كرة الماء: رياضة الصيف الممتعة

مجموعةٌ من الأصدقاء يتقاذفون الكرة بينهم داخل أحد أحواض السباحة أو في البحر، لا بد أنكم شاهدتم ذلك المشهد أو كنتم جزءًا منه في يوم من الأيام!
إنهم باختصار يمارسون لعبة كرة الماء “Water Polo”، تلك الرياضة التي يلجأ إليها الكثيرون، بغية الهرب من حر الصيف إلى برودة الماء من جهة، ولضمان المتعة والمشاركة والحماس عبر لعب الكرة من جهة أخرى، سنقف عندها مطولًا فيما يلي، لنتعرف على أسسها وقوانينها وطريقة ممارستها على المستوى الاحترافي، ونستعرض أبرز مسابقاتها العالمية وبطولاتها وأبطالها، بعد أن نعرج على أصل اللعبة وتاريخ ظهورها.
رسمٌ توضيحيٌ يبين أبعاد ملعب كرة الماء
قد تبدو لعبة كرة الماء سهلةً للعيان، ربما هي كذلك بشكلها الشعبي البسيط الخالي من القوانين، ولكنها ليست كذلك على المستوى الاحترافي، فهي واحدةٌ من أكثر الألعاب الجماعية صعوبةً، نظرًا لما تتطلبه في ممارسيها من مهارات، ليس أقلها إتقان السباحة والوقوف والتحرك داخل الماء، فضلًا عن مهارات الاحتفاظ بالكرة وتمريرها وتسديدها.
تُعتبر كرة الماء من الألعاب الجماعية الصعبة الممارسة على المستوى الاحترافي
وتُمارس اللعبة عبر كرة مطاطية يتراوح وزنها بينها 400 و450غ، ومحيطها بين 68 و71سم، ضمن حوض مائي مستطيل الشكل، يتراوح طوله بين 25 و30 مترًا، وعرضه 20 مترًا، فيما لا يقل عمق المياه فيه عن 180 سم، ويُثبت في طرفيه مرميان على سطح الماء، بعرض 3 أمتار وارتفاع 90 سم، وتوضع علاماتٌ ملونةٌ على أطراف الملعب لتحديد الخطوط الرئيسية والمسافات، فتكون العلامات البيضاء لتحديد خط المنتصف وخطي المرمى، والحمراء لتحديد منطقتي حارسي المرمى ببعد مترين عن المرمى، والصفراء لتحديد منطقتي الجزاء ببعد 5 أمتار عن المرمى.
رسمٌ توضيحيٌ يبين عدد لاعبي كرة الماء وتوزعهم
ويتألف فريق كرة الماء الأساسي من 6 لاعبين وحارس مرمى، إضافةً إلى مثلهم من البدلاء الذين يمكنهم المشاركة في أي وقت من المباراة، ويرتدي اللاعبون لباس سباحة من قطعة واحدة، ويضعون على رؤوسهم قبعات بلاستيكيةً تُظهر أرقامهم وشعار فريقهم ولونه، ويُمنع ارتداء أي ألبسة أخرى أو قلائد أو خواتم معدنية، كما يحظر على اللاعبين دهن أجسامهم بالزيوت أو أي مواد لزجة.
يتألف فريق كرة الماء الأساسي من 6 لاعبين وحارس مرمى
ويبلغ زمن المباراة 32 دقيقة لعب فعلية، مقسمةً على 4 أشواط مدة كل منها 8 دقائق، تفصل بينها 3 استراحات مدة كل منها دقيقتين، ويُحسم التعادل عبر وقت إضافي مدته 3 دقائق، ثم عبر ركلات الجزاء الترجيحية في حال استمرار التعادل، ويحق لكل مدرب طلب وقتين مستقطعين خلال زمن المباراة، مدة كل منهما دقيقةٌ واحدة.
