في 21 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، استشهدت الشابة الفلسطينية ديما الحاج (29 عامًا) في قطاع غزة، مع طفلها (6 أشهر) وزوجها وشقيقَيها، ضمن أكثر من 50 شخصًا من أسرتها ومحيطها لقوا المصير نفسه، ولولا ظروف عملها في منظمة الصحة العالمية، ونعي مدير المنظمة، تيدروس غيبريسوس، لها، لما سمع العالم بها، كأسماء آلاف الفلسطينيين الذين قضوا نتيجة العدوان الإسرائيلي المسعور.
قبل استشهادها، حرصت ديما على الانتقال إلى جنوب غزة حيث منزل والديها طلبًا للأمان، لكن المقاتلات الجوية الإسرائيلية وضعت حدًّا لأمنيتها المشروعة، بعدما تسبّبت الغارات الانتقامية للاحتلال في تحويل جثة ديما إلى رقم، وسط جثث ضحايا المجازر الجماعية (أكثر من 1500 مجزرة) التي أسفرت عن حوالي 20 ألف شهيد و50 ألف مصاب، وفق المكتب الإعلامي الحكومي بغزة وجهات أخرى.
مأساة ديما وأسرتها ومحيطها تكررت كثيرًا في غزة منذ 8 أكتوبر/ تشرين الأول وحتى الآن، لا سيما في الجزء الشمالي من القطاع نتيجة القصف الإسرائيلي العشوائي للمناطق المأهولة (المنازل والمدارس والمستشفيات والمساجد والكنائس والمرافق الخدمية)، مع سلسلة من الانتهاكات الجسيمة التي تتعرض لها جميع الفئات العمرية، عبر الغارات الجوية وقذائف المدفعية التي تحصد البشر والشجر والمؤسسات.
في ضوء جبروت العدوان الإسرائيلي، لم يعد الحديث عن أعداد الشهداء يشغل أهالي القطاع، نتيجة تكرار المجازر الجماعية التي تقوم بها القوات الإسرائيلية، حيث تتراوح الأعداد اليومية للضحايا في الحي الواحد بين 25 و60 شخصًا، وقد يرتفع العدد طبقًا لكثافة الغارات والقصف، والأسلحة والذخائر المستخدمة، وعليه لم يعد غريبًا أن يبادر ذوي الضحايا بحفر مقابر جماعية لدفن شهداء غزة.
مقابر جماعية
تشكّل أزمة الجثث في حالات الكوارث البشرية والطبيعية أحد أهم التحديات التي تفرض نفسها على المؤسسات البيئية محليًّا ودوليًّا، بحكم ما تشكّله من مخاطر صحية تترتّب عن التعامل غير السليم مع الجثث (بروتوكولات التحضير والتخلص منها بشكل آمن)، حتى لا تتحلل وتتعفن وبالتالي تؤدي إلى انتشار الأمراض.
تختلف الآراء في التعامل مع جثث الضحايا، حيث يقترح البعض دفنها في مقابر جماعية، كون تخصيص الأموال لعمليات وخامات التطهير والدفن الفردي مكلفًا جدًّا، ويجب توجيهه لتوفير الخدمات الضرورية للمتضررين من الأحياء (المياه والطاقة والسكن والطعام والصرف الصحي)، خاصة أن جثث ضحايا النزاعات المسلحة لا تشكّل مخاطر صحية، كجثث ضحايا الأمراض الوبائية.
يفرض الكمّ الضخم من الجثث اللجوء إلى المقابر الجماعية كحل عملي، وكثيرًا ما يرتبط هذا النوع من المقابر بجرائم الإبادة الجماعية، أو الكوارث الطبيعية الكبرى.
والإبادة الجماعية مصطلح يطلق على الممارسات التي تهدف إلى تدمير جماعة وطنية أو إثنية أو عرقية أو دينية، كليًّا أو جزئيًّا، عبر التنوع في الأفعال التي تستهدف إلحاق الأضرار الجماعية بأوضاعها، نهايةً بالعمل على قتل أفرادها. وتصنَّف الإبادة الجماعية ضمن الجرائم ضد الإنسانية، كونها جرائم حرب وتنتهك القانون الإنساني الدولي (قوانين الحرب أو أعرافها المحددة في اتفاقيات جنيف ولاهاي).
