يستعد العراق لإجراء انتخابات محلية في البلاد في 18 ديسمبر/ كانون الأول الجاري، فيما تواجه العملية الانتخابية جملة من التحديات المؤثرة في إمكانية نجاحها، وهي تحديات عادة ما تكون حاضرة في سياق الانتخابات التي تجري في العراق منذ عام 2006.
يعود ذلك في سبب رئيسي منه إلى محاولة القوى السياسية التقليدية الحفاظ على نفوذها ومواردها، سواء عبر الانتخابات البرلمانية أو المحلية، وتمثل الانتخابات المحلية المقبلة انتخابات ذات أهمية كبيرة لها، ولذلك عملت القوى السياسية التقليدية على إجرائها في موعدها المحدد، رغم الاعتراضات التي ساقها التيار الصدري أو التيارات المدنية في البلاد.
لا تختلف الانتخابات في العراق عن أي انتخابات في العالم، لكن الفارق الجوهري يتمثل في جوانبها الشكلية، وهي جوانب عادة ما تكون حاضرة، وموضع تساؤل من قبل العديد من التيارات السياسية والاجتماعية في البلاد، وذلك نظرًا إلى أهميتها في تشكيل العملية السياسية.
إذ تمثلت أبرز الاعتراضات التي ساقها التيار الصدري، في كون هذه الانتخابات تمثل توجهًا لتكريس سيطرة الإطار التنسيقي على البلاد، وبالتالي لا بدَّ من الحد من هذه السيطرة، سواء عبر تأجيل الانتخابات أو إفشالها عبر المقاطعة.
إلى جانب ذلك، تفرض العديد من التحديات نفسها في سياق العملية الانتخابية، وهي تحديات ستلعب دورًا حاسمًا في رسم ملامح المشهد الانتخابي المقبل، فإلى جانب كون المشاركة الضئيلة للمواطنين تعدّ أبرز التحديات، فإن أزمة المصداقية ونزاهة الانتخابات تمثل تحديًا آخر.
فالتجربة الانتخابية السابقة في أكتوبر/ تشرين الأول 2021 التي كانت الأسوأ على الإطلاق منذ عام 2006، جعلت العملية الانتخابية والشرعية الديمقراطية على المحك، خاصة أن تجربة بطاقة الناخب البايومترية لم تكن مثالية، بل تركت سمعة غير جيدة لدى الناخبين والمراقبين المحليين والدوليين.
ملفات على الهامش
إن الاستقرار السياسي الذي شهده العراق خلال العام الأول لحكومة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، بات يواجه الآن سلسلة من التحديات في الداخل والخارج، سواء على مستوى الاستقرار السياسي المتمثل بتداعيات الحرب على غزة، أو اتساع دائرة الصراع بين الفصائل المسلحة والقوات الأمريكية في العراق، وإلى جانب ذلك يمثل انسحاب التيار الصدري بزعامة مقتدى الصدر، وإعلانه مقاطعة الانتخابات المحلية في البلاد، تحديًا آخر يواجه العملية الانتخابية.
يمثل التحدي الاقتصادي المتغير الأبرز، وهو متغير بدأ يجد نفسه في حديث الشارع العراقي، خصوصًا بعد الارتفاع الكبير في معدل صرف الدينار العراقي أمام الدولار، فضلًا عن ارتفاع معدلات الفساد في المؤسسات الحكومية، إلى جانب استمرار عمليات تهريب العملة الصعبة إلى خارج البلاد.
رغم الجهود التي بذلتها حكومة السوداني في الحد من هذه المشكلات الاقتصادية، إلّا أنها ما زالت مستمرة، وتحظى باهتمام كبير في التوجهات الانتخابية لدى الناخبين، ورغم أن غالبية الناخبين قد فقدوا الثقة بإمكانية التقليل من هذه المشكلات، إلّا أنه ما زال هناك من يراهن على إمكانية أن تقدم المجالس المحلية حلولًا عملية لها، وذلك عبر زيادة المشاريع الاستثمارية وتطوير البنية التحتية وتوسيع الفرص الاقتصادية في البلاد.
إضافة إلى ما تقدم، تطرح المشكلات الاجتماعية نفسها هي الأخرى على هامش العملية الانتخابية، خصوصًا المدن المحررة من سيطرة “داعش”، إذ ما زالت هذه المدن تعاني من مرحلة ما بعد التحرير، سواء على مستوى تلكُّؤ عمليات إعادة الإعمار، أو تعويض المتضررين من هذه الحرب، فضلًا عن استمرار بقاء جزء من سكان هذه المدن في مخيمات النزوح التابعة للأمم المتحدة.
هذا إلى جانب منع الفصائل المسلحة المسيطرة على بعض هذه المدن سكانها الأصليين من العودة إليها، بحجّة استمرار تهديدات تنظيم “داعش”، والحديث هنا عن مشاكل العوائل المهجَّرة من مدنها، إذ تطرح مثل هذه المشكلات الاجتماعية نفسها في سياق البرامج الانتخابية للمرشحين، ورغم عدم وجود حلول عملية تلوح بالأفق، بعد مرور 7 أعوام على انتهاء الحرب على “داعش”، إلّا أنها أفقدت الكثير من السكان ثقتها بإمكانية أن تأتي الانتخابات بحلول عاجلة لمشاكلهم.