ويُدير المباراة حكمان رئيسيان يوجدان على طرفي الحوض، يُزوَد كلٌ منهما بعصاة طويلة تحمل رايةً ملونةً يستعملانها عند اتخاذ القرارات إلى جانب الصافرة، ويساعدهما عددٌ من الحكام والقضاة حول الملعب، مهمتهم تسجيل الأخطاء ومراقبة التبديلات والأهداف، إضافةً إلى ضبط زمن المباراة الفعلي دون التوقفات.
الكرة الحالية المستخدمة في منافسات كرة الماء
وتحكم مباراة كرة الماء قوانين صارمة، منها منع استخدام اليدين معًا في الإمساك بالكرة إلا لحراس المرمى، وحظر الغطس أو إخفاء الكرة تحت الماء، وتحديد مدة الهجمة لكل فريق بـ30 ثانية، وعدم احتساب الأهداف إلا بعد تمرير الكرة بين لاعبين أو أكثر من الفريق، وعدم السماح للاعبين بدخول منطقة المترين عدا حراس المرمى، إضافةً إلى منع الضرب والمسك ورش المياه عمدًا في وجه الخصوم.
يبلغ زمن مباراة كرة الماء 32 دقيقة لعب فعليةً مقسمةً على 4 أشواط
ويُعاقب الفريق الذي يرتكب أحد لاعبيه مخالفةً باحتساب ركلة حرة مباشرة للفريق الخصم، أو ركلة جزاء إذا كانت المخالفة داخل منطقة ال5 أمتار، كما يُعاقب اللاعب الذي يرتكب خطأً متعمدًا بالاستبعاد المؤقت، حيث يبقى فريقه بـ5 لاعبين في الملعب حتى تسجيل هدف أو مرور مدة 45 ثانية، وعند تكرار استبعاد اللاعب مؤقتًا 3 مرات، يُستبعد نهائيًا من المباراة، على أن يشارك بديلٌ له بعد مرور 45 ثانيةً على استبعاده أو بمجرد تسجيل هدف.
الإسكتلندي ويليام ويلسون مؤسس لعبة كرة الماء
ولم تأتِ جميع تلك القوانين دفعةً واحدة، بل نتاجٌ لتطور اللعبة عبر أكثر من 150 عامًا، حيث تعود جذور تلك اللعبة التاريخية إلى أواسط القرن الـ19، عندما كان الإنجليز والإسكتلنديون يمارسون لعبةً شبيهةً بها تُدعى “رجبي الماء”، بقوانين مماثلة للعبة الرجبي التقليدية التي كانت معروفةً آنذاك، قبل أن يظهر أحد أبطال السباحة الإسكتلنديين ويُدعى ويليام ويلسون، ويخترع قوانين خاصة باللعبة، ويغير اسمها لتصبح: كرة الماء Water Polo””.
يعود تاريخ ظهور لعبة كرة الماء بشكلها الحالي إلى أواسط القرن الـ19
وطارت شهرة اللعبة الوليدة بين الجزر البريطانية، فأصبح لها أنديتها ومبارياتها وبطولاتها، ويذكر التاريخ أن أول مباراة في كرة الماء وفق قوانينها الجديدة لُعبت في نادي لندن للسباحة عام 1873، فيما شهد عام 1888 انطلاق أول بطولة رسمية بكرة الماء وهي دوري مدينة لندن، أما أول مباراة دولية في اللعبة، فجمعت بين منتخبي إنجلترا وإسكتلندا عام 1890، وانتهت بفوز أصحاب القلوب الشجاعة بـ4 أهداف نظيفة.
الشعار الرسمي للاتحاد الدولي للرياضات المائية FINA
ولم تبقَ ممارسة كرة الماء مقصورةً على المملكة المتحدة، بل شقت اللعبة طريقها نحو بقية بلدان العالم، فمورست في كندا والولايات المتحدة، وفي عدد من البلدان الأوروبية كألمانيا وفرنسا وإيطاليا وبلجيكا والنمسا والمجر، في العقد الأخير من القرن الـ19، قبل أن تصبح اللعبة عالميةً بامتياز، عقب اعتمادها ضمن المنهاج الخاص بالألعاب الأولمبية اعتبارًا من عام 1900، لتصبح واحدةً من أقدم الألعاب الجماعية المعتمدة في الدورات الأولمبية.
