواصلة منذ نحو 9 أشهر، أثبتت الإمكانيات القتالية الكبيرة التي يتمتع بها مقاتلوه الذين رفضوا تسليم المدينة للقوات والمليشيات العراقية وواصلوا استنزاف القوات المهاجمة، مما تسبب في إيقاف العمليات العسكرية أكثر من مرة، وصولًا إلى إعادة هيكلة بعض الفرق الأمنية والعسكرية الخاصة.
من المؤكد أن معركة الرقة لن تكون مثل معركة الموصل، فموقع المدينتين والقوات المهاجمة يختلفان كليًا، ففي الموصل مثلًا حشدت القوات العراقية أكثر من 100 ألف مقاتل دعمتهم بعشرات الآلاف من المليشيات الشيعية وبطوق آخر كردي من قوات البيشمركة، بينما جمعت الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها عشرات الآلاف من مليشيات سوريا الديمقراطية ذات الغالبية الكردية على أبواب المدينة السنية العربية.
الولايات المتحدة الأمريكية التي استخدمت قنابل الفوسفور الأبيض المحرمة دوليًا خلال الأيام الأولى للمعركة، تخشى من تداخل العرقي والعسكري في هذه المعركة التي لا تحظى بدعم تركيا أقرب حلفائها في المنطقة، فرغم التحذيرات الصادرة من جهات عدة من خطورة ارتكاب “قسد” لمجازر جماعية بحق عرب الرقة إذا ما دخلت المدينة، قرر الأمريكيون المضي قدمًا في معركتهم المصيرية.
تعتبر معركة الرقة مصيرية بالنسبة للولايات المتحدة المجروحة، فرغم آلاف الطلعات الجوية ومليارات الدولارات التي أنفقتها في العراق وسوريا، فشلت الإدارة الأمريكية في القضاء على تنظيم الدولة الإسلامية ومنعه من شن هجمات داخل العمق الأمريكي، كما عجزت على حسم معركة الموصل التي تدور آخر فصولها في المدينة القديمة، وهو ما ساهم في إحراجها أمام شعبها وحلفائها المشاركين في التحالف الدولي.
بدوره استغل النظام السوري المنتشي بانتصاراته الأخيرة في أكثر من مدينة سورية استعادها بفضل الهدن المتتالية مع فصائل المعارضة، التخبط الأمريكي للتصعيد العسكري وخوض اشتباكات مباشرة مع مليشيات سوريا الديمقراطية بدعم من الطيران الحربي، لكن أمله سرعان ما خاب بعد إسقاط التحالف الدولي إحدى طائراته العسكرية.
معركة الرقة لا تزال تخفي مفاجآت كبيرة، فالأيام الأولى وحدها كشفت عن عدم وضوح في الأهداف بين مختلف الأطراف المتنازعة، كما أكدت وجود تخوف كبير من المتغيرات على الأرض، فلا أحد كان يتوقع تجرؤ التحالف الدولي على إسقاط طائرة سورية بدعوى قصفها لمليشيات سوريا الديمقراطية
إسقاط الطائرة السورية زاد الطين بلة والتنسيق الجوي الأمريكي الروسي الهش علة، حيث حذرت وزارة الدفاع الروسية في بيان لها من أن أي طائرة بما في ذلك المقاتلات والطائرات المسيرة التي تعود للتحالف الدولي والتي تعمل إلى الغرب من نهر الفرات، سيتم تعقبها والتعامل معها باعتبارها أهدافًا، مشيرة إلى أنها قررت إيقاف كل الاتصالات التي تهدف إلى تجنب حوادث الطيران مع الجانب الأمريكي.
معركة الرقة لا تزال تخفي مفاجآت كبيرة، فالأيام الأولى وحدها كشفت عن عدم وضوح في الأهداف بين مختلف الأطراف المتنازعة، كما أكدت وجود تخوف كبير من المتغيرات على الأرض، فلا أحد كان يتوقع تجرؤ التحالف الدولي على إسقاط طائرة سورية بدعوى قصفها لمليشيات سوريا الديمقراطية، ووصول القوات النظامية السورية إلى خطوط التماس للاشتباك المباشر مع عناصر “قسد”.
تنظيم الدولة الإسلامية القاسم المشترك بين مختلف الأطراف المتصارعة، اختار هو الآخر المناورة والمراوغة مع بداية المعارك الإحمائية، في المقابل بدا تقدم القوات المهاجمة حذرًا، خوفًا من الكمائن والألغام التي زرعها مسلحوه، وهو ما أجبرها على التراجع من العديد من الأحياء التي سبق وأن أعلنت الدخول إليها إضافة إلى مقتل وجرح عدد من أفرادها.
من المؤكد أن معركة الرقة ستكون أشرس معركة تخوضها المليشيات الكردية منذ تأسيسها، ولعل الخيارات أمامهم معدومة، فإما نصر وتدمير للمدينة على ساكنيها وهو ما يحدث الآن، وإما هزيمة قد تعجل بتفكيك “قسد” وانهيار حلم الدولة الكردية بأيدي تنظيم الدولة الإسلامية، فماذا يخفي المستقبل للطرفين؟