وبسبب العدوان الإسرائيلي الغاشم، تعرضت أحياء كاملة في غزة للإزالة الجغرافية- الديموغرافية، وأصبح من الطبيعي أن تبادر عربات نقل متوسطة وكبيرة الحجم بحمل عشرات الجثث الملفوفة في أكياس زرقاء وبيضاء إلى مقابر جماعية، بعدما ضيّقت قوات الاحتلال الخناق على مناطق شمال ووسط القطاع، لإجبار الفلسطينيين على النزوح إلى جنوبه.
ورغم مزاعم الاحتلال الإسرائيلي بأن مناطق الجنوب آمنة، لكن النطاق المتخم بأهالي القطاع أصبح هو الآخر بيئة طبيعية للموت متعدد الأشكال، بسبب الغارات الجوية والأوضاع المعيشية والصحية الكارثية، بما يتعارض مع معايير عمليات الاستجابة للكوارث الطبيعية والبشرية، خاصة ضرورات التعامل مع أجساد الموتى التي لا تقل أهمية عن عمليات الإنقاذ ورعاية الناجين.
بيئة الموت
وحتى الآن يودي القصف المكثَّف بحياة مئات الفلسطينيين يوميًّا في غزة، وتشير معلومات إلى أنه خلال الـ 20 عامًا الماضية نفّذت “إسرائيل” 6 عمليات عسكرية كبرى، أسفرت عن استشهاد أكثر من 30 ألف شخص معظمهم في الحرب الحالية، ضمن سياسات التطهير العرقي والإبادة الجماعية والحكم الاستيطاني التي تتحدى كل المعايير والأعراف والتشريعات الدولية.
وسواء خلال الحرب الغاشمة حاليًّا وما سبقها، تتعمّد قوات الاحتلال الإسرائيلية العقاب الجماعي للفلسطينيين، وهي الممارسات التي أصبحت أكثر إجرامًا منذ توسع الاحتلال العسكري بعد 5 يونيو/ حزيران 1967، من خلال تعمُّد هدم المنازل والتجويع الجماعي والترحيل القسري، وهي ما يعتبره النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية بمثابة جريمة حرب.
رغم أن القانون الدولي الإنساني يحثّ أطراف النزاع على التمييز بين المدنيين الذين توفر لهم الحماية، والمقاتلين الذين هم أهداف مشروعة للهجوم، تتعمّد قوات الاحتلال الإسرائيلية خلال الـ 70 يومًا الأخيرة (أطول حرب تخوضها “إسرائيل”) ترك الناجين مصابين أو مشوهين، والتوسع في عمليات قتل المدنيين وترك الجثث تحت الأنقاض، رغم ما تقتضيه الأعراف من سرعة إدارة ملف الجثث.
مأساة غزة
أمام مأساة غزة تتعدد المقابر الجماعية في القطاع، بعدما أصبحت الأوضاع الميدانية الضاغطة (كثافة الغارات الجوية الإسرائيلية التي تطال أحياء كاملة في القطاع، وتفاقم أعداد الضحايا) عائقًا أمام الدفن الفردي للجثث، حيث قد لا يوجد الكفن التقليدي، ومن ثم يتم وضع معظمها في أكياس، وفي حالة عدم تيسّرها بسبب أوضاع الحصار يتم لفّها بمفروشات منزلية ودفنها.
تتعدد المقابر الجماعية التي يتم دفن شهداء القطاع بها، بداية من محافظة شمال غزة التي تضم عدة تجمّعات سكانية (جباليا وبيت لاهيا وبيت حانون)، ومحافظة غزة (مدينة الزهراء ومخيم الشاطئ ومدينة المغراقة)، والوسطى أو كما تسمّى دير البلح التي تضمّ مدن المغازي ودير البلح والزوايدة والنصيرات ووادي السلقا، فضلًا عن محافظتَي خان يونس ورفح الواقعة في الجزء الجنوبي لقطاع غزة.
ويؤكد المكتب الإعلامي الحكومي في قطاع غزة، أن “المقابر العادية في القطاع باتت لا تستوعب جثث الضحايا، وأنه تم اللجوء لإنشاء مقابر جماعية بهدف استيعاب المزيد من جثث الشهداء”، وأوضح رئيس المكتب، سلامة معروف، أنه “تم دفن الكثير من الجثث مجهولة الهوية في مقابر جماعية في غزة”.
