غير بعيد عن تونس العاصمة على ساحل البحر الأبيض المتوسط، بسطت مدينة سوسة ذراعيها لاستقبال زوارها القادمين من كل أصقاع العالم، لتعرّف تاريخها الموغل في الحضارات وجمال عمرانها وطبيعتها الخلابة والتمتع بهدوئها.
رائحة المدن تأخذكم في جولتها الأسبوعية لمدن المغرب العربي، إلى واحدة من أجمل المدن المتوسطية، جوهرة الساحل، سوسة التونسية، حيث الزرقة التي استمدتها من معانقة البحر والخضرة التي أخذتها من أشجار الزيتون الممتدة والتاريخ والعمارة التي مزجت بين العصري والتقليدي لتجسد حضارة المنطقة.
طبيعة غناء تجمع بين البحر والسهل والمناخ المعتدل
“أرأيت سوسة والأصيل يلفها، في حلّة نسجت من الأضواء، أما أنا فلقد أخذت بسحرها، لما وقفــت هنـاك ذات مســـاء، البحرُ يبدو من أمامـي موغـلاً في الأفق، والجبل الأشمُّ ورائي، والشمسُ تسكب في الغروب أشعةً حمراء فـوق اللجة الزرقـاء”، بهذه الكلمات تغنى الشاعر المصري محمد علي أحمد بمدينة سوسة عقب عودته منها بصحبة زملاء له سنة 1953، من خلال هذه الأبيات عبر الشاعر عن غرامه بالمدينة التي “نامت على البحر الجميل كظبية مذعورة هربت من الصحراء، عذراء في يوم الزفاف تهيأت للعرس وانتظرت على استحياء”.
يحيط بهذا البحر الدافئ والفنادق ذات الخدمة السريعة والمتميزة إلى جانب عمران المدينة، غابات كثيفة وبساتين ساحلية
بمناخها المعتدل الذي يشجع على القيام بكل الأنشطة فيها تشتهر المدينة، مناخ متوسطي معتدل، حار وجاف صيفًا مصحوبًا بنسمات عليلة مما يسمح بالسباحة حتى شهر نوفمبر، إذ تسجل الحرارة من مايو حتى منتصف أكتوبر نحو 30 درجة مئوية، لتكون هذه الفترة أجمل فترات السباحة في بحر سوسة، بحر أزرق صاف تحلو السباحة فيه، ولك أن تركب فوق ظهر مركب صغير في جولة بحرية تطوف حول الشاطئ الجميل ومناظره الخلابة التي تجعلك تصعد بمخيلتك إلى السماء لتعانق سحره، وتغفو للحظات تغيب فيها عن العالم الدنياوي.
شواطئ سوسة تسحر القلوب والعقول
ويحيط بهذا البحر الدافئ والفنادق ذات الخدمة السريعة والمتميزة إلى جانب عمران المدينة، غابات كثيفة وبساتين ساحلية تنتشر على طولها أشجار الزيتون والحمضيات في جمال فتان، فتزيد هذه الكنوز الطبيعية من روعة المدينة، ويرى زوار سوسة في هذه الأشجار الطيبة جمال الطبيعة وسحرها.
“القنطاوي” روح الحضارة ورهان السياحة
إضافة إلى جمالها الطبيعي، زادها جمال فنادقها جمال على جمالها، وتعتبر سوسة مدينة الفنادق لكثرة النزل السياحية فيها، حيث توجد في سوسة أكثر من 100 وحدة سياحية، ومن أبرزها المركب السياحي المندمج “القنطاوي” في ضاحيتها الشمالية، بمينائه ومنتزهاته وحيه التجاري وأسواقه التقليدية، إضافة إلى ملاعب التنس والصولجان ونوادي التزلج على الماء والغوص في أعماق البحر.
مركب سياحي يعد من أهم وأفضل المنتجعات السياحية في منطقة حوض البحر الأبيض المتوسط، حيث يضم العشرات من الفنادق الراقية ذات الطراز الهندسي والمعماري العربي والأوروبي، ويتوسطه ميناء ترفيهي يستقبل عشرات اليخوت والسفن الخاصة على مدار السنة.
مرسى القنطاوي السياحي
هناك في مرسى القنطاوي حيث المطاعم والمراكب البحرية الراقية لمن يطلب الترفيه والراحة والاستجمام، لك أن تتجول وتسبح وتنزل قاع البحر بالغواصة أو رحلة بحرية لمدة ساعتين، ولك كذلك أن تمارس رياضتك المفضلة، رياضة الغولف في مساره الذي يمتد على حديقة تمسح 103 هكتارات، ويستقبل هذا المركب سنويًا مئات الآلاف من السياح من جميع أنحاء العالم، حيث يستمتعون بجمال فنادقه وجمال بحره ومغامراته البحرية.
انسجام بديع بين ماضي عريق وحاضر بهيج
جمالها ليس وليد اللحظة، فالمدينة تجمع في انسجام بديع بين ماضٍ عريق وحاضر بهيج، فهي بيضاء ببنائها، وخضراء بحدائقها الحافلة بمختلف أنواع الورد، وغنية بآثارها الرومانية والإسلامية التي نجدها هنا وهناك، أطلق عليها الفينيقيون الذين أسسوا أركانها لتكون محطة رسو لسفنهم اسم “حضرموت”، فيما سمها الرومان مدينة “جوستينا” نسبة للإمبراطور الروماني جوستنيان الذي حكمها، وأطلق عليها العرب والأمازيغ “سوسة المحروسة”، ويلقبها التونسيون الآن “جوهرة الساحل”، وما بين الاسمين قرون كثيرة راكمت المدينة على مداها تراثًا ثريًا تحفل به المدينة العتيقة والسور الروماني المطوق لها، والذي ناف عمره على أكثر من ألفي سنة ظل فيها شاهدًا على توالي الحقب وتداول الأيام بين الناس.
في سوسة لا يكاد الزائر يشعر بمرور الوقت، فمواقعها الأثرية الجميلة تنسيه سطوته
هذه الحضارات التي تعاقبت على المدينة، تجد أثرها في المدينة العتيقة التي تروي لك أبنيتها القديمة وأسواقها الشعبية ومتحفها الأثري الذي يحتوي على مجموعة كبيرة من اللوحات الفسيفسائية النفيسة، كيف تعايشت سوسة المحروسة مع الحضارات الفينيقية والرومانية والمسيحية، وصولًا إلى الحقبة الإسلامية ماثلة في الجامع الكبير الواقف بشموخ في وسط المدينة منذ تأسيسه في عهد حكم الأغالبة في عام 859 ميلاديًا، ورباط سوسة الشهير بإطلالته البحرية في نسخته الإسلامية منذ منتصف القرن الثالث الهجري.
رباط سوسة
وعند زيارتك لجوهرة الساحل لا تفوت فرصة شراء بعض الهدايا التقليدية المصنوعة من الخشب، الجلد، النحاس، الصوف، الخزف ذات الأسعار المناسبة، إضافة إلى المصوغات والحلي التي تسحر عينيك وتشدك إليها عبر بريقها ودقة صنعها.
في سوسة لا يكاد الزائر يشعر بمرور الوقت، فمواقعها الأثرية الجميلة التي تجد فيها عبق الأمس وأريج اليوم، وطبيعتها التي حباها الخالق كل صنوف السحر والجمال، من بحر أزرق دافئ وشواطئ صفراء ذهبية ومناخ معتدل حلو تنسيه سطوته.