دخلت كرة الماء منهاج الألعاب الأولمبية منذ عام 1900 كواحدة من أقدم الألعاب الجماعية المعتمدة أولمبيًا
وشهد عام 1908 حدثًا بارزًا في تاريخ اللعبة، تمثل بتأسيس الاتحاد الدولي للرياضات المائية “FINA“، الذي تولى تنظيم المسابقات الخاصة باللعبة، والتي بقيت مقتصرةً على المنافسات الأولمبية حتى عام 1973، الذي شهد إطلاق بطولة العالم للألعاب المائية، والتي تُعد لعبة كرة الماء إحدى فعالياتها الدائمة منذ انطلاقتها وحتى الآن.
واعتبارًا من عام 1979، أطلقت FINA مسابقةً عالميةً مختصةً باللعبة تحت اسم “كأس العالم لكرة الماء“، وأضافت مسابقةً رابعةً للعبة اعتبارًا من عام 2002، هي الدوري العالمي لكرة الماء، الذي يُقام بشكل سنوي على مدار العام.
جانب من منافسات كرة الماء في أولمبياد ريو 2016
وإذا نظرنا إلى أبرز المنتخبات التي احتكرت بطولات كرة الماء عبر تاريخها، نجد في مقدمتها المجر، التي تزخر سجلاتها بـ9 ألقاب أولمبية، و3 ألقاب في بطولة العالم للألعاب المائية، ومثلها في كأس العالم، وتُنافسها على الريادة جارتها صربيا وريثة يوغسلافيا السابقة، التي تتضمن خزائنها 4 ألقاب أولمبية، و5 في بطولة العالم للألعاب المائية، ومثلها في كأس العالم، فضلًا عن سيطرتها المطلقة على مسابقة الدوري العالمي منذ انطلاقها، حيث أحرز الصرب لقبها 10 مرات.
تعتبر المجر وصربيا لدى الرجال، وأمريكا وهولندا لدى السيدات، أبرز القوى العالمية التاريخية في لعبة كرة الماء
أما على صعيد السيدات، فتعتبر الأمريكيات أصحاب اليد الطولى في عالم اللعبة، حيث حققن لقبين أولمبيين منذ اعتماد اللعبة أولمبيًا للسيدات عام 2000، و4 ألقاب في بطولة العالم للألعاب المائية، و3 في كأس العالم، فضلًا عن 10 ألقاب في الدوري العالمي، وتعتبر هولندا أبرز منافس للولايات المتحدة على ريادة كرة الماء النسائية، حيث تتضمن خزائنها لقبًا أولمبيًا، وآخر في بطولة العالم للألعاب المائية، فضلًا عن 8 ألقاب في كأس العالم.
جانبٌ من مباريات منتخب مصر لكرة الماء في أولمبياد ريو الأخير
وأخيرًا، نُعرج على واقع اللعبة في بلداننا العربية، فعلى الرغم من سهولة توفير متطلباتها وتجهيزاتها، لا تحظى كرة الماء بالاهتمام والدعم الكافيين، إذ تخلو خزائن جميع المنتخبات العربية من أي إنجاز يُذكر على الصعيد العالمي، سواءً على المستوى الأولمبي، أو على مستوى المسابقات العالمية الـ3 الأخرى، ويقتصر الظهور العربي في بطولات اللعبة على بعض الإطلالات الخجولة للمنتخب المصري في الدورات الأولمبية وبطولات العالم للألعاب المائية، ومثلها لبقية منتخبات عرب إفريقيا في مسابقة الدوري العالمي، علمًا أن جميع تلك المشاركات لم تر إلى مستوى التنافسية، وانتهت بالخروج من الأدوار الأولى.