ترجمة وتحرير نون بوست
منذ سنتين ونصف تقريبا، انتشرت شائعات تفيد بأن شبابا متنكرين بأزياء مهرجين زرعوا الرعب في عشرات المدن الفرنسية، حيث ذكر أنهم كانوا يهاجمون التلاميذ إبان خروجهم من المدرسة. وبعد مرور أيام، أفاد متحدث باسم الشرطة الوطنية الفرنسية أن “ظاهرة المهرجين قد أشعلت مواقع التواصل الاجتماعي، ولكن لم يثبت أنه وقع اعتداء جسدي على أشخاص من قبل مهرجين”. ومن المثير للاهتمام أن إشاعة المهرجين القتلة قد انتشرت بسرعة كالنار في الهشيم، في حين بادر عدد هام من الأشخاص بتصديق هذه الأخبار.
في الواقع، أكدت إحصائية نشرتها مؤسسة “أوبن واي” أن قرابة 42 بالمائة من الأشخاص قد أكدوا على أنهم يولون جانبا من المصداقية إلى الإشاعات التي قد تظهر. وفي هذا السياق، أشارت الخبيرة في علم الإنسان، فيرونيك كمبيون-فنسان، إلى أن “نسق تبادل الإشاعات قد تغير، حيث أصبحت تنتشر بصفة مكثفة وسريعة”.
من الضروري للغاية أن نستفيد من المعلومات التي نتداولها فيما بيننا، ولكن الجانب السلبي بشأن هذا الأمر أنه لدينا نزعة عفوية لتصديق معظم المعلومات التي لا يمكننا التأكد من صحتها بسرعة، بكل سذاجة
من جهة أخرى، أصبحت الإشاعات والخدع تنتشر على مستوى عالمي في حين يقع تبادلها بصفة آنية. في الوقت ذاته، أضحت صناديق بريدنا الإلكتروني تكتظ بالأخبار الكاذبة والإشاعات. وفي هذا الصدد، عمدت بعض الجهات إلى إنشاء مواقع إلكترونية لفضح الأخبار الكاذبة والإشاعات في فرنسا على غرار، موقعي “هواكس كيللر” “وهواكس بوستر”.
عموما، في حال كان الفرنسيون يعتقدون بأن الشبكة العنكبوتية ووسائل الإعلام مسؤولون بشكل كبير على انتشار الإشاعات، فإنه يتم اعتمادها في حوالي 72 بالمائة من الحالات للتأكد من صحة المعلومات المتداولة. وعلى الرغم من تطور المعارف، إلا أننا لا نزال نؤمن ببعض القصص التي من الصعب تصديقها.
دماغنا معدل منذ البداية من أجل تصديق الشائعات
من الضروري للغاية أن نستفيد من المعلومات التي نتداولها فيما بيننا، ولكن الجانب السلبي بشأن هذا الأمر أنه لدينا نزعة عفوية لتصديق معظم المعلومات التي لا يمكننا التأكد من صحتها بسرعة، بكل سذاجة. وفي هذا الصدد، أورد الأستاذ في العلوم المعرفية بجامعة نيوشاتل السويسرية، فابريس كليمون، أنه “من المهم أن نتمتع بالقابلية لتصديق كل ما نتلقاه من معلومات…في المقابل، تتنامى قدرتنا على الشك في سن مبكرة وتحديدا منذ الطفولة، وبالتالي، نواجه كل ما نتلقاه من خلال المعلومات التي نمتلكها مسبقا أو إدراكنا الخاص للأمور”.
كل فرد منا معرض إلى تصديق الإشاعات في حال رُويت بطريقة متقنة… وحتى تكون القصة مقنعة وجب توحيد سلسلة من العناصر والأحداث التي لا تربط بينها أي علاقة، لتعطي لإشاعة معن
بشكل أوضح، وفي سن 16 شهرا، يرفض الأطفال أن يطلق الأشخاص من حولهم أسماء خاطئة عن الأشياء المألوفة بالنسبة لهم. وشيئا فشيئا، يسجل الطفل عدة معارف جديدة، وفي الوقت ذاته، يقوم بتنمية قدرته على التصفية المعرفية، التي تمثل حاجزا ضد التلاعب بمعارفه. أما بالنسبة لنقطة الفاصلة بين الشك والسذاجة فهي تختلف بحسب طبيعة حياة كل فرد.
من جهته، ذكر فابريس كليمون، أن “كل فرد منا معرض إلى تصديق الإشاعات في حال رُويت بطريقة متقنة… وحتى تكون القصة مقنعة وجب توحيد سلسلة من العناصر والأحداث التي لا تربط بينها أي علاقة، لتعطي لإشاعة معنى…”. فعلى سبيل المثال، وحتى تتمكن من إقناع طفل يبلغ من العمر أربعة سنوات، هناك أسلوب يجب اتباعه، حيث من المهم للغاية اعتماد روابط لغوية من قبيل “لأن”، نظرا لأنها تضفي نوعا من المصداقية على ما نقوله.
