“خرجت من معسكر الجلاء عقب عام وشهرين، أخبرني أحد ضباط المخابرات الحربية عند خروجي، نأسف على توسيع دائرة الاشتباه، وتبين لنا أنك لست متورطًا في أعمال عنف، قضيت عامًا وشهرين بين سجانين لا يرحمون ومحققي مخابرات يتلذذون بسماع صراخنا على أنغام الصاعق الكهربائي، عام وشهران في قلق وخوف على عائلاتنا التي لا تعرف مصيرنا في الخارج”، هكذا علق أحد الناجين من معسكر الجلاء العسكري بمحافظة الإسماعيلية (شرق الدلتا) في شهادته عن 14 شهرًا قضاها داخل هذا المعتقل.
الاختفاء القسري في مصر بات شبحًا يطارد كل من أراد أن يغرد خارج السرب، ويستوي في ذلك المنتمين لجماعة الإخوان المسلمين وغيرهم من أنصار التيارات السياسية المعارضة الأخرى، لتصبح هذه الجريمة ظاهرة في بلد يتشدق حكامه بالديمقراطية وحقوق الإنسان.
المفوضية المصرية للحقوق والحريات أصدرت تقريرًا بعنوان “معسكر الجلاء العسكري، مسرح الجلادين وقبو المختفين قسريًا” عن تعذيب المدنيين المحتجزين داخل معسكر الجلاء العسكري في محافظة الإسماعيلية، وذلك في إطار الاحتفال باليوم العالمي لمساندة ضحايا التعذيب المقرر له 26 من يونيو الحالي، هذا بالإضافة إلى بحث قانوني عن إخضاع المدنيين للمحاكمات العسكرية في السجون المصرية جاء تحت عنوان “إخضاع المدنيين للمحاكمات العسكرية في القانون المصري والقانون الدولي لحقوق الإنسان”.
أكثر من 1000 شخص مدني بجانب نحو 120 جنديًا ممن يحاكمون محاكمة عسكرية تعرضوا لصور متعددة من التعذيب والانتهاكات داخل سجون معسكر الجلاء خلال الفترة من 2014 وحتى 2016
معسكر الجلاء: مسرح الجلادين وقبو المختفين
يقع معسكر الجلاء العسكري على امتداد طريق مصر الإسماعيلية الصحراوي (شرق القاهرة) ويضم مقر قيادة الجيش الثاني الميداني، محكمة الجلاء العسكرية، سريات تابعة للمخابرات الحربية إضافة إلى سريات أخرى تابعة للشرطة العسكرية، بجانب المستشفى العسكري وبعض أماكن تدريب الجنود.
كما يضم المعسكر عددًا من السجون أبرزها: غرفة الحبس المركزي (العزولي) ومبنى الشعبة (العزولي الجديد)، بالإضافة إلى سجن فوج المقر وهو خاص بالضباط الذين يتم محاكمتهم عسكريًا، وبحسب المفوضية فإن هناك سجن سري آخر تحت الأرض محظور الحديث عنه يضم مئات المدنيين ممن يقبعون به لفترات تتجاوز 3 أو 4 أعوام.
غالبية نزلاء سجون معسكر الجلاء ينتمون جغرافيًا إلى مدن شمال سيناء، الشيخ زويد، رفح، ممن تتم محاكمتهم أمام محكمة الجلاء العسكرية على خلفية تهم تتعلق بعضها بالإرهاب والبعض الآخر قضايا جنائية أخرى كالمخدرات والسرقة والإتجار بالبشر.
1000 مدني يعذبون
التقرير كشف النقاب ابتداءً عن وجود أكثر من 1000 شخص مدني بجانب نحو 120 جنديًا ممن يحاكمون محاكمة عسكرية تعرضوا لصور متعددة من التعذيب والانتهاكات داخل سجون معسكر الجلاء خلال الفترة من 2014 وحتى 2016.
