هل ستصبح التكنولوجيا مرضًا من الماضي؟

من الشائع أن نسمع عن ظاهرة إدمان التكنولوجيا وعن الساعات الطويلة التي يقضيها الناس في تصفح العشرات من التطبيقات التقنية الموجودة على أجهزتهم، ولا داعي للذكر أن الحياة الاجتماعية والشخصية والعملية كلها معتمدة على هذه الأجهزة الالكترونية بشكل أساسي. هذا الانصياع الكامل للتكنولوجيا هو أسلوب لملاحقة عجلة الحياة السريعة والتي تُلزم العالم على إيداع حياتهم كلها داخل هذه العوالم التقنية.
من الواضح أن مساوئ التكنولوجيا بدأت بالطوفان على سطح حياتنا وخاصة الاجتماعية، لأنها نجحت في عزلنا عن الواقع من حولنا وجعلت لكل شخص فقاعته الالكترونية الخاصة به التي يرى من خلالها العالم.
ليس منطقياً أن نسحب أنفسنا خارج هذه المنظومة وأن نكون خارجها والسبب ببساطة لأنه لن يكون لنا وجود ولن يرانا أحد بعيداً عن هذه الأوطار التقنية.
كما لا شك أن هذه التقنيات هي من الملهيات والتي لا تجعلنا نستمتع في قراءة كتاب ما أو باستمرار محادثة مع الآخرين بشكل متواصل دون أن تقطعنا الرسائل أو الاتصالات وغيرها عن حديثنا. وبهذا يمكن أن ندرك كيف تدير هذه الأجهزة والتقنيات حياتنا بتفاصيلها كاملة.
بالرغم من أن الأغلبية تدرك هذه الجوانب المحبطة للتكنولوجيا، إلا أنه ليس منطقياً أن نسحب أنفسنا خارج هذه المنظومة وأن نكون خارجها والسبب ببساطة لأنه لن يكون لنا وجود ولن يرانا أحد بعيداً عن هذه الأوطار التقنية. لكن ما يمكن أن فعله هو تحديد استخدامانا والمساحة التي ينبغي أن تحتلها التكنولوجيا.
ثورة ضد التكنولوجيا
من المثير للاهتمام معرفة أن هناك ما يسمى بــ “ثورة ضد التكنولوجيا” والتي لا تهدف إلى منع التقنيات بشكل كامل، وإنما على تحديد الزمان والمكان والغاية من هذه التقنيات بحيث لا تكون هي المسيطر على جميع تحركاتنا ووقتنا.
تتضح هذه الثورة في التعليمات الإلزامية التي تفرضها بعض المطاعم التي تطلب من زبائنها بعدم استخدام هواتفهم أثناء الطعام وأن يستمتعوا بمذاق الطعام وبالحديث مع أصدقائهم أو شركائهم، أيضاً تقوم بعض الشركات بإلزام موظفيها على غلق هواتفهم خلال ساعات العمل أو أثناء عقد الاجتماعات، كما أن هناك بعض الدول التي تفرض غرامات على استخدام الهواتف أو المراسلة أثناء القيادة، بجانب المدارس والجامعات التي تمنع استخدام هذه الأجهزة داخل قاعات الدراسة. إذ أصبح الآباء مؤخراً يبحثون عن حضانات لا تستخدم أجهزة الآيباد في نظامها التعليمي للأطفال.
تكنولوجيا مؤقتة
بدأ الانزعاج الناس من التكنولوجيا يزداد بسبب عدم شعورهم بالوقت وسهولة اندماجهم مع هذه الاوطار التقنية. حلاً لهذه الأزمة تم انشاء تطبيقات “مؤقتة”، أي أنها تقوم بإغلاق بعض المواقع الالكترونية لوقت معين، أو تطبيقات تساعد على التذكير بالتركيز أو إتمام المهمة الموجودة على الخطة اليومية، مثال على هذه التطبيقات StayOnTask و SelfControl
عام 2013، قام 61% من الأشخاص البالغين بإغلاق حساباتهم على فيسبوك أو بأخذ فترات راحة طويلة أو دائمة من تطبيق فيسبوك.
في هذا الخصوص قام “وادي السيليكون” باختراع تقنية أو فكرة “السبت الرقمي” والتي تجبر فيه موظفيها على عدم استخدام أي نوع من التكنولوجيا في عطلة نهاية الأسبوع.
يرى البعض أن احتمالية حدوث ثورة ضد التكنولوجيا أمر ضعيف يحتاج للمزيد من الدعم العام إذ أن التعليمات والسياسات والسلوكيات الفردية الخاصة بالتعامل مع التكنولوجيا لن تكون مجدية إلا إذا تشكلت حركة قوية ومؤثرة تساعد العالم على اتخاذ قرار هجر التكنولوجيا أو على الأقل ان تصبح هذه الفكرة مألوفة عند المجتمعات إلى الحد الذي قد يأتي يوماً نجد فيه أن بعضاً من أصدقائنا لا يملك حساب شخصي على موقع فيسبوك أو انستغرام.
إذ يذكر في عام 2013، قام 61% من الأشخاص البالغين بإغلاق حساباتهم على فيسبوك أو بأخذ فترات راحة طويلة أو دائمة من هذا التطبيق الشهير. هذا النوع من القرارات يبدو غريباً وليس اعتيادياً بأن يوجد أحد لا يملك هذا التطبيق على هاتفه في القرن الواحد والعشرين.
