ترجمة وتحرير نون بوست
تم اعتقال المئات من الرجال في خضم عمليات البحث عن مقاتلي تنظيم القاعدة، وقد تعرض هؤلاء للاختفاء في شبكة سرية من السجون في جنوب اليمن. ووفقا لما توصلت إليه أسوشيتد برس، تمارس في هذه السجون انتهاكات بشكل روتيني وبأبشع طرق التعذيب، ومن بينها تقنية الدجاجة المشوية، التي يتم فيها ربط الضحية على عمود أفقي مثل آلة الشي، ويتم تدويره بشكل مستمر فوق النار.
وقد أقر مسئولون كبار في وزارة الدفاع الأمريكية يوم الأربعاء بأن القوات الأمريكية شاركت في عمليات استجواب المعتقلين في اليمن، إلا أن هؤلاء المسئولين أنكروا أي مشاركة أو علم منهم بانتهاكات لحقوق الإنسان. ويشار إلى أن عمليات استجواب المعتقلين الذين تعرضوا للتعذيب تشكل خرقا خطيرا للقانون الدولي، الذي يحظر كذلك المشاركة غير المباشرة في التعذيب.
وقد وثقت أسوشيتد برس ما لا يقل عن 18 معتقلا سريا في أنحاء جنوب اليمن، تديرها الإمارات العربية المتحدة أو قوات يمنية أسستها ودربتها هذه الدولة الخليجية، وذلك بناء على روايات معتقلين سابقين في هذه السجون، وعائلات المعتقلين، ومحامين مدافعين عن حقوق الإنسان، ومسئولين عسكريين يمنيين. ويتم إخفاء كل هذه السجون أو إنشاؤها في خارج مناطق نفوذ الحكومة اليمنية، التي تحصل على دعم الإمارات في الحرب الأهلية الدائرة ضد المتمردين منذ سنتين.
هذه السجون السرية يقع بعضها في قواعد عسكرية، موانئ، مطارات، منازل على ملك خواص وحتى في بعض الملاهي الليلية. كما تم نقل بعض المعتقلين جوا عبر البحر الأحمر نحو قاعدة إماراتية في أريتريا، بحسب ما ذكره مسئولون من بينهم وزير الداخلية اليمني حسين عرب.
وقد تحدث مسئولون في وزارة الدفاع الأمريكية عن هذا الموضوع بشرط عدم الكشف عن أنفسهم، وأخبروا أسوشيتد برس بأن القوات الأمريكية تشارك في عمليات استجواب المعتقلين في بعض المواقع في اليمن، كما أنها تزود محققين آخرين بالأسئلة التي يجب طرحها، وتتلقى أيضا محاضر لجلسات الاستجواب من حلفاءها الإماراتيين.
وأكد هؤلاء المسئولون أن ضباطا رفيعي المستوى في الجيش الأمريكي كانوا على علم بالاتهامات بممارسة التعذيب في سجون اليمن، وقد نظروا في هذه الاتهامات، ولكنهم اقتنعوا بعدم حدوث أي تجاوزات أثناء حضور الجانب الأمريكي.
وعند مجابهتها بما توصلت إليه أسوشيتد برس، ذكرت دانا وايت كبيرة المتحدثين باسم وزارة الدفاع الأمريكية أن: “الولايات المتحدة ملتزمة بأعلى معايير حسن التصرف على المستوى الشخصي والمهني، وأنها لم تغض النظر عن هذه التجاوزات، لأن القانون يفرض عليها الإبلاغ في حال وجود انتهاكات لحقوق الإنسان”.
وفي مراسلة تلقتها أسوشيتد برس، نفت الحكومة الإماراتية كل هذه الاتهامات، وقالت: “لا توجد مراكز اعتقال سرية، ولا تتم ممارسة التعذيب في السجون خلال الاستجواب”.