اعتمد التقرير على المقابلات الشخصية مع 7 ضحايا تعرضوا للاختفاء القسري داخل المعسكر، فضلاً عن ذوي بعض المحتجزين هناك، إضافة إلى أحد المجندين الذين يحاكمون محاكمة عسكرية، ممن نقلوا الصورة كاملة من الداخل، بدءًا من ظروف إلقاء القبض عليهم واحتجازهم داخل سجني غرفة الحبس المركزي (سجن العزولي) وسجن المحطة، وكيف أنهم تعرضوا لعشرات من أشكال التعذيب في مقدمتها الضرب المبرح، الصعق بالكهرباء في أماكن حساسة، التعليق من الخلف من الذراعين، الزحف على الرمال عراة، إرغام المعتقلين على النزول في مخارج الصرف الصحي مما تسبب في انتشار الأمراض الجلدية، في ظل سوء التهوية والحرمان من الرعاية الطبية وندرة الطعام والمياه.
أوضاع مأساوية للسجون المصرية
تعاون أمني سري
المفوضية المصرية للحقوق والحريات في تقريرها توصلت إلى أن هناك تعاون مشترك بين الأجهزة الأمنية المختلفة، شرطة وجيش، من أجل إلقاء القبض على هؤلاء المدنيين والزج بهم في آتون السجون العلنية والسرية لمعسكر الجلاء.
التقرير رصد أنه في بعض الحالات يُلقى القبض على الأشخاص عن طريق وزارة الداخلية وعقب استجواب أولي عن طريق قطاع الأمن الوطني تنتقل الضحية إلى سرية 1 التابعة للشرطة العسكرية لإجراء تحقيق مبدئي ثم يمثل أمام النيابة العسكرية والمحكمة العسكرية، عدى من هم في دائرة الاشتباه والتحريات فيمثلون أمام محققي المخابرات بسرية 8 داخل المعسكر، وهي السرية التي حلقة الوصل بين مكاتب المخابرات في القاهرة والعريش في استجواب الاشخاص المشتبه بهم عن انتمائهم لتنظيمات مسلحة.
“سئلت عن انتمائي لتنظيم ولاية سيناء وأصررت على الإنكار، عندها تم صعقي بالكهرباء والاعتداء علي بالأيدي، وتهديدي بالإعدام في أثناء التحقيق، بعد ذلك أخبروني بأنني سأذهب للمكان الذي لا يرحم وذهبت إلى معسكر الجلاء”
شهادات صادمة
استعرض التقرير عددًا من شهادات الناجين من المعسكر والتي تكشف حجم التعذيب الذي يتعرضوا له داخل السجون بدءًا من لحظة إلقاء القبض عليهم وحتى الإفراج، مع الإشارة إلى أن الإفراج عن البعض وخروجه من السجن ليس معناه أنه بمأمن، إذ إن البعض أكد أنه عاد إلى السجن مجددًا بعد أيام قليلة من الإفراج عنه.
قال أحد الناجين للمفوضية: في اليوم الأول بالمخابرات الحربية في العريش عوملت بمنتهى القسوة لاعتقادهم بأنني على صلة بتنظيم ولاية سيناء، قاموا بتوصيل أصابعي بخواتم كهربائية، وأحدهم كان يتحكم بفولت الكهرباء، كما علقوني من الخلف وجردوني من ملابسي واعتدوا علي بالعصيان، وفي اليوم التالي تركوني في الشمس الملتهبة، مكثت على هذا الوضع لمدة 4 أيام في أثناء التحقيقات”.
وأضاف: أخبروني بأنني ذاهب لمكان لإعادة تأهيلي، خرجت من سيارة ملاكي بصحبة أربعة أفرد، اثنين منهم يجلسون بجانبي واثنين يجلسون بالأمام متوجهًا للمخابرات الحربية بالقاهرة، وهناك حقق معي مرة واحدة خلال 40 يومًا قضيتها في زنزانة انفرادية، وسئلت عن انتمائي لتنظيم “ولاية سيناء” وأصررت على الإنكار، عندها تم صعقي بالكهرباء وتم الاعتداء علي بالأيدي، وتهديدي بالإعدام في أثناء التحقيق، بعد ذلك أخبروني بأنني سأذهب للمكان الذي لا يرحم وذهبت إلى معسكر الجلاء”.