شهدت العديد من المناسبات الانتخابية التي شهدها العراق، ومنها الانتخابات الأخيرة في أكتوبر/ تشرين الأول 2021، انتهاكات خطيرة، سواء عبر حرق الصناديق الانتخابية أو تزوير عدد كبير من الأصوات.
أما على صعيد التحديات الأمنية، فيمكن القول إن هذه الانتخابات تجري في ظل وضع أمني معقّد تشهده البلاد، سواء على مستوى تصاعد الهجمات بين الفصائل المسلحة العراقية القريبة من إيران والقوات الأمريكية في العراق، إلى جانب انتشار السلاح بيد العشائر وجماعات الجريمة المنظمة، فضلًا عن الهجمات المستمرة لتنظيم “داعش”، والقصف الجوي التركي المستمر في شمال العراق.
إذ شهدت العديد من المناسبات الانتخابية التي شهدها العراق، ومنها الانتخابات الأخيرة في أكتوبر/ تشرين الأول 2021، انتهاكات خطيرة، سواء عبر حرق الصناديق الانتخابية، أو تزوير عدد كبير من الأصوات، أو حتى الشكوك التي طالت المفوضية العليا المستقلة للانتخابات، حول عمليات التلاعب بأصوات بعض القوائم والتحالفات الانتخابية.
مثل هذه الممارسات تؤثر بشكل كبير على نزاهة الانتخابات، وتفرض نفسها كتحدٍّ مهم يجب على المفوضية العليا المستقلة للانتخابات التعامل معه، من أجل تأمين العملية الانتخابية.
هواجس إقليمية ودولية
أما عن التحديات الإقليمية والدولية، فممّا لا شك فيه أن العديد من القوى الإقليمية والدولية المؤثرة في الداخل العراقي، تنظر باهتمام كبير إلى هذه الانتخابات، فعلى صعيد القوى الإقليمية، وتحديدًا إيران وتركيا ودول الخليج العربية، تنظر بحذر كبير إلى فرص فوز حلفائها في هذه الانتخابات.
إذ تعتمد هذه القوى في ترسيخ نفوذها بالداخل العراقي على أدوار العديد من التحالفات المشاركة في هذه الانتخابات، خصوصًا مع حاجة هذه القوى إلى فرص استثمارية وتجارية واقتصادية، توفرها عملية فوز حلفائها في انتخابات المجالس المحلية، والأهم أن فوز حلفائها يساهم بشكل كبير في رسم خرائط نفوذها داخل العراق.
ولذلك حرصت إيران من جهة، وتركيا ودول الخليج العربي من جهة أخرى، على دعم تحالفات انتخابية تعكس اهتمامها في الداخل العراقي، وبالشكل الذي يمنع حدوث أي تحولات كبيرة فيه، قد تسفر عنه الانتخابات المحلية التي سيشهدها العراق الشهر الجاري.
أما بالنسبة إلى الولايات المتحدة، فقد أظهرت الأدوار واللقاءات التي عقدتها السفيرة الأمريكية في بغداد، إلينا رومانوسكي، عن اهتمام أمريكي واضح بإنجاح العملية الانتخابية، خصوصًا أن الولايات المتحدة ترغب في الحفاظ على الاستقرار السياسي الهشّ في البلاد، في ظل اهتمامها الحالي بالحرب في أوكرانيا وغزة.
ومن ثم لا ترغب الولايات المتحدة بدخول العراق في سيناريوهات معقدة قد تجد نفسها مجبرة على التعامل معها، وهي خطوات أكدتها أيضًا تحركات ممثلة الأمين العام للأمم المتحدة في العراق جينين بلاسخارت، عبر دعمها لإجراء الانتخابات المحلية في البلاد من أجل الوصول إلى عراق آمن ومستقر.
مستقبل محفوف بالمخاطر
تمثل الانتخابات المحلية المقبلة الحدث السياسي الأبرز في العراق خلال عام 2023، وذلك نظرًا إلى طبيعة التحديات التي تحيط بها، والتداعيات التي يمكن أن تترتّب عنها، وعدد الأطراف الإقليمية والدولية المتأثرة بها، ومهما كانت طبيعة النقاشات المثارة على هامش العملية الانتخابية، سواء على مستوى نسب المشاركة أو نزاهة الانتخابات، إلّا أنها ستنتج تحولًا سياسيًّا سيشهده العراق في المرحلة المقبلة، وهو تحول سيساهم في رسم ملامح مستقبل العملية السياسية في البلاد.
إذ تنظر العديد من التحالفات الانتخابية بخشية كبيرة إلى نتائج هذه الانتخابات، لما لها من دور في تقرير مستقبلها السياسي، ولذلك هي تنخرط اليوم في تنافس حادّ، سواء على مستوى المنافسة الانتخابية أو توسيع قاعدة الفوز، عبر الحصول على مزيد من الدعم الجماهيري.
إن المعضلة الأبرز التي تواجهها التحالفات الانتخابية تتمثل في المزاجية المتغيرة للناخبين، فضلًا عن فقدانهم الثقة والأمل بالعملية الانتخابية، ولذلك فإنه رغم التنافس المبكّر في هذه الانتخابات، إلّا أن مسألة الحصول على أصوات كثيرة ما زالت محل تساؤل، فهذه الانتخابات إلى جانب كونها تمثل استحقاقًا سياسيًّا، تحاول حكومة السوداني المضي بها قدمًا، حيث تمثل من جهة أخرى استفتاء على شرعية النظام السياسي في البلاد، وهو ما يجعلها انتخابات محفوفة بالمخاطر.