ولكن في داخل اليمن التي تمزقها الحرب الأهلية، يؤكد محامو وعائلات الضحايا، أن حوالي ألفي رجل اختفوا داخل غياهب هذه السجون السرية، وقد ارتفع العدد لدرجة أن العائلات باتت تنظم وقفات احتجاجية بشكل أسبوعي للمطالبة بكشف معلومات حول الأبناء والآباء والإخوة الذين يتعرضون للاختفاء القسري.
نظرة على سجن عدن المركزي، المعروف بتسمية المنصورة
ويشار إلى أنه لا أحد من عشرات الأشخاص الذين استجوبتهم أسوشيتد برس أكد أن المحققين الأمريكيين متورطون في هذه الانتهاكات. إلا أن الحصول على معلومات إستخباراتية تم انتزاعها بواسطة التعذيب حتى لو مارسه طرف آخر يشكل انتهاكا للاتفاقية الدولية لمناهضة التعذيب، ويمكن اعتباره جريمة حرب، بحسب تأكيدات رايان غودمان، أستاذ القانون في جامعة نيويورك، الذي عمل كمستشار خاص لوزارة الدفاع الأمريكية إلى حدود السنة الماضية.
وفي أحد مراكز الاعتقال الذي يوجد في مطار الريان في جنوب مدينة المكلا، وصف بعض المعتقلين السابقين المعاملة الوحشية التي تعرضوا لها، حيث كان يتم حشرهم فوق بعضهم في حاويات النقل البحري، ويتم تلويثهم بالفضلات البشرية، وتعصيب أعينهم لأسابيع.
كما ذكر هؤلاء أنهم تعرضوا للضرب، والتعليق في وضعية الدجاجة المشوية، بالإضافة للاعتداءات الجنسية. وبحسب عنصر في فرقة النخبة “حضرموت”، وهي قوة أمنية يمنية أسستها الإمارات، فإن المسئولين الأمريكيين كانوا في بعض المرات على بعد خطوت قليلة أثناء وقوع الانتهاكات. وقد طلب هذا المتحدث عدم الكشف عن هويته لأنه غير مخول للتحدث في هذه المسألة.
وقد أورد سجين سابق تعرض للاعتقال لستة أشهر في مطار الريان، أنه “كان يسمع صرخات السجناء، وكان المكان بأكمله يخيم عليه الخوف، وجميع المعتقلين كانوا مرضى، وبعضهم يوشك على الموت. وكل شخص يشتكي يتم نقله مباشرة إلى غرفة التعذيب، حيث يتم جلده بأسلاك الكهرباء، وهي ممارسة شائعة يقوم بها الحراس ضد كل المعتقلين”. كما ذكر هذا الشاهد أنه تم وضعه داخل حاوية نقل بحري، ثم قام الحراس بإشعال النار تحتها لملئها بالدخان.
ومثل بقية السجناء السابقين، تحدث هذا الشاهد بشرط عدم الكشف عن هويته، لأنه يخشى من إعادة اعتقاله مجددا. ويشار إلى أن أسوشيتد برس قامت باستجوابه بشكل شخصي في اليمن بعد الإفراج عنه.
كما تحدثت أسوشيتد برس مع عشرة سجناء سابقين، بالإضافة إلى 12 مسئولا في الحكومة اليمنية والأجهزة العسكرية والأمنية، وحوالي 20 من أقارب المعتقلين. أما مدير السجن الموجود في مطار الريان، الذي تعرفه جيدا عائلات المعتقلين والمحامين ويؤكدون أنه إماراتي الجنسية، فإنه رفض الإجابة عن مراسلاتنا.
وقد أكدت لورا بيتر، مستشارة الأمن القومي في منظمة هيومن رايتس ووتش، أن “هذه الانتهاكات تؤكد أن الولايات المتحدة لم تتعلم من دروس الماضي، ولم تفهم أن التعاون مع قوات تعذب المعتقلين وتشتت العائلات ليست طريقة فعالة لمحاربة الإرهاب”.