وقال آخر: “في إحدى المرات أمرنا سجانو السجن بالخروج من الزنزانة في طرقة السجن، كان وجهنا للحائط، جالسين على الأرض، وضربونا بصورة وحشية بالمواسير الحديدية والخراطيم والعصيان، وبالأيادي والأقدام، وكان أحد السجانين يحمل الصاعق الكهربائي ويصعقنا دون رحمة”.
كما حكى أحد الناجين قصة التحقيق معه فقال: “دخلت مكتب ضابط التحقيقات ولمدة ربع ساعة ساد الصمت ولا يسمع سوى صوت الولاعة من الضابط وصوت قدمه على الأرض، بدأ بعد ذلك الاستجواب معي وكان لدى الضابط تحريات تفيد بأنني من ضمن الأشخاص المنظمين للمظاهرات ضد النظام فسألني عن الأشخاص المشاركين فيها وعندنا أجبته بأنني لا أعلم بدأ بالتعذيب في البداية بالصاعق الكهربائي في كل أنحاء جسدي ثم طلب من الشرطة العسكرية خلع ملابسي وأخذوني خارج مكتب التحقيقات وخلعوا ملابسي كاملة”.
وأضاف: “عند عودتي للمكتب مرة أخرى تم صعقي بالكهرباء في جميع أنحاء جسدي مرة أخرى، تحت الأذن وتحت الإبط وفي الشفتين وفي جهازي التناسلي، وعلقوني مثل الذبيحة بربط يدي وقدمي في عصا شديدة ثم يتم رفعها للأعلى، وتم تعليقي بشكل آخر “تعليق خلفي” حيث يقع تحميل الجسد بأكمله على الأكتاف لمدة أقصاها 15 دقيقة”.
وفي شهادة أخرى قال أحد الناجين: “وصلت العزولي في نهاية عام 2013 ووجدت عند وصولي جنودًا يقفون على جانبي الطريق ويجب علي المرور بينهم، كانوا يحملون العصيان وخراطيم المياه والصاعق الكهربائي، تعرضت للضرب المبرح لمدة 10 دقائق متواصلة مع سيل من السباب حتى وصلت لزنزانة بها 22 شخصًا وعقب نصف ساعة اقتحم السجانون الزنزانة واستكملوا حفلة الاستقبال والضرب بالعصي والركل بالأقدام”.
أما عن الرعاية الطبية المقدمة للمعتقلين داخل سجون معسكر الجلاء، أضاف الناجي: “عندما وصلت العزولي دخلت غرفة بها طبيب في المبنى الإداري للسجن المنفصل عن مكان الاحتجاز وطلب مني خلع ملابسي لفحصي طبيًا، كان كتفي لا يتحرك وصدري وظهري وفي أماكن متفرقة من جسدي كدمات بسبب حفلة الاستقبال، لكن رغم وجود تلك الإصابات أخبرني بأنني بخير ولم يقدم لي أي دواء”.
“عند عودتي للمكتب مرة أخرى تم صعقي بالكهرباء في جميع أنحاء جسدي، تحت الأذن وتحت الإبط وفي الشفتين وجهازي التناسلي، وعلقوني مثل الذبيحة”
كيف يقضون يومهم؟
التقرير رصد طقوس الحياة اليومية للمعتقلين داخل سجون المعسكر، ففي الساعة الثالثة صباحًا يستيقظ الضحايا استعدادًا لدخول دورات المياه وهي المرة الوحيدة المسموح لهم فيها بدخولها، حيث يقف المعتقلون في الطابور ومدة الحمام لا تتجاوز الدقيقتين، وبعدها يتم فتح الباب على من لم ينته ومن يتلكأ يصعق بالكهرباء ويضرب داخل دورة المياه.
أما الاستحمام فهو مرة واحدة في الشهر، وبعد الفجر بساعة يتم فتح الزنزانة للإفطار الذي هو عبارة عن رغيف خبز أو بسكويت بالملح ومربى منتهية الصلاحية وبها حشرات ميتة بحسب التقرير.
