رسم الحكم الفاطمي لمصر (358 هـ – 969 م) ملامح صفحة جديدة في تاريخها السياسي، بعد أن اتخذها الفاطميون عاصمة لحكمهم، حيث أصبحت مصر دار خلافة لأول مرة في تاريخها بعد أن كانت مجرد ولاية تابعة لإحدى عواصم الخلافة كالمدينة المنورة أو دمشق أو بغداد.
يكتسب كتاب “ثورات المصريين في العصر الفاطمي: 969 – 1035” أهمية خاصة، حيث يتناول مؤلفه محمود خلف أهم ثورات المصريين السياسية والاقتصادية والدينية ضد الفاطميين، والتي نشبت في عهد الحكام الأربع الأوائل
وعلى الرغم من كثرة الدراسات التي تناولت العهد الفاطمي في مصر، فإنها لم تركز بالقدر الكافي على العلاقة السياسية بين المصريين والفاطميين، ومدى رضاء الشعب عن الأسرة الحاكمة، وهل قام بثورات ضدهم أم لا.
من هنا يكتسب كتاب “ثورات المصريين في العصر الفاطمي: 969 – 1035” أهمية خاصة، حيث يتناول مؤلفه محمود خلف أهم ثورات المصريين السياسية والاقتصادية والدينية ضد الفاطميين، والتي نشبت في عهد الحكام الأربع الأوائل: المعز لدين الله الفاطمي (969م – 975م)، العزيز بالله (975م – 996م)، الحاكم بأمر الله (996م – 1020م)، الظاهر لإعزاز دين الله (1020م – 1035م)، كما يؤرخ لأشكال مقاومة أخرى أقل وطأة من الانتفاضة والثورة مثل الشعر والنكات اللاذعة.
سنلقي الضوء في هذا التقرير على أبرز هذه الثورات، وكيفية سيطرة الفاطميين عليها.
ثورات المصريين ضد المعز لدين الله الفاطمي
ثورة أهل تنيس
في عام 970 م طرد أهل تنيس “مدينة تقع في بورسعيد حاليًا” الوالي الفاطمي، ومنعوا إرسال الخراج إلى العاصمة القاهرة، وعندما علم جوهر الصقلي، قائد حملة فتح الفاطميين لمصر ومؤسس وحاكم القاهرة، بخبر الثورة أرسل مجموعة من الجند استطاعت القضاء عليها، ثم اكتفى بتحذير أهل المدينة من العصيان.
ومن أهم الأسباب التي دفعت أهل تنيس للثورة: وصول خبر تقدم جيش القرامطة – تُنسب دولة القرامطة إلى حمدان بن الأشعث الذي كان يُلقب بقرمط بسبب قصر قامته وساقيه، تأسست على المذهب الإسماعيلي الشيعي – إلى القاهرة لطرد الفاطميين منها، وإعادة مصر إلى الخلافة العباسية مرة أخرى، كذلك إقدام جوهر الصقلي على تغيير العملة القديمة وسك عملة جديدة تحمل اسم المعز لدين الله الفاطمي، مما نتج عن ذلك انهيار اقتصاد أهل تنيس التي يقوم على التجارة.
وفي عام 971 م، تجددت ثورة المدينة الثائرة، بعدما وصلتهم أنباء زحف القرامطة مرة أخرى إلى القاهرة، فرفعوا شعار العباسيين ووقفوا معهم ضد الفاطميين، وتقدم القرامطة بالفعل حتى وصلوا عين شمس، وعندما علم جوهر بذلك اعتقل كثيرًا من المصريين وقتل 4 منهم، ثم صلبهم على باب القاهرة ليكونوا عبرة لبقية الثوار، وانتهت المعركة في النهاية بانتصار الفاطميين وهزيمة أهل تنيس، وفرار القرامطة إلى الشام.
ثورة الصعيد
من أخطر الثورات التي واجهت الفاطميين، بدأت عام 971 م بإعلان شخص يُدعى “عبد العزيز بن إبراهيم الكلابي” الثورة وطرد الوالي الفاطمي والدعوة إلى طاعة العباسيين، اتسعت ثورته وانضم إليه كثير من أهل الصعيد، ثم نظم جيشًا كبيرًا من الثوار، واستعد للزحف إلى القاهرة للاستيلاء عليها، في ذلك الوقت استعد جوهر للسيطرة على الثورة بفرقتين عسكريتين برية وبحرية، وحاصر الثوار في الصعيد وهزمهم، ووقع عبد العزيز في الأسر وتم إعدامه.
