تبدو ذكرى انطلاقة حركة المقاومة الإسلامية “حماس” عام 2023 مختلفة عن جميع الأعوام السابقة، بالنسبة إلى الحركة التي تأسست من قطاع غزة عام 1987 على يد مجموعة من الأشخاص، كان من أبرزهم الشيخ القعيد أحمد ياسين الذي اغتاله الاحتلال عام 2003.
وتأتي هذه الذكرى في خضمّ معركة عسكرية ضارية تخوضها الحركة هي الأكبر في تاريخها، في ضوء عملية “طوفان الأقصى” التي انطلقت في 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، والتي أطلق الاحتلال في مقابلها عملية مضادة أسماها “السيوف الحديدية”.
وتشكّل هذه المواجهة بالنسبة إلى الحركة اختبارًا من أصعب الاختبارات التي واجهته في تاريخ سنوات تأسيسها منذ العام 1987، في ظل الإعلان الإسرائيلي الصريح عن هدف المعركة، وهو القضاء على حماس واغتيال قيادتها في الخارج والداخل، وإسقاط حكمها في غزة.
في الوقت ذاته، من بين التحديات هو التبنّي الدولي الصريح وحالة العداء من قبل النظام الدولي، ممثلًا بالولايات المتحدة والغرب، تجاه الحركة، وإعلان وضع عدد من قادة الحركة على قوائم الإرهاب، مثل محمد الضيف ومروان عيسى ويحيى السنوار.
فضلًا عن الواقع المعقّد الذي تعيشه الحركة في العلاقة مع الإقليم العربي، في ظل اعتبار الكثير من الدول أنها امتداد لجماعة الإخوان المسلمين المحظورة في مصر، والتي تواجه أزمات في دول عربية أخرى، وبالتالي إن الحركة تعيش حالة من المخاض الصعب والعسير.
تأسيس الحركة.. كيف تأسست حماس؟
تأسست حماس، وهي اختصار لـ”حركة المقاومة الإسلامية”، عام 1987 خلال الانتفاضة الفلسطينية الأولى، على يد الشيخ أحمد ياسين، بعدما اتفق مع مجموعة من قادة العمل الإسلامي في قطاع غزة على تكوين تنظيم يحارب الاحتلال.
وتحظى الحركة بدعم إيراني، وتتبنّى فكر جماعة الإخوان المسلمين التي تأسست في مصر خلال عشرينيات القرن الماضي، وفي البداية انتهجت مبدأ المقاومة اللاعنفية، حتى إن أحد قادتها اقترح حلًّا سلميًّا عام 1988، لكن مع تزايد استخدام العنف من قِبل الاحتلال خلال الانتفاضة الأولى، لا سيما ضدّ ياسين نفسه، لم تعد السلمية نهجًا تتبعه حركة حماس.
ففي أغسطس/ آب 1988، دهمت قوات الاحتلال منزل أحمد ياسين وفتشته، قبل أن يُعتقل في مايو/ أيار 1989 مع أعضاء حركة حماس، بعدما قتلت حماس جنديَّين إسرائيليَّين.
مع نهاية العام 1991، صدر حكم بسجن ياسين مدى الحياة مع 15 سنة إضافية، بتهمة التحريض على خطف جنود وقتلهم، وتأسيس حركة حماس، ثم حاولت كتائب القسام، الذراع العسكرية للحركة، الإفراج عن الشيخ ياسين وبعض المعتقلين الآخرين، عن طريق خطف جندي إسرائيلي قرب القدس عام 1992.
لكن سلطات الاحتلال رفضت مبادلته نظير الإفراج عن ياسين ورفاقه، وشنّت هجومًا على مكان احتجاز جنديها أدّى إلى مقتله، لاحقًا وإثر محاولة اغتيال فاشلة نفّذها الموساد في عمّان بحقّ رئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل عام 1997، ألقت السلطات الأردنية القبض على اثنين من عملاء الموساد، ووافقت “إسرائيل” على تسلّمهما مقابل إطلاق سراح الشيخ أحمد ياسين.
تعرّف حماس عن نفسها بأنها “حركة تحرّر وطني ذات فكر إسلامي وسطي معتدل، تحصر نضالها وعملها في قضية فلسطين، ولا تتدخل في شؤون الآخرين”، وعلى موقعها الرسمي تقول حركة حماس إنها تحصر مقاومتها ضد الاحتلال الإسرائيلي فقط، وليس لها أي معركة مع أي جهة في العالم، وتؤكد: “لا نقاوم إلا من يقاتل شعبنا ويحتل أرضنا، والمقاومة عندنا هي وسيلة وليست غاية”.