وفي حوالي الساعة الثانية ظهرًا وقبل العصر بقليل تفتح أبواب الزنزانة لتناول وجبة الغداء والتي هي عبارة عن أرز أو مكرونة وبعض الخضروات، وهناك ثلاثة أيام في الأسبوع يقدم للضحايا لحم أو دجاج تظهر عليه علامات الدماء دون نظافة أو طهي جيد، أما وجبة العشاء فتكون قبل المغرب بساعة وهي عبارة عن عدس أو فول بجانب رغيف خبز.
الاختفاء القسري أداة من أدوات النظام في مصر
توصيات التقرير
بعد استعراض شهادات الناجين من معسكر الجلاء العسكري بالإسماعيلية خلصت المفوضية المصرية للحقوق والحريات إلى العديد من التوصيات أبرزها: نقل جميع المعتقلين المدنيين أو السجناء المدنيين من منطقة الجلاء العسكرية بالإسماعيلية إلى سجون أو أماكن احتجاز قانونية، كذلك إصدار قانون يمنع احتجاز المدنيين في مناطق أو سجون عسكرية، وتشكيل مكتب تابع للنائب العام برئاسة محامي عام يختص في التحقيق في حالات الاختفاء القسري بصلاحيات التفتيش على أماكن الاحتجاز الرسمية وغير الرسمية.
ومن مطالب المفوضية أيضًا، تمكين عائلات ضحايا الاختفاء القسري من معرفة أماكن احتجاز ذويهم من خلال النظر في الإجراءات التي تقدمت بها عائلات المفقودين بعد فقدان ذويهم خلال الأحداث التي تلت الثلاثين من يونيو 2013 ويشتبه احتجازهم بسجون سرية، والبت في تلك الإجراءات على وجه السرعة، والرد على أسر المختفين قسريا بخطاب رسمي يتضمن نتيجة البحث والتحقيق في اختفاء ذويهم، كذلك التحقيق في جميع المعلومات المتعلقة بمزاعم التعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة، ومقاضاة من يُشتبه في مسؤوليتهم عن هذه الانتهاكات أمام محاكم مدنية، وفق إجراءات تتماشى مع المعايير الدولية – على رأسها المبادئ المتعلقة بالتقصي والتوثيق الفعالين بشأن التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة لسنة 2000.
علاوة على ذلك السماح للمنظمات الحقوقية بزيارات مفاجئة لأماكن الاحتجاز للتأكد من تطبيق القانون وتمتع المحتجزين بحقوقهم، مع ضرورة الانضمام إلى الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري لسنة 2006، ونظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية لسنة 1998.
في الساعة الثالثة صباحًا يستيقظ الضحايا استعدادًا لدخول دورات المياه وهي المرة الوحيدة المسموح لهم فيها بدخولها، حيث يقف المعتقلون في الطابور ومدة الحمام لا تتجاوز الدقيقتين، وبعدها يتم فتح الباب على من لم ينته ومن يتلكأ يصعق بالكهرباء ويضرب داخل دورة المياه
الجلاء العسكري ليس الوحيد
معسكر الجلاء العسكري بالإسماعيلية ليس الأول من نوعه ولن يكون الأخير في مجال انتهاكات حقوق المواطنين المدنيين ممن يسقطون ضحايا الاختفاء القسري ويتعرضون لصور التعذيب الوحشية المتعددة، إذ إن هناك عشرات النماذج الأخرى التي لا تقل بشاعة عما يمارس داخل هذا المعسكر.
“مصر: رسميًا: أنت غير موجود: اختطاف وتعذيب باسم مكافحة الإرهاب” كان هذا عنوان التقرير الذي أصدرته منظمة العفو الدولية في 2015، التي ألقت فيه الضوء على الارتفاع غير المسبوق في حالات الاختفاء القسري في مطلع عام 2015، إذ إن قطاع الأمن الوطني في مصر يختطف الناس، ويعذبهم في محاولة منه لترهيب المعارضين، واستئصال المعارضة السلمية، حسبما أشار التقرير.