ثورة الصيارفة
عندما دخل جوهر الصقلي مصر، وبعد تأسيس القاهرة، أمر بضرب عملة جديدة تحمل اسم المعز ولقبه، مما أضر بالصيارفة بعد إتلاف العملة القديمة، كما عاقب الذين كانوا يكتنزون الدنانير منهم مستغلين سوء الحالة الاقتصادية، فثار الصيارفة واعتصموا بالطرقات ورددوا هتافات مناوئة للشيعة مثل “معاوية خال علي بن أبي طالب”، وأحدثوا شغبًا كبيرًا، واشترك أهل الفسطاط في هذه الاحتجاجات، فأحرق جوهر أماكن الصيارفة.
الثورة الدينية
بعد أن أسس جوهر الصقلي القاهرة، سعى لتحويل المصريين إلى المذهب الشيعي، فأحل التشريع الشيعي محل السني في كثير من شؤون الحياة، فأمر مثلًا أن تأخذ البنت التركة كلها في حالة انفرادها بالميراث، وشجع المصريين على دراسة هذا المذهب داخل الجامع الأزهر الذي بناه بعد القاهرة، وأمر بالآذان الشيعي في المساجد.
إزاء ذلك أغلق عدد من المصريين الدكاكين وتعطلت الأسواق، ووقعت مصادمات بينهم وبين جنود جوهر، الذين استطاعوا في النهاية السيطرة على الاحتجاجات.
المقاومة القولية
تعددت أشكال معارضة المصريين للحكم الفاطمي، ولم تقتصر على الثورات المسلحة، فكان هناك نوع من المقاومة البيضاء “بالقول واللسان”، لجأ إليه المصريون بسبب بطش الحاكم.
من هذه المقاومة ما حدث في شهر رمضان 971 م، فبعد واقعة قتل وصلب مصريين خلال ثورة تنيس، التي تم الإشارة إليها، فكر المصريون في طريقة جديدة يعبروا بها عن غضبهم من جوهر الصقلي، فأطلقوا امرأة عجوزًا تنشد في الطريق أناشيد مناوئة للشيعة، فأمر جوهر بحبس المرأة، مما دفع عدد من الجماهير لترديد نفس الأناشيد في شوارع المدينة بصوت مرتفع، غير عابئين بتحذيرات الحاكم، فأطلق سراح المرأة في النهاية.
ثورات المصريين ضد العزيز بالله
اتسمت فترة حكم العزيز بالله بالهدوء والاستقرار النسبي، بعد أن استطاع والده المعز تمهيد الطريق له بالقضاء على ثورات المصريين المختلفة، وبتقربه وتودده إليهم من جهة أخرى، غير أن ثورات المصريين ضد الفاطميين لم تنقطع بشكل كلي في هذا العهد، ولكنها كانت قليلة نسبيًا مقارنة بفترة المعز أو الحاكم بأمر الله، كما سنرى، ومن أبرز هذه الثورات:
ثورة حمزة بن ثعلة الكتامي
تولى حمزة بن ثعلة ولاية أسوان بعد دخول المعز القاهرة، وبعد وفاته أعلن ثورته ضد العزيز بالله عام 978 م، مستغلًا بُعد المسافة بين أسوان ومركز الحكم الفاطمي في القاهرة، وانشغال العزيز بالله في حروب الشام، لكن الأخير جهز جيشًا ضخمًا خرج إلى أسوان وقضى على الثورة وأُعدم حمزة.
ثورة حمدان الأسيوطي
تجددت الثورة في الصعيد عام 995 م، بزعامة شخص يُدعى “حمدان الأسيوطي”، جمع حوله بعض المصريين وحاول تكوين إمارة خاصة به، وعندما وصل خبر هذا التمرد إلى العزيز بالله في القاهرة، أرسل إليه القائد الفاطمي “ابن الزبير”، ودارت المعركة بين الطرفين، وانتصر الجيش الفاطمي.