وقد أصدرت منظمة هيومن رايتس ووتش تقريرا يوم الخميس يوثق عمليات الاختفاء القسري والتعذيب في سجون تديرها الأمارات، وطالبت الحكومة الإماراتية بحماية حقوق المعتقلين.
وكانت منظمة العفو الدولية قد طالبت بتحقيق دولي تقوده الأمم المتحدة، للنظر في دور الإمارات وبقية الأطراف في تكوين هذه الشبكة الفظيعة من مراكز التعذيب، والنظر أيضا في الاتهامات الموجهة للولايات المتحدة بأنها استجوبت معتقلين أو تلقت معلومات عبر ممارسة التعذيب. وقد اعتبرت لين معلوف، مديرة الأبحاث في مكتب منظمة العفو الدولية في الشرق الأوسط، أنه: “من غير المنطقي تصديق أن الولايات المتحدة لم تكن على علم بوجود مؤشرات قوية على حدوث تعذيب”.
وكان وزير الدفاع جيمس ماتيس قد أثنى في وقت سابق على الدور الإماراتي، واعتبرها تلعب دورا أكبر من حجمها في الحرب ضد تنظيم القاعدة.
وتقوم القوات الأمريكية بإرسال أسئلة إلى القوات الإماراتية التي تقوم باحتجاز المعتقلين، ثم تقوم الأخيرة بإرسال ملفات وتسجيلات فيديو تتضمن الأجوبة للجانب الأمريكي، بحسب تأكيدات العميد في الجيش اليمني فرج سالم البهساني، قائد المنطقة العسكرية الثامنة والمتواجد في المكلا، وهي نفس المعلومات التي أكدها أيضا مسئولون أمريكيون لأسوشيتد برس. كما قال هذا العميد أن الولايات المتحدة سلمت السلطات اليمنية قائمة بالرجال المطلوبين، وكثيرون من بينهم تم اعتقالهم لاحقا.
إلا أن العميد البهساني نفى تسليم أي معتقلين للجانب الأمريكي، وأكد أن التقارير حول التعذيب تتضمن الكثير من المبالغة.
18 مركز احتجاز سري في اليمن تديرها اليمن
وتذكّر سلسلة السجون التي تم الكشف عنها، بالمعتقلات السرية التي أنشأتها وكالة الاستخبارات الأمريكية سي آي إي، لاستجواب المتهمين بالإرهاب إثر هجمات 11 أيلول/سبتمبر. وفي سنة 2009 كان الرئيس الأمريكي آنذاك باراك أوباما قد أعلن تفكيك هذه المراكز التي سماها “المواقع السوداء”. إلا أن هذه السجون التي أنشأتها الإمارات في اليمن، في ظل الحرب الأهلية المتواصلة، كانت موجودة منذ عهد إدارة أوباما، ويتواصل العمل فيها إلى غاية اليوم.
ويقول رايان غودمان: “الإمارات هي واحدة من الدول المتورطة في جرائم التعذيب التي ارتكبتها السي آي إي و في برنامج تسليم المحتجزين. والتقارير التي ظهرت الآن تذكرنا بممارسات سابقة وهي تمثل جرائم خطيرة من الناحية القانونية والسياسية”.
ويشار إلى أن الإمارات هي جزء من تحالف تقوده السعودية وتدعمه الولايات المتحدة، يهدف إلى مساعدة الحكومة اليمنية على الوقوف ضد المتمردين الحوثيين الشيعة، الذين استولوا على شمال البلاد. وفي نفس الوقت يساعد هذا التحالف القوات الأمريكية على استهداف الفرع اليمني من تنظيم القاعدة، الذي يعد واحدا من أخطر الفروع في العالم، إلى جانب مقاتلي تنظيم الدولة في اليمن.
ودأبت فرقة محدودة العدد من القوات الأمريكية على التحول إلى اليمن من حين إلى آخر، وقد ذكر البنتاغون أن هذه القوة تقوم بمهام في الساحل الجنوبي. ومنذ تسلم دونالد ترامب السلطة، صعدت الولايات المتحدة من نسق هجمات الطائرات المسيّرة في اليمن، حيث تجاوز عددها أكثر من 80 منذ بداية العام، بعد أن كان عدد الهجمات 21 في سنة 2016 بحسب بيانات الجيش الأمريكي.