المقابر متخمة
يأتي هذا رغم أن كل محافظات قطاع غزة الأربعة خصّصت قطعة أرض فضاء، حتى يتم دفن جثث الشهداء بها بشكل جماعي، لكن المقابر أصبحت لا تستوعب المزيد من الأعداد، لذا يحوّل أهالي غزة المزيد من مواقع الفضاء بما فيها الأسواق والملاعب وخلافه، إلى مقابر جماعية، من بينها مبادرة إدارة المستشفى الإندونيسي (شمالي غزة) في تحويل ساحة ملعب كرة قدم رملي إلى مقبرة جماعية لدفن الضحايا.
ويتم دفن مجهولى الهوية في المقبرة التي خصّصتها المستشفى بعد تكدُّس الجثث في ثلاجات حفظ الموتى فيها، والأمر نفسه في محيط مستشفى الشفاء، فيما يؤكد الدفاع المدني في القطاع أن “كل موقع في غزة بات مرشحًا لأن يكون مقبرة جماعية، بعد امتلاء المقابر الجماعية الـ 5 التي أقامتها الجهات الصحية في المحافظات، ولم تعد قادرة على استيعاب المزيد من الشهداء”.
تحظر قوات الاحتلال الإسرائيلية انتشال الجثث، خاصة في شمال وشرق غزة، ويتم إجبار فرق الإنقاذ والدفاع المدني على عدم دخول هذه المناطق بدعوى أنها “مناطق عسكرية”، كما تعيق الغارات الجوية التي ينفّذها الاحتلال سكان القطاع أحيانًا من دفن بعض الشهداء، ويصبح العالقون تحت الأنقاض بمرور الوقت في تعداد الوفيات، نتيجة عدم المبادرة بتقييم حالتهم الصحية وسرعة إسعافهم.
أمام هذه الأجواء الدموية الدرامية المترتبة عن مواصلة آلة الحرب الإسرائيلية، يتسع نطاق الخوف داخل قطاع غزة من النتائج المترتبة عن ترك جثث شهداء، وبعض الذين قضوا تحت الأنقاض دون استيعابها حتى في مقابر جماعية، ويسود القلق صحيًّا وبيئيًّا بسبب تداعيات تحلل هذه الجثث، جنبًا إلى جنب مع تكدس النفايات واحتمالات نشرها للأمراض والأوبئة.
ظروف ضاغطة
وأعلن رئيس اتحاد لجان الإغاثة الطبية الفلسطينية، مصطفى البرغوثي، عن إصابة أكثر من 350 ألف شخص بحالات عدوى (معظمها تنفسية وباطنية نتيجة تلوث المياه)، فيما يكمن المأزق الآخر بحسب مصادر “نون بوست” في أن الفرق المتخصصة في قطاع غزة لم تكن مدرّبة على التعامل مع كل هذا الكمّ الضخم من ضحايا العدوان الإسرائيلي.
وبسبب حالات التشوه التي باتت سمة لمئات الجثث الفلسطينية يوميًّا، نتيجة العدوان الإسرائيلي، وعدم استيعاب مقابر القطاع التقليدية لها، باتت عمليات دفن الموتى وطقوسها تشكّل أزمة كبرى في غزة، فيما تثير أزمة الدفن غير الشرعي للجثث أزمة أخرى بحكم الأجواء الضاغطة، ومن ثم لا توجد اشتراطات للدفن الجماعي، كالفصل بين جثث الرجال والنساء وغيرها من اعتبارات شرعية عادة ما يؤخذ بها.
وتواجه الفرق محدودة الإمكانات اللوجستية صعوبةً كبيرةً نتيجة عدم تواصل وسائل المساعدة في التعامل مع آلاف الجثث، حتى تنفذ المعايير التي وضعتها اللجنة الدولية للصليب الأحمر لتجنُّب المخاطر الصحية الفعلية التي تشكّلها الجثث، وبحسب اللجنة الدولية هناك كيفية لحفظ الجثث واستردادها، وأساليب تحديد الهوية والحفظ الطويل المدى.
خطوط عريضة
ووفق الدليل الميداني للجنة الدولية للصليب، هناك خطوط عريضة للتعامل مع جثث الموتى في الحالات الكارثية، حيث ينصح من يعملون في الدفاع المدني والإسعاف بارتداء القفازات والالتزام بشروط الصحة الأساسية، وفي بعض الأحوال ارتداء أقنعة الوجه، مع أهمية تحديد هوية الضحايا (جمع معلومات أساسية عنهم وأخذ صور فوتوغرافية)، لكن الواقع المرّ في القطاع لا يسمح بمثل هذه الإجراءات.
