منذ إقرار ما سمي بـ “الحوار الوطني الشامل” في موريتانيا، السنة الماضية، حذف مجلس الشيوخ واستبداله بمجالس جهوية ضمن تعديلات بتحديث الدولة، ما فتئت العلاقة بين الحكومة والرئاسة من جهة و “الشيوخ” من جهة أخرى تشهد توترا كبيرا، وصل حد إقرار الأخير مقاطعة الحكومة بعد أن شكّل هيئة لمتابعتها.
قطع العلاقات مع الحكومة
في مؤشّر على تصعيد جديد مع الحكومة والرئيس أعلنت لجنة المتابعة لمجلس الشيوخ الموريتاني (الغرفة الثانية في البرلمان) أمس الخميس عن مقاطعة المجلس الذي يتمتّع الحزب الحاكم بالأغلبية فيه، لجميع الاتصالات بالحكومة فيما يخص الأعمال التشريعية، وذلك ضمن جلسة استعرضت خلالها مجريات الأوضاع في المرحلة السابقة مع تقييم النتائج المترتبة على الإجراءات المتخذة في ضوء المهمة المسندة للجنة من قبل المجلس.
توترت العلاقة بين الحكومة والرئاسة ومجلس الشيوخ عقب إسقاط المجلس لتعديلات دستورية رغم إقرار تلك التعديلات من الجمعية الوطنية
وأكد بيان للجنة أن “مقاطعة الحكومة وتعليق العمل التشريعي سيتواصلان إلى حين محاسبة وزير التعليم سيدي ولد سالم على الإساءات في حق المشرعين الموريتانيين ممثلين في أعضاء مجلس الشيوخ، وامتثال جهاز الدرك الوطني للقرار الصادر عن مجلس الشيوخ بالإيقاف التام للمتابعة في حق الشيخ محمد ولد غده، وذلك عبر إعادة كل المحجوزات التي ما زال الدرك يرفض تسليمها للشيخ الموقر، بما في ذلك السيارة والهاتف، في خرق وتحد سافرين لقرار مجلس الشيوخ بهذا الخصوص”.
الأزمة بين الطرفين بدأت برفض مجلس الشيوخ للتعديلات الدستورية
وقبل ذلك تعمد المجلس عدم استقبال وزير الاقتصاد والمالية، المختار ولد اجاي، لنقاش ثلاثة مشاريع قوانين تتضمن التسوية النهائية لميزانيات سنوات 2007، 2008 و2009، كما أصدر مكتب المجلس تعليماته بعدم بالسماح لمدير العلاقات مع البرلمان بوزارة العلاقات مع البرلمان والمجتمع المدني من دخول مبنى المجلس. وتوترت العلاقة بين الحكومة والرئاسة ومجلس الشيوخ عقب إسقاط المجلس لتعديلات دستورية رغم إقرار تلك التعديلات من الجمعية الوطنية (الغرفة الأولى في البرلمان)، قبل أن يعلن رئيس البلاد محمد ولد عبد العزيز، أنه سيعرض التعديلات على استفتاء شعبي لتمريرها وأنه لم “يترك 33 شيخا يختطفون البلد”، الأمر الذي رفضه المجلس أيضا.
لجان تحقيق تستهدف السلطة التنفيذية ونجل الرئيس
إلى جانب مقاطعة الحكومة، كشف المجلس في بيانه عن “فتح تحقيق في إنفاق ما يسمى اللجنة المستقلة للانتخابات ما يناهز الملياري أوقية من أموال الشعب رغم انتهاء صلاحيتها واستحالة التجديد لها، فضلاً عن كون المسار الانتخابي المتعلق بالاستفتاء لاغياً دستوريا وغير مبرر سياسيا ولا يخدم السلم والاستقرار ولا تعزيز الديمقراطية»، حسب تعبير المجلس.
في ذات السياق، اعتمد مجلس الرؤساء في مجلس الشيوخ مؤخراً توجيه سؤال شفهي مشفوع بالنقاش، لرئيس الوزراء يحيى ولد حدمين حول نشاط قبلي غير مسبوق له في مهرجانات ومبادرات سياسية. وشكل المجلس لجنة تحقيق في الصفقات العمومية، وبخاصة طرق إبرام صفقات التراضي، واعتمد مؤتمر الرؤساء في مجلس الشيوخ كذلك لجنة تحقيق برلمانية حول مصادر تمويل هيئة الرحمة الخيرية التي يديرها بدر ولد عبد العزيز نجل الرئيس الموريتاني.
بدأ اجراءات التصدّي للاستفتاء
في غضون ذلك قال عضو مجلس الشيوخ الموريتاني القطب ولد محمد، إن لجنة من مجلس الشيوخ تضم شيوخا من الموالاة والمعارضة بدأت بعض الإجراءات العملية لمنع ما سماه محاولات الحكومة “العبث بدستور البلاد”. وشكل مجلس الشيوخ الموريتاني قبل أشهر لجنة سماها “لجنة الأزمة”، عهِد إليها باتخاذ إجراءات لمنع الحكومة الموريتانية من عرض التعديلات الدستورية على الاستفتاء الشعبي. وقال ولد محمد، اليوم الخميس، إن اللجنة ستتخذ خطوات بينها الطعن لدى المجلس الدستوري بشأن دستورية الاستفتاء، الذي تعتزم الحكومة تنظيمه في 5 أغسطس المقبل، ولفت إلى أن اللجنة بدأت اتصالات بعدد من برلمانات العالم لاطلاعهم على ما قال إنها محاولات “للعبث بالدستور الموريتاني”.
رفض شعبي وحزبي باستثناء المولاة للتعديلات الدستورية
ووصف البرلماني الموريتاني، إصرار الحكومة على عرض التعديلات الدستورية على الاستفتاء الشعبي بأنه “انقلاب على دستور البلاد”، فيما تقول الحكومة أن التعديلات الدستورية المقترحة جاءت نتيجة حوار سياسي شاركت فيه قوى سياسية فاعلة في البلاد، وأنها ستسهم في تعزيز ديمقراطية البلد ودعم التنمية. وتتضمن التعديلات الدستورية المقترحة، إلغاء “محكمة العدل السامية” المعنية بمحاكمة الرئيس وأعضاء الحكومة، وإنشاء مجالس جهوية للتنمية، وتوسيع النسبية في الانتخابات العامة، وتغيير العلم الوطني، وإلغاء مجلس الشيوخ، بينما لا تتضمن التمديد لولاية ثالثة لرئيس البلاد.
المعارضة إلى جانب “الشيوخ”
بدورها اصطفّت أحزاب المعارضة إلى جان مجلس الشيوخ، حيث وصف المنتدى الوطني للديمقراطية والوحدة (تحالف معارضة)، أمس الخميس، إجراءات مجلس الشيوخ الموريتاني لمنع الحكومة من تعديل دستور البلاد بـ “الخطوات الجريئة”. وقال المنتدى في بيان، إن “خطوات مجلس الشيوخ الموريتاني في معركته الحالية مع الحكومة لمنع تعديل دستور البلاد جريئة”. وأشاد المنتدى بمراسلة مجلس الشيوخ لعدد من برلمانات دول العالم بشأن “المخاطر التي تتعرض لها التجربة الديمقراطية بموريتانيا”.