ترجمة وتحرير: نون بوست
هنالك قدر كبير من الارتباك يرافق الفوضى التي تشهدها منطقة الخليج، في ظل الأزمة التي اندلعت بشكل مفاجئ على إثر تطورات واستفزازات لم يتوقعها أحد. ومن بين أبرز الفاعلين في مثلث الفوضى الخليجية هنالك ملك، وأمير، وثالث يشغل منصب رئيس.
وحتى إذا كنا غير قادرين على فهم خفايا أحجية تشكل هذا المحور الذي جمع بين مملكة وإمارة ورئيس، فإننا نعلم أن هذا الحصار المستغرب هو وسيلة لمعاقبة قطر. ومن بين هذه الأطراف الثلاثة قامت الدولة التي يحكمها رئيس بخرق هذا الحصار المفروض عبر بيع طائرات للدوحة خلال الأسبوع الثاني من إعلان العقوبات. باختصار نحن لسنا أمام أزمة، بقدر ما أننا في حالة من التوتر والفوضى الجغراسياسية.
والحصار الذي فرضته الأنظمة الخليجية على قطر لا يفسر بشكل واف أزمة الخليج بمفرده. لأن هذه التطورات ترتبط أيضا بالعلاقة التي يبالغ كثيرون في تضخيمها بين قطر والإخوان المسلمين، وهي مسألة يعرفها كثيرون في مصر. إذ أنه بعد انقلاب عسكري سالت فيه دماء المدنيين الأبرياء، لم يتم التطرق إلى قطر في خضم النقاشات الدائرة حول وضع الإخوان في مصر. ولكن ما ظل راسخا في الأذهان ولا يزال، هو حقيقة كون أغلب الذين يتناولون هذه المسألة بجدية يتفقون على أن ثمن استهداف الإخوان المسلمين كان دفع بقية الحركات في منطقة الشرق الأوسط نحو الحلول المتطرفة.
وتتشكل العلاقة بين الإرهاب والحركات الاسلامية في الشرق الأوسط في حالة من اثنين: الأولى هي عندما تتعرض فرص المشاركة السياسية والتغيير الديمقراطي للقمع الدموي، والثانية هي عندما تتعرض هذه الحركات لاستفزازات وألاعيب أجهزة المخابرات. وحتى لو تناسينا غزو العراق، وتجاهلنا الاحتلال المستمر للأراضي الفلسطينية، والانقلاب العسكري في مصر، وأغمضنا أعيننا عن جرائم النظام الدموي في سوريا، فإن الأزمات وانتهاء عمر النظام الإقليمي الحالي تعد كلها أسبابا كافية لانتشار التطرف.
إذا ما هي هذه الأزمة التي تمت تسميتها أزمة الخليج؟ وما الذي يريدونه تحديدا من قطر؟ وما الذي سيحدث لو نفذت قطر مطالبهم؟ سيكون كافيا فقط لو نجيب على هذا التساؤل الأخير. ومن أجل التوصل لهذه الإجابة نحتاج لإلقاء نظرة على الحالة الجغراسياسية في الخليج، التي تتقاسم فيها تركيا والولايات المتحدة وإيران التأثير عبر آليات عمل مختلفة.
والفاعلون في المنطقة باستثناء قطر والرئيس الأمريكي يطالبون بنظام جغراسياسي جديد للخليج، دون إقامة أي حساب لبقية الفاعلين، تركيا وإيران والولايات المتحدة. ومن أجل تحقيق هذه المطالب بات هؤلاء يستهدفون قطر.
هؤلاء الفاعلون في المنطقة يبدو أنهم يتوسّمون في أنفسهم القدرة على فرض نظام جغراسياسي جديد، وتدمير الحركات الإسلامية، وأخيرا إنهاء تمويل الإرهاب، وإبعاد تركيا من الصورة، وإقصاء إيران كما لو أنها ليست جزء من الخليج، ووضع حد لسنوات طويلة من السياسات الأمنية الأمريكية الثابتة والعميقة، بين ليلة وضحاها. ومن غير الواضح ما إذا كانت هذه التوقعات العالية مردها السذاجة السياسية لهؤلاء، أو غياب الفهم للأوضاع الإقليمية. ولكن يبدو من شبه المستحيل تخيل أي تبعات لهذه السياسات باستثناء أزمة قد تستمر لعدة أسابيع.