وقد تم تنفيذ غارتين على يد قوات الكوماندوس الأمريكية ضد تنظيم القاعدة، إحداهما قتل فيها جندي من قوات الفقمة الخاصة إلى جانب سقوط 25 مدنيا.
إلى أن الدور الأمريكي في استجواب المحتجزين في اليمن لم يتم التطرق إليه سابقا.
داخل مركز احتجاز يمني
وقد ذكر ضابط يمني أنه تم خلال فترة إرساله في مهمة على متن سفينة راسية قبالة شواطئ اليمن، وقد شاهد خلالها ما لا يقل عن اثنين من المعتقلين تم نقلهم على متن السفينة، ثم تم اقتيادهم إلى الأسفل، حيث كان في انتظارهم خبراء أمريكيون في استخدام جهاز كشف الكذب وفي علم النفس، أخضعوهم للاستجواب. وقد أكد هذا الشاهد أنه لم يكن مخولا للنزول إلى أسفل السفينة، كما أنه طلب عدم الكشف عن هويته لأنه يخشى الانتقام بعد الكشف عن هذه المعلومات.
إلا أن مسئولين رفيعي المستوى في وزارة الدفاع الأمريكية نفوا بشدة مشاركتهم في استجواب يمنيين على متن سفينة، فيما صرح جوناثان ليو، المتحدث باسم وكالة الاستخبارات الأمريكية بأنه ليس لديه تعليق على هذه الاتهامات، مؤكدا أن كل ادعاء بوجود انتهاكات يتم النظر فيه بكل جدية.
هذا الرجل اليمني يقول أن ابنه تم تعرض للاعتقال واختفى منذ ذلك الوقت
ويشار إلى أن هذا الضابط اليمني لم يحدد ما إذا كان الأمريكيون الموجودون على متن السفينة ينتمون إلى الجيش أو جهاز المخابرات، أو من شركات خاصة متعاقدة أو مجموعات أخرى.
كما ذكر اثنان من المسئولين اليمنيين، أحدهما يعمل في وزارة الداخلية في حكومة هادي، والآخر في المنطقة العسكرية الأولى في حضرموت التي توجد فيه المكلا، أن: “الأمريكيين كانوا يقومون بالاستجواب في عرض البحر، وهو ما أكده أيضا مسئول أمني بارز في حضرموت”. هؤلاء الثلاثة تكلموا بشرط عدم الكشف عن هوياتهم لأنه ليس مسموحا لهم مناقشة الدور الأمريكي.
وقد علمت وكالة أسوشيتد برس بأسماء خمسة من المتهمين الذين يتم احتجازهم في هذه المواقع السوداء، والذين على ما يبدو تم استجوابهم على يد الأمريكيين. وأكد هذا المسئول اليمني الذي عمل على ظهر السفينة أنه شاهد واحدا من هؤلاء الخمسة خلال تلك المهمة. أما الأربعة الآخرون فقد تم الكشف عنهم من قبل معتقلين سابقين ذكروا أنهم أخبروا بشكل مباشر من قبل هؤلاء المعتقلين الأربعة بما تعرضوا إليه من استجواب على يد الأمريكيين.
أحد المعتقلين الذي لم يتم استجوابه من طرف مسئولين أمريكيين، أكد أنه كان يتعرض للضرب المتواصل من قبل الحراس اليمنيين، ولكنه تم استجوابه في مرة واحدة. وقال: “أفضّل أن أكذب وأذهب إلى الجحيم، على أن أعود مرة أخرى إلى ذلك السجن، حتى الحيوانات لا تتم معاملتها بهذا الشكل، حتى لو كان بن لادن هنالك لما أمكنهم القيام بتلك الممارسات”.
المصدر:أسوشيتد برس