المقاومة القولية
كان من أساليب المصريين في المقاومة التعبير عن سخطهم بالشعر أو النثر، ففي أول خطبة جمعة للعزيز بالله بعد توليه الحكم، كتبوا له رقعة على المنبر فيها هجاء صريح له، وكانت من شعر ابن يزيد، جاء فيها:
بالظلم والجور قد رضينا *** وليس بالكفر والحماقة
إن كنت أعطيت علم غيب *** فقل لنا صاحب البطاقة
ثورات المصريين ضد الحاكم بأمر الله
شهدت فترة حكم الحاكم بأمر الله العديد من الاضطرابات والثورات، بعد فترة هدوء نسبي قضاها المصريون في عهد أبيه العزيز بالله، من أهم تلك الاحتجاجات:
انقلاب عبد الأعلى
في عام 1001 م، اجتمع شخص يُدعى “عبد الأعلى بن الأمير هاشم بن المنصور” مع مجموعة من أمراء الفاطميين وبعض المصريين خارج القاهرة، وأخذوا يخططون لخلع الحاكم بأمر الله وتولية عبد الأعلى بدلًا منه، وعندما علم الحاكم بأمر هذا الاجتماع أمر بالتخلص من قادة المؤامرة.
الثورة الاقتصادية
شهد عصر الحاكم بالله سلسلة من المجاعات والكوارث الاقتصادية، أبرزها:
في عام 997 م، بدأت أولى مجاعات عصر الحاكم، حيث ازدادت الأسعار، وانتشرت السرقة حتى أُخذت النساء من الطرقات، واختفى القمح، يعزي البعض أسباب تلك المجاعة إلى نقص منسوب نهر النيل، فيما رأى آخرون أن السبب الحقيقي يكمن في حالة الفوضى والاضطراب التي كانت تعم البلاد في ذلك التوقيت بسبب الصراع بين المغاربة والمشارقة على السلطة.
وبعدما اشتدت المجاعة، ذهب المصريون إلى قصر الحاكم محتجين، فحدد الحاكم سعرًا لكل صنف من الغلات، ما أدى إلى تهدئة الأوضاع.
وقعت مجاعة أخرى عام 1004 م، حيث حدث أن زاد منسوب النيل، فتعذر زراعة بعض الأراضي، مما أدى إلى حدوث مجاعة وانتشار الوباء، فمنع الحاكم بأمر الله بعض المأكولات، وأمر بإصلاح المكاييل والموازيين ليضمن عدم الغش، وزاد من إجراءاته التقشفية لمواجهة المجاعة.
وفي عام 1006 م شهدت مصر مجاعة عظيمة مع زيادة منسوب النيل، وزادت الأسعار وغضب الناس واتبع الحاكم سلسلة من الإجراءات لمواجهة تلك المجاعة من بينها سحب الدراهم القديمة، وأنزل بالفعل عشرين صندوقًا من الدراهم الجديدة لتوزع على الصيارفة، مما أضر بمصالحهم بعد إتلاف أموالهم القديمة، فثاروا وهاجت الأسواق، فأمر الحاكم بضرب جماعة من الخبازين والطحانين، وأقر تسعير السلع، فعاد الهدوء إلى الأسواق مرة أخرى.
بحث الحاكم في أسباب المجاعة، فوجد أن انخفاض منسوب النيل ليس السبب الوحيد، ولكن أيضًا الاحتكار الذي فرضه التُجار على الأسواق، وزيادة تخزين الناس للقمح والشعير، فأمر ألا يُباع القمح إلا للطحانين، واتخذ إجراءات عقابية لمنع الناس من تخزين السلع، فانخفضت الأسعار وهدأت ثورة الناس
وفي عام 1007 م، حدثت مجاعة أخرى بعد انخفاض منسوب النيل، ووقع الغلاء، وكالعادة يتخذ الحاكم إجراءاته التقشفية، زاد عليها هذه المرة منع أهل الذمة من الاحتفال بأعيادهم، ومنع الناس من التظاهر بالغناء، وفرض عليهم ما يشبه حظر التجول ليلًا، قوبلت إجراءات الحاكم باستهجان شديد من قِبل المصريين، فاجتمع عدد كبير عند قصره وكتبوا رقعة إليه ورفعوها مع رغيف خبز قديم، في إشارة إلى سبب احتجاجهم.
بحث الحاكم في أسباب المجاعة، فوجد أن انخفاض منسوب النيل ليس السبب الوحيد، ولكن أيضًا الاحتكار الذي فرضه التُجار على الأسواق، وزيادة تخزين الناس للقمح والشعير، فأمر ألا يُباع القمح إلا للطحانين، واتخذ إجراءات عقابية لمنع الناس من تخزين السلع، فانخفضت الأسعار وهدأت ثورة الناس.
