علقت صحيفة الغارديان البريطانية، الخميس، في افتتاحيتها على تطورات الأحداث في السعودية، بعد إعفاء محمد بن نايف من ولاية العهد، وتعيين نجل الملك سلمان الشاب وليا للعهد.
وقالت الصحيفة في افتتاحيتها، التي ترجمتها “عربي21″، إنه في سن الواحدة والثلاثين، يمكن أن يمتد سلطان ولي العهد الجديد زمنا طويلا. ويحتمل أن تتجاوز أصداء ذلك حدود المملكة، وتصل إلى مسافات شاسعة.
وجاء في الافتتاحية:
لقد أدرك الجميع أن الشاب محمد بن سلمان في عجلة من أمره. فقد تم اتخاذ كل الخطوات الضرورية لتصعيده خلال العامين المنصرمين منذ أن تولى والده عرش المملكة. ولكن، في سن الحادية والثلاثين، لربما جاء النصر الذي أحرزه بسرعة أكبر قليلا مما كان متوقعا. فهذا الأسبوع، أمر الملك سلمان بتنصيبه وليا للعهد، متجاوزا بذلك ابن عمه محمد بن نايف الذي يفوقه خبرة وتجربة.
ما من شك في أن ترفيع ولي العهد الجديد محا الصورة النمطية عن المملكة التي اشتهر عنها أنها نظام حذر يحكمه الشيوخ (وجرت العادة في هذه المنظومة من التعاقب الأفقي أن يخلف الأخ أخاه، فحتى منافسه السابق كان يبدو صغيرا، رغم بلوغه السابعة والخمسين من العمر).
لكم طال انتظار هذا التغيير، وبعض الناس أشادوا بولي العهد الجديد على اعتبار أنه مصلح ونشط. ولكن من الواضح أنه لا ينوي التدخل لتغيير طبيعة البلد كنظام ملكي مطلق لا يتسامح مع المعارضة، ناهيك عن أن يتحدى العلاقة المبدئية بين آل سعود ورجال الدين الوهابيين المحافظين.
تشير التقارير الواردة من المملكة أن الزعامة الدينية فيها رفعت عقيرتها في الأيام الأخيرة؛ من أجل حماية النظام السلطوي من الديمقراطية. بالإضافة إلى ذلك، كانت نتائج المبادرات الدراماتيكية التي تبناها وأشرف عليها بنفسه في مجالي الاقتصاد والعلاقات الخارجية تعيسة للغاية.
خذ على سبيل المثال خطته المسماة “رؤية 2030″، التي تستهدف إعادة ترتيب أوضاع الاقتصاد السعودي، وإنهاء الاعتماد الخطير على النفط، والاستفادة من الطاقات الكامنة لدى الشباب. ثبت أن هذه الخطة ما هي سوى نوع من التفكير القائم على التمني ومجرد بهرجة ترتكز على الخصخصة، والأهم من ذلك كله على التقشف. وتبين أن خطة المملكة لتخفيض الإنفاق الحكومي كانت أشبه بدعوة للاضطراب الاجتماعي، خاصة أن الدعم الحكومي كان وفيرا، ومعظم الموظفين السعوديين يعملون لدى الحكومة. كان من جراء ذلك تقويض العقد المبرم بين آل سعود وعامة السعوديين: التحكم السياسي الصارم بمقاليد الأمور مقابل ضمان المعيشة.
لقد قدم بن سلمان للناس الاستعراضات بدلا من أن يقدم لهم الخبز. لا يتوقع أن يكون تعويضا كافيا فتح دور السينما وتنظيم الحفلات الموسيقية، التي لا يشارك فيها سوى الذكور. ما من شك في أن المقترحات الخاصة بالسماح بزيادة متواضعة في هامش الحريات الشخصية، بما في ذلك للنساء، أكثر جذبا، ولكن حتى هذه يستبعد أن تكون كافية.
ما لبثت الحكومة في شهر أبريل/ نيسان أن تراجعت فجأة عن قراراتها التقشفية السابقة وعادت إلى دفع البدلات والمكافآت، التي كانت قد خصمتها من العاملين في القطاع العام. وهذا الأسبوع، تم تحلية الناس بمناسبة ترقيته بإعادة البدلات بأثر رجعي، وكذلك من خلال تمديد عطلة عيد الفطر أسبوعا إضافيا.
ولكن ها هي أسعار النفط تتراجع من جديد. كما أشار المحللون إلى انخفاض حاد في الاحتياطيات الأجنبية، بما قيمته 36 مليار دولار خلال الشهور الأربعة الأولى من هذا العام.
لقد فتك الصراع في اليمن بالآلاف من المدنيين، وتسبب في انتشار المجاعة، ولا يبدو أن ثمة جدوى منه. هذا في الوقت الذي تتحدث فيه تقارير عن استنزاف الرياض التي تتكبد مليارات الدولارات كل شهر. كان ولي العهد الجديد (والذي كان حينها وزيرا للدفاع) هو الذي تزعم ذلك الاندفاع نحو الحرب، وقد أغرته في ذلك الخصومة الشديدة القائمة بين بلده وإيران.
وتجلت صقوريته تارة أخرى حينما تحدث علانية عن إيران، مشيرا إلى أن مزيدا من التصعيد معها وارد، ثم تجلت تارة أخرى هذا الشهر عندما بادر بفرض حصار على قطر أذهل المراقبين، فيما باتت أكبر أزمة دبلوماسية تعصف بمنطقة الخليج منذ سنين. ولعل السبب من وراء ذلك هو التعطش لمزيد من النفوذ في المنطقة والعلاقات الحميمية التي تربطه بولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد. لكن، يضاف إلى ذلك انعدام الحلم وقلة الخبرة.
والآن، أثبت والده هو الآخر انعدام الحلم لديه. لم يستطع الملك البالغ من العمر واحدا وثمانين عاما الانتظار طويلا لترتيب عملية تنصيب ابنه، وأراد تأمين خلافته له من بعده. كما عمل الملك على ضمان مكافأة أبنائه الأصغر سنا، حيث عين أحدهم في منصب سفير المملكة العربية السعودية في واشنطن.
في الماضي، لربما بادرت الولايات المتحدة إلى تشجيع الملك على التمهل، وعدم اتخاذ مثل تلك الإجراءات، خاصة أن ولي العهد الذي تم إقصاؤه كان يعدّ صديقا لأمريكا، فهو الذي قاد من خلال منصبه على رأس وزارة الداخلية جهود مكافحة الإرهاب لعدة سنوات. إلا أن البيت الأبيض قرر احتضان بديله الأصغر سنا ضمن جهوده لدعم الرياض في كل ما تفعل، سواء بسبب الرعونة والتهور، أو انطلاقا من الإقرار بالأمر الواقع.
أما الشعب السعودي، فيحصل بطبيعة الحال على ما يعطى له. في العادة يُنظر إلى الشباب المتعجل بحذر من قبل من يتقدمونهم في العمر. ولكن أعدادا أكبر بكثير من الناس، داخل المملكة وخارجها، لديهم هم أيضا ما يقلقهم.
المصدر: عربي 21