ويرى الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر ومنظمة الصحة العالمية، أن سوء إدارة هذه الجثث يسبّب اضطرابات نفسية طويلة الأمد لأفراد العائلات، ومشكلات اجتماعية وقانونية، وأنه يجب قدر الإمكان استخدام مقابر فردية موثَّقة بشكل جيد ويسهل تعقب مكان وجودها، وتكون في مواقع دفن محددة بعلامات واضحة.
الدفن بهذه المعايير يسمح بمعرفة الموقع المحدد لكل جثة، والمعلومات والمقتنيات الشخصية المرتبطة بالجثة، فضلًا عن مراعاة الاعتبارات الثقافية والدينية في التعامل مع الجثث، ويشكّك الاتحاد في مسؤولية وفيات الكوارث أو النزاعات المسلحة في تهديد الصحة العامة غالبًا، ما يعني “ضرورة التعامل السليم مع جثث الموتى، لتأثيرها العميق وطويل الأجل على الراحة النفسية للناجين والمجتمعات”.
وتنصح اللجنة الدولية للصليب الأحمر بأن تكون المقابر الجماعية على بُعد 30 مترًا على الأقل من مصادر المياه الجوفية المستخدمة في مياه الشرب، كما يجب أن تكون أرضيات القبور على الأقل 1.5 متر فوق منسوب المياه الجوفية، كما تنصح بتجنُّب حرق الأجساد المجهولة لعدم وجود فوائد صحية لهذه الممارسة، بل تفضّل الدفن في حالات الطوارئ، إلا إذا كان هناك أسباب دينية أو ثقافية لتبنّي مسار آخر.
قلق متزايد
رغم حجم الخسائر البشرية وكثرة الجثث في قطاع غزة، فإن تأكيدات سابقة للباحث الفخري في معهد لندن لعلم الصحة والطب الاستوائي المشارك في وضع الدليل الميداني للجنة الدولية للصليب، أوليفر مورغن، تبدد “الاعتقاد الخاطئ” حول القلق من تداعيات جثث الموتى وإمكانية تهديدها للصحة العامة، وفق ما يردده البعض من معلومات غير دقيقة حول هذا الملف.
يؤكد مورغن أن “معظم الأجسام المعدية -السل والالتهاب الكبدي والإيدز- لا تظل حية بعد 6 أيام في الجسم الميت، لكن يجب على الفرق القائمة على الدفن تجنُّب الإصابة بهذه الأمراض”، وفي المقابل، إن الجثث المصابة بأمراض الكوليرا والتيفود والطاعون والإيبولا والكوليرا وماربورغ (من فصيلة الإيبولا، يسبّب الحمى النزفية بنسبة وفاة تصل إلى 88%) تستلزم التخلص السليم من الجثث.
وترى الأمينة العامة لمنظمة العفو الدولية، آغنيس كالامارد، وفق تقرير سابق قدمته للأمم المتحدة حول تقييمها للمقابر الجماعية، أن “الطريقة التي يتم التعامل بها مع العديد من مواقع القتل والمقابر الجماعية مزرية. فمنها ما يترك غير معترف به، أو لا تحظى بالحماية أو الصيانة المطلوبة، وهو ما يجعلها عرضة للتدنيس والتدمير”، وهو رأي يجدد تسليط الضوء على هذا الملف عالميًّا.
تجاهل إسرائيلي
وضمن حفظ الكرامة الإنسانية، يمنح القانون الدولي حق كل طرف من الأطراف المتحاربة فرصة سحب قتلاه، والعكس يعدّ جريمة قانونية أخلاقية، حتى لا يتم ترك الجثث لتتعفن وتتحلل حال عدم دفنها، خاصة في حالات القصف الجوي التي تسبّب التشوه أو التعفن والتحلل، ومن ثم يجب الإسراع بالدفن وتجاوز المراسم التقليدية وطقوس الحداد وإقامة الفعاليات الدينية، كما في الأجواء الطبيعية.
