حافظت تركيا على سياسة متوازنة بين مساندة قطر كصديق وفيّ وكدولة تنسجم سياستها الخارجية مع السياسة الخارجية لتركيا خاصة تجاه بلدان الربيع العربي ومصالح تركيا في استقرار علاقاتها مع دول الخليج وتحديدًا السعودية، ولعل ذلك ظهر جليًا في الخطاب الذي قدمه المسؤولون الأتراك وعلى رأسهم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ووزير خارجيته والذي كان يؤكد باستمرار احترام السعودية ومكانتها كدولة، والإشارة إلى شخصية الملك سلمان بن عبد العزيز وأهمية دوره في حل الأزمة مع قطر.
ولكن ما قدمته تركيا من مواقف بعد ذلك والذي بدأ باستقبال وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف في أنقرة من قبل الرئيس أردوغان ثم بجسر جوي لنقل المنتجات الغذائية التي حدث فيها عجز بسبب إغلاق الحدود البرية السعودية مع الدوحة، ثم ما تلاه من تصديق البرلمان والرئيس التركي على نشر جنود أتراك في قاعدة عسكرية في قطر بناء على اتفاقية تركية قطرية في عام 2014، قد أثار قلق واستياء الرياض وحلفائها بشكل كبير، حيث بدا الأمر كتحدٍ للمحاصرين.
لكن تركيا حاولت تفنيد ذلك بالقول إن هذه الخطوة سابقة للأزمة الحالية وهذه العملية تهدف لاستقرار وأمن المنطقة بكاملها وليست خطوة انحيازية أو موجهة ضد السعودية.
أرسلت أنقرة أيضًا مبعوثين لاستيضاح تفاصيل الأزمة من الرياض وعرضت خدماتها للحل ثم تلا ذلك محاولة من وزير الخارجية التركي مولود تشاوش أوغلو لزيارة الرياض، بدا التنسيق الأولي بشأنها أشبه بالرفض من قبل الرياض
وفي هذه اللحظات حط في أنقرة وزير الخارجية البحريني مستكشفًا حقيقة الموقف التركي الذي أرسل رسائل طمأنة لدول الخليج وأكد توازن موقفه ورغبته في الحوار.
وقد أرسلت أنقرة أيضًا مبعوثين لاستيضاح تفاصيل الأزمة من الرياض وعرضت خدماتها للحل ثم تلا ذلك محاولة من وزير الخارجية التركي مولود تشاوش أوغلو لزيارة الرياض، بدا التنسيق الأولي بشأنها أشبه بالرفض من قبل الرياض، لكن الزيارة رغم ذلك تمت إلا أنها لم تتكلل بالنجاح فيما يبدو، حيث لم يسفر عنها أي شيء ملموس.
ثم جاء موقف من دولة الإمارات التي تبدو العلاقات بينها وبين أنقرة آخذة في التدهور مع مزيد من التسريبات عن دورها في دعم المحاولة الانقلابية في تركيا 15 من تموز 2016، فقد جاء تصريح وزير الدولة للشؤون الخارجية أنور قرقاش أشبه بالتهديد حيث قال: “على تركيا إدراك أن مصلحتها تكمن بدعم التحرك العربي ضد قطر”، مشيرًا إلى أن تركيا ما زالت تحاول البقاء على الحياد في الأزمة القطرية، كما أعرب قرقاش عن أمله أن تتحلى أنقرة بالحكمة في التعامل مع هذه الأزمة.
في تركيا يرون حاليًا أنهم حافظوا على موقف متوازن وأن الأزمة في طريقها للحل والصدمة الأكبر للأزمة قد مرت، ولهذا ما زالوا يصرون على المسار الدبلوماسي، ولكن ثمة قناعة في الخليج أنه لولا اعتماد قطر على تركيا لسلمت قطر للمطالب الخليجية منذ وقت سابق.