وتضيف مؤكدة: “حماس لا تقاتل وتقاوم الإسرائيليين لأنهم يهود، بل لأنهم محتلون. لا مشكلة لديها مع أحد بسبب دينه أو عرقه أو طائفته أو فكره، لكن مشكلتها مع المحتلين والمعتدين، ومن حقها أن تقاومهم بكل الوسائل بما فيها المقاومة المسلحة”.
وفي الأول من مايو/ أيار 2017، أعلنت حركة حماس عن وثيقتها السياسية الجديدة التي حملت عنوان “وثيقة المبادئ والسياسات العامة”، خلال مؤتمر صحفي عقده رئيس المكتب السياسي السابق خالد مشعل في العاصمة القطرية.
تاريخيًّا، عارضت حماس اتفاقية أوسلو عام 1993 بين “إسرائيل” والسلطة الفلسطينية تحت زعامة ياسر عرفات، وأعلنت استمرار عملياتها ضد قوات الاحتلال، وبالفعل سرعان ما نفّذت هجمات داخل “إسرائيل” ضمّت تفجير حافلات وأهداف أخرى.
الانسحاب والفوز في الانتخابات.. مرحلة جديدة
انسحب الاحتلال الإسرائيلي من قطاع غزة بعد عام 2005، كما سحب المستوطنين من المستوطنات القريبة، وفي عام 2006 فازت حماس في الانتخابات البرلمانية الفلسطينية التي وصفتها الصحافة الفلسطينية والعالمية آنذاك بـ”زلزال سياسي” يضرب المنطقة.
بعد أشهر من فوزها الكبير، أسرت حماس الجندي في جيش الاحتلال جلعاد شاليط في يونيو/حزيران 2006، وأخفته لأكثر من 5 سنوات رغم كل المحاولات الإسرائيلية للعثور عليه، عبر مواجهات شرسة ضدّ مقاتلي حماس، وفي عام 2007، وبالتزامن مع إدارة حركة حماس لقطاع غزة وسيطرتها عليه، فرضت سلطة الاحتلال حصارًا واسعًا على القطاع ما زال مستمرًّا حتى اليوم.
بعد ذلك عاشت الحركة سلسلة من المواجهات والحروب مع الاحتلال الإسرائيلي، كان أبرزها حرب عام 2008-2009 وحرب عام 2012 وحرب عام 2014 وحرب عام 2021، بالإضافة إلى جولات تصعيد قصيرة الأمد عام 2018 وعام 2019، بالإضافة إلى الحرب الحالية عام 2023.
وخلال هذه الفترات، نجحت الحركة في تحقيق بعض المكاسب السياسية والميدانية، كان من أبرزها مسيرات العودة الكبرى التي أفضت إلى سلسلة من التفاهمات والتسهيلات الاقتصادية، وقادت نحو تنفيذ مشاريع عربية ودولية في القطاع لتحسين الواقع المعيشي.
إلا أن إدارة الحركة للأمور الحكومية في غزة كانت محطّ انتقاد في محطات كثيرة، نظرًا إلى تردي الأوضاع المعيشية وتداعيات الحصار الإسرائيلي على غزة، حيث كانت تحاول حماس توجيه الضغط باتجاه الاحتلال الإسرائيلي، من خلال التلويح العسكري أو التظاهرات الشعبية.
قراءة تحليلية.. حركة حماس إلى أين؟
من جانبه، يرى الباحث والمختص في الشأن السياسي ساري عرابي، أن واقع حركة حماس بعد كل هذه السنوات وصل ليكون أهم تنظيم فلسطيني على الساحة الفلسطينية، رغم أنها ليست عضوًا في منظمة التحرير الفلسطينية، وهو أمر من المفارقات العجيبة.
ويقول عرابي لـ”نون بوست” إن هناك شخصيات وفصائل ممثلة في المنظمة لا تعرفها الجماهير الفلسطينية، بينما حركة بحجم حماس وصلت لتكون أهم تنظيم فلسطيني في الساحة الفلسطينية، رغم حالة الحصار والعداء التي تعانيها من قبل النظام الإقليمي.
ويشير إلى أن الحركة مرّت بمراحل تشويه منذ تأسيسها حتى من قبل الانتفاضة الأولى “انتفاضة الحجارة”، حيث كانت فصائل منظمة التحرير تحاول منعها رغم أنها كانت ضد الاحتلال، وهو ما يعكس أن الحركة واجهت تحديات داخلية، قادت في نهاية المطاف لتصبح الفاعل الأبرز في المستوى المحلي والإقليمي والدولي.
