بعد “الكامور” في محافظة تطاوين جاء الدور الآن على “العرقوب” في محافظة قبلي جنوب تونس ومطالبة أهالي الجهة بحقهم في ثروات بلادهم المنهوبة وتنمية منطقتهم المهمشة وتشغيل أبنائهم المعطّلين عن العمل، حسب قولهم، مطالب يرى الأهالي أنها لن تتحقق دون تصعيد احتجاجاتهم التي تتواصل منذ أشهر عدة، في ظل استخفاف ومماطلة الدولة لهم وفق وصفهم.
غلق المجمع الرئيسي لعدد من خطوط نقل البترول والغاز
في تصعيد لاحتجاجهم، أغلق أهالي مدينة دوز في محافظة قبلي (نحو 500 كلم جنوب العاصمة تونس)، صباح أمس الأربعاء، صمامات مضخة البترول والغاز “أم الشياه” المجمع الرئيسي لعدد من خطوط نقل البترول والغاز، ردًا على تواصل سياسة التجاهل التي تنتهجها الحكومة خاصة أنها لم تحرك ساكنًا منذ فشل الاجتماع الوزاري الذي عقد في الجهة أواخر شهر مايو الماضي مع المُحتجين، حسب الناطق الرسمي باسم الاعتصام.
أمهل المحتجون السلطات الرسمية 48 ساعة تنتهي صباح الغد للاستجابة لمطالبهم، وإلا الرجوع هناك والاعتصام بشكل نهائي داخل المحطة
غلق مضخة النفط بأم الشياه، تم بعد أن سمح عناصر الجيش التونسي الموجدين على عين المكان والذين يشرفون على تأمين مضخة البترول للمحتجين بغلقها دون أي ممانعة، خشية أن تتطور الأوضاع إلى الأسوأ مثلما حصل في الكامور، يعتبر الأهالي هناك، أن غلق هذه المضخة بمثابة إنهاء عمل باقي المضخات النفطية الأخرى في كامل جنوب تونس، فهي تجمع أنابيب النفط الخارجة من الكامور بتطاوين والعرقوب بقبلي وتربطهم مباشرة بمحطة التكرير بالصخيرة من محافظة صفاقس وسط البلاد.
وأمهل المحتجون السلطات الرسمية 48 ساعة تنتهي صباح الغد للاستجابة لمطالبهم، وإلا الرجوع هناك والاعتصام بشكل نهائي داخل المحطة وغلق بقية الحقول البترولية بالجهة، في وقت وصلت فيه تعزيزات أمنية للمكان لمراقبة الوضع عن قرب، ويأتي هذا التصعيد بعد غلق مضختين للنفط في وقت سابق.
تأميم الثروات الطبيعية للبلاد التونسية
تواصل احتجاجات الأهالي وغلقهم لمضخات النفط والغاز بالمجمع الرئيسي لعدد من خطوط نقل البترول والغاز في صحراء قبلي، يمثل، حسب قولهم تعبيرًا على تمسكهم بمطالبهم، وخاصة منها تأميم الثروات الطبيعية للبلاد التونسية، ودفع عجلة التنمية والتشغيل، فضلاً عن منح محافظة قبلي نصيب من عائدات ثرواتها الطبيعية، وتركيز مصنع لاستخراج الجبس والبلور وتمكين الجهة من 4000 موطن شغل و120 مليون دينار (نحو 49 مليون دولار) لصندوق محلي للتنمية، بالإضافة إلى تركيز ديوان يشرف على تسويق التمور التي تعتبر أهم مورد رزق للمنطقة حيث تنتج واحاتها قرابة 60% من الإنتاج التونسي للتمور وفق أرقام رسمية.
المطالبة بتأميم ثروات البلاد، ضمن مطالب المحتجين
ويأتي هذا التصعيد في صحراء قبلي، بعد أن توصل معتصمو الكامور في محافظة تطاوين، المجاورة لمحافظة قبلي، الجمعة الماضية إلى اتفاق نهائي مع ممثل الحكومة التونسية وزير التشغيل عماد الحمامي بحضور الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل نور الدين الطبوبي يقضي بإعادة تشغيل محطة الضخ بالكامور وفض الاعتصام الذي تواصل لأسابيع عدة.
وجاء هذا الاتفاق بين الطرفين مقابل تشغيل 2500 عاطل عن العمل بشركة الغراسات والبيئة (حكومية) و1500 بالشركات البترولية العاملة في الجهة، بالإضافة إلى تخصيص 80 مليون دينار سنويًا (35 مليون دولار) سنويًا، لتنمية المحافظة.