وفي هذا السياق، أشار كليمون إلى أن اعتماد شخص لهذه الجملة “توجد الكرة داخل العلبة الزرقاء لأن كامي تضع دائما كرتها داخل العلبة الزرقاء”، يبدو مقنعا أكثر من هذه الجملة “توجد الكرة داخل العلبة الخضراء، كامي تضع دائما كرتها داخل العلبة الخضراء”.
وفي شأن ذي صلة، أجرت الأستاذة في جامعة ستانفورد الأمريكية، جنيفر أنكر، جملة من الأبحاث أثبتت أن الإنسان معرض إلى تصديق الإشاعات 22 مرة أكثر في حال اعتمد صاحبها رواية تتخللها العواطف. ففي الواقع، يعد الحديث عن أسباب وفاة طفلة في مدينة ألعاب بعد أن لدغها ثعبان، أهم بكثير من التركيز على فكرة وجود وحوش برية خطرة خارج الكوكب.
الإشاعة هي عبارة عن مرآة عاكسة لمدى خوفنا وحجم آمالنا
الإشاعة تعد بمثابة مرآة عاكسة لمدى خوفنا وحجم آمالنا
بغض النظر إن كانت الشائعة صحيحة أم لا، إلا أنها في الحالتين تتلاعب بأحاسيسنا وعواطفنا على غرار الخوف، والتقمص العاطفي، والمفاجأة، والرغبة، فضلا عن أن الأشخاص ومن خلال الشائعات تستهين بفكرنا النقدي. ومن الشائعات التي وقع تداولها وتصديقها لتخفيف ضغط الامتحانات، قصة التلميذ الذي تحصل على علامة كاملة في اختبار الفلسفة بعد أن أجاب “هذه هي الجرأة” على سؤال “ما هي الجرأة؟”. ومن المنطلق، يغلب الطابع العاطفي على الطابع المعرفي.
من جانب آخر، تبدو القصص التي تتحدث عن وجود الأشباح غير عقلانية وغير بديهية في آن واحد. أما بالنسبة للموت، نحاول عادة مجاراة هذه الحقيقية عاطفيا من خلال الاستشهاد بالحياة الخالدة والمغرية التي تنتظرنا بعد وفاتنا. من جهتها، ذكرت الخبيرة في علم الإنسان، فيرونيك كمبيون-فنسان، أن “الإشاعة تعد بمثابة مرآة عاكسة لمدى خوفنا وحجم آمالنا”.
في سياق متصل، وخلال شهر كانون الثاني/ يناير من سنة 2014، أجبر وزير التربية الفرنسية على الإدلاء بتصريح يكذب فيه الشائعات المتداولة، بشأن عزم الوزارة على إدراج مناهج تعليمية جديدة على غرار، دروس في المساواة بين الجنسين، ودروس جنسية في المرحلة الابتدائية ورياض الأطفال. وفي تلك الفترة، ونتيجة لهذه المعلومات الكاذبة، بادر بعض الأولياء بسحب أطفالهم من المدارس.
خلال سنة 1980، وقع تداول إشاعة مغرضة تتعلق أساسا بمدرسة المعجبين في فرنسا. وفي هذا الإطار، قيل أن أحد المنشطين طلب من فتاة صغيرة أن تخبره ما الذي أعدته لها أمها للأكل. وفي الأثناء، انتشرت شائعة مفادها أن جواب الفتاة كان كالتالي: “مجرد شطائر…نظرا لأن أمي عادة ما تكون بصدد أخذ قيلولة مع شخص غريب كل يوم أربعاء”.
60 بالمائة من محادثاتنا ترد في شكل نميمة وشائعات
في الواقع، لم يتم إذاعة هذا البرنامج من أساسه، ولكن فكرة “أن فتاة صغيرة كانت شاهدة على حادثة “زنا”، ساهمت في انتشار هذه الأخبار في صفوف المواطنين بشكل كبير بغض النظر عن صحتها. وفي هذا الصدد، أكد فابريس كليمون أن “هذا النوع من الإشاعات الأخلاقية يعتبر جزءا لا يتجزأ من النميمة المتداولة بين الأشخاص، حيث تحيل إلى أن مثل هذه الأمور موجودة في المجتمع، بحيث تبعث على الطمأنينة في نفوس مرتكبي مثل هذه الأخطاء”.
من جهته، صرح الأخصائي البريطاني في علم الإنسان، روبين دونبار، أن “60٪ من محادثاتنا ترد في شكل نميمة وشائعات”. من جهته، أشار الأستاذ الباحث في المعلوماتية والتواصل، باسكال فروسار، إلى أن “الإشاعات ليست سوى عنصر ثقافي شعبي يقع تبادله بين الأشخاص على اعتباره مجرد مزحة أو وصفة طعام”. عموما، تساهم الإشاعات في خلق روابط اجتماعية مبنية على التواطؤ في سبيل نشر الأكاذيب. وفي النهاية، تبقى الحقيقة في زمن الشائعات مجرد عنصر مكمل في حياتنا، فالأشخاص تعشق سرد ورواية القصص قبل كل شيء.
المصدر: سامنتراس