هناك قاعدة جميلة يزين بها الملتقي التربوي الفلسطيني صفحته: “التعلم لا يحدث داخل غرف الصف وقاعات التدريب المغلقة”، ليست الدراسة الأكاديمية شرطًا للنجاح، كما أن المؤسسات التعليمية من مدارس وجامعات وكليات ليست الأماكن المثالية للتعلم، لكن ومع الحالة السائدة في عالمنا هذا حتى اليوم، ورغم توفر التكنولوجيا التي تساعد على التعلم، فلا بديل عن التحاقنا جميعًا بمؤسسات تربوية لنتعلم ونحصل في النهاية على الشهادات لتكون أول طريق نشقها إلى سوق العمل.
نعم، ليست الدراسة ضمن مؤسسات شرطًا للنجاح، وأكبر دليل على ذلك مشاهير كثر منهم من حصد المال ونجح في عالم الأعمال، الرياضة، الفن، التكنولوجيا، سآخذ شخصيات كلاسيكية كمثال هنا، بالنسبة لشخصيات مثل مارك زوكيربيرج وبيل جيتس وستيف جوبز، فإن التعلم هو ممارسة حياة يومية، وهي غير محصورة في كتب التدريس أو المؤسسات التربوية.
هل يمكننا الاكتفاء باتخاذ شخصيات مثل مارك زوكيربيرج، بيل جيتس، ستيف جوبز مثالًا للاقتناع بأن الشهادات الأكاديمية ليست شرطًا للنجاح؟ وهل فعلاً هذه الشخصيات قدوة كافية لأن نتحجج بها ونترك مقاعد الدراسة؟ علمًا بأن زوكيربيرج وجيتس قد حصدوا في مرحلة ما من حياتهم شهادة الدكتوراه الفخرية على إنجازاتهم التي تركت بصمة في عالمنا من جامعة هارفارد، فقد حصل مارك زوكيربيرج مؤخرًا على شهادة الدكتوراه الفخرية من جامعة هارفارد، كذلك بيل جيتس عام 2007 وهي الجامعة التي تسربا منها.
الإجابة ببساطة ليس للجميع القدرة على أن يتخذوا خطى هؤلاء، وليست الحياة بالوردية كما يصورها الحلم الأمريكي لتكون سهلة أمام من لا يحمل الشهادات، كل من شركة فيسبوك ومايكروسوفت وأبل تهتم وبشكل بالغ الأهمية بتوظيف خريجي جامعات مثل هارفارد وستانفورد ومعهد MIT.
أشخاص مثل هؤلاء الثلاث، لديهم القدرة العالية على تحديد الأهداف وتنفيذها على أرض الواقع، وهي الخطوة الأولى التي تشجع وتحفز الشخص على المثابرة والاجتهاد، وبحسب عالم النفس ألبيرت باندورا فإن إيمان الشخص بمقدرته الذاتية أمر أساسي وفي غاية الأهمية كمحرك للعمل والتعلم، الأمر الذي يولد نتائج ملموسة لدى الفرد.
تلقى مارك زوكيربيرج دراسته الأكاديمية في جامعة هارفارد لمدة عامين 2002-2004، وكان متخصصًا بعلم الحاسوب وعلم النفس، الوجود في بيئة أكاديمية، وبالذات جامعة مثل هارفارد، كان أمرًا في غاية الأهمية لتطوير مهارات زوكيربيرج كمبرمج ومن ثم كرائد أعمال، إذ إنها بيئة مشجعة للبحث والتطوير، وكذلك بيئة يمكن فيها بناء شبكة من الأصدقاء والزملاء المحترفين والخبراء في مجالات عديدة، بعد أن ساعده وجوده في الجامعة بإنشاء وإطلاق موقع فيسبوك، ترك مارك زوكيربيرج مقاعد الدراسة، ليستثمر وقته بعالم التكنولوجيا وريادة الأعمال.
بيل جيتس أيضًا درس في جامعة هارفارد بين الأعوام 1973 حتى 1975، وركز دراسته على الرياضيات وعلم الحاسوب، لم يتخرج بيل جيتس مع دفعته، كونه أسس عام 1975 شركة مايكروسوفت مع رفيقه بول ألين.
أما ستيف جوبز، فقد شارك خلال خطابه في جامعة ستانفورد عام 2005، أثر الدراسة الأكاديمية على مسيرته المهنية، رغم أنه لم يحصل على شهادة في النهاية، شارك ستيف جوبز للخريجين في حينها تجربته في الدراسة في كلية ريد، ترك ستيف جوبز مقاعد الدراسة في الكلية بعد ستة شهور من بدء الدراسة لتكاليفها الباهظة الثمن، إلا أنه أخذ بالتعرف على مساقات مختلفة تقدمها الكلية، واحدة منها كان عن “فن الخط – الكاليغرافي”، وهذا كان المدخل الأول له لتعلم تصميم الخطوط كفن وتاريخ وعلم، الأمر الذي يصفه بأنه كان واحدًا من المساقات الأكاديمية التي ساهمت بشكل مباشر بتصميم أول جهاز ماكنتوش بعد عشر سنوات من تعلمه.
الدراسة الأكاديمية لها جوانب إيجابية كثيرة، في نهاية المطاف نعم الشهادات ليست شرطًا للتقدم المهني وليست كافية، إذ إن عملية التعلم والاجتهاد المتواصل والاطلاع على منابع علمية وثقافية مختلفة خارج إطار المؤسسات أمر ضروري للتطور المعرفي وتطور المهارات، لكن من جهة أخرى توفر مؤسسات تربوية كثيرة إطارًا علميًا وثقافيًا داعمًا لطلابها، أضف لذلك على الرغم من وصولنا إلى عصر تكثر فيه مساقات الـMOOCs فإن الشهادات الأكاديمية ما زالت ضرورية كورقة للتقدم المهني والعلمي.