تأثرت السياسة الخارجية للحاكم بأمر الله بأمر تلك المجاعات والاحتجاجات، حيث استغل ثوار برقة والرملة ومكة تلك الأحداث وانشغال الحاكم بمواجهتها، وحاولوا الاستقلال عنه، كما أثرت تلك المجاعات على عدد سكان مصر بسبب الوفيات التي ترتبت عليها.
المقاومة القولية
تعددت أشكال مقاومة المصريين القولية للحاكم بأمر الله، فحدث أن كتب عدد منهم شكوى وجعلوها في يد صورة امرأة صنعوها من الورق والجرائد، ووضعوا هذه الرقعة بيدها كأنها مظلمة تُقدم إليه، جاء فيها سب وقذف صريح له، وأقعدوها على طريقه، فلما رآها الحاكم أخذها وقرأ ما فيها، فأمر بإحضار المرأة فوجدها من قراطيس، فعلم الغرض منها وهو الاستهزاء به، فغضب غضبًا شديدًا.
وحدث بعدها حريق الفسطاط على يد طبقة العبيد، ولم تمر 3 أيام حتى كادت الفسطاط أن تنتهي من شدة الحريق، خرج المصريون إلى قصر الحاكم محتجين، حتى إن أحدهم قال له “أراك الله في أهلك وولدك مثلما رأينا في أهلنا وأولادنا”، فاعتذر إليهم، لكن استمرت المصادمات بين الشعب وطبقة العبيد، وعندما أحس الحاكم بخطورة الموقف أمر بوقف القتال ووعد المصريين بصرف التعويضات اللازمة، وانتهت تلك الاحتجاجات.
من أبرز نتائج تلك المقاومة القولية، التي انقلبت إلى صدام مسلح، احتراق ثلث مدينة الفسطاط ونهب نصفها، كما أثرت على الاقتصاد بشكل كبير.
ومن صور المقاومة القولية أيضًا في عصر الحاكم، تعليق الأبيات المناهضة له على منبره يوم الجمعة، حيث كان يردد الحاكم “نحن أفضل من خلفاء بني العباس لأننا من ولد فاطمة بنت الرسول”، فوجد الحاكم ذات مرة رقعة عُلقت على المنبر من شعر ابن يزيد، جاء فيها:
إنا سمعنا نسبا منكرًا *** يتلى على المنبر في الجامع
إن كنت فيما تدعى صادقًا *** فاذكر أبا بعد الأب الرابع
وإن ترد تحقيق ما قلته *** فانسب لنا نفسك كالطائع
أو فدع الأنساب مستورة *** وأدخل بنا في النسب الواسع
فإن أنساب بني هاشم *** يقصر عنها طمع الطامع
ثورة السنة
خلال حكمه أصدر الحاكم مجموعة قرارات دينية أغضبت أهل السنة في مصر، منها قطع صلاة التراويح والضحى، إضافة عبارة “محمد وعليًا خير البشر” إلى الآذان، وعام 1004م، بلغ تشدد الحاكم أقصاه حينما أمر بسب أبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب والسيدة عائشة وبعض الصحابة وكتابة ذلك على أبواب المساجد والشوارع والأسواق، ثم أبطل العمل بالمذهب الشافعي وأمر باتباع المذهب المالكي، كما أقرّ مجموعة إجراءات أضرت بالناس جميعًا، مثل عدم الخروج بعد العشاء وتوقف حركة البيع والشراء، وتشدد مع النساء فمنعهم من الخروج إلى الأسواق وعم الخوف البلاد، فصمت البعض خشية بطش الحاكم، فيما سخطت عليه فئة أخرى ثارت ضده في مدينة الفسطاط، فرضخ لهم الحاكم وترك لهم حرية أداء شعائرهم، وأمر بعدم سب السيدة عائشة ومحوه من المساجد كما أمر بضرب من يسب الصحابة، وبذلك انتهت الاحتجاجات.
ثورة أهل الذمة
بعد توليه الحكم تشدد الحاكم بأمر الله مع أهل الذمة، وهنا سجّل عدد من المؤرخين ملاحظة أن ذلك التشدد كان من نصيب كل فئات المجتمع في عصره.