لنفكر قبل أن “نتناول” التكنولوجيا
يقول الكاتب الكندي، مايكل هاريس، لموقع فايس “يجب أن نعرف تماماً كيف نتصدى لثقافة المجموعة” ويشير إلى إن رد التكنولوجيا بعيداً أو تدريجياً عن حياتنا ليس أمراً سهلاً، هذه العملية تحتاج بعض الجهد، ويضيف “أنا شخصياً في بداية يومي أمهل نفسي كل الوقت الممكن قبل أن أنظر في هاتفي وأغرق داخل هذه الموجة، وهذا يوضح الصراع الذي نواجه مع هذا الإدمان كل ساعة من حياتنا وليس بشكل يومي فقط”.
يجب علينا أن نفكر باستخدامنا لتكنولوجيا على أنه قضية خاصة بسلامة صحتنا وعقولنا على حد سواء.
كما يقول المؤلف هاريس أن التعامل مع الهاتف يشبه تعاملنا مع أجسامنا إذ أنه من المفضل لصحتنا أن نتناول أطعمة صحية تفيد أجهزتنا الحيوية ويضيف “في بداية الخمسينات والستينات كان هناك كميات وفيرة من الأغذية والطعام، لكن العالم لم يكن عنده الثقافة الغذائية عن ماذا يتناول من هذه الأطعمة وكيف، فبتالي ارتفعت مستويات السكري وزادت حالات البدانة في العالم، وأصبح ينظر لهذه للغذاء على أنه مضر وخطر.
وهذا بالفعل ما يحدث بالنسبة إلى التكنولوجيا وتبعاً لهذا علينا أن نتبع حمية أو نظام غذائي صحي في تعاملنا مع الأجهزة التقنية لنبقى سالمين”. لذلك يجب علينا أن نفكر باستخدامنا لتكنولوجيا على أنه قضية خاصة بسلامة صحتنا وعقولنا على حد سواء.
أمراض التكنولوجيا
يقول الطبيب النفسي، ريتشارد غراهام، أنه منذ 12 عاماً بدأ بالتعامل مع حالات غير مسبوقة من الشباب الذي يعانون من مشاكل صحية في العقل نتيجة للاستخدام المفرط للتكنولوجيا.
التكنولوجيا مكان واسع لاستقبال الأخبار الوهمية الزائفة ومساحة تعرض فيها الشركات التجارية سلعهم ومنتجاتهم ووسيلة أسهل لمراقبة بياناتك واتجاهاتك.
ففي عام 2010 أطلق أول خدمة متخصصة في المملكة المتحدة لإدمان التكنولوجيا، وبعد أن أصبح خبيراً بارعاً في إعادة تأهيل وإصلاح هذه الحالات يقول الدكتور غراهام لموقع فايس “قد وصلت حالات الإدمان إلى نقطة الانهيار، لا حدود لهذا الإدمان. لقد بدأتُ بالعمل عندما كان هناك منصة الالكترونية واحدة، لكن الآن ازداد الأمر تعقيداً وتشابكاً”.
كما ينصح الطبيب الأجيال القادمة بضرورة التفكير جدياً بطرق استخدام التكنولوجيا، بسبب أن هذه التقنية لا تنحصر فقط على مطالعة الصفحات الشخصية وإنما هي مكان واسع لاستقبال الأخبار الوهمية الزائفة ومساحة تعرض فيها الشركات التجارية سلعهم ومنتجاتهم ووسيلة أسهل لمراقبة بياناتك واتجاهاتك.
في النهاية يقول غراهام “أياً كانت النية أو الغاية التي كنا نفكر فيها عندما قمنا بإنشاء حسابات شخصية على فيسبوك، فهي عكس ذلك تماماً”.
لا خيار لنا
تقول المحررة الإدارية، منوش زمورودي، وهي صاحبة مشروع يهدف إلى توعية الناس بأهمية إعدادات الخصوصية في التطبيقات التقنية وتصف الإدمان على التكنولوجيا على أنه “شلل جماعي”، وتضيف “نحن نضع أنفسنا في مكان لا يوجد فيه تنظيم ولا رقابة، ولا حاجة للقول إنه لا خيار لنا على الإطلاق على هذه المنصات”.
كما تكمل حديثها عن المشروع القائمة به، وتقول إن الأمر يحتاج إلى تغيير في ثقافة الجماعة والأمر يبدأ بالتوعية وبإزالة بعض التطبيقات تدريجياً. مع العلم أن 20 ألف شخص اشتركوا بهذه الحملة. كما أن العالم بدأ يلاحظ الافراط في استخدام التكنولوجيا في كل زوايا حياته وبدأ يسأل عن مدى جدوى هذه التقنيات.
قد لا يأتي يوماً تغلق فيه الشركات التكنولوجية العملاقة أو يتخلص العالم من أجهزة الحاسوب والهاتف، لكن بعض المؤشرات تدلل على وجود حركة أو حراك طفيف بدأ في اتخاذ خطوات لوقف هذا الافراط في استخدام التكنولوجيا ووقف سيطرتها على إنجازات حياتنا ومنعها من تشتيت أذهاننا وفقدان التركيز بسبب التطبيقات والرسائل والاتصالات التي تقاطعنا باستمرار.