ويلفت إلى أن الدول العربية تقاطع الحركة، بالإضافة إلى أن بعضها يقوم بسجن كوادرها، وهو ما جرى في أكثر من مكان، وهو الأمر الذي يعكس الواقع الذي تعيشه الحركة على الصعيد العربي، بالإضافة إلى القطيعة من دول أخرى لا تتواصل معها بالأساس.
ووفق عرابي، فإن جميع المخاطر التي واجهتها الحركة في تاريخها، مثل ضربة العام 1989، وضربة العام 1992، والضربات الأولى التي تعرضت لها من قبل السلطة عند دخولها القطاع عام 1994، أو عند دخولها الضفة عام 1996، هذه الضربات رغم قسوتها لم تكن تشكّل تهديدًا وجوديًّا للحركة، كونها لم تكن تدير نظام حكم أو تتركز تنظيميًّا في مكان جغرافي محدد، خلافًا لما جرى بعد عام 2007.
وبحسب الباحث في الشأن السياسي، فإن انكسار النموذج في غزة من شأنه أن يشكّل ضربة لحركة حماس، خصوصًا أن كل الحركة باتت متعلقة بالنموذج الموجود في غزة، إلا أن ذلك لا يمسّ بوجود الحركة كحلّ، لا سيما أن الاحتلال يعاني داخل القطاع.
ويستكمل: “صحيح أن هناك إرادة دولية لانتزاع المزايا الموجودة لدى الحركة داخل القطاع، إلا أن عملية 7 أكتوبر/ تشرين الأول تبقى ذات بُعد استراتيجي، لا سيما أن الحرب لا تزال متواصلة ومستمرة ولم تتوقف، إذ إن المشهد سيكون وفقًا للنهاية التي ستصل إليها الحرب”.
وينوه إلى أنه إذا لم ينجح الاحتلال في تحقيق أهدافه المعلنة من الحرب، فإن الحركة ستكرس نفسها كأهم فاعل فلسطيني، بغضّ النظر عن كل الجهود السياسية التي تسعى إلى مصادرة الحركة من امتيازاتها، سواء كانت منظمة التحرير أو الولايات المتحدة أو النظام الإقليمي العربي.
واقع حماس.. مساراتها إلى أين؟
من جانبه، يقول أحمد عطاونة، مدير مركز رؤية للتنمية السياسية، إن انطلاقة حماس التي كانت متواضعة بفعل الإمكانات العسكرية والسياسية البسيطة، مختلفة تمامًا عن الواقع الذي تعيشه حاليًّا، وحالة التصاعد للحركة على كل المجالات، كونها تتربّع على مساحة كبيرة من المشهد السياسي.
ويضيف عطاونة لـ”نون بوست” أن الحركة تحظى بقدر كبير من الجماهيرية في الشارع الفلسطيني، بالإضافة إلى أن الحركة تسيطر على الكثير من المؤسسات، سواء في النقابات أو الانتخابات الجامعية في الضفة الغربية المحتلة، رغم ما نتج عن الانقسام.
ويستكمل: “على صعيد المقاومة فهي تتربّع على هذا المشهد، بالذات بعد المواجهة الدائرة حاليًّا، وهو ما يجعلها تحتكر هذا المشهد في الكثير من الأحيان باعتبارها ممثلًا رئيسيًّا للمقاومة، إلى جانب عدد من الفصائل الأخرى التي تقف إلى جانبها مع فارق الإمكانات والقدرات”.
ويؤكد عطاونة على أن حماس لم يعد من السهل تجاوزها على المستوى السياسي الفلسطيني، فكل الأطراف والقوى الإقليمية والدولية التي تفكر في التعامل مع القضية، إما أن تتعامل مع الحركة بشكل مباشر وإما تقوم بالعمل معها بشكل غير مباشر، ما يجعل من الصعب تجاوزها.
ويعتقد مدير مركز رؤية للتنمية السياسية أنه من الصعب أن تندثر الحركة، بغضّ النظر عن نتائج المعركة الحالية، سواء تمكنت من الصمود والثبات والانتصار على الاحتلال، أو استطاع الاحتلال تحقيق أهدافه، فإن الحركة موجودة وقائمة في كل مفاصل العمل الفلسطيني، وهو ما يجعل اندثارها غير قائم.
ويرى أن هذه الحرب مفصلية بالنسبة إلى الحركة والشعب الفلسطيني، لا سيما لو تمكن الفلسطينيون من الصمود والاستمرار فيها، ومنع الاحتلال من تحقيق أهدافه، وهو ما يعني أن الاحتلال تعرّض لهزيمة على عدة مستويات، من أبرزها ضربة للجيش في 7 أكتوبر/ تشرين الأول، إلى جانب الضربة الاستخباراتية والأمنية التي تعرّض لها كيان الاحتلال.