على أي حال تشدّد الحاكم مع أهل الذمة في الملبس والركوب للتمييز بينهم وبين المسلمين، فمنعهم من ركوب الخيل وأن يقتصر ركوبهم على البغال والحمير، ومنع احتفالات الأقباط مثل عيد الغطاس وعيد الصليب، وأمرهم أن يحملوا في أعناقهم صلبانًا خشبية طولها شبرًا، وأمر اليهود أن يحملوا خشبة على شكل رأس عجل، كما أمر بهدم الكنائس والأديرة.
يعتبر عصر الظاهر امتدادًا لعصر الحاكم بأمر الله، حيث ظهرت في خلافته عدة ثورات
أمام تلك الإجراءات التعسفية تظاهر البعض بالدخول في الإسلام تجنبًا لتلك القسوة، فيما ثار عدد كبير من أهل الذمة في شوارع القاهرة والفسطاط حتى اجتمعوا تحت قصره وارتفعت أصواتهم بالشكوى، فاستجاب لهم الحاكم وانتهت احتجاجاتهم بعد أن سمح لهم ببناء كنائسهم وضرب النواقيس، وأعفاهم من حمل الصليب، وأذن لمن أراد العودة إلى دينه فقيل أن 7 آلاف يهودي عادوا لليهودية في يوم واحد.
ثورات المصريين ضد الظاهر لإعزاز دين الله
يعتبر عصر الظاهر امتدادًا لعصر الحاكم بأمر الله، حيث ظهرت في خلافته عدة ثورات، أبرزها:
ثورة أهل الصعيد
في عام 1024 ظهر ثائر من بني الحسين، استطاع أن يجمع حوله كثيرًا من المعارضين للحكم الفاطمي وسعى للاستقلال عنه، ولم يستطع “حيدرة” والي الصعيد آنذاك، القضاء على هذا التمرد لقلة جنده فوصلته إمدادات من القاهرة، وسيطر في النهاية على التمرد.
الثورة الاقتصادية
شهدت مصر في عهد الظاهر مجاعة كبيرة امتدت عامين 1023م – 1025م قاسى فيها الشعب خطر الموت، بدأت أحدات تلك المجاعة بنقصان منسوب ماء النيل، فلم تُرو الأرض الزراعية وتعذر وجود الخبز في الأسواق وأحجم التجار عن بيع الغلات وارتفعت الأسعار، فانفجرت ثورة المصريين وتجمعوا في مسجد عمرو بن العاص وخرجوا في مظاهرات عارمة وساروا في شوارع الفسطاط والقاهرة، وطالبوا بتخفيف الضنك الاقتصادي مطالبين بتوافر الخبز.
اتخذ الظاهر مجموعة إجراءات تدارك بها الأمر، فألغى المكوس المقررة على الغلات الواردة إلى السواحل وأمر بتخفيض الأسعار وشدد العقوبة على كل من خالف أوامره، فظهر الدقيق والخبز في الأسواق بأسعار قليلة، وهدأت ثورة المصريين.
احتجاجات علماء المالكية
في عام 2025م أمر الظاهر بنفي فقهاء المالكية خارج مصر، واتخذ مجموعة إجراءات قصد بها نشر المذهب الشيعي في مصر وضيّق على السنة، فتحرك أهل السنة وقدموا احتجاجًا للظاهر معبرين عن غضبهم، فأمر بإعطاء الحرية الكاملة لهم في أداء شعائرهم، وأصدر عفوًا عن علماء المالكية.
ثورة الشيعة
شهد عصر الظاهر لإعزاز دين الله اضطهاد بعض علماء الشيعة، ففي عام 1031م أمر بقتل داعية شيعي كانت له مكانة مرموقة، فخرجت المظاهرات في شوارع العاصمة وانضم بعض رجال الجيش للثائرين وحاصروا القصر الفاطمي، فتدارك الظاهر الموقف واعتذر إليهم وأنفق عشرين ألف دينار على الشيعة وأصدر عفوًا عامًا عن المشاركين في هذه الأحداث، وبذلك سيطر الحاكم الفاطمي على الأحداث.
يسجل الكاتب محمود خلف في نهاية الكتاب ملاحظة عن طريقة تعامل الفاطميين مع ثورات المصريين، فيقول أنهم لم يسرفوا في سفك الدماء، ولم يحدث تجاوزًا إلا في عهد الحاكم بأمر الله.