وتنصّ اتفاقيات جنيف (من عام 1864 حتى عام 1949) على وجوب دفن الموتى وفقًا لطقوس ديانتهم، لكن “إسرائيل” تتنكّر لاتفاقيات جنيف التي تنصح بضرورة قيام الأطراف المتحاربة بكفالة الكرامة للموتى، بل الحيلولة دون نهب الجثث وتدنيسها، وفعل كل ما في وسعها للبحث عن الموتى وجمع جثثهم وتوثيقها وتحديد هوية أصحابها حيثما أمكن.
أبعاد خاصة
يظل التعامل مع ملف جثث العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة محل جدل صحي وبيئي وقانوني وديني وإنساني بسبب الدفن الجماعي، حتى مع صعوبة إخلاء رفات الموتى، وتوثيق حالات القتل في العمليات العسكرية، حيث إسلاميًّا يعدّ دفن الموتى فرض كفاية على المجتمع، وعندما تستحيل إعادتهم من ميدان القتال إلى ذويهم، يمكن دفنهم في مقابر جماعية، استثناءً، حمايةً واحترامًا لكرامة الموتى بطريقة لائقة.
وبخصوص المقابر الجماعية، فإن الأصل فيها هو الدفن المنفرد وضرورة الفصل بين الرجال والنساء والاستثناء (الذي قد يكون دون شواهد/ أسماء)، والفصل يكون بحاجز ترابي بين النساء والرجال، هذا فيما يتعلق بضحايا النزاعات المسلحة وحالات العنف الأخرى أو الكوارث الطبيعية، خاصة إذا كانت الضحايا من العائلة نفسها.
وفي حالة الشعب الفلسطيني الذين يواجه قوات الاحتلال، فهذا يطلق عليه ضحايا قتال البغاة، وهي منزلة تجعلهم أقرب إلى حالة الشهداء، حيث لا تُغسل الجثث، ولا تقام لهم صلاة الجنازة، وفيما يتعلق بدفن جثث العدو (إذا لم يبادر جيشها بذلك)، فإن الإسلام يلزم بدفنها حتى لا تتحلل أو تكون عرضة للحيوانات والطيور، ما يعدّ تمثيلًا بالموتى وهو محرّم شرعًا.
تضامن.. ولكن
إذًا، لم تكن الممثلة الأمريكية أنجلينا جولي، المبعوثة الخاصة السابقة لمفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، تبالغ عندما حذّرت من تحول قطاع غزة إلى مقبرة جماعية، بعد أن كان سجنًا مفتوحًا على مدى نحو عقدَين من الزمن، بسبب التواطؤ الدولي في الجرائم التي تُرتكب بحقّ المدنيين في غزة، عبر التلكُّؤ في وقف إطلاق النار الإنساني.
الموقف نفسه يؤكده الهلال الأحمر في قطاع غزة، نتيجة انهيار القطاع الصحي بسبب الاستهداف وانقطاع الكهرباء ونفاد الوقود، ومع تزايد أعداد الشهداء داخل القطاع، الذي يعاني كارثة إنسانية وفقًا لمنظمة الصحة العالمية، تتواصل عمليات الدفن العشوائي للجثث في مقابر جماعية متفرقة، وسط توقعات بأن تزداد أعداد الوفيات شتاءً، نتيجة الأجواء المعيشية القاسية لحوالي مليون و900 ألف شخص.
وفيما تتواصل تحذيرات وكيل الأمين العام للأمم المتحدة ومنسق الأمم المتحدة للإغاثة الطارئة، مارتن غريفيث، من تداعيات ما يتعرض له القطاع (نفاد كل الخدمات الأساسية وانقطاع الكهرباء والمياه والغذاء والدواء) بسبب الحرب الإسرائيلية على غزة، فإن شبح الموت يطارد ما تبقّى من إجمالي عدد سكانه (2.5 مليون نسمة)، فيما تستمر “إسرائيل” في تحدي كل القيم وإخراج لسانها للمنظمات الدولية.
يحدث هذا رغم أن عُمر المؤسسات الدولية المعنية بحفظ الأمن والسلم الدوليَّين يقارب الـ 100 عام من الممارسة والخبرة، فيما لا تزال آليات تنفيذ المقررات الدولية في حاجة إلى رؤية جديدة تعزز تفعيلها وحماية الأمن الجماعي عالميًّا، بعدما تعددت مصادر التهديد، من صراعات مسلحة وحروب أهلية وأخطار بيئية وأمراض معدية والجريمة المنظمة والفقر.