ولهذا في حال تصورنا لسيناريو معاقبة تركيا أو شغلها بنفسها حتى لا تكون داعمة لقطر، فإن هناك عدة أوراق تمتلكها الأطراف المحاصرة وقد بدأت تدندن بها بعض الأوساط المقربة منها وعلى رأسها الملف الاقتصادي، حيث تعد العلاقات التركية الخليجية تحديدًا مع السعودية والإمارات رافعة مهمة في الاقتصاد التركي، حيث يدور الحديث عن علاقات تجارية تفوق 20 مليار دولار واستثمارات تركية في الخليج بقيمة 40 ملياردولار.
ولهذا في حال قررت دول الخليج معاقبة تركيا اقتصاديًا، فقد يحدث ضرر لتركيا خاصة مع وجود أعداد كبيرة من الأتراك الذين يعملون في دول الخليج، هذا إذا ما ربطنا ذلك بارتفاع نسبة البطالة في تركيا، فلنا أن نتصور أثر ذلك في الوقت الذي تبحث فيه تركيا عن بدائل لعلاقاتها مع بعض الدول الأوروبية.
أما الورقة الثانية فهي ورقة الكيان الكردي خاصة أن بعض الأوساط في السعودية والإمارات يرون أن الكيان الكردي سيكون حاجزًا أمام الطموحات التركية في المنطقة وأمام الطموحات الإيرانية في نفس الوقت، ولعل التقارب أو التطبيع مع “إسرائيل” يكمل هذا التصور في ظل خلاف تركيا مع إدارة ترامب بشأن الموضوع الكردي تحديدًا وعداء الأخيرة لإيران.
ليس بالضرورة أن يتم ذلك بالقطيعة أو التوتر الكبير مع تركيا لأن ذلك سيطيل أمد الأزمة وقد تدخل عوامل جديدة تقلب الطاولة، ولهذا فمن المرجح ألا تذهب السعودية تحديدًا، كثيرًا في توتير علاقاتها مع أنقرة ولكن ربما يقوم بهذا الدور عواصم مثل القاهرة وأبوظبي
وقد استضافت بعض وسائل الإعلام السعودية بعض الأكراد المعارضين لتركيا على شاشاتها مثل صالح مسلم رئيس حزب الاتحاد الديمقراطي، فيما تدعم الإمارات ومصر أحمد الجربا المعارض السوري الذي يسعى حاليًا بشكل واضح للمشاركة في ترتيبات مشهد المعارضة السورية بالتعاون مع أطراف كردية.
لعل الورقة الثالثة وهي الداخل التركي والعلاقة مع المعارضين ودعمهم في مواجهة حكومة حزب العدالة والتنمية، ولهذه الورقة أهميتها لكن اللعب بها يبدو أصعب، كما أن الورقتين الأولى والثانية تبدوان أكثر تأثيرًا في الوقت الحالي واللعب فيهما يهيئ للعمل مع الورقة الثالثة أو العمل بالتوازي مع هذه الأوراق مجتمعة
لكن اللعب بهذه الأوراق فيه خطورة ودفع لتركيا نحو إيران حتى ولو كان مؤقتًا، وقد يدفع المنطقة نحو مواجهات وتصعيد أكبر وهو ما قد تعمل الأطراف وتركيا تحديدًا على تجنبه خاصة في ظل التحضير الأكبر لتقزيم الدور الإيراني في المنطقة الذي يعد حصار قطر بروفة مصغرة جدًا له، ولهذا فإن فشل السعودية وحلفائها في كسر إرادة قطر سيكون له تأثير سلبي على معركتها مع إيران خاصة بعد فشل السعودية في اليمن ولهذا ستحرص السعودية على كسب هذه الجولة.
ولكن ليس بالضرورة أن يتم ذلك بالقطيعة أو التوتر الكبير مع تركيا لأن ذلك سيطيل أمد الأزمة وقد تدخل عوامل جديدة تقلب الطاولة، ولهذا فمن المرجح ألا تذهب السعودية تحديدًا، كثيرًا في توتير علاقاتها مع أنقرة ولكن ربما يقوم بهذا الدور عواصم مثل القاهرة وأبوظبي فيما لا يبدو أن هناك دول أخرى أكثر وأهم ستقبل هذا الدور، فهذه الدول تراعي الفوارق بين تركيا وقطر.