المنظمة على لسان مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، فيليب لوثر، قالت: “هذا التقرير يكشف عن الأساليب الصادمة والوحشية التي لا تتورع السلطات المصرية عن استخدامها، في محاولاتها لترويع المتظاهرين والمعارضين حتى تكمم أصواتهم”، مشيرة إلى أن الاختفاء القسري أصبح أداة رئيسية من أدوات سياسة الدولة في مصر، فمن يجرؤ على رفع صوته يصبح مهددًا في ظل استخدام مكافحة الإرهاب كذريعة لاختطاف واستجواب وتعذيب كل من يتحدي السلطات”.
التقرير تناول بالتفصيل 17 حالة تعرضت للاختفاء القسري، داخل سجون ومعتقلات سرية لمدد تتراوح بين عدة أيام وعدة أشهر، مع حرمانهم من الاتصال بمحاميهم أو أهاليهم، ودون أي إشراف قضائي مستقل، كما تضمن شهادات مروعة لضحايا تم تعذيبهم بصورة وحشية لعل أبرزها حالتين لشابين لم يتجاوزا الأربعة عشر عامًا.
الحالة الأولى: مازن محمد عبد الله (14عامًا) تعرض للاختفاء القسري في سبتمبر/أيلول 2015، وتعرض لانتهاكات بشعة مثل الاغتصاب المتكرر بعصا خشبية بغرض انتزاع “اعتراف” ملفق منه.
الحالة الثانية: آسر محمد (14عامًا)، تعرض للضرب والصعق بالكهرباء في جميع أنحاء الجسد، والتعليق من الأطراف، بغرض انتزاع “اعتراف” ملفق، وذلك عندما أُخفي قسريًا لمدة 34 يومًا في يناير/كانون الثاني 2016 في مقر الأمن الوطني بمدينة السادس من أكتوبر بالقاهرة الكبرى، وفي النهاية، تم عرضه على أحد وكلاء نيابة أمن الدولة الذي أنذره أنه قد يتعرض للمزيد من الصعق بالكهرباء عندما حاول التراجع عن “اعترافاته”.
الاختفاء القسري أصبح أداة رئيسية من أدوات سياسة الدولة في مصر، فمن يجرؤ على رفع صوته يصبح مهددًا في ظل استخدام مكافحة الإرهاب كذريعة لاختطاف واستجواب وتعذيب كل من يتحدي السلطات
التقرير كشف أيضًا عما أسماه “التواطؤ والخداع” من قبل النيابة العامة في مصر، حيث خلص إلى أنها تقبل بأدلة يرقى إليها الشك، مقدمة من قطاع الأمن الوطني الذي دأب على تزوير تواريخ القبض لإخفاء المدة الزمنية التي يقضيها المعتقلون في ظل ظروف الاختفاء القسري، كذلك استناد النيابة في توجيه الاتهام إلى “اعترافات” منتزعة بالإكراه، ولا تقوم بالتحقيق في مزاعم التعذيب فلا تأمر، مثلاً، بتوقيع الكشف الطبي وتسجيل نتائجه في الأوراق الرسمية.
وفي الحالات النادرة التي أحالت فيها النيابة العامة بعض المعتقلين إلى فحص طبي مستقل لم يكن يسمح لمحاميهم بالاطلاع على نتائج الفحص.
ومن ثم فإن تقرير المفوضية المصرية للحقوق والحريات بشأن الانتهاكات التي تمارس ضد المدنيين داخل سجون معسكر الجلاء العسكري بالإسماعيلية لا يمثل سوى نقطة واحدة في بحر من الأمواج المتلاطمة من صور التعذيب والتنكيل بالمعارضين أيًا كانت توجهاتهم وانتماءاتهم الحزبية والسياسية، وفي الوقت الذي يحتفل فيه العالم بيوم مساندة ضحايا التعذيب يقبع داخل السجون والمعتقلات المصرية عشرات الآلاف من المعتقلين الذين لا يعرفون لما ألقي القبض عليهم ومتى سيطلق سراحهم.