وبينما كانت قطر قبل بضعة أسابيع مجرد واحدة من بين عدة دول في المنطقة، فإنها منذ حزيران/يونيو 2017 شهدت تغييرات اكتسبت على إثرها هذه الدولة أبعادا جديدة. فهي تبقى بلدا يضم قاعدة عسكرية تركية، تدور فيها تدريبات مشتركة مع الولايات المتحدة، أما مبادلاتها التجارية التي كانت تتم عبر حدودها البرية فإنها باتت تتم عبر طريق جوية، وبالتالي فإن هنالك أوضاعا جغراسياسية تشكلت فعليا في ما يخص قطر.
وقد ظهر حراك دبلوماسي جديد في ما يتعلق بهذه الدولة التي لم تتلقى أي عروض للدعم الفعلي ضد الدول التي نفذت ضدها الحصار. وتقريبا في كل المسائل التي توقعت الدول المتحالفة ضدها أن الحصار سيكون مثمرا، جاءت النتائج على عكس ما كان متوقعا لدى هذا المحور. فهل يؤدي هذا إلى فهم أفضل لحقيقة كون محاولات اختراق موقع إنترنت واختلاق نظام جغراسياسي جديد في الخليج ليست فكرة جديدة أو كافية على أرض الواقع؟ لا تزال الإجابة غير معروفة، وأولئك الذين خطرت ببالهم فكرة فرض حصار على قطر لم يتوصلوا لحد الآن لحلول مبتكرة لتطورات هذا السيناريو التي وجدوا أنفسهم في مواجهتها.
ورغم عدم وجود أي تغيرات أو أحداث تزعزع الأوضاع الجغراسياسية في الخليج في ما يخص قطر، فإن المنطقة لديها أصلا ما يكفيها من المشاكل. إذ أن هذه الكيانات التي تشبه الدول، والتي قامت على العائدات النفطية والسياسات النفطية، كانت تأمل أن تحافظ على نظام جغراسياسي معين باعتماد وسيلة وحيدة وهي شراء الأمن من الغرب، والوقوف ضد إيران. وهذا النظام الجغراسياسي لديه بطبيعة الحال مشاكل في ما يتعلق بقدرته على ضمان الاستقرار والسلام. وفي الواقع يمكن الذهاب إلى حد القول أن قطر نجحت في تقديم مبادرة سياسية هجينة وسط دائرة الشر هذه التي خيمت على النظام الجغراسياسي في الخليج.
نحن نشهد الآن تفكك النظام الجغراسياسي القديم في منطقة الشرق الأوسط والخليج، ولم يعد ممكنا أن يصمد النظام الذي تم فرضه في بلاد ما بين النهرين إثر الحرب العالمية الأولى، أو ذلك الذي تم إرساؤه في الشرق الأوسط بعد سنة 1947. وبشكل ما بات من المستحيل أيضا المواصلة مع النظام الذي ظهر منذ سنة 1991 في الخليج.
وعبر دعم الأوضاع غير المقبولة في فلسطين، والسعي وإنقاذ نظام الانقلاب المصري من الانهيار، وتغذية الإرهاب الطائفي في العراق وسوريا، والرد بشكل دموي على أي دعوات للتغيير الديمقراطي، فإن هذه الأزمة التي تتواصل منذ زمن طويل ستزداد سوء.
وفي ظل الخطاب الذي بات يتسم بفوبيا الإسلاميين الذي ظهر في هذه الدول الخليجية كنوع من الشعبوية، التي أدت لاتخاذ خطوات سياسية عبثية مثل المطالبة بالتضحية بقطر، فإن هذا أمر لا يزيد إلا من تأجيج الأزمة الجغراسياسية المستعرة. ومن مصلحة جميع الأطراف المعنية أن يتم وضع حد سريع للأزمة، قبل أن يلحقها ضرر في سمعتها وخسائر سياسية لا يمكن تداركها لاحقا. وتماما مثل ما أنه لا يمكن فرض نظام جغراسياسي عبر حيلة اختراق موقع إنترنت، فإن مصير الخليج لا يمكن تقريره عبر تغريدة في موقع تويتر.
المصدر: الجزيرة الإنجليزية