تراجع في الإنتاج وتشكيك في الأرقام
هذه الاحتجاجات المتواصلة في الجنوب التونسي، رأت فيها الحكومة التونسية سببًا في تراجع إنتاج البترول في البلاد، وسجلت عائدات إنتاج المحروقات تراجعًا خلال 5 سنوات بنسبة 35.8%، وبقيمة 4.3 مليار دينار (1.76 مليار دولار)، حسب ما أعلنته وزيرة الطاقة والمناجم التونسية هالة شيخ روحه، خلال شهر مايو الماضي، وبينت الوزيرة أن أكثر من نصف إنتاج المحروقات في البلاد موجود في خليج قابس وصفاقس وجربة وجرجيس (جنوب) و30% في تطاوين (جنوب) و6% في قبلي (جنوب) و6% في نابل (شمال شرق.(
يؤكد التونسيون على وجود نهب في الثروات الاستخراجية من بترول وفوسفات وغيرها
وتنتشر في تونس 39 شركة نفطية، تتوزع 6 منها في تطاوين، و4 في قبلي، و7 في صفاقس والمهدية، و10 في الحمامات (شرق)، وشركة واحدة في القصرين (غرب)، و11 في خليج قابس وصفاقس ومدنين (جنوب)، ويقدر حجم إنتاج المحروقات في تونس، حسب الإدارة العامة للمؤسسة التونسية للأنشطة البترولية، قبل هذا التراجع المسجّل، 47 ألف برميل نفط في اليوم و6.7 مليون متر مكعب من الغاز، وهو ما لا يمكن أن يفي بحاجة البلاد من هذه المواد حسب قول مسؤولي الدولة.
في مقابل ذلك يشكّك التونسيون في هذه الأرقام الرسمية التي تعلنها بشأن إنتاج النفط والغاز، ويؤكدون وجود نهب في الثروات الاستخراجية من بترول وفوسفات وغيرها، ومصرون على تطبيق ما جاء في الفصل الـ13 من الدستور التونسي، وتحديدًا تحقيق “مبدأ الرقابة البرلمانية على العقود والاتفاقيات المتعلقة بالثروات الطبيعية”، إذ لم تعرض عقود الاستثمار على اللجنة المختصة في البرلمان، ولا على المواطنين كما جاء في الفصل الـ32 من الدستور بأن هناك “حق المواطن في الإعلام والنفاذ إلى المعلومة”.
يشكّك أغلب التونسيين في الأرقام الرسمية للدولة بخصوص إنتاج البترول
وتشير العديد من الدراسات غير الرسمية التي أنجزت في تونس وخارجها إلى وجود شبهات فساد بملف الثروات الطبيعية في تونس ونهب الشركات الأجنبية العاملة في هذا القطاع لمدخرات البلاد منذ سنوات، ويؤكد العديد من الأهالي، أن بعض الشركات البترولية لا تضع عدادات لقياس إنتاجها حتى لا تترك وراءها أثرًا لعمليات السرقة الممنهجة التي تعتمدها، وتحيط بمقرات هذه الشركات حراسة أمنية مشددة يصعب الوصول من خلالها إليها.
لماذا يحتج شباب قبلي؟
يعاني أهالي محافظة قبلي، كغيرهم من محافظات الجنوب والداخل التونسي، من التهميش ومحدودية مقومات الحياة الكريمة وتفشي ظاهرة البطالة بين شبابها، الذي لا يجد فرص كافية للعمل بسبب ضعف البنية الصناعية بالجهة، ويؤكّد الأهالي هناك أن منطقتهم رغم ما تزخر به من خيرات طبيعية، فإنها عانت طويلاً من سياسة التهميش التي انتهجها نظاما زين العابدين بن علي وقبله الحبيب بورقيبة، إذ لا توجد بها مقومات لدفع الدورة الاقتصادية ما عدا تلك التي بعثها أبناؤها بجهودهم الخاصة، والتي تعتمد أساسًا على الخدمات الأساسية في قطاع التمور.
تشمل هذه القرارات أيضًا تفعيل عملية ربط الولاية بالغاز الطبيعي باعتمادات تناهز 33 مليون دينار على أن يتم انطلاق الأشغال أواخر سنة 2018
وفي آخر جلسة تفاوضية جمعت وفدًا حكوميًا بالأهالي هناك، أعلنت الحكومة محاولة منها لتهدئة الأوضاع، جملة من القرارات المتخذة لفائدة الجهة تتمثل في زيادة رأسمال شركة البيئة والغراسات والبستنة إلى حدود خمسة ملايين دينار عوضًا عن 400 ألف دينار فقط وتمكينها من انتداب 500 عامل مع إمضاء اتفاقيات شراكة مباشرة بين الوزارات وهذه الشركة في مجال تدخلاتها تمكنها من تحقيق مداخيل سنوية مع الانطلاق في انتداب 400 عاطل عن العمل تم إمضاء عقودهم ضمن عقد الكرامة.
شعارات كتبت على جدران المنازل والمحلات للمطالبة بالكشف على حقيقة البترول في البلاد
وتشمل هذه القرارات أيضًا تفعيل عملية ربط الولاية بالغاز الطبيعي باعتمادات تناهز 33 مليون دينار على أن يتم انطلاق الأشغال أواخر سنة 2018، فضلاً عن التأكيد على استعداد الشركات البترولية مراجعة برنامج المسؤولية المجتمعية ليشمل القطاع الفلاحي في تدخلاته مع إنجاز عدد من المشاريع في نفس القطاع خلال سنتي 2017 و2018 تهم أساسًا تعويض بعض الآبار الجوفية الحارة والآبار السطحية، وبعض القرارات الأخرى، إلا أنّه تم رفضها، بسبب عدم ارتقائها لمطالب الأهالي.